38/12/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/12/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

وفيه:- إنه تارة نتكلم في مقام دفع الاشكال عن الشيخ الأعظم(قده) ودفع المناقشة عنه ، وتارة نريد أن نتكلّم لتصحيح الأخذ واثبات جواز الأخذ بقطع النظر عمّا قال الشيخ الأعظم(قده) ، فأنت ما هو مقصودك من الكلام مع السيد الخميني(قده) فهل المقصود هو أننا ندافع عن الشيخ الأنصاري ونصحح مقصوده ؟ فإذا كان هو هذا - أي الاحتمال الأوّل - فنقول إنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر أدلة ثلاثة ثانيها الأصل ، وبناء على ما ذكره السيد الخميني(قده) لا بد أن يقول الشيخ الأنصاري(قده): ( ويدل عليه الدليل الثاني وهو قاعدة اليد وأصالة الحلّ ) فلابد أن يذكرهما معاً لا أن يذكر واحدة ، فإنّ المثبت للحلّ أمران أمارة الملكية وهو اليد والثاني هو أصل الحل لدفع احتمال الحرمة النفسية ، فقاعدة اليد ترفع الحرمة من ناحية احتمال عدم الملكية وأصل الحلّ يرفع احتمال الحرمة النفسية ، فإذن يوجد اصلان وليس أصلاً واحداً ، فإذا كان مقصود الشيخ هو هذا فلابد أن يذكر هكذا فإنَّ أصل الحلّ وحده من دون ضم قاعدة اليد لا يسمن ولا يغني من جوع ، لأنه حتى لو سلّمنا عدم وجود حرمة نفسية لكن يوجد احتمال الحرمة من ناحية أنه ليس بمالك ، فلابد أن يستدل بشيئين وهما قاعدة اليد والأصل لا أنه يستدل بالأصل وحده.

وقد يدافع مدافع عن السيد الخميني فيقول:- إنه قد يجيب السيد الخميني(قده) فيقول:- صحيح أنَّ الشيخ الأعظم(قده) لابد أن يذكر قاعدتين - قاعدة اليد وأصالة الحل - ولكن قاعدة اليد لم يذكرها من باب وضوح المطلب ، فهو ذكر الأصل يعني أصل الحلّ لدفع احتمال الحرمة النفسية .

وفي الجواب نقول:- كما أنَّ ذاك واضح فهذا اضح أيضاً ، يعني كما أن هناك مثبت للملكية وهو اليد وهذا من الأمور الواضحة كذلك من الأمور الواضحة أنه كلّما شككنا في ثبوت حرمة نفسية بنحو الشبهة البدوية هناك أصل الحلّ ، فكما أنَّ ذاك واضح فهذا واضح أيضاً ، وفنّياً يلزم أن يقول ( الأوّل الاجماع والثاني اليد بضم الأصل ) ، فلابد أن يذكر الاثنين معاً لا أنه يذكر الأصل وحده بدعوى أنَّ قاعدة اليد واضحة ، إذ يرد الاشكال عليه بأنه عليك أن تذكر قاعدة اليد وأما أصل الحلّ يكون واضحاً فلماذا يكون الوضوح ن هذا الجانب دون ذاك ؟ ، ففنّياً لابد من ذكرهما معا ًثم تقول ( والأخبار ) ، هذا إذا كان السيد الخميني(قده) في صدد تصحيح وتوجيه كلام الشيخ الأعظم(قده) ودفع الاشكال عنه ، فالاشكال سوف لا يندفع.

وإذا كان المقصود هو الاحتمال الثاني - يعني بيان الواقع بقطع النظر عن كلام الشيخ الأعظم – فنقول:- إنَّ دليلنا الثاني على اثبات الجواز هو قاعدة اليد زائداً أصل الحلّ - والشيخ خانه التعبير ولكن هذا ليس مهماً - فنجعل الدليل الثاني مجموع هذين الأمرين ، والآن نأتي نصحّح فنقول إنَّ الدليل الأوّل هو الاجماع دعنا عنه ، والدليل الثالث هو الأخبار ودعنا عنه أيضاً ، والدليل الثاني هو اليد زائداً أصل الحلّ واليد تدفع الحرمة الغيرية من ناحية أنه دفعٌ من غير المالك وأصل الحلّ يدفع احتمال الحرمة النفسية ، وإذا كان هذا هو القصود فهو له وجاهة ، ولكن يرد عليه ما أشرنا إليه من أنَّ قاعدة اليد تستند إلى سيرة العقلاء والقدر المتيقن من سيرة العقلاء هو اليد الشخصية ، فالشخص إذا كانت عنده يد شخصية على أمواله فهذا لا بأس به ، بل نفس الجائر عنده يد شخصية على خاتم قد لبسه أو سيارة كانت عنده أو غير ذلك فإنَّ هذا لا بأس به فكلّ هذه الأمور وتوجد يد شخصية عليها ، أما إذا لم تكن هناك يد شخصية وإنما هي موجودة في خزائنه ولعله لا يعلم بها خصوصاً إذا كان المال قد أتى توّاً لا أنَّ له فترة من الزمن في الخزينة العامة فهنا قاعدة اليد هل انعقدت السيرة عليها ؟ كلا ليس من المعلوم ذلك ويكفينا الشك.

وعلى أي حال بهذا اتضح أنَّ الحكم بجواز أخذ الجوائز من الجائر في الصورة الأولى الاستناد إلى الأصل محل إشكال لما أشرنا إليه ، ودفاع السيد الخميني(قده) قد اتضح ما فيه ، نعم نحن نقبل أخذ الجائزة من ناجية الأخبار التي ستأتي بعد ذلك.

وقبل أن ننتقل إلى الأخبار نشير إلى شيء ليس بالمهم ولكن لاحظ كيف هو اختلاف الفقهاء:- فإنَّ الشيخ الأعظم بعدما قال ( ويدل على جواز الأخذ الاجماع والأصل والأخبار ) قال كلاماً وهو أنه قال: ( إنه ربما توحي بعض الأخبار أنَّ جواز الأخذ من الجائر مشروط بوجود أموال أخرى له حتماً مباحة أما إذا لا تجزم بوجود أموال أخرى له مباحة فهذا لا يجوز الأخذ منه ) فمثلاً لو فرض أنَّه فتح الخزينة يوم العيد وأعطى هذا الشخص خاتماً وذاك شيئاً آخر فنحن يجوز لنا أن نأخذ منه إذا علمنا بأنه يوجد عنده أموال مباحة جزماً غير ما في هذا الصندوق ولعل ما أعطانا إياه هو من تلك المباحات ، ونقرأ الخبر فلاحظوه وقد وقع الكلام في أن الشيخ حينما ذكر هذا الخبر فهل ذكره اشتباهاً أو أنه في محلّه حيث قال:- ( لكن ربما يوهم بعض الأخبار أنه يشترط في حل مال الجائر ثبوت مال حلال له مثل ما عن الاحتجاج عن الحميري )[1] ، والرواية في الوسائل هكذا:- ( وعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلّ لما في يده لا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته وهو فيها و ادخل منزله وقد حضر طعامه فيدعوني إليه فإن لم آكل من طعامه عاداني عليه فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدق بصدقة وكم مقدار الصدقة ؟ ، وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فيدعوني إلى أن أنال منها وأنا أعلم أنَّ الوكيل لا يتورّع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شيء إن أنا نلت منها ؟ قال:- إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل برّه وإلا فلا )[2] ، ودلالتها على ما قلنا واضحة - يعني على ما أراده الشيخ الأعظم(قده) - حيث اشترط الامام عليه السلام أنَّ هذا المال الذي في يده لا يجوز أن تأخذ منه شيئاً إلا أن يكون عنده مال مباح يقيناً ولعلَّ هذا المال الذي أعطاه من ذاك المال المباح ، وهذه العبارة - أي ( إن كان له مال آخر ) لم يذكرها الامام عجل الله تعالى فرجه ولكن المقصود واضح فإنَّ هذا ليس مأخوذاً شرطاً تعبّدياً وإنما عليك أن تفهم ذلك - يعني ويحتمل أن يكون هذا المال من ذاك فخذ وإلا فلا -.

والكلام تارةً يقع في دلالتها وأخرى في سندها:-