39/05/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط العقد ( الفصل الأول ) - المكاسب المحرّمة.

القضية الثانية:- لا نرى ضرورة إلى صرف الوقت في تحديد البيع ، فمثلاً يقول الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب على ما نقلنا عنه إنه عبارة عن ( انشاء تمليك عين بمال ) ، ويأتي الغير فيقول يرد على هذا التعريف إشكال فيعرّفه بتعريفٍ آخر .... وهكذا ، فنحن لا نرى نفعاً له بعدما كنّا نحمل صورة ارتكازية عن معنى البيع ، ومن الواضح أنَّ المعاني الارتكازية تحديدها قد يواجه مثل هذه المشكلات ، والأنسب الانشغال في قضية أخرى فإن هذا لا بأس به وهي أنَّ ذلك المعنى الارتكازي هل ينطبق في هذا المورد أو لا ، ونمثل لذلك بموردين ،:-

المورد الأوّل:- لو فرض أن المبيع كان متحداً مع الثمن من حيث كونهما من العروض معاً ، كأن اقول لك: ( بعتك هذا الكتاب بذلك الكتاب الذي عندك ) فكلاهما كتاب ، أو بيع دار بدار أو بيع قلم بقلم فهل هذا بيع أو ليس ببيع بحسب ذلك المعنى الارتكازي وهل يشمل هذه الحالة أو لا ؟ فإذا كان يشمل هذه الحالة فهذه المعاملة تصير بيعاً ، وإذا صارت بيعاً فسوف يشملها خيار البيع من قبيل خيار المجلس أو غير ذلك ، وإذ لم تكن بيعاً فلا يثبت فيها خيار المجلس أو غير ذلك.

فإذن شيء نافع أن نلاحظ أنَّ ذلك المعنى الارتكازي هل حدوده وسيعة وتشمل مثل هذا المورد أو لا ، فإنَّ هذا شيء جيد ، وهو مورد يستحق أن يقع فيه البحث والنزاع.

المورد الثاني:- لو فرض أني قلت لك:- ( أبيعك مليون دينار عراقي معجّل بمليون وربع دينار عراقي إلى فترة شهر ) فهل هذا بيع أو قرض ؟ ، فهنا الثمن والمثمن قد اتحدا في الجنس ، فمثل هذا هل يعدّ بيعاً أو يعدّ قرضاً ؟ ، وهذا نزاع في محله أيضاً ، فنلاحظ ذلك المعنى الارتكازي الثابت في أذهاننا هل يشمل مثل هذا المورد أو لا ؟ فإذا فرض أنه كان مصداقاً للبيع فلا يلزم الربا حينئذٍ لأنه من قبيل المعدود والمعدود لا يتحقق فيه الربا ، أما إذا كان من قبيل القرض وقد أُلبِس صورة البيع وصيغته فحينئذٍ يكون قرضاً في واقعه وبالتالي يكون محرّماً.

إنّ البحث بهذا الشكل - يعني أنَّ ذلك المعنى المرتكز هل يشمل هذه الحالة أو لا يشملها وهكذا في المورد الأوّل - شيء جيد أما أن نشغل وقتنا في تعريف البيع بشكلٍ كلّي ثم نقول هو ينتقض طرداً وغير ذلك فلا حاجة إليه.

هذه قضية جانبية ثانية جانبية.

القضية الثالثة:- إنَّ البيع يغاير الاشتراء عرفاً ، فالبيع هو فعل البائع ، والاشتراء هو فعل المشتري ، فلو فرض أن شخصاً ذهب إلى صاحب المكتبة وأخذ منه كتاب المكاسب بدينارٍ فهذا بيع من جانب صاحب المكتبة واشتراء من جانب الشخص الذي دفع الدينار ، فذاك بائع وهذا مشتري ، ولا يصدق عليهما معاً أنه بائع ومشتري ، فالبيع بما له من معنى ارتكازي يختصّ بصاحب المكتبة الذي دفع الكتاب ، والشراء يختص بالذي دفع الدينار وجاء إلى المكتبة ، لا أنَّ كل واحد منهما هو البائع وهو المشتري بحيث تكون المعاملة مركّبة من بيعين وشراءين ، كلا فإن إنَّ واقع الحال ليس كذلك ، وإنما واقع الحال هو أنَّ البيع متحقق من أحدهما والاشتراء متحقق من الآخر.

هذه ثلاث قضايا جانبية ، والآن ندخل في صلب الموضوع.

وهناك نقطتان نحاول بيانهما:-

النقطة الأولى:- ما هي حقيقة البيع بمعناه الارتكازي ؟

النقطة الثانية:- ما هو الفارق بين القرض والبيع ؟

أما النقطة الأولى:- فقد ذكر السيد الخوئي(قده)[1] في هذا المجال - وروح المطلب أيضاً مذكور في كلمات الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[2] – ما حاصله:- إنَّ البائع يختلف عن المشتري ، فالبائع ينقل خصوصيةً أي مالاً بما له من خصوصية إلى الطرف الثاني في مقابل أن يحصل على مالٍ بقطع النظر عن الخصوصية فيه ، بينما المشتري على العكس فهو يحاول أن يحصل على الخصوصية في مقابل أن يدفع مالاً بما هو مال بقطع النظر عن الخصوصية ، ومثّل(قده) في عبارة المتن بالسكّر ، بحيث يذهب شخص فيشتري كيلواً من السكر بدرهم مثلاً ، فالسكر هو المشتمل على الخصوصية فهو مال لكن خصوصيته أنه سكر وهو يُقصَد لخصوصيته ، والبائع ينقل هذا المال بما له من خصوصية إلى المشتري في مقابل أن يحصل على المال بغضّ النظر عن خصوصيته - أي سواء كان ديناراً أو درهماً - فهو يريد ما ماليته تساوي كذا فالهم والهدف الأساسي للبائع هو المالية فقط ، إذن البائع ينقل الخصوصية في مقابل الحصول على المال بما هو مال ، بينما المشتري يتقبّل الخصوصية في مقابل المال بما هو مال ، هذا هو الفارق بين البيع وبين الاشتراء .

ثم قال(قده):- هناك حالات ثلاث:-

الحالة الأولى:- أن يكون أحد العوضين من العروض - يعني الأمتعة - كالسكر والثاني من الاثمان أي النقود كدرهم أو دينار مثلاً.

الحالة الثانية:- أن يكونا معاً من العروض ، كما لو كان عندي دار وعندك دار أبيع داري بتلك الدار التي عندك.

الحالة الثالثة:- أن يكونا معاً من النقود - أي الأثمان -.

أما الحالة الأولى[3] :- فهذا هو مورد البيع ، فإنه هنا توجد خصوصية في أحد العوضين قد لوحظت وهي عنوان السكّر والذي ينقل هذه الخصوصية مقابل النقد بما نقد وبما هو مال بقطع النظر عن خصوصيته هو البائع ، أما الطرف الذي يدفع المال في مقابل الحصول على الخصوصية فهو المشتري ، وهذا كذلك عرفاً[4] .

أما الحال الثانية:- فهنا لا يكون المورد من البيع ، ولا يصدق عليه البيع ، وإنما يكون معاملة مستقلة ، ولو سألتني ما اسمها ؟ فأقول: إنَّ اسمها ليس بمهم ولك أن تسميها ما شئت فإنَّ هذه المعاملة واقعها هو مبادلة خاصة أما ما هو اسمها فلا يهم ، فهي بالتالي مبادلة مستقلة ونثبت صحتها ولزومها بعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو ﴿ تجارة عن تراض ﴾ ، فإن الاسم ليس بمهم ولكن هذا عقدٌ فيشمله ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، فإذن هذه الحالة ليست من البيع ، ولذلك لو فرض أني دفعت بيتي في مقابل بيتك فلا يقال عرفاً بعت بيتي واشتريت ذلك البيت ، فلا أنا أقول ذلك ولا ذاك يقوله ، وإنما يقال أبدلت بيتي ببيت فلان ، فعلى هذا الأساس هذه معاملة مستقلة وليست بيعاً.

والثمرة العملية:- هي أنه إذا قلنا إنَّ هذه المعاملة ليست بيعاً فلا يثبت فيها خيار مجلس لأنه مختصّ بباب البيع ، أما إذا قلنا هي بيع فيثبت فيها خيار المجلس ، وهذا ليس بمهم ، إنما المهم هو أنَّ هذه المعاملة ليست بيعاً.

وأما الحالة الثالثة:- فهنا فصّل(قده) وقال: إن كانت النقود مختلفة كالدولار بالدينار فهنا يقال للدولار هذا قد لوحظت خصوصيته لا ماليته بما هو مال ، فقصدت الخصوصية فيكون هو المبيع والذي يدفع الدولار يكون هو البائع أما الدافع للثمن يكون مشترياً ، وأما إذا اتحدا كالدينار بالدينار فلو أبدل ورقة نقدية من فئة دينار واحد بورقة نقدية من فئة عشرة دنانير ففي مثل هذه الحالة كلاهما يكون من النقود وهما من نقد واحدٍ فهذا لا يكون بيعاً ، لأنَّ الخصوصية ليست ملحوظة وإنما تكون معاملة مستقلة مشمولة لـ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾.

ونلفت النظر إلى شيء:- وهو أنَّه من اين أتى السيد الخوئي(قده) بهذه الحالات ؟ إن لم يجئ به من اجماع ولا قرآن كريم ولا روايات وإنما هذا هو معنى ارتكازي عرفي ، لكن يلزم أن نتأمل في ذلك المعنى الارتكازي العرفي فترةً من الزمن ونراه ماذا يقتضي وعلى ضوئه نقسّم إلى هذه الحالات الثلاث ، وإلا فالقضية ليست مرتبطة بكتابٍ أو سنة وإنما بعض الأبحاث هي من هذا القبيل ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها ، وهو(قده) أخذ بها في المتن وبيّن العبارة على طبقة ، وكان المناسب حذف هذه العبارة من المنهاج فإني لا أرى داعياً إلى ذكرها لأنَّ هذه قضية علمية فمن المناسب عدم ذكرها في الرسالة العملية ، فهو(قده) قال:- ( البيع هو نقل المال بعوض بما أنَّ العوض[5] مال لا لخصوصية فيه ) ، فالبيع هو نقل للخصوصية مقابل المال بما هو مال ، وقد أخذ في البيع خصوصيتين حيث قال أوّلاً:- ( البيع هو نقل المال بعوض ) ، وقال ثانياً:- ( بما أن العوض مال لا لخصوصية فيه ) فهو أخذ أشبه بالقيدين أو الوصفين ، ثم قال:- ( والاشتراء هو اعطاء الثمن بإزاء ما للمشتري غرض فيه بخصوصه في شخص[6] المعاملة فمن يبيع السكر يريد حفظ مالية ماله في الثمن لكن المشتري إنما يطلب السكر لحاجته فيه فإذا كان الغرض لكلا المتعاملين أمراً واحداً كمبادلة كتبا بكتاب مثلاً لم يكن هذا بيعاً بل معاملة مستقلة ).


[1] تراث السيد الخوئي ( التنقيح في شرح العروة الوثقى)، الخوئي، تسلسل36، ص9.
[2] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج2، ص19.
[3] يعني إذا كان احدهما من العروض والآخر من الأثمان.
[4] أذن السيد الماتن(قده) لم يذهب إلى تحديد البيع وإنما ذهب إلى ذلك المعنى الارتكازي وقال إنَّ ذلك المعنى الارتكازي يقتضي هذا وهو أنَّ البائع هو من ينقل الخصوصية والمشتري من يتقبل الخصوصية في مقابل المال بما هو مال.
[5] ومقصوده من العوض الثمن.
[6] يعني في هذه المعاملة غرضي انا المشتري قائم بالحصول على السكّر مثلاً لا بالمال بما هو مال كلا وإنما مال بما له خصوصية أنه سكّر.