39/02/29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/02/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

استدراك للرواية الثانية:- والتي نقلها الشيخ الكليني عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى عن أبي علي بن راشد ، فإن هذه الرواية كانت جيدة من حيث الدلالة ، ولكن عندنا استدراك لها ، كما يوجد عندنا توضح للرواية الثالثة:-

أما الرواية الثانية:- قد بيّنا سندها حيث يرويها الكليني عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى عن أبي علي بن راشد ، ويوجد عندنا استدراك من حيث السند حيث قلنا إنَّ محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني لا مشكلة فيه وأبو علي بن راشد وثقه الشيخ الطوسي في رجال الامام الجواد أو الهادي عليهما السلام حيث قال ( بغدادي ثقة ) ، إنما الكلام في محمد بن جعفر الرزاز حيث حاولنا من هنا وهناك أن نثبت وثاقته حيث قلنا إنه يروي عنه الشيخ الكليني في موارد متعددة في الكافي مرّةً بلسان الرزاز ومرةً بلسان الكوفي وأخرى بكنية أبي العباس وهكذا ، كما أن من يرى أنَّ مقدمة الكافي تكفي وتُعينُ في ذلك فلا بأس بالاستعانة بضمّها فربما يكون محمد بن جعفر الرزاز لا مشكل فيه.

لكن الاستدراك:- هو أنَّ الشيخ الصدوق(قده) روى الرواية من دون أن تمرّ بالرزاز ، فإنَّ صاحب الوسائل بعد أن روى الرواية عن الشيخ الكليني قال في الصفحة التالية ( ورواه الصدوق عن محمد بن عيسى عن أبي علي بن راشد ) ويذكر الرواية ، وإذا رجعنا إلى سند الصدوق إلى محمد بن عيسى لا نراه يمرّ بالرزاز وهو هكذا :- ( وما كان فيه عن محمد بن عيسى فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله[1] عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ) ، فإذن السند صحيح إلى اليقطيني لأنَّ محمد بن جعفر ليس موجودا ً، ثم قال ( ورويته عن محمد بن الحسن[2] رضي الله عنه عن محمد بن الحسن الصفّار عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني )[3] ، فإذن الرزاز غير موجود في البين هنا أيضاً ، فإذن لا مشكلة في السند بعد الالتفات إلى هذا الطريق الجديد.

وأما بالنسبة إلى التوضيح الذي يرتبط بالرواية الثالثة:- وهي التي يرويها عليّ بن ميمون الصائغ ونصّها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عمّا يكنس من التراب فأبيعه مأ أصنع به ؟ قال: تصدّق به فإما لك وإما لأهله ، قال: فقلت إن فيه ذهباً وفضّة وحديداً فبأيّ شيء أبيعه ؟ قال: بعه بطعام ) ، وقد قلنا إنَّ مضمونها واضح وأنها تدل على الحكم بالتصدّق من باب أنه لا يعرف أصحاب هذا التراب لأنهم كثيرون فهذا الذهب الذي في التراب هو ذهب لأناس كثيرين فلعلّه للصائغ ولعلّه للثاني أو الثالث ... وهكذا ، وهذا النقل لا مشكلة فيه.

إنما توجد مشكلة في النقل الثاني لهذه الرواية والذي كان بهذا الشكل:- ( سألته عن تراب الصوّاغين إنا نبيعه ؟ قال: أما تستطيع أن تستحله من صاحبه ،؟ قال: قلت: لا إذا اخبرته اتهمني ، قال: بعه ، قلت بأي شيء نبيعه ؟ قال: بطعام ، قلت: فأي شيء أصنع به ؟ قال: تصدّق به ) ، وهذه الرواية مضمونها نفس مضمون النقل الأوّل تقريباً ولكن الميزة الموجودة فيها هي أنه توجد فيها زيادة حيث قال له الامام عليه السلام أطلب براءة الذّمة من الناس الذين تحتمل أنَّ الذهب الموجود في التراب لهم فقال الصائغ للإمام عليه السلام لعلّهم يتهموني فقال له الامام عليه السلام ( تصدّق ) ، وقد قلنا إنه أشكل صاحب الجواهر(قده) على هذه الزيادة وبسببها حاول أن يردَّ الرواية وحاصل ما ذكره:- هو أنه صحيحٌ أنهم يتّهمونه إذا أراد طلب براءة الذمّة ولكن عدم إمكان تحصيل براءة الذمّة لا يبرّر جواز التصدّق لأنه ملكٌ للناس ولا يستطيع براءة الذمّة فالتصدّق به لا يجوز فحينئذٍ ، فالرواية إذن تتضمن مطلباً لا يمكن قبوله فهي حينئذٍ مردود علمها إلى أهلها.

ولكن يوجد جوابان:-

الأوّل:- أن نلتزم بأنّ هذا الحكم أقصى ما هناك أنه مخالفٌ للقاعدة ولكن الرواية إذا دلّت على شيءٍ مخالف للقاعدة نلتزم به.

إلا أن يجيب صاحب الجواهر(قده) ويقول:- إنَّ هذا المضمون هو سنخ مضمونٍ لا يلتزم به أحدٌ من الأصحاب.

وإذا قال هكذا فهذه قضية ثانية ، ولكن مجرّد اشتمال الرواية على ما يخالف القاعدة لا يبرر ردّها رأساً ، بل نأخذ بها.

وهذا لم نذكره في المحاضرة السابقة.

ولكن ما ذكرته في المحاضرة السابقة ربما ينتابه شيء من الغموض والابهام وسوف نوضحه هنا مرّة أخرى:- وحاصل الجواب الذي نريد أن ذكره في مقابل صاحب الجواهر(قده) غير الجواب الأوّل بأن يقال:- إنَّ ما ذكرته يتم فيما إذا كانت الرواية ناظرة إلى طلب البراءة فيما بعد - أي بعد العمل واجتماع هذا التراب المخلوط بذرّات الذهب - فحينئذٍ إذا أردنا أن نطلب براءة الذمّة من أصحاب هذه الذرات هنا يحصل اتّهام فيأتي ما أفاده صاحب الجواهر(قده) من أنَّ خوف الاتهام لا يبرّر التصرّف في مال الغير من دون رضاه - يعني التصدّق - ، ولكن لم لا نحمل التصدّق هنا على التصّدق القبلي ، ونقصد من التصدّق القبلي أنه حينما يأتي الشخص إلى الصائغ يقول له الصائغ أنا سوف أعمل لك هذا الذهب بشرط أن تبرءني الذمّة من ترابه فهنا سوف لا يأتي إشكال صاحب الجواهر(قده) ، والوجه في ذلك: إنه حينما يأتي هذا الشخص الذي يطلب من الصائغ أن يصوغ له شيئاً فهذا الذهب ليس من أطراف العلم الاجمالي ولا أعلم أن شيئاً من التراب هو ذهبٌ لذلك لشخص ، فلا يوجد علم حينما يأتي الشخص في البداية ، فحينئذٍ يكون التصدّق بلا علم إجمالي فأيّ مانع من ذلك ؟!! ، نعم حينما يريد التصدّق - يعني عند اجتماع التراب مع الذهب - يحصل علم اجمالي بأنَّ بعض هذا الذهب للناس ، فالعلم الاجمالي سوف يحصل حين التصدّق ، نعم من البداية حينما يأتي المشتري إلى المحلّ ويطلب منه الصياغة لا يوجد علم إجمالي وإنما يحصل العلم الاجمالي حين التصدّق ، ولكن نجيب: بأنه في هذا الحين لم يأمر الامام عليه السلام بتحصيل براءة الذمّة لأنَّ المفروض أننا نتكلّم عن تحصيل براءة الذمّة المطلوب هو في البداية قبل حصول العلم الإجمالي وحينما يأتي الشخص إلى محلّ الصائغ.

فإذن حينما يأتي الشخص إلى المحل طلب تحصيل البراءة موجودٌ لكن لا يوجد علم اجمالي ، وبعد ما يحصل علم إجمالي - وهو حين التصدّق - لا يوجد طلب من الامام بالبراءة حتى يقال إنَّ تعذّر طلب البراءة لا يبرّر جواز التصدّق ، إنما طلب الامام البراءة قبلاً ، ومن الواضح أنَّ هذا الطلب يحمل على الطلب الاستحبابي دون اللزومي ، ولا يخفى لطفه.

الرواية الرابعة:- الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن اسحاق بن عمّار قال:- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجلٍ نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع ؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها ، قلت: فإن لم يعرفوها ؟ قال: يتصدّق بها )[4] ، والمفروض في هذه الرواية أنَّ أهل هذا المنزل قالوا لا نعرف عن هذه الدراهم شيئاً فإذن سوف تصير مصداقاً لمجهول المالك والامام عليه السلام قال له تصدّق بها ، فدلالتها واضحة جداً وتامة.

وسندها تام أيضاً ، فإنَّ الحسين بن سعيد وأخيه الحسن الأهوازيان من ثقات أصحابنا ، وصفوان ثقة أيضاً ، وأما اسحاق بن عمّار فهو مردّد بين ابن عمّار الساباطي الذي هو فطحي لكنه ثقة وبين ابن حيّان التغلبي وهو ثقة عدل ، فبالتالي تكون الرواية معتبرة السند.

ولكن قد يقال:- إنها معارضة برواية أخرى بنفس المضمون دلت على أنه يأخذه له فيحمل الأمر بالتصدّق على الاستحباب بقرينة هذه الرواية الثانية ، ونصّها:- ( محمد بن يعقوب عن عليّ عن أبيه[5] عن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر[6] :- قال سألته عن الدار يوجد فيها الوَرِق[7] ، قال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم وإن كانت خربة قد جلى عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به )[8] ، إنها دلت على أنَّ من وجد المال هو أحق به وأنه له ، فتحمل تلك الرواية على الاستحباب.

والجواب واضح:- وهو أنّ هذه الرواية الثانية لم تقل إنَّ الذي وجد المال أحق به بشكلٍ مطلق ، بل قالت إذا كانت معمورة فهو لأصحاب الدار وأما إذا جلى عنها أهلها فهو للواجد ، فإذن هذه الرواية تقيد تلك فإنَّ الرواية الأولى ناظرة إلى أنَّ الدار فيها أهل وهي معمورة في مكة المكرمة ، فعلى هذا الأساس تكون الأولى ناظرة إلى المكان المعمور وفي المكان المعمور حسب هذه الرواية يكون المال لأهل المكان لا أنه يكون للواجد ، وإنما يكون له إذا كانت خربة ، فعلى هذا الأساس الرواية الثانية لا تعارض الرواية الأولى من حيث المضمون ، أي لا توجد منافاة.


[1] وهو الأشعري القمي صاحب كتاب لرحمة.
[2] ابن الوليد القمي.
[5] أي علي بن ابراهيم عن أبيه.
[6] وسندها تام أيضاً.
[7] الورق على ما ذكر في مجمع البحرين ( الوَرِق ) بفتح الواو وكسر الراء الفضة ن والورْق الدراهم المضروبة.