1440/04/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

وماذا نصنع تجاه هذه الرواية المباركة ؟

ذكر الشيخ الأعظم( قده)[1] ما حاصله:- إنَّ الرواية لم تنهَ عن الكسب المعنى المصدري وإنما نهت عن الكسب بمعنى ما يتكسّب به ، يعني هذه الأموال التي حصل عليها نتيجة الكسب هذه هي ما تكسِّب به ، وهذا نسميه اسم مصدر أو نتيجة المصدر ، فالرواية تريد أن تقول إنَّ الأموال التي هي بيد الصبي ابتعد عنها لأنَّ الصبي لا يوجد عنده رادع وواع فإنه إن لم يجد شيئاً سرق ، فهذه الشبهة موجودة ولكن النهي ليس عن نفس الكسب بمعنى التكسُّب والمعاملة وإنما بمعنى الردع والمنع من الأموال التي يحصل عليها الصبي عن طريق التكسّب.

ولماذا صنع الشيخ الأعظم هكذا ؟وهو(قده) يذكر تقريب الدلالة ، فهو يردُّ من دون ذكر التقريب ، ثم أنه لم يذكر لماذا حوّل النهي عن الكسب بمعنى المصدر إلى الكسب بمعنى ما يُتكسَّب وما حصل عليه من خلال التكسّب ؟ ، وهذا الشيء فهمه ليس بسهلٍ على من يراجع ، فلماذا حوّل الشيخ النهي من الكسب بمعنى المعاملة والتكسُّب إلى النهي عن المال المتكَّسب به أو الذي حصل من خلال التكسُّب ؟

لأنه إذا كان النهي عن نفس المعاملة ونفس التكسَّب يعني أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يريد أن يردع عن نفس التعامل مع الصبي ، فهذا النهي لا يمكن حمله على التحريم والبطلان ، وإلا فلماذا قال ( إن لم يجد سرق ) ، فإذا كان هذا نهياً تحريمياً يدل على البطلان فلماذا يعلّل بهذا التعليل ، فإنَّ هذا التعليل يتنافى مع البطلان ، فلذلك الشيخ لم يحمل النهي على التحريم والبطلان ، لأنَّ هذا يتنافى مع تعليل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ( إن لم يجد سرق ) ، نعم إذا لم يكن هذا التعليل موجوداً فنقول صحيح أنَّ هذا النهي تحريمي يدل على البطلان ، ولكن مادام علّل بأنه ( إن لم يجد سرق ) فهذا النهي ليس نهياً عن نفس المعاملة بحيث يدل على بطلانها ، وحينئذٍ نقول للشيخ الأعظم(قده) إنَّ هذه الأموال من أين حصل عليها ؟ إنه حصل عليها من طريق المعاملة ، فعلى هذا الأساس هذا يدل على أنَّ هذه المعاملة صحيحة حتى تصير هذه الأموال تكسّباً له وحتى ينهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا فهذا الأموال ليست تكسَّبه وإنما هي أموال الغير إذا كانت معاملته باطلة.

فأجاب(قده) وقال:- إنَّ هذه الأموال هو قد حصل عليها لا بسب المعاملة بل بأحد أسباب ثلاثة أو أكثر فإنما أنه حصل عليها من خلال تكسّب غير معاملي مثل الالتقاط ، كأن كان يسير في النجف فرأى درَّةً فإخذها فهذا ليس مالاً حصل عليه من معاملة ، فتأتي الرواية وتنهى عن هذا وتقول لا تتعامل على الشيء الذي في بيده لاحتمال أنه سرقه ، فيصير النهي نهياً تنزيهياً ، أو كان المال بيده بسبب معاملة أجراها الولي بالولاية على الصبي ، فالأب هو الذي أجرى المعاملة مع الطرف وبعد ذلك أخذ الصبي ما حصل عليه من طريق المعاملة فالرواية تقول إذا رأيته وبيده هذا الشيء الذي حصل عليه من طريق معاملة الولي فلا تقترب منه لاحتمال السرقة ، أو نفترض[2] أنَّ المعاملة أجراها الصبي وحيث إنها باطلة - كما لو آجر نفسه لحمل المتاع فهذه المعاملة باطلة ولكنه يستحق أجرة المثل فدفعت إليه أجرة المثل - فحينئذٍ الرواية جاءت وقالت لا تأخذ هذا المال لأنك لا تحرز أنه أجرة مثل وإنما يحتمل أنه سرق ، والمورد الثالث هو ما إذا فرض أنه قام بعملٍ لشخصٍ كما لو مرّ شخصٌ في الطريق وسأل عن دار فلان فأرشده الطفل إلى داره فأعطاه مالاً مقابل هذا العمل فالرواية قالت أنت لا تتعامل عليه خوفاً من أن يكون مسروقاً لأنك لا تعلم أنه حصل عليه من خلال هذا الطريق الصحيح أو لا.

فإذاً الرواية ناظرة إلى المال الحاصل من التكسُّب وليست ناهية عن نفس التكسب ، فإذا فرض أنها ناهية عن المال الحاصل من التكسُّب فلا يمكن أن نستنتج بذلك أنَّ معاملة الصبي صحيحة ، وإنما هي ناظرة إلى المال المتكسُّب به.فعلى هذا الأساس لا نستفيد من الرواية شيئاً ، إنما نستفيد منها فيما إذا كان النهي عن نفس التكسُّب والتعامل مع الصبي فإنه يدل على صحة المعاملة ، فإذا كان النهي عن هذا فالتعليل سوف يدل على صحة المعاملة ، فهذا النهي عن نفس التكسَّب بقرينة التعليل نفهم منه أنَّ هذه المعاملة صحيحة والنهي نهياً تنزيهياً ، أما بعدما كان النهي ليس عن نفس المعاملة وإنما عن المال الحاصل بالمعاملة فلا يمكن أن سنتفيد من ذلك صحة معاملته ، لأنَّ الرواية لا تكون ناظرة إلى معاملته ، بل هي ناظرة إلى ما في يد الصبي من خلال هذه الأمور الثلاثة ، فلا يمكن أن سنتفيد منها صحة المعاملة.

وقد يقول قائل:- إنَّ هذا لا بأس به ، ولكن نقول: إنَّ الرواية ردعت عن المال الذي بيد الصبي والذي حصل عليه من خلال هذه الأمور الثلاثة ، وبالإطلاق يشمل حالة ما إذا حصل عليه من طريق العقد - فإنَّ الرواية لم تقيِّد - ، فمادام هذا النهي تنزيهياً فيثبت بذلك صحّة المعاملة.

وهو لم يذكر هذا ولعله لم يذكه لوضوحه.

والجواب:- إنَّ الرواية في مقام البيان من ناحية المال الذي بيد الصبي ، فهي قالت ابتعد عن هذا المال خوفاً من أن يكون مسروقاً أما أنه من أين حصل عليه فالرواية ليست في مقام البيان من ناحيته ، ولكن نحن نبدي احتمال أنه حصل عليه من خلال هذه الطرق الثلاثة ، وآنذاك لا تنفعنا الرواية ، والاطلاق لا معنى بعدما لم تكن الرواية في مقام البيان من هذه الناحية.

قال(قده):- ( وأما ما ورد في رواية السكوني ........ معللاً بأنه " إن لم يجد سرق " فمحمولٌ على عوض كسبه من التقاطٍ أو أجرة عن اجارة أوقعها الولي أو الصبي بغير إذن الولي أو عن عملٍ أمر به من دون اجارة فأعطاه المستأجر أو الآمر أجرة المثل فإنَّ هذه كلّها مما يملكه الصبي لكن يستحب للولي وغيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوى الصبي فيها لاجتمال كونها من الوجوه المحرّمة نظير اجتناب عن أموال غيره ممن لا يبالي بالمحرمات ).

يرد عليه بما يلي:-

الاشكال الأوّل:- إنَّ حمل الكسُّب على ما يُتكسَّب به خلاف الظاهر فإنَّ ظاهر الكسب هو التكسُّب ، وحمله على ما يتكسَّب به يحتاج إلى قرينة ، وهي مفقودة ، فماذا تؤول الرواية وتحمله على خلاف ظاهرها من دون وجود قرينة فإنَّ هذا شيء مرفوض ؟!!

وهذا الاشكال صحيح إذا لم توجد قرينة على حمل الكسب على ما يتكسب به ، فكل ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) يكون مرفوضاً ، لأنك تريد أن تردَّ الرواية كيفما اتفق ، وهذا ليس بصحيح ، بل حينما تريد ردّ الرواية فلابد من وجود مبررات لردّها.

ويردّه:- إنَّ هذا وجيه إذا فرض أنَّ الرواية لم تقل ( إن لم يجد سرق ) ، أما بعد أن ذكرت هذا التعليل فهذا معناه أنه يوجد في يده شيء والرواية تريد أن تردع عنه ، فإذا ما ذكر يتم لو لم يفترض وجود هذا العليل ، أما بعد وجوده فيفهم من الرواية أنَّ في يد الصبي شيئاً ويحتمل أن يكون هذا الشيء قد حصل عليه من طريق السرقة ، والرواية تنهى عن التقرّب من هذا الشيء الذي بيد الصبي ، فهي ناظرة إلى هذا المال وأنه لا تقترب منه ، فالقرينة موجودة ، ولا بأس بها.


[2] وهذا متمم للثاني.