23-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مصرف الهدي/ حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وثانياً:- إن الآيتين الكريمتين أمرتا بالأكل كما وأمرتا بالإطعام وأما الاهداء فليس له ذكر فيهما فمن أين نستفيد وجوب الاهداء والمفروض أننا نريد التمسك بالآيتين بقطع النظر عن الروايات؟
 وإذا قيل في مقام الدفاع:- إن إحدى الآيتين أمرت بإطعام القانع والمعتر والمفروض أن هذين العنوانين لم يؤخذ فيهما عنصر الفقر فإذن يجب إطعام هذين اللذين هما ليسا داخلين تحت عنوان الفقر وهذا عبارة أخرى عن الاهداء أو واقع الاهداء فأنت ليس من اللازم أن تسميه اهداءً ولكنّه هو واقع الاهداء بمعنى أن مقداراً من الهدي يلزم دفعه الى غير الفقير وهو المطلوب.
 أجبنا:- صحيح أن القانع والمعتر لم يؤخذ فيهما عنصر الفقر لكن في نفس الوقت لم يؤخذ فيهما التقيّد بعدم الفقر يعني بشرط لا - أي بشرط أن لا يكون فقيراً - فإذا لم يكن هذا مأخوذاً فلازمه أني لو أطعمت شخصاً فقيراً وفي نفس الوقت هو قانعٌ بما يدُفَع إليه فهو مجمع العنوانين فيلزم الاجتزاء بذلك بلا حاجة الى دفع حصّة ثالثة بعنوان الاهداء . إذن من إين نستفيد لزوم الاهداء ؟
 وثالثاً:- سلّمنا أن الأكل واجب والاهداء واجب ولكن نقول إن الآيتين كما يمكن الجمع بينهما بالاستعانة بالواو كذلك يمكن الجمع بينهما بالاستعانة بـ( أو ) يعني إن المستدل بالآيتين جمع بينهما بالواو وقال إن المقصود هو ( كُلْ وأطعم البائس الفقير ) وهذا واحدٌ والثاني أنه يجب أن تطعم القانع والمعتر وهذا نحوٌ من الجمع ، ولكن لِمَ لا نقول أنا نجمع بينهما بـ( أو ) يعني إما أن تأكل وتطعم البائس الفقير أو أن تأكل وتطعم القانع والمعتر فأنت بالخيار بينهما فالنتيجة سوف تصير هي التقسيم الثنائي وليس التقسيم الثلاثي . إذن لو خلّينا نحن والآيتين فيكفي إما الأكل مع الدفع للفقير أو الأكل مع الدفع الى القانع والمعتر أما أنه يلزم أن تأكل وتطعم الفقير وتطعم القانع ولمعتر فهذا لا يمكن اثباته من خلال الآيتين مع إمكان الجمع بينهما بـ( أو ) ومع التردّد فلا يمكن آنذاك الأخذ به ، فحينئذ لا ملزم للتقسيم الثلاثي لأن فيه مؤنة زائدة ولا مثبت لها فيأتي التقسيم الثنائي آنذاك.
 ورابعاً:- لو تنزلنا وسلمنا ذلك ولكن لماذا التقسيم ثلاثياً بل فليكن التقسيم رباعياً أي الأكل واطعام الفقير واطعام القانع واطعام المعتر فلماذا التقسيم الثلاثي كلا بل يجب تقسيمه أربعة أقسام لو أردنا أن نتماشى مع الآيتين الكريمتين ؟
 والخلاصة من كل ما ذكرناه:- أنا لو خلّينا نحن والآيتين لكان المناسب هو أن الأكل ليس بواجب لما أشرنا إليه من أن الأمر وارد مورد توهم الحظر كما أن الاهداء ليس بواجبٍ لعدم الاشارة إليه في الآيتين وبالتالي يكفي اطعام الفقير الذي يكون قانعاً أو يكون معترّاً فيكفي أما أن نقسّم تقسيماً ثلاثياً أو ثنائياً فلا حاجة إليه.
 وأما لو لاحظنا الروايات فيمكن أن نقول:- إن الروايات التي اشتملت على التقسيم الثلاثي هي روايتان واردتان في باب هدي القران تدلّان على التقسيم الثلاثي أحداهما لشعيب العقرقوفي والأخرى لسيف التمّار ، أما صحيحة سيف التمّار فهي:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- إن سعيد بن عبد الملك قدم حاجّاً فلقي أبي فقال إني سقت هدياً فكيف أصنع ؟ فقال له أبي:- أطعم أهلك ثلثاً وأطعم القانع والمعتر ثلثاً وأطعم المساكين ثلثاً ... ) [1] إنها دلت على وجوب التقسيم الثلاثي ، وأما موثقة شعيب العقرقوفي:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها ؟ قال:- بمكة ، قلت:- أي شيء أعطي منها ؟ قال:- كل ثلثاً وأهدِ ثلثاً وتصدق بثلث ) [2] ، إن ما يدل على وجوب التقسيم أثلاثاً هما هاتان الرويتان ولا يوجد غيرهما . نعم توجد رواية لأبي الصباح الكناني ذكرناها فيما سبق ولكنها كانت تقول إن الإمامين علي بن الحسين الباقر عليهما السلام كانا يقسّمان ولكن تعبير ( كانا ) لا يدل على الوجوب فلعله مستحبٌّ ولذلك قلنا إن الروايات الدالة على الأمر هما صحيحة زيد وموثقة شعيب.
 أما تقريب التمسك بهما فهو أن يقال:- إن موردهما وإن كان خاصاً - وهو هدي السياق وليس هدي التمتع - ولكن نقول إنه لا خصوصيّة من هذه الناحية ، أو نقول إنهما في تقسيمهما الثلاثي ناظرتان الى الآية الكريمة والآية كما نعرف لم ترد في هدي السياق بل هي مطلقة من هذه الناحية فيثبت بذلك إلغاء الخصوصيّة من هذه الناحية - يعني بعد الالتفات الى كونهما ناظرتين الى الآيتين الكريمتين - . إذن سوف يثبت التقسيم الثلاثي بالروايتين وليس بالآيتين.
 والجواب:-
 أولاً:- قد تقدم سابقاً إن الأمر بالأكل ليس ظاهراً في الوجوب بل هو وارد مورد توهم الحظر وهذا الذي ذكرناه لا يختص بالآيتين الكريمتين بل يأتي أيضاً بالنسبة الى الروايتين فهو ملاحظة عامة كما تشمل الآيتين تشمل الروايتين ، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نثبت بالروايتين وجوب التقسيم الثلاثي بل أقصى ما يثبت هو التقسيم الثنائي.
 وثانياً:- إنه توجد رواية أخرى لا تدل على وجوب التقسيم الثلاثي بل تدّل على وجوب التقسيم الثنائي وهي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- إذا ذبحت أو نحرت فكُلْ وأطعم كما قال الله فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر .. ) [3] وهذه الرواية لم ترد في هدي السياق بل هي مطلقة من هذه الناحية فتشمل الاثنين معاً - يعني كما أنها تشمل هدي السياق تشمل هدي التمتع أيضاً - لأن الامام عليه السلام قال:- ( إذا ذبحت أو نحرت فكُلْ وأطعم ) وإذا كانت مطلقة فنقول آنذاك قد خرج من هذا الاطلاق هدي السياق بالروايتين السابقتين وبقي هدي التمتع تحت هذا الاطلاق ، والنتيجة أنه في هدي التمتع لا يجب التقسيم الثلاثي بل يكفي التقسيم الثنائي الأكل وإطعام القانع والمعتر ، ثم نضيف الى ذلك تلك الملاحظة التي أشرنا إليها سابقاً وهي أن الأمر بالأكل حيث إنه وارد مورد توهم الحظر والإمام عليه السلام يريد أن يشير الى الآية الكريمة فيثبت أن الأكل ليس بلازمٍ ويكفي إطعام القانع والمعتر وبذلك ثبت من خلال الآيتين ومن خلال الروايتين أن التقسيم الثلاثي ليس بلازمٍ بل حتى التقسيم الثنائي ليس بلازمٍ ويكفي دفع مجموع الحيوان الى الفقراء . نعم هو يأكل من باب الاحتياط أما أنه كوجوبٍ للتقسيم الثلاثي فأمرٌ يشكل استفادته من الآيات والروايات.
 هذا كله بالنسبة الى الاحتمال الاول وقد اتضح وهنه.
 وأما الاحتمال الثاني:- والذي صار إليه ابن ادريس حيث ذهب الى أن التقسيم الثلاثي ليس بلازمٍ بل يكفي الأكل والتصدق وأما الاهداء فلم يذكره.
 ولعل الوجه فيما ذكره ما أشرنا إليه في كلماتنا المتقدّمة وهو أن الآيتين الكريمتين لم تشيرا الى الاهداء بأن أشارتا الى الأكل والاطعام وعلى هذا الأساس يكفي الأكل والإطعام يعني يجب التقسيم الثنائي . هذا توجيه ما ذهب إليه ابن ادريس(قده).
 وتعليقنا عليه:- إن الأكل وإن أشارت اليه الآيتان الكريمتان ولكن ذكرنا أنه من القريب أن الأمر وارد مورد توهم الحظر فعلى هذا الأساس لا يكون وجوب الأكل ثابتاً أيضاً ويكفي دفعه بأجمعه الى الفقراء.
 هذا كله بالنسبة الى الاحتمال الثاني وقد تبين من خلال هذا كلّه أن أوجه الاحتمالات الأربعة هو الاحتمال الرابع وهو أنه يكفي دفع الجميع للفقراء.
 هذا كله بالنسبة الى الأمر الأول.


[1] الوسائل، العاملي، ج14، ص160، ب40 من ابواب الذبح، ح3، آل البيت.
[2] الوسائل، العاملي، ج14، ص160، ب40 من ابواب الذبح،ح18، آل البيت.
[3] الوسائل، العاملي، ج14، ص160، ب40 من ابواب الذبح،ح1، آل البيت.