34-05-25


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 بقي شيء:- ذكرنا في الشرط الثاني اعتبار أن يكون الرمي بسبع حصيات ، والسؤال هو:- هل يجوز الرمي بأكثر من ذلك كأن يرمي بثمان أو تسع حصيات أو ما شاكل ذلك ؟
 والجواب:- إذا كان يقصد بذلك الاحتياط فلا مانع كأن يحتمل أن واحدةً أو ثنتين لم تصب الجمرة فمن باب الاحتياط يرمي أكثر حتى يحصل له الجزم ، إن هذا لا إشكال فيه فإن الاحتياط إذا كان في الطواف أو في السعي مضرّاً من باب أنه زيادة فهنا ليس بمضرّ وإن كان هناك يمكن أن يقال حيث أنه لم يقصد الزيادة فلا يتحقق عنوانها - أي عنوان الزيادة - ولكن لو قال قائل إن عنوان الزيادة يتحقق ولو لم يقصد عنوان الزيادة فالمحذور يثبت في باب السعي والطواف فقط وأما هنا فحيث أن عنوان الزيادة ليس منهيّاً عنه فلا محذور من هذه الناحية . نعم لو رمى أزيد من سبعٍ لا بقصد الاحتياط بل بقصد التشريع - إذ ينحصر لو لم يكن هذا فذاك ولا شق ثالث متصوّر - فيكون ذلك من باب قصد التشريع ، وإذا قلنا إن قصد التشريع تنحصر الحرمة فيه بالقصد ولا تسري المبغوضية من القصد إلى الفعل الخارجي فيبقى الفعل الخارجي صحيحاً رغم الزيادة فيه والمبغوضية تنحصر دائرتها بالقصد ، وأما إذا قلنا إن المبغوضية تسري من القصد إلى الفعل الخارجي فيقع باطلاً من باب أنه صار مبغوضاً.
 وعلى أي حال المؤمنون عادةً حينما يزيدون بعض الحصيات فذلك لا بقصد التشريع فليس ذلك بمضرّ ولا إشكال فيه أبداً حتى لو أتى بسبعٍ ثانية وثالثة .... وهكذا.
 وأشرناً فيما سبق أيضاً إلى أنه كان من المناسب في عبارة المتن أن يعبّر بدل قوله ( فلا يجوز رمي غيرها ) بتعبير ( فلا يجوز الرمي بغيرها ) - أي بغير الحصاة - فإن تعبيره قد يكون موهماً أما إذا أضيفت الباء يرتفع هذا الإيهام .
 
 قال(قده):-
 3- أن يكون رمي الحصيات واحدة بعد واحة فلا يجزئ رمي اثنتين أو أكثر مرَّة واحدة.
 ..........................................................................................................
 كان كلامنا في شرائط الرمي وتقدّم الحديث عن شرطين أحدهما قصد القربة الثاني أن يكون الرمي بسبع حصيات ، والآن يريد التعرض إلى الشرط الثالث.
 
 وأما بالنسبة إلى الشرط الثالث:- وحاصله أن يكون الرمي متلاحقاً - يعني الواحدة تلو الأخرى لا أنه يأخذ السبع دفعة واحدة ويرميها كذلك أيضاً - إنه لا يجوز بل لابد وأن يضرب الحصاة الأولى ثم الثانية ... وهكذا إلى سبع . وهذا الشرط لم يتعرض إليه المحقق في شرائعه ولكن تعرض اليها صاحب المدارك قائلاً:- ( ويعتبر تلاحق الحصيات فلو رمى بها دفعة فالمحسوب واحدة ) [1] ، ثم أشار إلى قضية أخرى وهي أنه لو كان الرمي تدريجياً إلا أن إصابة الجمرة كانت واحدة فإنه لو تصورنا ذلك فهل يضرّ أو لا ضرّ ؟ قال(قده) لا ضرّ ذلك لأن المهم هو أن يكون الرمي متلاحقاً ، قال(قده):- ( والمعتبر تلاحق الرمي لا الإصابة فلو أصابت المتلاحقة [2] دفعة أجزأت ولو رمى بها دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجزيه ) ، ولكن كان من المناسب له(قده) أن يشير إلى المدرك فإنه أشار إلى الحكم فقط دون المدرك. وعلى أي حال ذكر صاحب الجواهر ما نصّه:- ( ويجب التفريق في الرمي بلا خلاف أجده فيه بل عن الخلاف والجواهر [3] الاجماع عليه وهو الحجة بعد الانسباق ... ) [4] . إذن نستفيد من عبارته أن المسألة لا خلاف فيها ، ثم بيّن(قده) ثلاث مدارك وقد أشار في هذه العبارة إلى مدركين أحدها الانسباق حيث قال:- ( وهو الحجّة بعد الانسباق ) وهناك مدركان آخران سنشير اليهما بعد ذلك.
 وعلى أي حال الكلام يقع في مطلبين:-
 المطلب الأول:- هل يعتبر تلاحق الرمي أو يجوز رمي السبع دفعة واحدة ؟ وواضح أن حكم السبع دفعةً واحدةً حكم رمي الأقل من سبع كأن يرمي ثنتين دفعة أو ثلاث دفعة فإذا قلنا ذلك لا يجوز في السبع فهذا لا يجوز في الأقل أيضاً لعدم الفرق بينهما لذلك نحن نقتصر على حكم السبع.
 والمطلب الثاني:- لو كان الرمي متلاحقاً إلا أن الإصابة كانت دفعة فهل يجزئ أو لا ؟
 أما بالنسبة إلى المطلب الأول:- فقد ادعي كما عرفنا عدم الخلاف في اعتبار تلاحق الرمي وقد يستدل على ذلك بما بوجوه:-
 الوجه الأول:- ما جاءت الإشارة إليه في الجواهر وهو التأسي وتوقيفيّة العبادات ، وقبله قد أشار إلى ذلك صاحب الحدائق(قده) [5] حيث نسب إلى تصريح جملة من الأصحاب أن المروي من فعل النبي والائمة عليهم السلام ذلك وهي عبادة مبنيّة على التوقيف.
 وفيه:-
 أما بالنسبة إلى التأسي:- فقد تقدم الحديث عنه مراراً وقلنا إن التأسي به صلى الله عليه وآله وبالأئمة عليهم السلام شيء لازم بلا إشكال إلا أن فعلهم لا يدلّ على الوجوب بل هو أعم منه ومن الاستحباب.
 أما بالنسبة إلى التوقيفية:- فإذا كان يقصد من ذلك أنه يلزم أن يؤتى بالعبادة بالشكل الذي وردنا وقد ورد منهم عليهم السلام أنهم كانوا يأتون بالرمي متلاحقاً فنحن أيضاً يلزمنا ذلك فهو عين التأسي وقد ذكرنا بأنه أعم من الوجوب ، وإذا كان يقصد من التوقيفية إعطاء قاعدة وهي أنه لا تجوز الزيادة في العبادة ولا النقصان بل يلزم الاقتصار على ما ثبت لا أكثر بقطع النظر عن فكرة التأسي ، فجوابه:- هو أننا نسلّم أن الزيادة على ما أراده الشارع شيء لا يجوز وتغيير الكيفية التي أراها الشارع لا يجوز أما كيف نثبت أنه أرادها بهذه الكيفية بالخصوص - أي أن السبعة أرادها متلاحقة لا دفعة - ؟ والحال أنه شرّع لنا أصل البراءة فلو شككنا أن هذه الكيفية لازمة أو ليست بلازمة فحيث شرّع لنا أصل البراءة والمفروض أنّا طبقناه فيثب أن هذه الكيفية ليست لازمة وإنما هي فردٌ من الأفراد المطلوبة لا أنه هي المتعيّنة ، إنه بناءً على هذا نكون أيضاً قد سرنا طبق ما رسمه الشرع لنا إذ من جملة ما رسمه لنا هو أصل البراءة فنحن لم نتجاوز الدائرة التي رسمها الشرع لنا بعد إدخال أصل البراءة في الحساب.
 الوجه الثاني:- الانسباق ، وهو ما أشار إليه صاحب الجواهر(قده) في كلماته والظاهر أنه يقصد منه التبادر والظهور فإنه لو قيل ( ارم الجمرة بسبع حصيات ) فالمفهوم عرفاً أن يكون الرمي متلاحقاً لا دفعة واحدة.
 وجوابه واضح:- فإنه لو تمّ هذا الانسباق حقاً فهو أوّل الكلام يعني نتمكن أن نقول إنه حتى لو رود ( ارم الجمرة بسبع حصيات ) فنقول إن فهم اعتبار تدريجيّة الرمي هو أول الكلام ، فإذا أخذ المكلف الحصيات في يده جميعاً ورمى فيصدق أنه رمى الجمرة بسبع حصيات فالتدريجيّة في الرمي لا تفهم عرفاً من هذا . ولكن لو غضضنا النظر عن ذلك وسلّمنا بما أفاده من الانسباق ولكنه يتم لو كان دلينا نص يعبر بالتعبير المذكور - أي إنه يقول ( ارم الجمرة بسبع حصيات ) - ولكن لا نملك دليلاً من هذا القبيل فإنه قد تقدم في الشرط السابق عدم وجود رواية باللسان المذكور وإنما فهمنا اعتبار ذلك من هنا وهناك وقلنا حيث إن المسألة ابتلائية فلابد وأن يكون حكمها واضحاً أو ما شاكل ذلك . إذن هذا الانسباق لا معنى له بعد فقدان النصّ باللسان المذكور.
 وإذا قلت:- يوجد في بعض الروايات أنه لو رمى ستاً فيأخذ واحدة ويرمي الجمرة حتى تصير سبع.
 قلت:- إن هذا وإن دلّ على وجوب رمي السبع لكنه ليس بلسان ( ارم الجمرة بسبع حصيات ) حتى يقال إن المتبادر من هذا الأمر باللسان المذكور تدريجية الرمي وإنما غاية ما يفهم هو أن السبع لابد وأن ترمى ، أما كيف ؟ فهذا مسكوت عنه فلا يمكن أن نستفيد التدريج.
 الدليل الثالث:- إنه لو كان ذلك جائزاً لصدر ، وهو ما قد توحي به بعض كلمات السيد الخوئي(قده) ، يعني لو كان الرمي دفعةً شيئاً جائزا لصدر من المتشرعة والحال أنه لم ينقل أن المتشرّعة صدر منهم ذلك.
 وفيه:- يمكن أن يكون عدم الصدور من جهة أن المستحب هو تلاحق الرمي لا الرمي دفعةً والمفروض أن إحراز إصابة الجمرة شيءٌ لازم فلو أراد المكلف الإحراز فهو عادة لا يتحقق إلّا برمي واحدةٍ تلو الأخرى . إذن عدم الصدور لعله لمجموع هاتين النكتتين إن لم تصلح كل واحدةٍ لأن تكون ردّاً مستقلاً فيقال بأن استحباب التدريجيّة هو الذي دعا إلى ترك الرمي دفعةً.
 وإذا قيل:- إن الاستحباب لا يستلزم أن لا يتحقق الرمي دفعةً حتى بشكلٍ نادرٍ إذ المكلف من الأسهل له أن يرمي دفعةً ثم يذهب فهو صحيح أن المستحب هو التدريجية ولكن لأجل أن يتخلص المكلف من المشقّة والزحام فيرمي دفعة ويذهب . إذن المواظبة على أن لا يكون الرمي دفعة يدلّ على أن القضيّة أكثر من كونها مستحبّة ولذلك نضمّ إليها النكتة الثانية فنقول [6] لعله لم يتحقق ذلك منهم لأنه لابد من إحراز الإصابة وهو عادةً لا يتحقق إلّا بالرمي بنحو التدريج.


[1] المدارك، ج8 ص8.
[2] أي الرميات المتلاحقة
[3] اي جواهر القاضي
[4] الجواهر،ج19 ص106.
[5] الحدائق، ج17 ص14.
[6] وهذا هو الذي دعاني إلى جعلهما نكتة واحدة وعدم فرزهما.