1440/03/03


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

ثم إنه مما يؤيد عدم ضمان هبوط المالية أو القوّة الشرائية الأمور الثلاثة التالية:-

الأوّل:- لو فرض أنَّ أحد التجار في السوق أستورد بضاعة معينة بكثرة بحيث أوجب ذلك هبوط قيمة تلك السلعة في السوق وبالتالي خسارة بقية التجّار ، كما لو فرض أنه كانت توجد ملابس للأطفال في السوق بسعرٍ معيّن كخمسة دنانير للقطعة الواحدة ولكن تاجراً استورد بضاعة من الصين من نفس هذه البضاعة وعرضها في السوق فجأة فهنا سوف تهبط القيمة وبالتالي هذا يوجب عدم الربح بل خسارة أصحاب السوق لأنهم قد اشتروا هذه السلعة بثمنٍ أعلى والآن هبط الثمن فأوجب خسارتهم ، فهنا نسأل هل يضمن هذا التاجر لهؤلاء ؟ إنه لا يحتمل ذلك فقيه أو غير فقيه بل العاقل بما هو عاقل فضلاً عن الفقيه حيث يقال إنَّ كل إنسان حرّ وهذا الشخص عمل بحسب حريته فإنَّ السوق مبني على المسابقة من هذه الناحية ، فحينئذٍ هذا المستورد أوجب هبوط القوّة الشرائية أو المالية لهذه السلعة ولا يحتمل أحدٌ الضمان لأصحاب هذه السلعة الذين خسروا.

فهذا بفعله أوجب هبوط القيمة ولعله بالأولوية هناك لا يوجد ضمان ، لأنَّ المقبوض بالعقد الفاسد أنا لم أكن سبباً لهبوط ماليته ، بينما هنا صار المستورد سبباً لهبوط المالية ، فإذا فرض أنَّ هذا الهبوط لا يوجب الضمان فذلك الهبوط من وادٍ واحد ولا فرق بينهما ، بل لو أردنا أن نقول بالضمان هناك فبالأولى هنا يلزم أن نقول بالضمان لأنَّ هذا هو الذي صار سبباً أما في المقبوض بالعقد الفاسد هو لم يصِر سبباً لذلك.

وكنّا نسمع هذا المؤيد أكثر من مرَّة في مجلس درس السيد الخوئي( قده) ، وحينما كنّا نسمعه كان يورث لنا القناعة الكافية ، وقد ذكره قبله الشيخ العراقي(قده)[1] .

الثاني:- لو فرض أنَّ شخصاً حبس مال الغير لفترةٍ - كقطعة قماش أخذها وحبسها عنده لفترة سنة مثلاً - وهبطت ماليتها ثم بعد ذلك جاء وسلّم نفس العين لصاحبها ، ففي مثل هذه الحالة هل يضمن حينئذٍ المالية والقوة الشرائية أو لا ؟ من البعيد أن يحتمل أحدٌ ذلك ، لأنه أرجع نفس العين فحينئذٍ لا يطالب بضمان هذا الهبوط ، نعم عند العقلاء يذمّ هذا الفعل أو يحبس هذا الشخص أما أنه يدفع قيمة الهبوط فلا ، فإذا قبلنا بأنَّ تسليم العين لا يثبت معه ضمان هبوط المالية ، فنفس الشيء لو فرض أنه سلّم المثل فإنَّ المثل من هذه الناحية هو نفس العين ولا فرق بينهما ، فإذا كان تسليم نفس العين لا يوجب ضمان القوة الشرائية الهابطة يلزم أن نقول نفس الكلام فيما إذا فرض أنَّ العين كانت تالفة وسلّم المثل فيلزم أن لا يحصل فرقٌ من هذه الناحية ، لأنَّ هذا مثلٌ لذاك من كلّ الجهات.

الثالث:- إنه لو ارتفعت القوة الشرائية ففي مثل هذه الحالة لا يكون ذلك موجباً لجواز ملاحظة هذه القوة الشرائية المرتفعة بحيث حينما أرجع له فأرجع ما يعادل النصف فأرجع له نصف العين مثلاً ، فلو كان عشرة من الأقلام أرجع له خمسة لأنَّ القيمة قد صعدت إلى الضعف ، فلو فرض صعود القيمة إلى الضعف لا يجوز ارجاع نصف العين ، يعني لا تلحظ القوة الشرائية من زاوية الارتفاع ، فكذلك يلزم أنه لو هبطت إلى النصف لا يلحظ هذا الهبوط ، فكما لا يلحظ الارتفاع بل يقال عليك بتسليم العين يلزم أن لا يلحظ الهبوط أيضاً ويقال يكفيك أن تسلّم مِثلَ العين.

وربما تذكر رواية في هذا المجال لإثبات عدم الضمان أيضاً:- وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عبد الجبار عن العباس عن صفوان قال:- ( سأله معاوية بن سعيد عن رجلٍ استقرض دراهم من رجل وسقطت تلك الدراهم أو تغيرت ولا يباع بها شيء ألصاحب الدراهم الدراهم الأولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس ؟ فقال:- لصاحب الدراهم الدراهم الأولى )[2] .

والكلام تارة يقع في دلالتها وأخرى في سندها:-

أما من حيث الدلالة:- فإنَّ السائل قد فرض أنَّ الدراهم الأولى إما سقطت أو تغيرت والمفروض أنَّ القرض وقع على تلك الدراهم التي سقطت أو تغيرت ، فبالتالي تغيرت نحو الأقل فقيمتها صارت أقل فيسأل السائل الامام عليه السلام أنه عليه الدراهم الجديدة التي قيمتها أعلى أو الدراهم السابقة التي قيمتها قد انخفضت والامام عليه السلام بيّن له أنَّ حقه هو الدراهم القديمة ، وهذا معناه أنَّ النقصان لا يضمن ، وهذا هو محل كلامنا ، فإذاً قد يقال إنَّ الرواية تصلح لإثبات المطلوب.

بيد أنها واردة في القرض ونحن قد احتملنا سابقاً وجود خصوصية للقرض ، باعتبار الاتفاق بينهما على أنه يرجع له مثل ما اقترضه منه فلعل هذا صار سبباً للفرق ، فإذاً لا يمكن أن تعدّى من مورد هذه الرواية إلى مثل المقبوض بالعقد الفاسد أو إلى مثل المغصوب وما شاكل ذلك ، فإذاً هي خاصة بذلك.

مضافاً إلى أنه يمكن أن نقول:- إنَّ هذه الرواية معارضة برواية يونس المتقدمة الواردة في الوجه السابع بنقلها الأوّل حيث قال يلزم مراعاة الدراهم الجديدة دون القديمة ، وهي الرواية التي ذكرناها بنقل الشيخ(قده) فهذه تشمل حتى حالة القرض وغيره ، ونصّها:- ( كتبت إلى الرضا عليه السلام:- إنَّ لي على رجل ثلاثة آلاف درهم وكانت تلك الدراهم بأعيانها تنفق بين الناس تلك الأيام وليست تنفق اليوم فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها أو ما ينفق اليوم بين الناس ؟ قال فكتب إليَّ:- لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين الناس ) ، فبالنقل الأوّل لهذه الرواية الامام عليه السلام قال إنَّ المدار على هذه الدراهم الجديدة التي قيمتها أعلى فتكون رواية صفوان معارضة برواية يونس بنقلها الأوّل.

فإذن يرد عليها إشكالان من حيث الدلالة.

اللهم إلا أن يقال:- إنَّ رواية يونس هي في نفسها لها نقلان ، فهي في نفسها مبتلاة بالمعارضة ، فلا تصلح أن تقع طرفاً للمعارضة مع رواية صفوان.

وهذه نكتة لا بأس بها وهي نكتة علمية أردنا الاشارة إليها فقط.

وأما من حيث السند:- فهي تشتمل على مشكلتين:-

الأولى:- إنَّ صفوان لم نقها عن الامام عليه السلام وإنما قال ( سأله ) أي أنَّ معاوية بن سعيد سأله والضمير لا نجزم بكونه يرجع إلى الامام عليه السلام ، فتصير مضمرة فتكون ساقطة عن الاعتبار.

الثاني:- أن يقال إنَّ صفوان قال ( سأله معاوية بن سعيد ) ومعاوية بن سعيد مذكور في كتب الرجال لكنه لم يذكر بتوثيق ، فقد يقال مادام لم يوثق فالرواية تسقط عن الاعتبار من ناحية معاوية بن سعيد.

لكن هذا يمكن دفعه:- باعتبار أنَّ صفوان ينقل أنَّ معاوية بن سعيد قد سأل الامام عليه السلام ، فلو كان صفوان حاضراً في المجلس وقد سأل معاوية بن سعيد الامام عليه السلام فلا يهمنا أنَّ معاوية ثقة أو ليس بثقة مادام صفوان كان يسمع الحوار بالكامل ، فإذاً لا مشكلة من هذه الناحية.

ولكن يبقى:- أنه من قال إنَّ صوفان سمع الحوار ، فهو لم يقل ( سأله معاوية بن سعيد عن رجل وكنت حاضراً ) ، فلو قال هكذا كما هو موجود في بعض الروايات فلا مشكلة ، ولكنه سكت عن هذه الجملة ، فهو لم يقل ( وكنت حاضراً ) ، فيحتمل أنه لم يكن حاضراً ، وبالتالي يكون هذا النقل مع الواسطة والواسطة مجهولة ، فلذلك يمكن أن نقول هي ساقطة عن الاعتبار من هذه الناحية.

ولو قال شخص:- إنَّ هذا بعيد جداً ، إذ لو لم يكن حاضراً لقال إني لم أكن حاضراً.

ولكن نقول:- إنَّ هذا عهدته على مدّعيه.

فإذاً هذا الاشكال السندي الثاني لا بأس به لأنَّ صفوان لم يقل كنت حاضراً.

يبقى الاشكال الأوّل وهو أنها مضمرة:- فهو يندفع بالبيان الذي أشرنا إليه أكثر من مرَّة ، وهو أنَّ ظاهرة الاضمار هي ظاهرة غير مألوفة وغريبة ، فلو دخل علينا شخص وقال ( سألته عن كذا فقال كذا ) نستغرب منه ذلك لأنه لم يبيّن من هو المسؤول ، فحيما يضمر الراوي فلابد من وجود مرجعٍ معهودٍ بين الجميع قد اعتمد عليه المتكلم ولم يقل سألت فلاناً واكتفى بالاضمار لأنَّ المرجع معهودٌ ، وحيث لا يوجد مرجعٌ معهودٌ في الوسط الشيعي بين الرواة بحيث يستحق أن يحذف اسمه ويكتفى بالشهرة والمعروفية غير الامام عليه السلام فهذا يكون قرينة على أنَّ المسؤول هو الامام عليه السلام.

وإذا قلت:- لعلّه هناك مرجعاً معهوداً بين الطرفين فالغرابة حينئذٍ تزول.

قلت:- المفروض أنَّ الناقل لم يرد أن تبقى الرواية حكراً بينه وبين الطرف وإنما سجّلها في أصله لتبقى خالدة إلى جميع الأجيال ، فلابد من وجود مرجعٍ معهودٍ إلى جميع الأجيال وليس هو إلا الامام عليه السلام ، وبهذا البيان يمكن التغلب على الاضمار في جميع المضمرات.


[1] مقالات الأصول، العراقي، ج2، ص119.