39/08/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) وقوع البيع بالمعاطاة - المكاسب المحرّمة.

البيان الثالث لإثبات صحة حديث السلطنة سنداً:- أن يقال: إنَّ ابن أبي جمهور(قده) ذكر في مقدّمة كتاب عوالي اللآلي أنَّ له طرقاً سبعة إلى العلامة الحلّي يروي بها هذه الأحاديث التي ذكرها في عوالي اللآلي ، ثم نضمّ إلى ذلك مقدّمه ثانية وهي أنَّ العلامة له طرق متعدّدة إلى الشيخ الطوسي(قده) مذكورة إما في نفس كتاب الخلاصة أو مجلّد الاجازات من البحار لأنَّ الطرق التي يذكرها صاحب البحار(قده) عادةً تمرّ بالعلامة الحلي(قده) ثم من العلامة الحلي(قده) إلى الشيخ الطوسي(قده) ، فالعلامة محطّة تنتهي إليها الطرق ثم من العلامة إلى الشيخ الطوسي ، بل إنَّ ابن أبي جمهور في نفس المقدّمة ذكر بعض طرق العلامة إلى الشيخ الطوسي ويمكن ملاحظة ذلك في عوالي اللآلي[1] ، ثم نصمّ مقدّمة ثالثة وهي أنَّ الشيخ الطوسي له طرق إلى جميع أصحاب المصنّفات التي ينقل عنها وقد ذكرها في كتاب الفهرست[2] فإذن بهذا الترقيع بضم طريق إلى طريق إلى طريق نحصل على طريق معتبر إلى المعصوم عليه السلام.

ويرد:-

أوّلاً:- يرد الاشكال العام ، وهو إنَّ هذا يتم فيما ذا فرض أنَّ الطريق واجازة الطريق كانت على نسخة معينة بحيث هذه النسخة المعينة وصلت من كابرٍ لكابر إمّا من باب الاستنساخ أو من باب القراءة أو من باب الاجازة أو غير ذلك والمهم أنها تكون على نسخة معيّنة ، فإذا فرض أنَّ الأمر كذلك فهذا طريق وجيه ، لكن أنّى اثبات ذلك ؟ وأنّى لنا الجزم بذلك فإن هذا شيء صعب بالنسبة إلى المتأخرين ؟ يعني أن ابن أبي جمهور له سبعة طرق وكلّها انصبت على نسخة معينة فإنَّ هذا يمكن ولكن من الوجيه أنَّ هذه الطرق تبركية ، فالمقصود إنَّ هذه طرق ليست على نسخةٍ معيّنة وإنما هي طرق كلّية كالتي يعطيها الاغا بزرك الطهراني(قده) والمرعشي النجفي(قده) وغيرهما ، ومعه هذا لا ينفع شيئاً ، بل المهم هو اثبات أنَّ النسخة هي نسخة صحيحة ، أما وجود طريق معتبر إلى الشيخ الطوسي(قده) لا ينفع شيئاً ، وحينئذٍ لا يثبت صحّة هذه الرواية وصحّة هذه النسخة.

إذن نحن نقول: يحتمل بدرجةٍ وجيهة أن تكون هذه الاجازات وهذه الطرق تبركية ، ويكفينا ابداء الاحتمال الوجيه ولا نحتاج إلى الجزم ، وهذا من مصاديق قاعدة ( إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ).

وربما يمكن أن يقال:- هناك قرينة على أنَّ هذه الطريق ليست على نسخة معنية ، وتلك القرينة هي إنَّ أغلب الروايات التي رواها ابن أبي جمهور الاحسائي(قده) في عوالي اللآلي ليست مذكورة في كتب الشيخ الطوسي(قده) الحديثية ، فلو كانت النسخة واحدة فهذا معناه أنه توجد نسخة عند الشيخ الطوسي(قده) وهو أوصلها يداً بيد إلى ابن أبي جمهور الاحسائي(قده) فلماذا لم ينقل الشيخ الطوسي(قده) هذه الروايات ، خصوصاً أنَّ بعضها تستحق الذكر ، مثل مرفوعة زارة التي مرّت في علم الأصول في باب الحديثين المتعارضين وهي:- ( يأتي عنكما الحديثان المتعارضان بأيهما نأخذ ؟ قال:- خذ بأشهرهما ) ، فهي تدل على أنَّ المدار على الرواية المشهورة وهذه الرواية مضمونها ينفعنا جداً ، فلو كان الشيخ الطوسي(قده) عنده نسخة من الكتاب وكانت فيه هذه الأحاديث لكان ينقل إلينا هذه الرواية التي تشكّل لنا أساساً وقاعدةً مهمة في باب الأحاديث المتعارضة وغيرها الروايات التي ننتفع ، فهذه الأحاديث غالباً لم ينقلها الشيخ الطوسي(قده) وإنما تفرّد بها العوالي ، فلو كانت هذه الطرق على نسخةٍ معيّنة موجودة عند الشيخ الطوسي(قده) ووصلت يداً بيد فهذا معناه أنَّ كل الروايات الموجودة في العوالي موجودة عند الشيخ الطوسي(قده) فلماذا لم يذكرها ؟!! ، فعدم ذكره قد يؤكد على أنَّ هذه الطرق ليست على نسخةٍ معيّنة وإنما هي طرق عامة.

ثانياً:- صحيح أنَّ للشيخ الطوسي(قده) له طرق إلى جميع المصنّفات التي ذكرها ولكن ليست تلك الطرق بأجمعها صحيحة معتبرة ، بل بعض الطرق إلى بعض المصنفات ليست معتبرة ، فإذا قبلنا بهذا نحتمل أنَّ هذه الرواية التي نقلها الاحسائي في عوالي اللآلي من تلك الطرق التي وصلت إلى الشيخ الطوسي(قده) من أصحابها بطريق غير معتبر ، وهذا الاحتمال موجود ، وحيث لا نشخّص أنَّ هذه الرواية قد وصلت من خلال الشيخ الطوسي(قده) من هذا الكتاب الذي له طريق معتبر إليه أو من ذلك الكتاب الذي ليس له طريق معتبر إليه فحينئذٍ تصير هذه الرواية مردّدة ، فمن المحتمل أنها واصلة بطريق معتبر ومن المحتمل أنها لم تصل بطريق معتبر ، فإذن لا يمكن اثبات صحّة الروايات الموجودة في كتاب عوالي اللآلي.

[بل حتى لو كانت طرق الشيخ الطوسي(قده) إلى أصحاب المصنفات كلهم معتبر ولكن مع ذلك تبقى المشكلة ، لأن صاحب المصنَّف كثيراً ما ينقل ليس عن الامام عليه السلام بالمباشرة ، مثل ابن ابي عمير فإنه ينقل بوسائط عن الامام الصادق عليه السلام ، وكثيراً ما يكون الأمر هكذا ، ولعل بعض تلك الوسائط بين صاحب المصنَّف - وهو ابن أبي عمير مثلاً - إلى الامام عليه السلام ضعيف ، فإذن نحن حتى لو فرضنا أنَّ هذه الطرق هي طرق على نسخة معينة ولكن رغم ذلك لا يثبت صحة الطريق لاحتمال أن طريق الشيخ إلى صاحب المصنَّف ضعيف ، بل حتى لو كان صحيحاً لكن يحتمل أن طريق صاحب المصنف إلى الامام ضعيف، ونحن لا نشخص أنّ هذه الرواية من أي مصنَّف نقلت ، إذ لعلها من ذلك الكتاب الذي يكون طريق الشيخ إلى صاحب الكتاب ضعيفاً أو هو صحيح ولكن لعل طريق صاحب الكتاب إلى الامام عليه السلام ضعيف ، فإذن لا يمكن الحكم بالصحة على هذه الطرق ][3] .

ومن خلال كلّ ما ذكرنا اتضح أنَّ حديث السلطنة كما أنه ضعيف الدلالة لإثبات صحّة المعاطاة وهو ضعيف السند أيضاً.وهل توجد بدائل عن حديث السلطنة يمكن ابرازها والتمسّك بها حتى نثبت بها صحة كل معاملة مشكوكة الصحة ؟

[2] وهو قد ذكرها ايضاً في مشيخة التهذيبين، ولكن ذكرها بشكل أوسع في كتاب الفهرست.
[3] هذا ما تممه الشيخ الاستاذ في المحاضرة التالية / المقرر.