1440/05/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

الجواب الثاني:- التمسّك لإثبات البطلان بفكرة طيب النفس ولكن ليس مستقلاً بل إلى جنب حديث رفع الاكراه.

وبيان ذلك:- إنه توجد ثلاث حالات للإكراه في الأحكام الوضعية:-

الأولى:- أن يفترض أنَّ الخصوصيات ليست مأخوذة في مدّ نظر المكرِه ، يعني هو لم يذكرها في كلامه وإنما قال ( بع دارك ) أما أنه تبيعها ليلاً أو انهاراً أو على فلان أو فلان أو بهذا السعر أو بذاك فهذه الخصوصيات ليست مأخوذة وإنما يكون الاكراه على أصل بيع الدار.

الثانية:- أن تكون الخصوصيات مأخوذة في مدّ نظر المكرِه ، بأن قال ( إما أن تبيع سيارتك أو تبيع دارك ) ، وهنا تارة نفترض أنَّ المكرَه اختار بيع السيارة ولكنه اختاره في طول الاكراه ، يعني لو لم يكرهه فحتى السيارة هو لا يبيعها ولكنه رضي ببيع السيارة من باب أنه أحوج إلى الدار ، فهو انتخب السيارة في طول الاكراه

الثالثة:- يفترض أنَّه من البداية يحب بيع السيارة ، فحينما أكرهه على بيع أحدهما فانتخب بيع السيارة.

أما في الحالة الأولى:- ففي مثلها نقول بالبطلان من ناحية عدم طيب النفس ومن ناحية الاكراه ، لأجل أنه توجه الاكراه على بيع الدار ، وخصوصية الليل والنهار وبهذا الثمن أو ذاك هي من باب عوارض الوجود ولوازمه أو هي أمور اتفاقية في عالم الوجوب ، إنما مصبّ نظر المكرِه هو بيع الدار ، وحينئذٍ يمكن تطبيق حديث نفي الاكراه لإثبات البطلان وفقدان طيب النفس.

وأما في الحالة الثانية:- فالمناسب البطلان أيضاً لكلا الأمرين ، لعدم طيب النفس ، لأنَّ طيب نفسه فرضناه في طول الاكراه ، ومادام في طول الاكراه فهو ليس بطيب نفس وإنما بحكم العدم ، وأيضاً الاكراه صادق لأننا قلنا إنَّ الاكراه دائماً هو على نفس الخصوصيات أما الجامع فهو مأخوذ بنحو المشيرية والمرآتية إلى الخصوصيات.

وأما الحالة الثالثة:- فحيث إنَّ الرضا وطيب النفس كان موجوداً من البداية فالمناسب وقوع البيع صحيحاً ، وكلامنا هذا ثبوتاً ، وأما اثباتاً فيلزم أن نتبع الوسائل الاثباتية وهذه قضية ثانية ، أما ثبوتاً بينه ما بين الله مادام عنده رضا ببيع الدار من البداية بقطع النظر عن الاكراه فالبيع يقع صحيحاً لتحقق طيب النفس وعدم صدق الاكراه بعد فرض أنه يريد الإقدام على بيع الدار.

إذاً انتهينا من الأحكام الوضعية بكلا الجوابين ، واتضح من خلال ما ذكرنا أنه يمكن أن نتمسّك بحديث الاكراه بانفراده ، كما ويمكن التمسّك بفكرة فقدان طيب النفس غايته إلى جنبها يوجد حديث الاكراه اتفاقاً.

وبهذا يتضح التأمل في ما ذكره الحاج ميرزا علي الايرواني(قده):- لأنه في الجواب الأول الذي نقلناه عنه تمسك بفكرة عدم طيب النفس وتخيّل أنه لا يمكن التمسّك بحديث نفي الاكراه ، فلذلك هو توجه إلى فكرة عدم طيب لنفس، وهذا توجه صحيح ، ولكن لا ينبغي حصر وجه البطلان بذلك كما يفهم منه ، بل يوجد كراه إلى جنب عدم طيب النفس كما اتضح من خلال ما ذكرنا ، فيمكن التمسّك بكليهما وليس التمسك بخصوص عدم طيب النفس.

فإذاً جوابه صحيحٌ في الجملة ، ولكن تصوره بأنَّ الجواب ينحصر بالتمسك بعدم طيب النفس ولا يصح التمسّك بحديث نفي الاكراه قابل للتأمل كما اتضح.هذا كلّه بالنسبة إلى الأحكام الوضعية.

وأما الاكراه في الأحكام التكليفية:- فقد اتضح الجواب ، فإنه مادام الاكراه على الجامع هو ابتداءً - حسب ما أوضحنا - اكراه على كل خصوصية لكن إن لم يفعل الأخرى فالإكراه متوجه إلى الخصوصية ويصدق الاكراه على الخصوصية ، وحينئذٍ ارتفع الاشكال في الأحكام التكليفية ، ببيان: أنَّ الاكراه صادقٌ على الخصوصيات ، ومعه يصح التمسّك بحديث نفي الاكراه.

ولكن نذكر بعض الفروع التطبيقية لاحتمال اشتمال بعضها على بعض النكات الجانبية وإلا فروح الجواب صارت واضحة:-

الفرع الأول:- إذا فرض أنه أكرهه على أحد حرامين وقال له إما أن تسرق أو تشرب الخمر ، ففي مثل هذ الحالة الحكم هو أنه يجوز له ارتكاب هذا من باب حديث نفي الاكراه ، كما يجوز له ارتكاب ذاك من باب حديث نفي الاكراه ، لأننا قلنا إنَّ الاكراه هو في الحقيقية على هذه الخصوصية إن لم تفعل تلك أو على تلك إن تفعل هذه فحينئذٍ يجوز التمسّك بحديث رفع الاكراه ، ولكن من الواضح أنَّ هذا يكون فيما إذا لم ندخل في الحساب أنَّ أحد الطرفين هو حقٌّ للناس والطرف الآخر هو حق لله تعالى ، فلعل هذه الأمور يكون مرجّحات لأحد الأطراف ، ولكن الآن نفترض أنَّ الطرفين هما من المحرّمات الإلهية أو أنَّ الاثنين من باب حقوق الناس.

الفرع الثاني:- إذا كان أحد الفردين محرّماً في نفسه والآخر حلالاً في نفسه ، كما إذا فرض أنه قال إما أن تشرب الخمر أو أن تشرب الماء ، فهنا مع إمكان التخلص من الحرام من طريق محلل لا يصدق عرفاً عنوان الاكراه ، ففي مثل هذه الحالة لا يجوز التمسّك بحديث نفي الاكراه لعدم صدقه بعد إمكان التخلّص من الحرام بفعل المباح.

الفرع الثالث:- ما إذا كان أحد الطرفين شديد الحرمة والآخر خفيف الحرمة ، كما لو أكرهه إما على شرب النجس والمغصوب معاً أو على شرب النجس فقط ، ففي مثل هذه الحالة يصدق الاكراه بلحاظ كليهما ، فالإكراه صادق على هذه الخصوصية وعلى تلك الخصوصية ، ولكن يحصل تزاحم بينهما والمرجّح في مثل هذه الحالة هو قلّة الحرام في أحد الطرفين ، فالعقل يحكم بلزوم ارتكاب ما كانت الحرمة فيه أضعف ، وإلا فالإكراه صادقٌ على الاثنين.

الفرع الرابع:- لو أكره على البيع أو شرب الماء ، فالبيع مباح ، وشرب الماء مباح ، فلو اختار شرب الماء فلا مشكلة ، وهذا لا ينبغي ذكره ، لأنه لا يتّصف بالصحة ولا بالبطلان ، إنما الكلام فيما إذا انتخب البيع فهل نحكم بصحته باعتبار أنه كان يتمكن من شرب الماء فلا يصدق أنه مكره عليه وبالتالي هو يفعله عن طيب النفس ؟ المناسب أن يحكم بصحة البيع ولكن بشرط ما إذا فرض أنه يتمكن من شرب الماء ، أما إذا فرض أنه لا يشتهي الماء ولو شربه فسوف يتضرر لأنه يوجد عنده مانع من شربه فهنا إذا نتخب البيع فسوف يكون من دون طيب نفس فيحكم بالبطلان ، وقد يمسّك أيضاً بحديث نفي الاكراه ، فكلاهما يكون صادقاً ويمكن التمسّك به.

وكل هذا الكلام ثبوتي ، أما اثباتاً فنتَّبع الوسائل الاثباتية.

الفرع الخامس:- إذا أكره على البيع أو على أداء دَينٍ مستحق حيث قال له إما أن تبيع دارك أو تدفع الدَّين المستحق عليك ، فهنا حكم الشيخ الأعظم(قده)[1] بأنه لو انتخب البيع وقع صحيحاً ، لأنَّ أداء الدين المستحق واجب ، فحينئذٍ لا يصدق الاكراه بلحاظ أداء الدَّين لأنه واجب عليه ، وهنا هو قد ارتكب البيع باختياره فيحكم بصحته.

ولكن يمكن أن يقال:- إذا فرض أن الانسان كان غير ملتزمٍ دينياً ولم يكن ناوياً دفع الدَّين تمرّداً وعصايناً فحينما ينتخب البيع فهو ينتخبه من باب أنه أقل ضرراً بالنسبة إليه مثلاً أو لنكتة أخرى ، فبالتالي لا يكون البيع عن طيب نفس ، فكلام الشيخ الأعظم(قده) يتم فيما لو كان الانسان متديّناً ، أما لو فرض أنه غير متدين وبناءه كان على العصيان وعدم دفع الدين أصلاً ففي مثل هذه الحالة يقع البيع من دون طيب نفس والمناسب الحكم بالبطلان ، والتفصيل كما أشرنا إليه . ولا يخفى لطفه.

الفرع السادس:- إذا أُكرِه على البيع أو فعل الحرام ، كما لو قال له إما أن تبيع دارك أو تشرب الخمر ، ففي مثل هذه الحالة قد يقال إذا انتخب البيع فهو قد انتخبه فراراً من شرب الخمر فيقع باطلاً ، بل هو مكرهٌ عليه.

وهو وجيه فيما إذا كان الشخص متدّيناً ، أما إذا لم يكن عنده مانع ديني من شرب الخمر وهو قد فرّ من شربة لا من باب الفرار من الحرام وإنما هو لا يريده الآن لأنه قد شرب قبل قليل ولا يشتهيه ، ففي مثل هذه الحالة سوف يقع البيع منه ليس فراراً من الحرام وإنما اتفاقاً هو لا يريد أن يشرب ، فحينئذٍ سوف يقع من دون طيب نفس ، فلابد وأن نحكم بالبطلان أيضاً ، أما إذا انتخبه من باب طيب النفس من باب أنَّ كليهما سيّان في حقه – لأنَّ الطرف الثاني عنده ليس بحرام - فيقع صحيحاً.فإذاً يمكن أن نحكم بصحة هذا البيع ، ويمكن أن نحكم بفساده.هذا كله بلحاظ عالم الثبوت ، وأما بلحاظ عالم الاثبات فلابد من اتّباع الوسائل الاثباتية ، وبهذا ننهي حدثنا عن الحكم الأوّل الذي تعرضت إليه المسألة.