35/11/26


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, السابع , الارتماس , مسألة 34
الدليل الثاني: _على القول بعدم بطلان الصوم عند رمس احد الرأسين في الماء _ يقول بأننا يمكن ان نحرز عدم تحقق الارتماس المانع من الصوم, لأن الارتماس المانع من الصوم هو رمس الرأس الاصلي في الماء , وهذا يمكن احراز عدمه بأستصحاب عدم تحقق رمس الرأس الاصلي (بمفاد كان التامة) وليس الاستصحاب في عدم كون هذا الرمس رمسا للرأس الاصلي, فأن هذا الاستصحاب لا يجري لعدم وجود حالة يقين سابقة لهذا الرمس , وانما هو مشكوك من حين تحققه , ولهذا نضطر الى اجراء الاستصحاب بنحو اخر وهو الاستصحاب بمفاد ليس التامة (عدم تحقق الارتماس المانع), فأنه عندما رمس احد الرأسين في الماء نشك في تحقق الارتماس المانع (اي رمس الرأس الاصلي) , والاصل عدم تحققه , بأعتبار ان عدم تحققه متيقن سابقا من الازل (وهو معنى استصحاب العدم الازلي) وبهذا نحرز عدم تحقق رمس الرأس الاصلي في الماء ( ليس الكلام كما في الوجه الاول حيث يقول بأننا نشك في تحققه او لا فلا يمكن اثبات البطلان ) .
وهذا الاستصحاب قد يُعارض بأستصحاب عدم تحقق رمس الرأس الزائد ؛ اي ان هذا الصائم رمس احد رأسيه في الماء , والمدعّى في الدليل الثاني اننا نجري استصحاب عدم تحقق رمس الرأس الاصلي في الماء ؛ والاشكال يقول لماذا لا نجري استصحاب عدم تحقق رمس الرأس الزائد في الماء ,وحينئذ لا يمكن جريانهما معا , لأنهما متعارضان , والعلم بكذب احدهما .
وهذا الاشكال اذا طُرح بهذه الصيغة فأن جوابه واضح ؛ وهو ان الاستصحاب الثاني لا يترتب عليه اثر فلا يجري لعدم ترتب الاثر عليه ,لأن الاستصحاب لا يجري الا اذا ترتب عليه اثر وثمرة عملية , والفائدة الوحيدة في الاستصحاب الثاني هو ان نثبت فيه تحقق رمس الرأس الاصلي , وذلك لأن الفرض ان الصائم رمس احد رأسيه فإذا ثبت بالاستصحاب الثاني عدم كون هذا الرأس الذي ارمسه هو الرأس الزائد فأنه لا مناص من كون الرأس الذي ارمسه هو الرأس الاصلي.
وجوابه ان هذا اصل مثبت , حيث اننا نثّبت_ بالاستصحاب_ لازم عدم تحقق رمس الرأس الزائد وهو تحقق رمس الرأس الاصلي في الماء .
وهذا غير ما يثبت في الاستصحاب الاول حيث انه يثبت به نفي البطلان , بأعتبار ان موضوع المفطرية والبطلان هو رمس الرأس الاصلي في الماء , وقد ثبت بالاستصحاب الاول نفي هذا الموضوع فينتفي الحكم (البطلان).
ويمكن بيان الاستصحاب الثاني بغير الصيغة الاولى بأن يقال : نجري استصحاب عدم تحقق رمس الرأس الاصلي في ما لو رمس الرأس الاخر ( اي على تقدير رمس الرأس الثاني ) اي نستصحب عدم تحقق رمس الرأس الاصلي على تقدير الاتيان برمس الرأس الزائد , وهذا الاستصحاب يعارض الاستصحاب الاول , فلا يمكن استصحاب عدم تحقق رمس الرأس الاصلي (كما في الاستصحاب الاول) وفي نفس الوقت نستصحب عدم تحقق رمس الرأس الاصلي بالرمس الثاني , لأننا نقطع بتحقق رمس الرأس الاصلي في احدهما (الرمسين) .
ومن هنا يكون استصحاب عدم تحقق رمس الرأس الاصلي( الاستصحاب الاول) معارض بأستصحاب عدم تحقق رمس الرأس الاصلي على تقدير الاتيان برمس الرأس الثاني (الاستصحاب الثاني بالصيغة الثانية ) .
وجواب هذا الفرض ان هذا الاستصحاب الثاني لا يمكن ان يجري لأن فرضه هو فرض العلم لتحقق رمس الرأس الاصلي اما بالرمس الاول او بالرمس الثاني , فكيف يجري هذا الاستصحاب _ استصحاب عدم تحقق رمس الرأس الاصلي على تقدير رمس الرأس الثاني _ في ظرف يكون المكلف عالما بتحقق رمس الرأس الاصلي ,لأن تقدير رمس الرأس الثاني هو تقدير العلم بتحقق رمس الرأس الاصلي.
ومن هنا يَسْلم الاستصحاب الاول عن المعارض, فيتم الى هنا الدليل الثاني القائل بعدم البطلان.
ادلة البطلان
الدليل الاول : الاستدلال بقاعدة الاشتغال بلحاظ التكليف بالصوم , اذ لا اشكال في احراز التكليف بالصوم فيجب على المكلف تفريغ ذمته عما اشتغلت به قطعا, وهو لا يكون الا بترك رمس كلا الرأسين ؛ واما اذا رمس احدهما فأنه لا يحصل اليقين بفراغ الذمة لأحتمال ان يكون ما رمسه هو الرأس الاصلي , فلا يجوز له ان يكتفي بما جاء به , بل يجب عليه الاعادة او القضاء , وهو معنى البطلان ( اي عدم الاكتفاء بما اتى به).
وجوابه هو ان الاستصحاب المتقدم ( في الدليل الثاني للقول بعدم البطلان) حاكم على اصالة الاشتغال ومانع من جريانها , وهذا المطلب يذكر في الشك في المانعية والشك في المبطلية .
كما يمثلون له بمثال الضحك المانع من الصلاة , لكنه ليس مطلق الضحك , وانما الضحك بمستوى معين كالقهقهة مثلا , فإذا صدر منه في اثناء الصلاة ضحك وشك في انه واصل الى درجة القهقهة ؟ او لا؟
فحينئذ لا اشكال في ان قاعدة الاشتغال تقتضي الاعادة, لأن ذمته اشتغلت بوجوب الامثال للصلاة , واذا اكتفى بهذا الصلاة التي حصل فيها الضحك فأنه لا يتقين بفراغ ذمته , لأن حصول اليقين يقتضي حصول صلاة بلا ضحك فأما ان يعيدها في الوقت او ان يقضيها خارجه, لكي يحصل على اليقين بفراغ الذمة.
لكن في المقام يوجد استصحاب حاكم على قاعدة الاشتغال وهو استصحاب عدم تحقق المانع , لأنه وان ضحك واقعا الا ان هذا الضحك مشكوك في وصوله الى المستوى المانع من الصلاة ( القهقهة ) ؛ والاصل عدم تحقق المانع ( بمفاد ليس التامة) .
وما نحن فيه من هذا القبيل , حيث انه رمس احد الرأسين ويشك في تحقق المفطر , فإذا بقينا نحن وقاعدة الاشتغال لابد من القول ببطلان الصوم ووجوب القضاء , لكن استصحاب عدم تحقق المفطر (رمس الرأس الاصلي في الماء ) يكون حاكما على قاعدة الاشتغال , وعليه لا يمكن التمسك بقاعدة الاشتغال لأثبات بطلان الصوم لوجود ما يحكم عليها .
الدليل الثاني: وهو ما ذكره السيد الخوئي (قد)(وأما من ناحية صحة الصوم والاجتزاء به في مقام الامتثال فالظاهر هو البطلان لعروض الخلل من ناحية النية ، إذ على تقدير كون المرموس أصليا لم يكن ناويا للصوم بطبيعة الحال للتنافي بينهما ، فلم يكن ناويا للصوم على كل تقدير ، بل على تقدير خاص وهو عدم كون المرموس أصليا ، وهذا لا ينفع ، بل لا بد للصائم أن يكون ناويا لصومه في جميع الحالات ، وعلى جميع التقادير كما لا يخفى ).[1]
 
ويمكن دفع هذا الكلام بأن يقال ان هذا الشخص الذي يريد رمس احد الرأسين سيشك في تحقق رمس الرأس المفطر ( اي هل يمكن ان يتحقق المفطر بالرمس الذي نواه ؟ او لا؟)
حينئذ يرجع الى الاستصحاب الذي ذكرناه( الاستصحاب الاول ) فيستصحب عدم رمس الرأس الاصلي في الماء , وبذلك يحرز تعبدا عدم تحقق المفطر , وحينئذ تتأتى منه نية الصوم ولا اشكال في ذلك .
كما لو بنينا على ان الرمس في الماء المضاف ليس مفطرا , وفرضنا ان الصائم رمس رأسه في سائل كانت الحالة السابقة له الاضافة وهو الان مشكوك الاضافة لأحتمال انه صار مطلقا , فأن نية الصوم في المقام تتأتى منه لأنه احرز اضافة هذا الماء بالاستصحاب .
وما نحن فيه من هذا القبيل فهو وان كان يشك في ان الرأس الذي رمسه في الماء هل هو رأس اصلي ام رأس زائد, يمكن احراز انه ليس رأسا اصليا بأستصحاب عدم تحقق الرمس المفطر .
الدليل الثالث : وهو ايضا ذكره السيد الخوئي (قد) بقوله ( ما ذكرناه في بحث الصلاة من أن عنوان الفوت المترتب عليه القضاء كما يحرز بالوجدان أو الأمارة أو الأصل المعتبر ، كذلك ربما يحرز بقاعدة الاشتغال لأن العبرة بفوت الوظيفة الفعلية الأعم من الشرعية والعقلية ، فلو شك في أصل الصلاة وهو في الوقت أو اقتضت الوظيفة تكرارها في ثوبين مثلا ، أو تكرار الوضوء من ما يعين وقد اقتصر على أحدهما وجب عليه القضاء للإخلال بما تقتضيه قاعدة الاشتغال المحقق لعنوان الفوت وإن احتمل عدمه في صقع الواقع ، إلا أنه لا مؤمن له بعد فرض تساقط الأصول ، ومقامنا كذلك إذ هو مأمور بالاجتناب عن الارتماس في الماء فإذا ارتمس في أحد المائعين المحتمل كونه ماء أو بأحد العضوين المحتمل كونه رأسا فإمساكه عن الارتماس مشكوك فيه ، ولا أصل مؤمن حسب الفرض فقد فاتته الوظيفة الفعلية الثابتة بمقتضى قاعدة الاشتغال ، ومعه لا مناص من القضاء).[1]