1439/11/02


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 54 ) – المكاسب المحرّمة.

وأما المورد السادس:- فهو اليمين.

وفي هذا المجال نقول:-

الكلام تارةً يطرح في أنَّ اليمين هل ينعقد بالإضمار القلبي والنية والقصد القلبي أو أنه لا يكفي ذلك في لزوم الوفاء أو لا ؟

وتارهً أخرى نقول:- لو لم نكتف بالقصد القلبي فهل تلزم صيغة خاصة أو تكفي أي صيغة ؟

أما بالنسبة إلى السؤال الأوّل فجوابه:- كلا ، من دون حاجة إلى نصّ ، والوجه في ذلك:- هو أنَّ عنوان اليمين لا يصدق عرفاً ، إنما يصدق عنوان اليمين إذا تلفظ الإنسان باليمين ، أما إذا لم يتلفظ به فنجزم بعدم صدق عنوان اليمين ، وبالتالي لا يجب الوفاء به ، وإذا تنزّلنا ولم نجزم بذلك فلا أقل من الشك في أنه هل يتحقق عرفاً اليمين بالاضمار القلبي أو لا وهو يكفينا ، لأنه لا يمكن التمسّك آنذاك بعمومات وجوب الوفاء باليمين التي هي من قبيل قوله تعالى ﴿ ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ﴾ و كقوله تعالى ﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان ... واحفظوا أيمانكم ﴾ ، فإذن الوجوب انصبَّ على اليمين واليمين هنا مشكوك فلا يجوز التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية.

إذن مجرّد النية لا تكفي ، وفي النذر أيضاً كذلك ، فلو نذر الإنسان في قلبه فالكلام هو الكلام فإنَّ مجرّد النية القلبية للنذر لا تكفي لنفس النكات.

وأما بالنسبة إلى السؤال الثاني بعد أن فرضنا أنَّ مجرّد النيّة لا تكفي بل لابد من التلفظ والمبرز فهل يكفي كل مبرزٍ ولو كان بالكتابة فجوابه:- يمكن أن يقال إنَّ مقتضى القاعدة أنه يكفي ، لأنه إذا أبرز ذلك بالكتابة مثلاً فلا يبعد أنه يصدق عليه اليمين عرفاً ، ولكن لأجل النصوص الخاصة نرفع اليد عن مقتضى القاعدة ، والنصوص دلت على أنَّ اليمين لا يتحقق إلا إذا تلفظ بلفظ اليمين والمقسم به يلزم أن يكون هو الذات الإلهية من قبيل والله وبالله وتالله ، ونذكر رواية واحدة في هذا المجال ، وهي رواية محمد بن علي بن الحسين[1] بإسناده[2] عن علي بن مهزيار قال:- ( قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام في قول الله عزّ وجل " والليل إذا يغشى " ..... ، فقال:- إنَّ الله عزّ جلّ قسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به عزّ وجل )[3] ، وبمضمونها غيرها.

إذن عرفنا أنَّ اليمين الملزم لا يتحقق إلا إذا كان القسم به عزّ وجل.

ومن الواضح أنه حينما قالت الرواية ( إلا به ) يعني هل يلزم أن نأتي بكلمة ( الله ) فنقول ( والله ) ؟ كلا ، بل لا يلزم ذلك ، بل حتى لو أتى بـلفظ ( والرحمن الرحيم ) فهنا أيضاً صدق القسم به ، فالقسم به لا يتوقف على لفظة ( الله ) بل يكفي غيرها من الصفات والأوصاف المختصّة به عزّ وجل بحيث يصدق أنه قسمٌ به ، غاية الأمر قد نختلف في بعض الألفاظ كالخالق المصوّر فهل هي من المختصّ أو لا ، ولكنّ الكبرى الكلّية قد اتفقنا عليها وهي أنَّ القسم يتحقق إما بلفظ الجلالة أو بالأوصاف المختصّة به تعالى.

ونذكر شيئاً جانبياً:- وهو أنه على هذا الأساس إذا أقسمت بالقرآن الكريم أو بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بالأئمة أو بالإمام أبي الفضل العباس عليه السلام فمرّة تسأل وتقول هل هذا جائز أو لا ؟ ، ومرة تسأل وتقول إذا خالفت القسم به فهل تجب الكفارة أو لا ، وهل الالتزام به لازم أو ليس بلازم ؟

والجواب:- إنَّ القسم بغير الله ليس بحرام ، نعم هو ليس بملزم ولكنه ليس بحرام ، وإذا خالف هذا القسم فالمخالفة ليست محرّمة كما لا تجب الكفارة.

وتوجد قضية متداولة عند الناس:- وهي أنهم يجلبون الإنسان عند ضريح أبي الفضل العبّاس عليه السلام ويطلبون منه القسم به بأنه لم يسرق كذا ، وهو يحلف لهم بأبي الفضل العباس بأنه لم يسرق فهذا ليس هو القسم الشرعي ، يعني حتى لو قال أنا لم أسرق فهذا ليس قسماً شرعياً ، يعني حتى لو قال ( والله أنا لم أسرق ) فهذا ليس هو القسم الشرعي ، فإن القسم على نحوين فمرة يقسم على ما مضى كإخبارٍ ، ومرّة يقول ( والله لا أدخن السجائر ) أو ( والله من الآن لا أتكلم كلاماً غير صحيح ) ومن هذا القبيل ، والذي هو لازم شرعاً وتجب الكفارة بمخالفته هو الثاني دون الأوّل ، فالقسم بما يأتي بالمستقبل هو القسم الشرعي اللازم ، أما القسم على ما مضى فهذا ليس هو القسم الشرعي ، ولكن حينما نقول هذا ليس هو القسم الشرعي ليس المقصود أنه يجوز ولو كان كذبا وزوراً ، كلا فإنَّ هذا لا يجوز من ناحية الكذب ، أما لو قطعنا النظر عن محذور الكذب فهو ليس من الملزمات ولا تجب فيه الكفارة ، فيلزم الالتفات هذا.

وهناك عنواناً آخر لم يشر إليه السيد الماتن:- وهو العهد.

وهل المناسب أن يذكره أو لا ؟ على كلا التقديرين يلزم الاشارة إليه ، فإذا كان مثل النذر واليمين فيقول ( وكذلك العهد لا يصح إلا مع التلفظ ) ، وإذا كان بشكلٍ يجوز فيه من غير تلفظ فمن المناسب أيضاً الاشارة إليه ، لأنَّ العهد أخو النذر واليمين فإنَّ هذه العناوين الثلاثة في صفٍّ واحد.

فمرّة نسأل ونقول:- هل العهد ينعقد بالنية القلبية أو لا ؟

ومرّة نسأل ونقول:- إذا لم ينعقد بالنية القلبية فهل هناك صيغة معينة له أو لا ؟

وقبل أن نجيب عن ذلك توجد عندنا آيات كريمة تدل على وجوب الوفاء بعنوان العهد:- كقوله تعالى﴿ وبعهد الله اوفوا ذلكم وصّاكم به لعلكم تذكرون ﴾[4] ، وعلى هذا المنوال ﴿ وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم ﴾[5] ، وعلى منوال ذلك آيات أخرى.

إذن عنوان عهد الله الوفاء به لازم.

وبعد أن عرفنا هذا نأتي إلى السؤال الأوّل نقول:- إنه يمكن أن نفرّق بين النذر واليمين من جانب وبين العهد من جانب آخر ، فالنذر واليمين يمكن أن نقول هما لا يصدقان عرفاً إلا بالتلفظ ولا تكفي النيّة ، ولذلك لا يقال عرفاً إنَّ فلانا نذر إلا أن يصدر منه تلفظ ، وهكذا لا يقال أقسم أو حلف إلا إذا صدر منه التلفظ ، وهذا بخلاف العهد فيمكن أن يقال هو يتحقق بالقصد والنيّة القلبية ، فهذا فيه مجال ولكن يلزم أن توصله إلى مرحلة الجزم ، أي تجزم بأنه يصدق عرفاً عنوان العهد بالنية ، وقد نستعمل ذلك أحياناً فيما بيننا فأقول أنا عاهدت الله عزّ وجل أن لا أفعل شيئاً إلا لوجهه الكريم والحال أنا لم أتلفظ بشيء وإنما أعطيت هذا العهد بقلبي ، فإذن يوجد مجال لهذه الدعوى ، وإذا شككنا فلا ينفع هذا لأنَّه يصير من التسّمك بالعام في الشبهة المصداقية ، فإذا قلنا إنه بالإضمار القلبي يصدق العهد فلا تصل النوبة آنذاك إلى جواب السؤال الثاني ، نعم إذا شككنا نقول إنه يتحقق بكلمة ( عهد الله عليَّ ) أو ( عاهدت الله ) فبهذه الصيغ يصدق عنوان العهد.

إذن هناك فرق بين العهد وبين أخويه ، أما بالنسبة إلى لأخوين فيمكن أن نجزم بأنه لا يصدق اليمين أو النذر بالاضمار القلبي بخلاف العهد.

ولعله لأجل هذه النكتة نجد أنَّ السيد الماتن حينما وصل إلى كتاب العهد من منهاج الصالحين في مسألة ( 1559 ) قال:- ( ولا ينعقد النذر بل العهد أيضاً إلا باللفظ وإن كان الأحوط فيه أن لا يتخلّف عمّا نواه ) ، ولعل النكتة في احتياطه في العهد هي الجهة التي أشرنا إليها ، وهي أنه يوجد مجال لدعوى صدق العهد بمجرّد الاضمار القلبي ، وهذه قضية عرفية متروكة لك ، فمتى ما جزمنا أنه يصدق فحينئذٍ يكفي الاضمار القلبي ولا نحتاج إلى الصيغة اللفظية ، وإلا فسوف نحتاج إليها.

وبناءً على هذا الذي اتضح أنّ السيد الماتن(قده) يحتاط استحباباً ، وبالتالي يصير رأيه هو اعتبار الصيغة ، فكان من المناسب له أن يشير إليه كعنوانٍ سابع ويقول ( يشترط أيضاً ذلك في العهد ).


[1] يعني ابن بابويه.
[2] واستناده إلى علي بن مهزيار معتبر.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج23، ص259، ابواب الأيمان، ب30، ح1، ط آل البيت.