1440/04/21


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/ صوم الزوجة

 

قال السيد الماتن: (السابع: صوم الزوجة مع المزاحمة لحقّ الزوج، والأحوط تركه بلا إذن منه، بل لا يُترك الاحتياط مع نهيه عنه وإن لم يكن مزاحماً لحقّه)

 

يرى السيد الماتن أن صوم الزوجة تطوعاً يكون محرماً (على نحو الفتوى) إذا كان مزاحماً لحق الزوج، أما إذا لم يكن مزاحماً لحقه فالأحوط لها تركه إذا لم يأذن لها بالصوم، بل الإحتياط يكون آكدَ مع نهيه عنه.

 

الأقوال في المسألة عديدة، ويبدو ان هناك اتفاقاً على القول بالحرمة مع المزاحمة لحق الزوج:-

 

القول الأول: هو عدم الجواز بدون الإذن، فضلاً عما اذا نهى الزوج عن الصيام، ويظهر من المحقق في المعتبر ان هذا مما اتفق عليه علماؤنا واكثر علماء الإسلام.

 

القول الثاني: هو الجواز من دون الإذن، نعم قد يلتزم اصحاب هذا القول بالكراهة لكنها لا تنافي الجواز، ولذا هذا القول تتفرع عليه اقوال أخرى، والقول بالجواز مع الكراهة هو المحكي عن السيد المرتضى في جمل العلم والعمل، وسلار في المراسم، وابن حمزة في الوسيلة، وذهب السيد ابن زهرة في الغنية الى استحباب ان لا تصوم تطوعاً مع عدم الاذن وادعى الاجماع على هذا القول، والجامع بين هذين القولين[1] القول بالجواز كما نبهنا على ذلك.

 

القول الثالث: التفصيل بين عدم الاذن فيكون مكروهاً وبين النهي فيكون محرماً، وذهب اليه الشهيد في الروضة، وعلق عليه الشيخ صاحب الجواهر بانه لم اجد به قائلاً الا الشهيد في الروضة ولا اعرف له دليلاً.

 

و هناك اقوال فرعية كالقولين الآتيين:

 

القول الرابع: هو صحة الصوم مع النهي فضلاً عن صورة عدم الإذن.

 

القول الخامس: هو صحة الصوم مع عدم الاذن وعدمها مع النهي.

 

هذه هي الأقوال في المسألة، وقد تتداخل بعض الأقوال، مثلاً القائل بالكراهة قد يلتزم بالقول الرابع لان صحة الصوم لا تنافي الكراهة، بمعنى انه يستحب لها ان لا تصوم مع عدم الاذن لكنه يصح منها هذا الصوم.

 

توجد روايات عديدة لهذه المسألة، وألسنتها مختلفة، بعضها تحرم الصوم عليها، وبعضها الآخر لا يستفاد منها الحرمة وعدم الجواز، وبعضها الثالث تدل على جوازه. فتوجد طوائف ثلاثة من الروايات:-

 

الطائفة الأولى: ما تدل على عدم الجواز، وفيها عدة روايات:-

 

الأولى: صحيحة محمد بن مسلم

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس للمرأة أن تصوم تطوعاً إلا باذن زوجها.[2]

 

الثانية: صحيحة محمد بن مسلم الثانية

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال: أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدّق من بيته إلا باذنه، ولا تصوم تطوعاً إلا باذنه ......[3]

 

الثالثة: رواية عمرو بن جبير العزرمي

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله وعليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال: هو أكثر من ذلك، فقالت: أخبرني بشئ من ذلك، فقال: ليس لها أن تصوم إلا باذنه.[4]

هذه الرواية غير تامة سنداً.

 

الطائفة الثانية: ما لا تكون ظاهرة في التحريم وعدم الجواز، وفيها روايتان:-

 

الأولى: مرسلة القاسم بن عروة، عن بعض أصحابه

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوعاً إلا باذن زوجها.[5]

ويقال أن (لا يصلح) غير ظاهرة في التحريم.

الثانية: صحيحة هشام بن الحكم

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعاً إلا باذن صاحبه، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعاً إلا باذنه وأمره، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن مولاه وأمره، ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعاً إلا باذن أبويه وأمرهما، وإلا كان الضيف جاهلاً، وكانت المرأة عاصية، وكان العبد فاسقاً عاصياً، وكان الولد عاقاً.[6]

 

الطائفة الثالثة: ما دل على الجواز، و هي منحصرة في رواية علي بن جعفر

 

عن أخيه قال: سألته عن المرأة تصوم تطوعاً بغير إذن زوجها؟ قال: لا بأس.[7]

 

وهذه الرواية ينقلها الشيخ صاحب الوسائل عن كتاب مسائل علي بن جعفر ولذا يبدأ السند به.

 

كيفية الجمع بينها

 

يقع الكلام في كيفية الجمع بين هذه الطوائف من الاخبار

 

الجمع الاول: -وهو المعروف بينهم وذكره كثير من الفقهاء- حمل اخبار الطائفة الاولى على الكراهة، باعتبار ان رواية علي بن جعفر نص في الجواز، ومقتضى هذا الجمع هو القول الثاني المتقدم.

وقد يؤيد هذا الجمع بمرسلة القاسم بن عروة التي ورد فيها التعبير ب(لايصلح)، حيث انه لا يستفاد منه اكثر من الكراهة، بل قد تجعل صحيحة هشام بن الحكم مؤيدة لهذا الجمع مع كونها في بادئ الأمر يظهر منها التحريم باعتبار انه ورد في صدرها (من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعاً إلا باذن صاحبه، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعاً إلا باذنه وأمره)، وفي ذيلها(وإلا كان الضيف جاهلاً، وكانت المرأة عاصية)، بدعوى أنّ كونها مطيعة مع عدم صومها بدون اذن زوجها و كونها عاصية اذا صامت من دون اذنه يناسب التحريم، لكن هذا الكلام يتم لو قصرنا النظر على خصوص مفردتي الطاعة والعصيان، لكن تقدم الكلام عن هذه الرواية في مبحث صوم الإذن من دون اذن مضيفه، وقلنا هناك ان هذه الرواية محمولة على المبالغة باعتبار اننا لا نملك دليلاً على لزوم اطاعة الزوجة لزوجها فيما هو خارج عن حقوقه الشرعية، فهذه القضية كبروياً غير ثابتة، فهي لا محالة محمولة على المبالغة في رعاية جانب الزوج بحيث عبرت عن صومها من دون اذنه بالعصيان له، واذا لم تصم من دون اذنه كانت مطيعة له، مع عدم لزوم اطاعتها له أساساً، فبناءاً على هذا وبناءاً على ما سيأتي لا يستفاد من الرواية الحكم الالزامي فتحمل على الحكم غير الالزامي، ومن هنا تجعل هذه الرواية مؤيدة للجمع الاول المطروح في المقام.

وعليه فالجمع الأول جيد في حد نفسه والتزم به كثير من الفقهاء، الا أنه يتوقف على تمامية احد امرين:-

 

الأمر الأول: تمامية سند رواية علي بن جعفر -التي تمثل الطائفة الثالثة- التي هي نص في الجواز.

 

وفيه عدم تمامية السند عندنا، لأن ما ذكر في تصحيح سند رواية صاحب الوسائل لمسائل علي بن جعفر هو أن الشيخ صاحب الوسائل له طريق صحيح إلى الشيخ الطوسي (قده)، والشيخ الطوسي له طرق صحيحة لعلي بن جعفر ومسائله، ذكرها في المشيخة والفهرست، وعليه فلصاحب الوسائل طريق صحيح الى علي بن جعفر. لكن هذا غير كاف، بل الذي يظهر أن لصاحب الوسائل طريقاً خاصاً يشترك به مع العلامة المجلسي وهو طريق ضعيف كما ذكره العلامة المجلسي في البحار. وعليه فما ذكر من طريق لتصحيح رواية صاحب الوسائل عن علي بن جعفر لا يتم في الروايات التي يرويها مباشرة عن كتاب علي بن جعفر، وإنما يتم لو كان طريقه يمر بالشيخ الطوسي بأن كان ينقل عن كتبه.

 

الأمر الثاني: الإلتزام بأن صحيحة هشام بن الحكم نص في الجواز.

 

وفيه ان الصحيحة ظاهرها الاولي المنع وعدم الجواز لأنها عبرت بالعصيان، الا انه يصعب جداً الإلتزام بذلك، لعدم تمامية الظهور في المنع من حيث الكبرى وهي وجوب إطاعة الزوجة لزوجها في غير حقوقه الواجبة لعدم الدليل على ذلك.

بل حتى لو ثبتت الكبرى الا ان الصغرى -وهي صدق العصيان- في موردنا غير متحققة، لتوقف صدق العصيان على وجود امر أو نهي ممن تجب طاعته، وفي موردنا لا يوجد نهي بل الموجود هو مجرد عدم الإذن، فلا يصدق عنوان الطاعة والعصيان.

وعليه لابد من حمل الرواية على حكم غير الزامي كحملها على نوع من المبالغة في طاعة الزوج.

وبناءاً على هذا تكون الصحيحة ظاهرة في عدم الإلزام لكنها لا تكون نصاً في ذلك.

 

الجمع الثاني: ما ذهب إليه جماعة -منهم السيد الخوئي (قده)- من الحكم بالحرمة اذا كان مزاحماً لحقه، ولا يحرم اذا لم يكن مزاحماً لذلك.

 

ويجعل لهذا الجمع مؤيدان:-

 

الأول: انه مقتضى القواعد في المقام ذلك.

 

الثاني: هو ما ذكره في الحدائق من نقل كلام الأصحاب من أن منافع الإستمتاع بالزوجة مملوكة للزوج بنحو يكون صوم الزوجة من دون إذنه ممنوعاً، لأنه تصرف في ما يملكه الزوج.

 

وفيه ان هذا الجمع لا يخرج عن كونه تبرعياً ولا شاهد عليه من الروايات. بل قد يقال ان هذا الحمل مخالف لظاهر روايات الطائفة الأولى، لأن روايات هذه الطائفة ركزت على مسألة عدم الإذن، وكأن الملاك في المنع ذلك، ولو كان الملاك هو مسألة المزاحمة لحقه لذكر في الروايات ذلك.

اما مسألة ملكية الزوج لمنافع الاستمتاع فأجابوا عنها -في الجواهر وغيره- بأنها واضحة المنع ولا احد يلتزم بملكية الزوج لهذه المنفعة، بل حتى لو صامت فيبقى هو يملك هذا الحق لأن فرض المسألة هو الصوم التطوعي. فصومها لا يزاحم ملكيته للمنفعة.

 

فالصحيح في المقام أن نطرح الروايات التي لا يمكن الإعتماد عليها وهي رواية علي بن جعفر ومرسلة القاسم بن عروة لضعفهما السندي، فتبقى اخبار الطائفة الأولى (التي ظهورها الاولي هو عدم الجواز وعدم صحة الصوم) وصحيحة هشام بن الحكم (التي حملناها بالتقريب المتقدم على الحكم غير الإلزامي، أي كراهة الصوم أو إستحباب تركه مع عدم الإذن)، وهذه الرواية بهذا المفاد تكون منافية لروايات الطائفة الأولى.

 

فهل يمكن الالتزام بمفاد روايات الطائفة الأولى في عدم جواز الصوم للزوجة من دون إذن الزوج مطلقاً حتى لو كان هناك مانع من ممارسة حقه بالإستمتاع بالزوجة (كما إذا كان مسافراً) أو لا.

بعبارة أخرى: هل يمكن ان نلتزم بتمامية مفاد الطائفة الأولى من كون هذا حقاً من حقوق الزوج، كما هو الحال في خروج الزوجة من دون إذنه، أو لا يمكن الإلتزام بذلك.

يظهر من بعض الفقهاء صعوبة الإلتزام بذلك.

 


[1] أي:القول بالجواز مع الكراهة أو بدونها.