39/06/28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 49 ) اشتراط الموالاة بين الايجاب والقبول - المكاسب المحرّمة.

استدراك:-قد علقنا على ما ذكره الشيخ النائيني(قده) بخمس تعليقات ولكن رب قائل يقول دفاعاً عن الشيخ النائيني(قده):- إنَّه حينما قال لو تأخر القبول عن الايجاب يلزم أن يتحقق خلع الملكية من دون أن يلبسها المشتري ليس مقصوده اثبات المولاة واعتبارها بهذا البيان حتى يرد عليه ما أوردناه سابقاً ، ومن جملة ما أوردناه هو أنَّ هذه القضايا يلزم أن تؤخذ من الشرع ، فإذا فرض أنَّ الشرع قال بأنَّ الموالاة ليست لازمة ويجوز تأخر القبول فهل لا نقبل من الشرع المقدس ذلك ونقول له إنه يلزم تحقق خلع بلا لبس وبقاء الملكية معلقة ؟! إنَّ هذا غير مقبول ، بل نقبل منه ذلك ، فإذا قال لا تعتبر الموالاة فنقول بعدم اعتبارها ، وإذا قال بالموالاة فنقول بها ، وإذا لم يكن دليل على ذلك فالمناسب الرجوع إلى الأصول العملية ، فنحن قد علقننا بهذا التعليق وغيره من التعليقات ، ولكن ربما يدافع مدافع عن الشيخ ويقول إنَّ مقصوده أنه يريد أن يدّعي انصراف الأدلة عن مثل هذا العقد ومنشأ الانصراف سوف يلزم خلع بلا لبس ، فهو لا يريد أن يثبت اعتبار الموالاة من خلال هذا البيان مباشرةً وابتداءً حتى يقال له إنَّ اعتبار الموالاة وعدمها نأخذه من الشرع لا من هكذا أدلة ، وإنما مقصوده اثبات الانصراف يعني إن ﴿ أحل الله البيع ﴾ و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ منصرفة عن هذا العقد ومنشأ الانصراف العرفي أنه يلزم حصول خلع بلا لبس.فإذا كان مقصوده هذا فهو شيء لا بأس به ، فهو يريد أن يشير إلى منشأ الانصراف لا أنه يريد أن يثبت اعتبار الموالاة مباشرة وابتداءً.

وإذا قلت دفاعاً عن الشيخ النائيني(قده):- إنه لو رجعنا إلى عبارته فلا نستظهر منها ذلك.

قلت:- إنَّ العبارة ليست مهمة ، بل المهم هو أنَّ هذا التوجيه بهذا الشكل - سواء كانت عبارته تساعد عليه أو لا – هل هو مقبول أو لا ؟ ، فإذا أراد شخص أن يوجه مقصود الشيخ النائيني هكذا ما هو الجواب ؟

قلنا:- إنَّ الانصراف قضية وجدانية يرجع فيها إلى الوجدان العرفي ، فإن كنا نشعر بوجداننا العرفي بالانصراف ، يعني انصراف ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ و ﴿ أحل الله البيع ﴾ عن حالة تأخر القبول عن الايجاب فلا نحتاج إلى مسألة خلع ولبس وما شاكل ذلك ، وإذا قلنا نحن لا نشعر بالوجدان بذلك فما ذكره لا يحرّك وجداننا نحو الانصراف فإنَّ الوجدان لا يبحث عن مثل هذه القضايا - يعني يلزم خلع بلا لبس - ، نعم هذا قد يكون وجهاً عقلياً لا أنه يحرك الوجدان العرفي.

ثم دخلنا في الوجه الرابع للحاج ميرزا علي الايرواني(قده) وقد قلنا إنه ذكر كلاما ًقد يكون قريباً من كلام الشيخ النائيني(قده) وحاصله:- إن المشتري إذا قال ( قبلت ) مع فرض تأخر القبول عن الايجاب بنحو تفوت به الموالاة فهل هذا قبول بتمام مضمون الايجاب - أي النقل من حين الايجاب - لأنَّ مفاد بعت هو نقلت من الآن يعني من حين صدور الايجاب ، فإذا كان هذا قبولاً بتمام مضمون الايجاب مع فرض وجود الفاصل كخمس دقائق مثلاً يلزم تحقق النقل قبل تحقق القبول وهذا غير ممكن ، فإنَّ النقل لا يتحقق إلا أن يتحقق الايجاب زائداً القبول أما الايجاب وحده فلا يكفي ، بينما هنا إذا تأخر القبول سوف يحصل حدوث الملكية وانتقالها من حين الايجاب رغم أن القبول غير متحقق وهذا غير ممكن ، وإذا كان القبول قبولاً ببعض مضمون الايجاب - يعني بأصل النقل لا بالنقل من حين الايجاب - لزم عدم مطابقة القبول للإيجاب ويلزم في القبول أن يكون قبولاً بالإيجاب ، وإذا قال قائل: ما هو الدليل على اعتبار ذلك ؟ قلنا: إنه قبول والقبول لابد أن يكون قبولاً بمضمون الايجاب وإلا فهو ليس قبولاً.

ثم أشكل على نفسه وقال:- إذا لم يكن الفاصل خمس دقائق بل كان فاصلاً قصيراً لا تفوت به الموالاة فأيضاً يأتي هذا الكلام فنقول إذا قال البائع ( بعتك كذا بكذا ) والمشتري يريد أن يقول بسرعة ( قبلت ) فهنا أيضاً يحصل فاصل كثانية مثلاً فعاد الاشكال ، فإنَّ هذا القبول هل هو قبول بتمام مضمون الايجاب أو لا ؟

أجاب وقال:- إنه لقلّة الفاصل عرفاً تسقط المطابقة بين الايجاب والقبول وأنَّ هذا قبول بتمام مضمون الايجاب وقد تحقق من دون فصل ، فكان هذا الاتصال العرفي اتصالاً حقيقياً.

ويرد عليه:-

أولاً:- إذا تحقق فاصل بمقدار ريع ثانية أو نصف ثانية أو ثانية فهو قال لا يضر فإنه تصدق المطابقة بين القبول والايجاب عرفاً ، ونحن نقول: كلا فإنَّ المفروض هو أنه كيف يحصل النقل من حين الايجاب قبل ربع الثانية هذا فإنَّ هذا لا يمكن ؟!! ، فكما نقول بأنه لا يمكن أن يتحقق النقل من حين الايجاب لو تأخر القبول خمس دقائق كذلك لو كان الفاصل ربع ثانية ، فإنَّ الشيء الذي لا يمكن فهو لا يمكن في كلا الحالتين ، لأنه سوف يلزم ترتّب الملكية من دون قبول في ربع الثانية هذه وهذا غير ممكن.

ولو قلت: إنَّ هذا الفاصل بحكم العدم.

فنقول: إنَّ هذا لا ينفع شيئاً ، إذ بالتالي هل حصلت الملكية قبل القبول أو لا ؟ نعم هي حصلت قبل القبول بالدّقة ، فعاد الاشكال وهو أنه كيف تحصل الملكية قبل القبول ؟! ، ومجرد كون هذا في حكم العدم لا ينفع فإنَّ المستحيل مستحيلٌ والنظرة العرفية لا تنفع في باب المستحيل ، فإذا كان حصول الملكية قبل القبول مستحيل فهو مستحيل حتى قبل آنٍ صغير ، ولا فرق بين الآن الصغير والآن الكبير ، ومجرّد دعوى أنَّ هذا بحكم المطابق غير مقبول.

ثانياً:- إنَّ منشأ هذا البيان والسند له يرتكز على قضية وهي أنَّ الايجاب أي ( بعت ) بمعنى نقلت من الآن أي من حين الايجاب ، ونحن نقول: من أين لك هذا ؟ ، بل معنى ( بعت ) يعني نقلت ، أما من الآن فلا ، نعم صدر الايجاب الآن وصدر النقل الآن لا أنَّ النقل مقيّد بالآن ، وإن شئت قلت إنَّ ( الآن ) ليس قيداً وإنما هو ظرف والظرف لا يقيّد ، فإذا قلنا إنَّ ( الآن ) ليس قيداً وإنما مفاد ( بعت ) هو ( نقلت ) فهنا لا يلزم الاشكال ، إذ حتى لو تأخر القبول فبالتالي هو قبول بمضمون الايجاب ، وتمام مضمون الايجاب هو أصل النقل وليس النقل الآن حتى يلزم تحقق الملكية قبل القبول.

ثالثاً:- إنه يرد ما أوردناه على الشيخ النائيني(قده) من أنَّ قضية الموالاة يرجع فيها إلى الشرع لا إلى هذه البيانات والوجوه ، فإذا فرض أنَّ الشرع المقدّس قال الملكية تحصل قبل القبول مادام القبول يتحقق بعد ذلك فالملكية تحصل من حين الايجاب فهل نرفض ذلك منه ؟ كلا فإنَّ هذه قضايا شرعية ، وإذا قال الملكية لا تحصل بعد القبول أيضاً فنقبل ذلك منه ، وهل توجد موارد لا يحصل فيها النقل للملكية بعد القبول ؟ نعم في الهبة والقرض حيث يشترط في حصول المليكة الايجاب والقبول والقبض ، فلو قال لك وهبتك وأنت قلت قبلت ولكن لم يحصل القبض فالملكية بعدُ ليست حاصلة شرعاً ، وهذه قضايا شرعية ، فإذا كانت قضايا شرعية فلنرجع إلى الشرع ، فإذا فهمنا من الدليل الشرعي اعتبار الموالاة فبها ، وإذا فهمنا عدم اعتبار الموالاة فبها ، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك فنرجع إلى ما تقتضيه القواعد لا إلى ما ذكره(قده) من البيان ، فإنَّ هذه بيانات لا تنفع ، بل نرجع إلى ما تقتضيه القاعدة الذي هو استصحاب عدم ترتب الأثر ، والذي تصير نتيجته اعتبار الموالاة لكن لا من باب أنه يلزم حصول الملكية قبل القبول أو غير ذلك فإنَّ هذه كلّها ليست محاذير ، ولو قال الميرزا علي الايرواني(قده) إنَّ مقصودي هو نفس مقصود الشيخ النائيني(قده) فأنا أريد أن أبين منشأ الانصراف ولا أريد اثبات اعتبار الموالاة بهذا الوجه ، فنجيبه بنفس الجواب ونقول إنَّ الانصراف قضية وجدانية فإن كنّا نشعر به قبل بيانك فهو موجود ولا نحتاج إلى بيان ، وإذا لم يكن موجوداً فبيانك لا يحرّك الوجدان نحو الشعور بالانصراف.

إذن اتضح أنَّ هذه الأدلة الأربعة ليست تامة[1] .

بعد أن انتهينا من هذه البيانات الأربعة بالتالي هل نعتبر الموالاة أو لا ؟

والجواب:- نحن لا نعتبر الموالاة لعدم الدليل عليها ، بل الدليل قائم على عدمها ، فإنه بالمكاتبات يكفي الايجاب ، فإذا وصلت الرسالة بعد فترة شهر أو أكثر أو أقل والمشتري قال ( قبلت ) فالعرف يرى تحقق العقد ، وهكذا لو بعث له هدية أو أموالاً في بلاد الهند مثلاً فهل يقال تحقق الفاصل لأنَّ هذه هبة وهي تحتاج إلى ايجاب فلم يتحقق العقد ؟! إنه هذا الكلام غير مقبول ، فإذن الموالاة ليست معتبرة ، وهذه الأمثلة التي ذكرناها هي منبهات على عدم اعتبار الموالاة بمعنى الاتصال العرفي بين الايجاب والقبول ، نعم بعدم الانصراف فهذه متفقون عليها بلا إشكال في ذلك


[1] ونذكر قضية من باب الجملة المعترضة لا ترتبط بموضوعنا:- وهي أنه قلنا يشترط في باب الهبة القبض، فقد يهب الرجل لزوجته داراً أو سيارة ومن الواضح أنه إذا كان يهبها بعد الوفاة فهذا باطل فإنَّ هذا سوف يصير ملكاً للورثة، فإذا أراد أن يهبها فليهبها قبل وفاته، فإذا وهبها الدار أو السيارة فهل اعطاها مفتاح الدار أو السيارة أو أنه قال لها فقط لك هذه السيارة أو البيت أو كتب لها ورقة وامضى عليها بأنَّ هذه الدار لزوجتي، فهل هي تملك هذه الدار أو السيارة أو لا أو تبقى كسائر التركة تقسَّم بين الورثة ؟والجواب:- نحن نسألها هل سلّمكِ مفتاح الدار أو السيارة أو لا ؟ فهل حصلت تخلية أو لم تحصل التخلية ؟ فإذا لم تحصل التخلية فلا ينفع ذلك، فعلى الذي يريد أن يهب شيئاً لزوجته فليسلّمها المفتاح ويقول لها لك أن تتصرفي كل التصرفات التي تريدينها في هذه السيارة أو الدار، فهنا حصل القبض، ثم يقول لها اجعليني وكيلاً عنك - فإذا اقتضت المصلحة ذلك فليبيّن لها ذلك -، هذه طريقة للتخلّص من هذه المشكلة.