38/08/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 35 ) حرمة الكذب – المكاسب المحرمة.

هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن يورد على السيد الخوئي بإشكال آخر وذلك بأن يقال:- لو تنزّلنا وقلنا إنَّ الاضطرار لا يصدق في مورد عدم الوجوب ، وحيث إنَّ الحفاظ على مال الغير ليس بواجب علية فالاضطرار لا يصدق ولكن نقول له يلزم أن نقول أيضاً إذا جاز تخليص مال الغير يجوز في تخليص مال نفسه بالأولى بلا حاجة إلى صدق عنوان الاضطرار وبالأولى أيضاً للنجاة بنفسه أو نفس غيره ، فإذا كان الاضطرار غير معتبر في تخليص مال الغير الذي لا يجب حفظه فبالأولى يجوز تخليص نفسي بمجرّد التقيّة بلا حاجة إلى العجز عن التورية فإنه لا يوجد احتمال أنه يجوز الحلف كذباً لتخليص مال الغير ولكن نفسك أو نفس الغير لا يجوز الحلف كاذباً إلا عند العجز عن التورية ، فإذا كان ذاك جائزاً فبالأولى يجوز الحلف لتخليص مال نفسك وتخليص نفسك ونفس الغير ، وبناءً على هذا تبقى الطائفة الثانية - يعني رواية سماعة - بلا مورد ، فنحن نسأل السيد الخوئي(قده) ونقول: إنَّ الطائفة الثانية التي قالت ( إذا خاف تقيّة لم يضرّه أن يحلف ) فهذه الطائفة موردها أين ؟ المفروض أنه في مورد تخليص مال الغير وقد قلنا الاضطرار ليس معتبر بل لا يصدق بل يجوز أن تحلف ولا حاجة إلى العجز عن التورية ، ومال نفسك ونفسك ونفس الغير هي بالأولى يجوز الحلف لأجل تخليصها ، فأيّ مورد يبقى لطائفة الثانية ؟ إلا أن تقول: إنَّ موردها هو إذا اضطررت إلى تناول الحرام كأن اضطر إلى السرقة أو إلى شرب الخمر للعلاج ، ولكن كون موردها هو هذا فهو باطل فإن الرواية أخذ فيها ( إذا خاف للتقيّة ) حيث أنَّ الوارد فيها ( إذا حلف الرجل تقيّة ) ، فإذن المورد مورد التقيّة لا أنه موردها هو أن يسرق لأجل اطعام نفسه أو أطفاله أو يتناول المحرّم لأجل العلاج لأنه مضطر إليه ، كلا لا يصدق الاضطرار هنا لأنه لا يحتاج إلى الحلف وكذلك لا معنى للتقيّة ، فحينئذٍ تبقى بلا مورد.

وهذا الاشكال كاشفٌ على أنه لابد من عدم تفسير الاضطرار بالشكل الذي ذكره - لأنه قال إنَّ الاضطرار لا يصدق إلا في موارد الوجوب الشرعي - وإلا يلزم أن تبقى الطائفة الثانية بلا مورد وبلا مصداق ، فإذن هذا التفسير باطل لأنه يلزم منه هذا المحذور.

إذن ما ذكره يرد عليه هذان الاشكالان.

وبالجملة:- إنَّ السيد الخوئي(قده) ذكر أنَّ الطائفة الثانية لا تعارض الأولى فنأخذ بالأولى من باب أنها لا تعارضها الثانية لأن الثانية أخذت عنوان الاضطرار وهو لا يصدق في موارد عدم الوجوب ومال الغير لا يجب حفظه فنأخذ بالطائفة من دون أن تعارضها الطائفة الثانية هذا هو حصيلة كلامه.

ونحن نقول:- إنَّ هذا إذا تم وتجاوزنا المشكلة من ناحية تخليص مال الغير فيلزم في تخليص مال نفسه أيضاً لا يعتبر فيه الاضطرار ويجوز الحلف بلا عجز عن التورية بالأولى وتخليص نفسه ونفس الغير أيضاً بالأولى فتبقى الطائفة الثانية بلا مورد.

الاعتراض الخامس:- وهو لم يذكره أحد بيد أنه قد يخطر إلى الذهن وحاصله: إنَّ الشيخ الأعظم(قده) قال إنَّ السنبة بين الطائفة الأولى والثانية هي نسبة العموم والخصوص من وجه فيتساقطان في مادة المعارضة وهي الحاجة بلا اضطرار ونرجع إلى عمومات حرمة الكذب.

ونحن نقول:- إنَّ النسبة ليست هي العموم من وجه بل المطلق ، فإذا لا يصير تعارضاً وتساقطاً ونرجع إلى العمومات ، وذاك لأنَّ كل اضطرار حاجة وليس كل حاجة اضطرار فالنسبة هي العموم والخصوص المطلق ، فإنَّ الطائفة الأولى أخذت الحاجة والطائفة الثانية أخذت عنوان الاضطرار والنسبة بين الحاجة والاضطرار هي نسبة العموم والخصوص المطلق لأنَّ كل حاجة ليس اضطرار بل بعض الحاجة اضطرار وكل اضطرا هو من مصاديق الحاجة ، فأصل ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) هو موهون بلا حاجة إلى تطويل بهذه الاعتراضات الأربعة المتقدّمة.

والجواب:- إنَّ الطائفة الأولى لم تأخذ عنوان الحاجة وإنما نحن انتزعناه أو تبرّعنا به أما العنوان الذي أخذته هو ( عن رجل يخاف على مال من السلطان فيحلف لينجو به منه ، قال:- لا جناح )[1] ، وهكذا قالت ( وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله ؟ قال:- نعم ) ، وهكذا كل الروايات فلا يوجد فيها كلمة ( حاجة ) وإنما مثل ( يخاف على ماله ) فإذا كان المأخوذ هو عنوان الحاجة فقد يرد هذا الاعتراض على الشيخ الأعظم(قده) ولكن نحن للتسهيل استعنّا بهذا العنوان وإلا فهو ليس موجوداً ، وبناءً على أنَّ المأخوذ في الطائفة الأولى هو الخوف على ماله أو على نفسه تكون النسبة هي العموم والخصوص من وجه كما قال الشيخ فإنَّ بعض حالات الخوف تشتمل على الاضطرار وبعضها لا يشتمل على الاضطرار كما لو كان يوجد مجال للتورية فالاضطرار هنا لا يصدق فهو يخاف على نفسه ولكنه ليس مضطراً إلى الكذب لأنه يوجد عنده مخلص من خلال التورية ، فليس كلّ خوف يصدق معه الاضطرار ، وليس كل اضطرار يصدق عليه عنوان الخوف على ماله بل قد يخاف من جهة أخرى ليس على المال ، فإذن النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه كما ذكر(قده) وإنما تكون نسبة العموم المطلق لو كان المأخوذ في الطائفة الأولى عنوان الحاجة ولكنه لم يؤخذ فيها.

وبالتالي اتضح أنَّ جميع الاعتراضات قابلة للمناقشة.

والأجدر أن يقال:- لو سلّمنا تمامية السند فإنه قد يناقش في سند الطائفة الثانية باعتبار أنها واردة في كتاب نوادر الحكمة لأحمد بن محمد بن عيسى وصاحب الوسائل(قده) يروي عن كتاب النواد وهو وإن كان له طريق يذكره في آخر الوسائل في بعض الفوائد إلى كل الكتب التي وصلته بالمباشرة مثل كتاب علي بن جعفر وكتاب النوادر وبعض الكتب الأخرى التي وصلت منه إليه نسخة كلها رواها بطريق معتبر ونحن أبرزنا احتمال أن تكون هذه الطرق تبرّكية وليست طرقاً على نسخة معيّنة فنحن لا نستظهر أنها على نسخة معيّنة ، هذا شيء ، ويوجد شيء ثانٍ وهو أنَّ أحمد بن محمد بن عيسى يروي الرواية عن سماعة وليس معهوداً أن يروي أحمد بن محمد بن عيسى عن سماعة فإنَّ سماعة من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام بينما أحمد بن محمد بن عيسى من أصحاب الامام الرضا والجواد عليهما السلام فمن الوجيه وجود واسطة محذوفة بينهما فتصير الرواية مرسلة ، وهذه القضية تحتاج إلى مزيد من التحقيق والمراجعة.

ولكن:- لو تجاوزنا هاتين القضيتين وقلنا إنَّ طريق صاحب الوسائل(قده) معتبر وقضية التبركية غير واردة واحتمال وجود واسطة بين سماعة وابن عيسى - كما لو راجعنا ووجدنا أنه كثيراً ما يروي عنه بالمباشرة - يبقى الاشكال من حيثية أخرى وهي:-

أوّلاً:- إنَّ هذه الروايات على كثرتها لم تنبّه على مسألة التورية وأنه لابد في المرحلة الأولى أيها المكلف إذا خفت على مالك أو نفسك لابد في المرحلة الأولى من التورية وإلا فيجوز لك أن تحلف كاذباً فهذه قضية كان من المناسب التنبيه عليها بعد وضوح أنَّ الناس كثيراً ما يغفلون عن هذه القضية ، فحينما يقال له احلف وخلّص مالك أو مال أخيك المؤمن مادمت تخاف عليه فالطرف لا يفهم أنه لابد أوّلاً من التورية إذا كانت واجبة ثم تصل النوبة إلى الحلف كاذباً ، فإذن هذه مسألة مغفولاً عنها وتحتاج إلى التنبيه عليها فلو كان ذلك شيئاً لازماً كان من المناسب التنبيه عليه وعدم التنبيه قد يورث للفقيه الاطمئنان بأن العجز عن التورية ليس بمعتبر إلا لنبّه على ذلك.

ثانياً:- إنَّ الطائفة الثانية التي عبرت بالاضطرار وأنه يجوز الحلف إذا اضطررت ليس من البعيد أن المقصود هو الاضطرار بقطع النظر عن التورية ، فهذه قضية مهمة أنت مضطر إلى أن تحلف لتخليص مالك أو نفس لكن هذا الاضطرار بقطع النظر عن التورية لأنها قضية مهمة نعم بحساباتنا الحوزوية نقول له أنت لست بمضطر إذ يوجد طريق إلى التخلص وهو التورية ولكن هذه نظرة حوزوية وسيعة وإلا عرفاًً إذا قيل إذا اضطررت فهذا يعني أن التقية كانت في حدّ نفسها مهمة وتضطر إلى النجاة بمالك أو بنفسك ، فإذن تكون الطائفة الأولى هي المقدّمة بل بناء على ما ذكرنا لا تكون الطائفة الثانية معارضة لأنها ناظرة إلى الاضطرار بقطع النظر عن مسألة التورية فإذن لا مشكلة من هذ الناحية والعجز عن التورية لا يكون معتبراً لما أشرنا إليه ، ويكفينا الأوّل وهو أنَّ هذه قضية مهمة مغفولاً عنها ولو كانت معتبرة لكان من المناسب للنصوص أن تنبه وتشير إليه.

اعتراض في المقام:- هذا الاعتراض لا ربط له بما تقدم وإنما هو قضية مستقلة بتمام معنى الكلمة ، وحاصله: إنه توجد عندنا روايات متعدّدة تقول لا يجوز الكذب إلا في ثلاثة مواطن المكيدة في الحرب وعِدَة الزوجة والاصلاح بين المؤمنين فإنَّ الروايات فيها حصر كرواية علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان عن أبي مخلّد السرّاج عن عيسى بن حسّان قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلا كذباً في ثلاثة رجل كايد في حربه فهو موضوع عنه أو رجل أصلح ما بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا يريد بذلك الاصلاح بينهما أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد أن يتم لهم )[2] ، وقريب من ذلك ما رواه الصدوق(قده) بإسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه جميعاً عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصيتة النبي صلى الله عليه وآله:- ( ..... يا علي ثلاث يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك والاصلاح بين الناس )[3] ، ومثلها رواية الخصال عن أبيه[4] ، فهذه الروايات حصرت الجواز بثلاثة موارد فيصير موردنا خارج هذه الثلاثة وهو أنَّ يحلف لتخليص ماله أو لتخليص نفسه وهو ليس من هذه الثلاثة ، ولو قلت:- لنخصّص ؟ قلت:- لو كنّا مثل السيد الخوئي(قده) الذي يقول بإمكان التخصيص حيث إنّ مشكله ( لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب عن خمس .... ) فهذا فيه تخصيص أو فيه عدد وهو آبٍ عن التخصيص ولكن السيد الخوئي(قده) كان يقول يمكن تخصيصه ، وهنا أيضاً يقول كذلك فإنَّ الروايات قالت ( كل كذبٍ مسؤول عنه إلا في ثلاث ) فهذا حصرٌ فعلى مبناه لا مشكلة فإنَّ هذا فيه مفهوم مطلق وهو ( وفي غير هذه الموارد الثلاثة لا يجوز ) ولكن نخصّصه ونقول ( إلا في الحلف على ماله أو الحلف على نفسه ) ، أما الذي لا يقبل بهذا كما نحن نميل إلى ذلك حيث نرى أنَّ الحصر يأبى عن التخصيص عرفاً كيف يعالج هذه المشكلة ؟