35/11/13


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات، السادس، الغبار الغليظ
وقد اجيب عن اشكال التعارض بين الروايتين بعدم وجود التعارض المستقر بينهما , بل يمكن الجمع بينهما بنحو الاطلاق والتقييد والنسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص المطلق, بأعتبار ان رواية سليمان بن حفص مختصة بصورة العمد في ايصال الغبار الى الحلق , بينما موثقة عمرو بن سعيد مطلقة من هذه الناحية , فتقيدها رواية سليمان بن حفص فتحمل موثقة عمرو بن سعيد الدالة على عدم مفطرية الغبار على صورة عدم العمد , وتبقى رواية سليمان بن حفص دالة على المفطرية في صورة العمد , فتكون النتيجة ان الغبار مفطر كالأكل والشرب اللذان لا يكونان مفطران الا في حالة العمد .
وقد ذكروا قرائن في رواية سليمان بن حفص لأثبات اختصاصها بصورة التعمد:
القرينة الاولى : ان التعمد ذكر في هذه الرواية صراحة (( قال : سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فان ذلك له مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح)[1]
فالتعمد مذكور في هذه الرواية وهو يكشف عن ان الامام ناظر الى صورة التعمد , فيكون التعمد قيدا في مفطرية الاستنشاق وشم الرائحة الغليظة والمضمضة والغبار .
القرينة الثانية : فرض دخول الغبار في الكنس لأنه يقول (أو كنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار)
فدخول الغبار حاصل بسبب الكنس ومن الواضح ان الكنس يعتبر وسيلة اختيارية ومن يكنس متعمدا يكون قد ادخل الغبار في جوفه وفي حلقه متعمدا فيستفاد من ذلك ان المفطر ليس هو مطلق الغبار وانما هو الغبار في هذا المورد اي اذا كنس اي في حال العمد .
القرينة الثالثة : ايجاب الكفارة (فعليه صوم شهرين متتابعين ) ومن الواضح ان الكفارة لا تجتمع مع عدم التعمد , وانما هي تثبت في حال تعمد المفطر.
واما موثقة عمرو بن سعيد التي اُدعي في حال الجمع بأنها مطلقة من هذه الناحية فأن اطلاقها واضح حيث انها تقول (وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ؟ قال: لا بأس) .
نعم قد يكون التعمد مأخوذ فيها في صدرها لأنها تقول (سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه) فقد يقال انه يفهم من قوله (يتدخن ) تعمد التدخين بالعود ونحوه .
ولو سلمنا ظهور صدر الرواية في حالة التعمد فأنه لا يكون قرينة على كون الذيل كذلك , لأن الظاهر ان هناك سؤالان منفصلان حيث ان السؤال الثاني غير مرتبط بالسؤال الاول ولا داعي للقول بأن موضوعهما واحد .
وهذا بخلاف التعمد المذكور في رواية سليمان بن حفص لأن المذكور فيها سؤال واحد فقط , وعليه يمكن ان نفهم ان نظر الامام عليه السلام الى اثبات المفطرية في حال التعمد.
وبهذا يثبت هذا الجمع , وتكون النتيجة هي الالتزام بمفطرية الغبار.
وهناك ملاحظات على هذا الجمع ترتبط بالقرائن التي ذكرت في رواية سليمان بن حفص .
اما بالنسبة الى القرينة الاولى : التي تذكر ان التعمد ذُكر في الرواية فيكون قيدا للمفطرية فيلاحظ عليه , ان قيد التعمد لم يؤخذ في جميع الافعال الواردة في الرواية, لأنه لو كان كذلك لذُكر في اخر الجملة او في اولها , ولكنه ذُكر بعد المضمضة والاستنشاق, وهذا على الاقل يعطي احتمالية انه قيد في هذين الفعلين فقط, بل يمكن ان يقال ان ذكره في هذا المورد يكون قرينة على العكس اي ان مفطرية الغبار ليست مقيدة بالتعمد.
واما القرينة الثانية : التي تقول ان تعمد الكنس يلازم تعمد ادخال الغبار الى الحلق فيلاحظ عليها .
انه لا ملازمة بين الكنس وادخال الغبار الى الحلق , حتى على فرض انه يعلم بأن الكنس يثير الغبار الا ان تعمد اثارة الغبار لا تعني تعمد ادخاله الى الحلق والانف ولا توجد ملازمة بينهما , بل قلنا ان نفس افتراض تعمد ادخال الغبار الى الحلق قضية غير مقبولة عادة , بل ان المعتاد ان من يتعمد الكنس يضع الموانع التي تجنبه ادخال الغبار الى حلقه وانفه .
مع ان الجملة في الرواية لعل فيها اشارة الى عدم التعمد حيث انها تقول( كنس بيته فدخل ) اي من باب الصدفة والاتفاق لا انه هناك تعمد في ادخاله .
اما القرينة الثالثة : وهي ان الكفارة لا تجتمع مع عدم التعمد .
فيلاحظ عليها ان منشأ هذا الكلام هو افتراض ان الكفارة من باب المجازات, ومن الواضح ان المجازات تكون في حال التعمد والالتفات , اما في حالات عدم التعمد كالسهو والخطأ وغير ذلك فلا معنى للكفارة لأنه لا معنى لمجازات الانسان الساهي او الناسي او غير ذلك .
ولكن لعل الكفارة في المقام من قبيل الذي يطيقون الصيام كالشيخ والشيخة ,وهي ليست من باب المجازات قطعا, وانما هي من باب الجبران , كأنه نوع من انواع ادراك الواجب بنحو مخفف .
وهناك ايضا جواب اخر مستفاد من المستمسك يقول لعل الكفارة في المقام _ وان كانت من باب المجازات_ لكن ليست بأعتبار تعمد المفطر وانما من باب تقصيره في مقدمات دخول الغبار (كالكنس) في حالة عدم التعمد .
ويلاحظ ايضا
ان موثقة عمرو بن سعيد التي اُدعي بأنها تُحمل على عدم التعمد , ان هذا يعني ان الرواية بصدد بيان ان دخول الغبار الى الحلق اذا لم يكن متعمدا له فلا بأس به , وهذا معناه ان الغبار مفطر في حال التعمد ,
وكأن الرواية تريد ان تقول بأن الغبار مفطر(كالاكل) لكن اذا صدر منك في حال عدم التعمد فلا بأس به.
لكنه قد يقال بأن الرواية فيها ظهور في عدم مفطرية الغبار في حد نفسه , لا عدم مفطرية في حال عدم التعمد فقط , وحملها على حال عدم التعمد فقط خلاف ظاهرها.
وهذا هو الجمع الاول بين الروايتين الذي ينتج الالتزام بأن الغبار من المفطرات وقد تبين ان الالتزام بهذا الجمع مشكل لعدة نواحٍ
والجمع الثاني بينهما لدفع التعارض هو حمل رواية سليمان بن حفص على الغبار الغليظ وحمل الموثقة على الغبار غير الغليظ وبالتالي يلتزم بمفطرية الغبار الغليظ , وقد ورد هذا القيد في تعبيرات جملة من الفقهاء الذين التزموا بمفطرية الغبار حيث انهم قيدوا كلامهم بالغبار الغليظ.
والوجه في هذا الحمل هو ورود عبارة (كنس بيتا ) في رواية سليمان ويُفهم من هذه العبارة ان الحكم ليس لمطلق الغبار, وانما لخصوص الغبار الحاصل من الكنس والا لو كان الحكم والمفطرية ثابتة لمطلق الغبار كان يمكن ان يقول ( ودخل الغبار في انفه او في حلقه من دون قيد الكنس ) , فإقحام الكنس في المقام كأنه اشارة الى ان المفطرية لا تثبت لمطلق الغبار وانما لخصوص الغبار الحاصل من الكنس .
وبما ان الغبار الحاصل من الكنس عادة يكون غبارا غليظا فأن الرواية تكون قابلة على الحمل على الغبار الغليظ .
ذكر هذه القرينة السيد الحكيم في المستمسك وقد ناقشه السيد الخوئي فيها واجاب عنها بأن كنس البيت لا يستلزم كون الغبار غليظا, فأن ذلك يختلف بأختلاف البيوت وبأختلاف الازمنة فرب بيت يكنس كل سنة مرة فيكون الغبار فيه غليظا ورب اخر يكنس يوميا فلا يكون الغبار فيه غليظا .
وقد يُشكل ايضا بأن الكنس ليس دخيلا في الحكم وانما ذكر تمهيدا لتحقق دخول الغبار وان الغبار بنفسه هو المفطر , وهذا من قبيل القول بأنك اذا وضعت السم في طعام زيد وقدمته له فمات ثبت عليك القصاص , فأنه لا يفهم من هذه العبارة ان تقديم السم لزيد دخيل في ثبوت القصاص, لأن القصاص ثابت للقتل المتعمد سواء كان بسم او بطريقة اخرى, وانما ذكر تقديم السم في هذا العبارة كتمهيد لأثبات الحكم , وما نحن فيه من هذا القبيل فكنس البيت ليس دخيلا في الحكم .
وهذا الكلام يختلف بأختلاف الامثلة فقد يكون في مورد اخر دخيلا في الحكم كما لو مثلنا لذلك بأن شخصا قال اذا وهبت شيئا لزيد وقبضه زيد فليس لك الرجوع به , ففي هذا المثال لا يفهم ان المسألة تدور مدار القبض فقط وان الهبة ليس لها دخل في الحكم , بل ان الهبة لها دخل في الحكم وكذلك القبض , فالأمثلة تختلف, وهذه المناقشة تريد القول ان ما نحن فيه من قبيل المثال الاول اي ان المبطلية ثابته لدخول الغبار في الانف والحلق سواء كان ناشئا من الكنس ام من غيره , وبهذا لا يمكن حمل الرواية وتخصيصها بالغبار الغليظ .