34-05-11


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 قلنا إن المورد ليس من شاهد الجمع وإنما هو من انقلاب النسبة وذلك بأن يقال:- هذه الطائفة تخرج المعذور الذي هو موردها من إطلاق ما دلَّ على أن المدار هو على طلوع الشمس فإن في هذه الطائفة إطلاقاً يشمل المعذور وغير المعذور فالمدار هو على طلوع الشمس ، وتأتي موثقة الفضل وتخرج خصوص موردها - أعني المعذور - من إطلاق تلك الطائفة ويكون المدار في حقه هو زوال الشمس لا طلوعها فيبقى خصوص غير المعذور حينئذ تحت هذه الطائفة التي دلت على أن المدار على طلوع الشمس فتُخرج هذه الطائفة - التي صار موردها بعد تخصيصها خصوص غير المعذور وأن المدار إلى طلوع الشمس - موردها من إطلاق الطائفة الأولى الدالة على أن المدار على زوال الشمس - ويبقى المعذور تحت إطلاقها وتصير النتيجة هي أن المعذور يمتد وقته إلى الزوال وغير المعذور يمتد وقته إلى طلوع الشمس.
 وينبغي الالتفات إلى أن هذه المناقشة التي ذكرناها ليست مناقشة أساسية وإنما هي مناقشة فنيّة فالنتيجة هي نفس النتيجة التي ذكرها السيد الخوئي(قده).
 والذي أردت أن أقوله:- هو أن المناسب الوصول إلى هذه النتيجة من طريق فكرة انقلاب النسبة لا من طريق شاهد الجمع ، والذي أظنه - والله العالم - هو أنه وقعت خيانة في التعبير وأن هذا هو مقصوده(قده) فإن هذا من المطالب الواضحة.
 المناقشة الثانية:- نفس ما أوردناه على السيد الروحاني(قده) فإنا أوردنا عليه مناقشتين:-
 أحداهما:- إن حمل الطائفة التي دلت على أن المدار على شروق الشمس على غير المعذور حمل على الفرد غير الطبيعي والنادر فأن المؤمن حينما يذهب إلى مكة يكون هدفه هو الاطاعة لا أنه يخالف عن عمد ومن دون عذر ولئن فرض أن شخصاً كان كذلك فهذه قضية نادرة وحمل إطلاق هذه الرواية - مثل صحيحة الحلبي - التي دلت على أن المدار على شروق الشمس على غير المعذور والمتعمّد والذي يتقصّد المخالفة هو حمل على الفرد غير الطبيعي والنادر وهو مستهجن فإن المتكلم قد يطلق كلامه ويقصد الفرد المتعارف أو لا أقل المساوي ويعتمد على مخصّص منفصل إنه شيء وجيه أما أن يطلق ويقصد بذلك الفرد النادر غير الطبيعي فإنه أمر مستهجن . وهذه المناقشة التي ذكرناها على السيد الروحاني ترد على السيد الخوئي(قده) أيضاً فإنه بالتالي يلتزم بأن مثل صحيحة الحلبي التي تدل على أن المدار على شروق الشمس نحملها على غير المعذور فيرد عليه نفس ما أوردنا.
 وثانيتها:- إن صحيحة الحلبي الدالة على أن المدار على شروق الشمس توجد فيها قرينة على أن الفرد المتيقن منها هو الفرد المعذور وذلك لأجل أنه عبّر فيها هكذا:- ( وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ) فإن تعبير ( فاتته عرفات ) يختص عادةً بالمعذور أما ذلك فلا يعبَّر عنه بأنه فاتته وإنما يقال ( فوَّت ) ، مضافاً إلى التعبير بقوله:- ( فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس ) فإن التعبير بقوله ( إن الله تعالى أعذر لعبده ) يتناسب مع خصوص المعذور لا من فوَّت الوقوف عن عمدٍ ومن دون عذرٍ . إن هذ المناقشة ترد على السيد الخوئي(قده) كما هو واضح ، وإذا فرض أنها لم ترد على السيد الروحاني باعتبار أنه يتمكن أن يدافع ويقول:- أنا من البداية ذكرت أن هذه الرواية مختصة بمن سوَّف عن عمدٍ لأنه(قده) حمل قوله عليه السلام:- ( فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ) على أنه عِدل لقوله:- ( فليقف بالمشعر الحرام ) يعني قبل طلوع الشمس ، وهذا عِدله - يعني ( فإن لم يقف قبل طلوع الشمس من دون عذر فقد فاته الحج ) - فانه بناءً هذا على التفسير قد لا ترد مناقشتنا آنذاك فإنه يقول أني لا أراها تامّة الدلالة ، ولكن ترد على رأي السيد الخوئي(قده) لأنه يلتزم بأنها مطلقة وشاملة للمعذور ولغيره . إذن هذه المناقشة إذا لم ترد على السيد الروحاني فهي واردة على السيد الخوئي.
 إذن مناقشتنا الأولى كانت فنيّة والثانية هي الأساسية وكانت في الحقيقة تنحلّ إلى مناقشتين.
 المناقشة الثالثة:- إنه(قده) ذكر أن الطائفة الثالثة إذا لم نقبلها كشاهد جمع فالنتيجة سوف تتغير لأنه آنذاك لو بقينا نحن والطائفتين الأولى والثانية فسوف يحصل التعارض المستقر ونرجّح ما دلّ على أن المدار على طلوع الشمس لأجل موافقة إطلاق الكتاب - أي لمثل قوله تعالى ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ..... ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) - وبما أن الناس يفيضون قبل طلوع الشمس أو عند طلوعها فالآية الكريمة تدل على أن المدار على طلوع الشمس وبمقتضى إطلاقها يكون هذا الحكم ثابتاً حتى للمعذور فيصير إطلاق الآية الكريمة موافقاً للطائفة الدالة على أن المدار على طلوع الشمس فتكون هي المرجّحة وبذلك تنعكس النتيجة فإن النتيجة على شاهد الجمع هي أن المعذور يمتد وقته إلى الزوال وغير المعذور يمتد وقته إلى طلوع الشمس أما بناءً على هذا فيصير المدار على طلوع الشمس حتى للمعذور ، هكذا ذكر(قده).
 والذي نقوله:- هو أنه(قده) ذكر في بعض كلماته القديمة أن إطلاق الكتاب وهكذا إطلاق السّنّة القطعية لا يصلح مرجّحاً لإحدى الطائفتين لأن الإطلاق مدلول لمقدمات الحكمة وليس مدلولاً للألفاظ وبالتالي هو ليس مدلولاً للكتاب الكريم حتى يصدق على الطائفة الموافقة له أنها موافقة للكتاب الكريم ، كلا فإن الإطلاق ليس مدلولاً للكتاب الكريم وإنما هو مدلول لمقدمات الحكمة ، قال(قده):- (....لأن موافقة الكتاب والسنّة إنما توجب الترجيح فيما إذا كان عمومهما لفظياً وأما إذا كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة فلا أثر لموافقتهما لأن الإطلاق ليس من الكتاب والسنّة فالموافقة معه ليست موافقة لهما ) ، ونفس الشيء ذكره في مصباح الأصول [1] وذكره أيضاً في مباني الاستنباط [2] .
 إذن بناءً على هذا المبنى لا تكون الطائفة الدالة على أن المدار على شروق الشمس موافقة للكتاب فلا تكون مقدّمة على صاحبتها ، وإنما قالت ( إن هذا قد ورد في كلماته القديمة ) باعتبار أني لم أسمعه منه طيلة حضوري عنده وإنما هو موجود في الكلمات القديمة له ولعله تركه ، ولكن في جملةٍ من كلماته كما لاحظت حتى القديمة منها أنه يوجد ما يناقض ذلك.
 وعلى أي حال هذا المبنى قابل للمناقشة فإن الإطلاق مدلول للكلام لا أنه ليس مدلولاً له غايته أن سبب الدلالة هو مقدمات الحكمة لا بنفسه فالألفاظ مرّة تدل بنفسها على العموم والسعة وهذا عبارة عن العموم اللفظي وأخرى تدل بضم مقدمات الحكمة ، إذن بالتالي الإطلاق مدلولٌ للكلام لكن لا بالمباسرة بل بالواسطة وشاهدي على ذلك هو الوجدان فلو قلت لك ( أعطني قلماً أو كتاباً ) فجئتني بكتابٍ معينٍ كالمكاسب فهل لي الحق في أن أقول ( لا أريد المكاسب بل أريد الرسائل ) ؟ كلا لا حق لي بذلك وأنت ستحتج عليّ وتقول ( أنت أطلقت واردت المطلق ) وليس من حقي أو أرد عليك ثانية وأقول ( كلا أنا لم أقل ولم أذكر وكلامي لا يدل على الإطلاق فكيف هذا ؟! ) فإنه ما دمت قد سكت عن القيد فكلامك دلّ على الإطلاق وهذا شيء وجداني وإلا إذا لم يكن مدلولاً للكلام فحينئذ كيف نتمسك بالإطلاقات فإن الحجّة هو ما أراده ربنا عز وجل وما أراده القران الكريم فإذا لم يكن الإطلاق من الكتاب الكريم فكيف نتمسك به ؟! إنه شيء ليس من الكتاب ، إذن هو مدلول للكتاب فهو كالعموم غاية الأمر العموم مدلول بالمباشرة وللفظ بذاته وللإطلاق بواسطة مقدمات الحكمة ، ولعل هذا هو الذي دعاه إلى أن لا يذكر هذا المبنى خلال فترة حضورنا عليه.
 وعلى أي حال هذه مناقشة ليست مهمة أيضاً.
 المناقشة الرابعة:- إن الآية الكريمة ناظرة إلى من كان في عرفات أو في المزدلفة فعليه أن يفيض حينما يفيض الناس - أي يفيض حين طلوع الشمس - أما من لم يكن فيهما كما هو محل كلامنا فهل يجزيه الوقوف بعد ذلك أو لا ؟ إن هذه قضية أجنبية عن الآية الكريمة إذ أنها ناظرة ومتوجهة إلى من كان في عرفات أو في المشعر فبناءً على كون كلمة ( حيث ) زمانية لا مكانية - وهذا أيضاً هو أول الكلام فلعلها مكانية لا زمانية ولكن بغض النظر عن ذلك يعني مع التسليم بأنها زمانية - فغاية ما تدل عليه هو أن من كان في المشعر عليه أن يفيض حين طلوع الشمس - هذا للموجود - أما غير الموجود في المشعر ويريد أن يأتي ويقف قبيل الزوال هل يجزيه أو لا فهي ليست متعرضة له وهذه خارجة عن مدلولها بالكلية رأساً فلا معنى للتمسك حتى بالإطلاق . إذن ما أفاده(قده) واضح المناقشة.


[1] مصباح الاصول في تراث السيد الخوئي تسلسل48 ص517 ط جديدة، ج3 ص431 ط قديمة.
[2] مباني الاستنباط للسيد الكوكبي،ج4 ص503.