1440/04/14


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

ويرده:-

أوّلاً:- نحن هل نطبق قاعدة نفي الحرج على الحكم الوضعي أو على الحكم التكليفي ؟ ، فأنت قلت إنه يوجد نحوان من الأدلة الأوّل معلومٌ وهو الاطلاقات ، أما الثاني فعليك أن توضح بشكلٍ جيد هل مقصودك ما دل على شرطية البلوغ ولو من قبيل ( إذا احتلم أو ... جاز أمره ) ، فهل تطبق قاعدة نفي الحرج على الحكم الوضعي أو تطبقها على الحكم التكليفي - يعني نرفع وجوب الوفاء بالمعاملة عن الصبي - ؟

فإن قصدت الأوّل - أي رفع الحكم الوضعي - يردّه امران:-

الأوّل:- إنَّ الأحكام الوضعية ليست قابلة للرفع بحديث نفي الحرج ، فإنَّ الحرج يتحقق من الحكم التكليفي لا من الحكم الوضعي فإنَّ الحكم الوضعي وحده بلا ضم الحكم التكليفي إليه لا يحصل منه الحرج ، فعلى هذا الأساس مجرّد أنه لا يجوز أمره إذا لم يحتلم هذا لا يحصل منه الحرج وإنما يحصل الحرج من الحكم التكليفي وهو مثلاً يجب الوفاء أو لا يجب الوفاء الأحكام التكليفية دائماً هي التي يحصل منها الحرج فحكم وضعي من دون إلزام إلى جانبه لا يتحقق الحرج ، فحيثية الالزام التي هي حكم تكليفي هي التي توجب الحرج ، فمثلاً وجوب الوفاء هو الذي يحصل منه الحرج ، إذا كانت شرطية البلوغ مرفوعة مثلاً فسوف يجب الوفاء ، فإذا كان نلزم الحرج فهو يلزم من جهة وجوب الوفاء لا أنه يلزم من الشرطية فدائماً الأحكام الوضعية وحدها من دون لزوم الوفاء بها فلا حرج وهذه قاعدة عامة ، فقاعدة لا حرج لا تطبق على الأحكام الوضعية وإنما تطبق في الأحكام التكليفية فقط ، فهذه قاعدة من قواعد نفي الحرج ، وقد يقول قائل إنَّ جزئية السورة في الصلاة أنا يلزم علي الحرج لأنَّ رجلاي تؤلمانني فإذا قرأت السورة سوف يؤلمني صدري أو غير ذلك فأريد أن أرفع الجزئية بقاعدة لا حرج ، فنقول له إنَّ هذا غير صحيح ، وإنما يحصل الحرج ليس من الجزئية بل يحصل من وجوب العمل على طبق الجزئية ، فإذاً الحرج يلزم من الوجوب التكليفي ، فدائماً قاعدة نفي الحرج يلزم تطبيقها على الحكم التكليفي دون الوضعي.

الثاني:- أنت تطبق قاعدة نفي الحرج على الحكم الوضعي يعني على ( إذا احتلم .... جاز أمره ) يعني أنَّ عقده صحيح أو تطبقها على ( لم يجز أمره إذا لم يحتلم ) ؟ ونحن نقول إنه لا يصح تطبيقها على كليهما.

أما أنه لا يمكن تطبيقها على ( جاز أمره ) ، فلأنه إذا رفعت ( جاز أمره ) فسوف تصير النتيجة هي ( لم يجز أمره ) ، أي البطلان ، وهذا عكس المطلوب والحال أننا نريد تصحيح معاملته ونريد أن نقول إنَّ البلوغ ليس بشرط.

فإذاً لابد أن نطبقه على ( لم يجز أمره ) ، ولكن هذا لا يمكن أيضاً ، لأنَّ قاعدة نفي الحرج فقط وفقط تنطبق على الأحكام الوجودية دون الأحكام العدمية ، والوجه في ذلك هو إنَّ الآية الكريمة تقول ﴿ وما جعل عليكم في الدّين ﴾ والجعل يتعلّق بالوجوديات ولا يتعلق بالعدميّات ، فالعدم هو عدم لا يجعل وإنما الوجود هو الذي يُجعَل ، فالوجوب هو الذي يُجعَل أما عدم الوجوب فلا يُجعَل ، فوجوب الوفاء هو الذي يُجعَل أما عدم وجوب الوفاء فلا يجعل فدائماً الجعل يتحقق بالأمور الوجودية ، فلذلك يقال إنَّ قاعدة نفي الحرج لا يمكن تطبيقها على الأحكام العدمية وإنما تطبق على الأحكام الوجودية فقط ، هذا كله إذا أردنا أن نطبّق قاعدة الحرج على الحكم الوضعي ، وأما إذا أردنا أن نطبقها على الحكم التكليفي الذي هو عبارة عن وجوب الوفاء فينبغي أن يكون واضحاً أنه لا نطبّق القاعدة على وجوب الوفاء ، لأنه إذا طبقناه عليه فسوف ينتج عكس المطلوب - يعني لا يجب الوفاء بعقد الصبي - ، فلا يمكن أن نطبقها على عدم وجوب الوفاء ، وهذا حكم عدمي - حيث نقول إنَّ عدم وجوب الوفاء بمعاملة الصبي يلزم منه الحرج - وقد قلنا إنَّ قاعدة نفي الحرج لا يمكن تطبيقها على الأحكام العدمية لإثبات الأحكام الوجودية ، فأنت تطبّقها على عدم وجوب الوفاء حتى تثبت وجوب الوفاء وقاعدة نفي الحرج لا طاقة لها على ذلك.

ثانياً:- إنّ قاعدة نفي الحرج تنفي الحرج الشخصي دون الحرج النوعي ، والذي ينفعنا هو أن تكون ناظرة إلى نفي الحرج النوعي لأننا نريد أن نثبت صحة معاملة الصبي من باب أنه يلزم الحرج نوعاً سواء لزم الحرج عليَّ أو لم يلزم لا أننا ننظر إلى كل شخصٍ شخص ونقول له هل يلزم الحرج في حقك أو لا ، فمقصودنا هو أننا نثبت عدم الصحة بشكلٍ مطلق وفي حق الجميع فهذا معناه أنه جُعِل المدار على الحرج النوعي والحال أنَّ الآية الكريمة ناظرة إلى الحرج الشخصي دون النوعي ، فإذا كان المقصود هو الحرج الشخصي فسوف نفصّل ، فالشخص الذي يلزم حرج شخصي في حقه من بطلان معاملة الصبي فقاعدة نفي الحرج تشمله وتصير معاملته مع الصبي صحيحة ، أما الشخص الذي لا يلزم في حقه حرج شخصي فتكون معاملة الصبي معه باطلة ، فإذاً النتيجة تكون هي التفصيل مادام المدار على الحرج الشخصي.

ولكن كيف نثبت أنَّ قاعدة ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ ناظرة إلى الحرج الشخصي دون الحرج النوعي ؟

والجواب:- إنَّ الآية الكريمة ﴿ وما جعل عليكم ﴾ والمقصود منه الانحلال ، يعني ما جعل عليك أيها المكلف الأوّل وما جعل عليك أيها المكلف الثاني وما جعل عليك أيها المكلف الثالث ..... وهكذا ، ولكن الآية الكريمة اختصرت وقالت ﴿ وما جعل عليكم ﴾ وهذا تعبير عرفي ، فعلى هذا الأساس مادام ﴿ وما جعل عليكم ﴾ انحلالياً فيلزم أن يكون المدار على الحرج الشخصي دون النوعي.

إن قلت:- إنَّ هذا جيد فيما إذا كان المقصود من ﴿ وما جعل عليكم ﴾ هو ما جعل عليك يا زيد وما جعل عليك يا عمرو .... وهكذا ، ولكن لماذا لا نقول بأنَّ الخطاب هو خطاب للمجموع من حيث المجموع ، فمادام يلزم الحرج على النوع فهو مرفوعٌ عن الجميع ، فيصير المدار على الحرج النوعي ؟

قلت:- إنَّ هذا احتمال ، ولكن المستظهر عرفاً كما ليس ببعيد هو الانحلال ولكن عُبِّر عنه بهذا اللسان الواحد ، وإذا لم يكن هذا هو الظاهر فلا أقل الآية الكريمة مرددة بين الاحتمالين ، والقدر المتيقن والذي احتمال الرفع موجود فيه هو ما إذا كان هناك حرج شخصي ، أما إذا كان هناك حرج نوعي غالبي من دون حرج شخصي فالآية الكريمة هل ترفع ذلك أو لا ؟ نحن نشك في ذلك ، فإنه غير معلوم ، فنقتصر على القدر المتيقن ، والنتيجة هي نفس النتيجة.

وبهذا اتضح أنَّ التمسّك بقاعدة نفي الحرج لإثبات صحة معاملة الصبي كما صرّح به الكاشاني(قده) وكما يظهر من الشيخ الأنصاري(قده) قبوله[1] محل إشكال.


[1] لأنَّ الشيخ الأنصاري منع الصغرى ولم يمنع الكبرى.