36/04/18


تحمیل
الموضوع:الصوم , المفطرات, المفطر التاسع , الاحتقان .مسألة 68,العاشر : تعمد القئ.
الذي نقوله في هذه المسألة (68) هو ان الصحيح تارة يكون خروج الجامد من دليل المنع (صحيحة البزنطي) خروجا تخصصيا , أي ان الدليل اساسا لا يشمل الجامد ومختص بالمائع, واخرى يكون خروجه بالتخصيص بأعتبار الموثقة المتقدمة التي تقول لا بأس بالجامد ولولاها لألتزمنا بالمنع حتى بالجامد, لأن صحيحة البزنطي تشمل الجامد والمائع ,وعلى القول بالأول كما هو الظاهر والصحيح حينئذ تكون فتوى الماتن واضحة (الظاهر جواز الاحتقان بما يشك في كونه جامدا أو مائعا)[1] وذلك لعدم احراز تحقق موضوع المنع في هذا الفرد لأن موضوع المنع هو الاحتقان بالمائع , ونحن لا نحرز تحقق هذا الموضوع في الفرد المشكوك وحينئذ نرجع الى البراءة بلا اشكال ولا يجوز الرجوع الى دليل المنع لأن هذا تمسك بالدليل(العام) في الشبهة المصداقية له وهو غير جائز لأن التمسك بالدليل لأثبات حكمه فرع تحقق موضوعه , فالدليل الدال على حرمة الخمر اذا اردنا تطبيقه على فرد لابد من احراز كونه خمرا لكي نتسمك بالدليل لأثبات الحرمة فيه ,ومع الشك بأن هذا خمر او ماء لا يمكن التمسك بالدليل لأثبات حرمته , لأنه شبهة مصداقية للدليل .
واما على الرأي الاخر الذي يقول بأن الخروج خروج تخصيصي فالظاهر ان الفتوى تتغير الى عدم جواز الاحتقان بهذا الفرد المشكوك, وحينئذ نقول ان كانت الشبهة مفهومية كما لو شككنا به بأعتبار الشك بمفهوم الجامد والمائع لعدم وضوح مفهوم الجامد ومفهوم المائع ونشك في انه هل له مفهوم واسع يشمل الفرد المشكوك او ان مفهومه ضيق لا يشمل الفرد المشكوك , حينئذ يجوز التمسك بالعام في الشبهة المفهومية فيما لو كان المخصص مخصصا منفصلا كما هو المفروض في محل الكلام (موثقة ابن فضال), ومعنى ذلك هو اننا نلتزم بعدم الجواز وبالمفطرية تمسكا بصحيحة البزنطي, لأن الخارج منها هو عبارة عن الجامد ونحن نشك في هذا الفرد لكن شكنا بنحو الشبهة المفهومية فيجوز التمسك بالعام في هذا الفرد المشكوك , نعم اذا كان المخصص متصلا يسري الاجمال من الخاص الى العام فيمنع من التمسك بالدليل لكن هذا المخصص منفصل فيجوز التمسك حينئذ بالعام في محل الكلام .
واما اذا كانت الشبهة مصداقية فالظاهر انه لا يجوز الاحتقان بهذا الفرد المشكوك ايضا و يصح ما ذكره السيد الخوئي (قد)[2] من انه يمكن احراز موضوع المفطرية (موضوع صحيحة البزنطي ) بضم الاصل الى الوجدان كما تقدم .
ومن هنا لعل السيد الماتن يبني على الرأي الاول الذي يرى ان الجامد اساسا غير داخل في صحيحة البزنطي وان موضوع المنع هو الاحتقان بالمائع .
قال السيد الماتن في ذيل هذه المسألة (وإن كان الأحوط تركه)
والظاهر ان هذا الاحتياط من جهة احتمال عدم الانصراف وان الاحتقان يشمل الجامد والمائع .

قال الماتن
(العاشر : تعمد القئوإن كان للضرورة، من رفع مرض، أو نحوه . ولا بأس بما كان سهوا، أو من غير اختيار. والمدار على الصدق العرفي، فخروج مثل النواة، أو الدود لا يعد منه)

الظاهر ان مفطرية تعمد القيء هو الرأي المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة ,كما في الجواهر بل اجماع المتأخرين عليه, بل حُكي عن الخلاف والغنية ,والمنتهى للعلامة, دعوى الاجماع عليه , والروايات التي يمكن الاستدلال بها عديدة منها :-

الرواية الاولى: صحيحة الحلبي ، (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا تقيأ الصائم فقد أفطر، وأن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه)[3]
المراد بذرعه سبقه القيء والرواية واضحة في انها تفرق بين القيء والتقيؤ أي تعمد القيء حيث ان القيء لا يوجب الافطار بينما التقيؤ يوجبه .
الرواية الثانية: صحيحة الحلبي ،( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه )[4].

الرواية الثالثة: موثقة سماعة (قال : سألته عن القيء في رمضان ؟ فقال : إن كان شيء يبدره فلا بأس، وإن كان شيء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء . . الحديث .)[5] وتعبير القيء في الرواية اعم من العمدي وغير العمدي ولذا قسمه عليه السلام قسمين وحكم بالمفطرية فيما اذا كان من قسم العمدي والذي عبر عنه بقوله (يكره نفسه عليه)
الرواية الرابعة: مسعدة بن صدقة (عن أبي عبدالله، عن أبيه ( عليهما السلام ) أنه قال : من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الاعادة، فان شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، وقال : من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء)[6]

الرواية الخامسة :رواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه، (قال : سألته عن الرجل يستاك وهو صائم فيقيء، ما عليه ؟ قال : إن كان تقيأ متعمدا فعليه قضاؤه، وإن لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شيء )[7].
وهي( الروايات) صريحة جدا في التفريق بين القيء والتقيؤ , فالقيء هو ما تعبر عنه الروايات بذرعه او سبقه او غلبه وهكذا .

وفي المقابل حُكي عن السيد المرتضى (قد) انه حكى عن قوم من اصحابنا ان تعمد القيء ينقض الصوم ولا يبطله وجعله اشبه ,
ووافقه الشيخ ابن ادريس في السرائر على ذلك , ويستدل لهذا القول (عدم المفطرية) :-
اولا : بالأصل .
ثانيا :بعموم الحصر لما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم (قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء .)
وليس منها تعمد القيء وهذا يعني انه لا يبطل الصوم .
ثالثا: اطلاق صحيحة عبدالله بن ميمون ،( عن أبي عبدالله، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء، والاحتلام، والحجامة . . الحديث)[8]
رابعا: ان الصوم هو الامساك عما يصل الى الجوف لا عما يخرج منه والقيء يخرج من الجوف .
هذه هي الامور التي يمكن ان يستدل بها على القول الثاني ( عدم المفطرية) ومن هنا ذكر بعض من قال بهذا القول انه لهذه الادلة لابد من حمل النصوص السابقة على الحرمة التكليفية او الكراهة , فالذي يتعمد القيء يكون صومه صحيحا وان كان قد فعل حراما او مكروها .
وقد اجابوا عن كل هذه الادلة بأن هناك روايات تامة سندا ودلالة تدل على الافطار والفساد؛ وحينئذ لا مجال للرجوع للأصل لأنه لا تصل النوبة اليه مع وجود الدليل ؛ ولا اشكال في رفع اليد عن عموم الحصر في صحيحة محمد بن مسلم بمقدار ما يدل عليه الدليل كما في غير القيء من المفطرات ؛ اما ما ذُكر من ان الصوم هو عبارة عن الامساك عما يدخل الجوف لا ما يخرج منه قالوا بأنه اجتهاد في مقابل النص (الادلة السابقة) حيث انها نص في ان تعمد القيء مبطل للصوم بالرغم من انه يخرج من الجوف ؛ واما اطلاق صحيحة عبدالله بن ميمون القداح فقالوا يمكن تقييدها بالأدلة السابقة لأن الرواية تقول (ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء) والقيء اعم من التعمد وغير التعمد ,فتحمل هذه الرواية على حالة القيء غير العمدي .
واما ما نقله السيد عن قوم من اصحابنا فبناء على قراءة العبارة (انه ينقض الصوم ولا يبطله) فأن تفسيرها مشكل, لأن النقض هو البطلان ولذا يحتمل فيها قراءة اخرى وهي انه (ينقص الصوم ولا يبطله) أي بالصاد, وحينئذ يكون معقولا أي انه لا يبطل الصوم وان كان يؤثر في مرتبة من مراتبه .
وحينئذ يجاب بأن النصوص السابقة صريحة بالفساد والبطلان فكيف يمكن الالتزام بعدمه ؛ ومن هنا يظهر بأنه لا وجه لحمل تلك النصوص على الحرمة التكليفية كما ذكروه في كلماتهم , خصوصا ان تلك النصوص تصرح بلزوم القضاء وتصرح بأنه افطر , فكيف يمكن حملها على الحرمة التكليفية المحضة مع الالتزام بصحة الصوم وعدم فساده ؟
ومن هنا يظهر ان الصحيح في محل الكلام وفاقا للمشهور شهرة عظيمة ان تعمد القيء احد المفطرات .

قال الماتن
(وإن كان للضرورة، من رفع مرض، أو نحوه)
أي انه مضطر لأختياره فهو يكون مبطلا للصوم ايضا وذلك لأطلاق الادلة لحالة الضرورة وغيرها , فالضرورة يمكن ان ترفع الحكم التكليفي لكنها لا ترفع حكم المبطلية والفساد , فأطلاق الادلة يقتضي الحكم بالمبطلية حتى في حالات الضرورة كما لو تمرض فأضطر الى التقيؤ وتعمده أي انه صدر منه لأجل رفع المرض والضرر, وهذا كما لو اضطر الى بيع الدار فأن بيعه يكون صحيحا , وفي محل الكلام اضطر الى تعمد القيء فيترتب عليه الحكم الشرعي وهو فساد الصوم.
هذا الكلام بناء على كون الاضطرار بهذا المعنى المذكور, اما بناء على كون موجبا لسلب الاختيار و صدور الفعل منه بلا اختيار فأنه لا يكون مفطرا بلا اشكال كما سيأتي الكلام عنه ان شاء الله .

قال الماتن
(ولا بأس بما كان سهوا، أو من غير اختيار.)
وقوله من غير اختيار واضح في كونه غير موجب لفساد الصوم, لأن النصوص السابقة صريحة في كون المفطر هو التقيؤ (أي ما وقع عن اختيار وعمد) بل تصرح النصوص في انه اذا غلبه او ذرعه فأنه لا يوجب البطلان ؛ والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق واضح فهناك يصدر منه الفعل بأختياره (كما لو باع الدار بأختياره لكن لأجل دفع الضرر) ويتعمد القيء ويكره نفسه عليه بأختياره لكن لأجل دفع الضرر وهو يوجب بطلان الصوم وان كان يوجب رفع الحكم التكليفي(الحرمة) , اما اذا كان القيء من غير اختيار كما لو سبقه فتقيء فأنه لا يشمله الدليل ولا يدل على فساد الصوم به .
هذا بالنسبة الى القيء من غير اختيار اما بالنسبة الى ما صدر منه سهوا والمراد به انه صدر منه مع اختياره متعمدا واكره نفسه على ذلك لكنه كان ساهيا عن الصوم, ولا يعلم بأنه صائم وهذا الفرض بالنظرة الاولية تكون الروايات السابقة شاملة له لأن العنوان الوارد في النصوص هو التقيؤ (تعمد القيء) والمفروض ان هذا الصائم تعمد القيء , فلا نستطيع ان نخرج هذا الفرد عن النصوص السابقة , لأن جميع العناوين السابقة في الروايات التي تقتضي البطلان متحققة في محل الكلام ؛ نعم يمكن اخراجه عن حكم البطلان لما سيأتي بحثه مفصلا من ان مفطرية المفطرات انما تكون مع العمد , وليس المقصود العمد للفعل وانما المقصود العمد للإفطار وهو غير متحقق في المقام لأن المفروض ان هذا الصائم ساهٍ عن الصوم وان كان متعمدا للقيء وصدر عنه عن عمد , بل لو كان جاهلا بالمفطرية او معتقدا بعدمها وتعمد القيء لا يكون متعمدا للإفطار ايضا, وهذا ما سيأتي بحثه من ان المفطر انما يكون مفطرا في حالة تعمد الافطار الذي لا يتحقق لا في حالة النسيان ولا في حالة الجهل ولا في حالة اعتقاد عدم المفطرية .
والظاهر ان المقصود بقول الماتن (ولا بأس بما كان سهوا)انه سها عن كونه صائما فلا يكون مفطرا .