15-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 412 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 412 ):- لا يجوز في حج التمتع تقديم طواف الحج وصلاته والسعي على الوقوفين ويستثنى من ذلك الشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض فيجوز لهما تقديم الطواف وصلاته على الوقوفين والاتيان بالسعي في وقته . والأحوط تقديم السعي أيضاً وإعادته في وقته . والأولى إعادة الطواف والصلاة أيضاً مع التمكن في أيام التشريق أو بعدها إلى آخر ذي الحجة.
مضمون المسألة المذكورة وهو أنه لا يجوز للمتمتع تقديم أعمال مكّة على الوقوف بعرفات وتقدّمت الإشارة إلى ذلك في مسألة ( 158 ) حيث ذكرت فيها الفوارق بين حجّ التمتع وبين حجّ الإفراد والقران، وفي الفارق الثالث من تلك الفوارق الخمسة ذكر أنه في حجّ التمتع لا يجوز تقديم أعمال مكّة - أعني الطواف والصلاة والسعي - على الوقوف بعرفات إلا لذي العذر بخلافه في حجّ القران والإفراد فإنه يجوز . إذن هذه المسألة ترتبط بهذا الموضوع.
والمعروف بين الفقهاء عدم الجواز إلا لعذرٍ، بل ربما يظهر من بعضٍ تصعيد اللهجة وأنه لا يجوز حتى لذوي الأعذار كما يظهر من ابن إدريس فهو يقول حتى المرأة التي تخاف الحيض لا يجوز لها أن تقدّم الطواف وما بعده وحتّى الشيخ الكبير[1].
وربما يظهر من بعضٍ آخر العكس - يعني يجوز التقديم مطلقاً حتى لغير صاحب العذر - كصاحب المدارك(قده) فإنه يظهر منه الميل الى ذلك . فالأقوال في المسألة سوف تصير حينئذٍ ثلاثة هي عدم الجواز إلا لذي العذر وتستطيع نسبته إلى المشهور بل ربما ادُّعِي الاتفاق عليه، وعدم الجواز مطلقاً وهو ما يظهر من ابن إدريس، والجواز مطلقاً وهو ما يظهر الميل إليه من صاحب المدارك، قال في الشرائع:- ( السادسة:- يجب على المتمتع تأخير الطواف والسعي حتى يقف بالموقفين ويقضي مناسك يوم النحر ولا يجوز التعجيل إلا للمريض والمرأة التي تخاف الحيض الشيخ العاجز . ويجوز التقديم للقارن والمفرد على كراهة ) ، وفي المدارك نقل:- ( أن ذلك قول العلماء كافة )[2] يعني عدم الجواز في حالة الاختيار والجواز في حالة العذر، ثم نقل عن ابن إدريس المنع من التقديم مطلقاً - والمقصود من الاطلاق يعني حتى في حالة العذر -، وعلّق ابن إدريس بعد أن ذكر الروايات الدالة على الجواز التقديم لصاحب العذر وقال:- ( والأظهر ترك العمل بهذه الرواية )[3] وهذا معناه أنه لا يجوز التقديم مطلقاً . ثم بعد ذلك قال صاحب المدارك:- ( بل لولا الاجماع المدعى على المنع من جواز التقديم اختياراً لكان القول به متجهاً ) أي أن جواز التقديم متّجهاً لولا الاجماع، وقال في الجواهر بعد أن ذكر عبارة المحقّق المتقدّمة الدالة على التفصيل ما نصّه:- ( بلا خلاف محقق معتدٍ به أجده بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكيّ منهما[4] مستفيض أو متواتر بل وفي محكيّ المعتبر والمنتهى والتذكرة نسبته إلى إجماع العلماء كافّة .... فمن الغريب ما وقع من بعض متأخري المتأخرين من جواز ذلك مطلقاً استناداً إلى إطلاق بعض النصوص )[5]، وهو يقصد بذلك الإشارة إلى صاحب المدارك(قده).
وعلى أي حال المسالة ذات أقوال ثلاثة ومنشأ هذا الخلاف هو الأخبار فإنه يمكن تقسيمها إلى طائفتين:-
الطائفة الأولى:- ما دلّ على الجواز مطلقاً وهي عدّة روايات:-
الرواية الأولى:- ما وراه الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن الحسين عن أحمد بن محمد عن بن بكير وجميل جميعاً عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أنهما سألاه عن المتمتع يقدّم طوافه وسعيه في الحج، فقال:- هما سيّان قدّمت أو أخّرت )[6]، والدلالة واضحة حيث أجاب عليه السلام بلسانٍ صريحٍ وقال:- ( سِيّان قدّمت أو أخّرت ) والسؤال ليس عن صاحب العذر.
ولعل قائلاً يقول:- صحيحٌ أن السؤال لم يذكر أنه عن صاحب العذر ولكن ليس من البعيد أن الامام فهم من السائل أنه يقصد صاحب العذر وإلّا فما معنى السؤال عن غير صاحب العذر فلابد وأن يكون السؤال عن صاحب العذر، فإذن لا نستفيد منها الجواز في حقّ غير صاحب العذر ؟
ويمكن أن يردّ:- بأن قوله عليه السلام ( سِيّان قدّمت أو أخّرت ) لا يتناسب مع صاحب العذر فإن المعذور حيث لا يتمكّن من أن يأتي بالعمل بعد ذلك فمن المناسب أن يتعيّن عليه القديم لا أنه سيّان عليه وخصوصاً أن الامام عليه السلام أجاب بقوله:- ( قدّمت أو أخّرت ) بالخطاب له ولم يقل له ( قدِّم ) يعني المتمتع المعذور وإنما الكلام توجّه له وهذا فيه دلالة واضحة على أن المقصود أنه أنت أيها المتمتّع وإن لم تكن معذوراً جاز لك التقديم أو التأخير . إذن احتمال أن النظر إلى خصوص المعذور شيءٌ بعيد.
أما السند فهو كما قلنا رواها الشيخ الطوسي هكذا:- ( محمد بن الحسين عن أحمد بن محمد ) والمقصود عن محمد بن الحسين هنا هو ابن أبي الخطّاب فإنه الرجل المعهود في هذه الطبقة وهو من أجلّاء أصحابنا ولكن لا يوجد إليه طريقٌ في مشيخة التهذيب ولكن في الفهرست ذكر طريقاً معتبراً إليه، والمفروض أن ابن الخطاب يرويها عن أحمد بن محمد والمقصود من أحمد بن محمد هنا ليس هو ابن عيسى بل هو ابن أبي نصر البزنطي ( عن أبن بكيرٍ جميعاً ) . إذن الرواية لا إشكال فيها من حيث السند والدلالة.
الرواية الثانية:- وبإسناده[7] عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج :- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام:- عن الرجل يتمتّع ثم يحلُّ بالحج فيطوف بالبيت ويسع بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى، فقال:- لا بأس )[8]، والمناسب هو ( يهلُّ ) بدل ( يحلّ ) كما روى ذلك صفوان عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن علي بن يقطين في الرواية الثالثة الآتية . ودلالها واضحة والسند جيّدٌ أيضاً فإن الشيخ وإن لم يذكر طريقاً في المشيخة إلى صفوان بن يحيى ولكنه في الفهرست ذكر طريقاً معتبراً إليه وهو من أجلّة أصحابنا، وعبد الرحمن بن الحجاج أيضاً كذلك.
الرواية الثالثة:- صحيحة حفص بن البختري عن أبي الحسن عليه السلام:- ( في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، فقال:- هما سواء أخّر ذلك أو قدّمه يعني للمتمتّع )[9]، ولا يبعد أن قوله ( يعني للمتمتع ) هي من إضافة الشيخ الطوسي رحمة الله عليه، ودلالتها واضحة أيضاً.
الرواية الربعة:- ما وراه الشيخ الصدوق(قده) عن ابن بكير عن زرارة، وهكذا رواها عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام - إذن يوجد طريقان إلى هذه الرواية أو أنهما روايتان- وهي:- ( أنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج، فقال:- هما سيّان قدّمت أو أخّرت )[10].
ولا يبعد أنها نفس الرواية الأولى . وبغضِّ النظر عن ذلك فالسند لا بأس به فإن طريق الشيخ الصدوق إلى جميل في المشيخة وإن كان قابلاً للتوقّف باعتبار أن السند الذي ذكره هو قد ذكره إلى جميل ومحمد بن حمران ولم يذكر طريقاً مستقلاً إلى جميلٍ وحده فمن هنا قد يتأمّل أحدٌ في الروايات التي يرويها الصدوق عن جميل من دون محمد بن حمران، فإذا تأمل شخصٌ وتوقف من هذه الناحية فنقول له إن الأمر سهلٌ لأن سند الصدوق إلى ابن بكير معتبر فلا مشكلة حينئذٍ، فإذن لا إشكال من هذه الناحية.
هذا كلّه في روايات الطائفة الأولى وقد دلّت على الجواز مطلقاً.
وأما الطائفة الثانية:- وهي ما دلّ على جواز التقديم في حقّ صاحب العذر فقط فهي كما يلي:-
الرواية الأولى:- صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج إلى منى )[11]، بتقريب:- أن تخصيص البأس بهذين الفردين يدلّ على عدم الجواز في حقّ غيرهما - أي في حق المختار - وإلا فلا وجه لتخصيص نفي البأس بهذين . ودلالتها لا بأس بها مع هنٍ وهن.
الرواية الثانية:- صحيحة اسحاق بن عمّار أو موثقته:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتّع إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض يعجلّ طواف الحج قبل أن يأتي منى ؟ فقال:- من كان هكذا يعجّلُ .. )[12].
الرواية الثالثة:- صحيح عليّ بن يقطين:- ( سمعت أبا الحسن الأوّل عليه السلام يقول:- لا بأس بتعجيل طواف الحجّ وطواف النساء قبل الحجّ يوم التروية قبل خروجه إلى منى وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً )[13]، ودلالتها جيدّة لا بأس بها.
الرواية الرابعة:- راية أبي بصير - وسندها يشتمل على اسماعيل بن مرار وعليّ ابن أبي حمزة فإن وثقناهما فتصير صحيحة وإلا فهي رواية- وهي:- ( قال:- قلت:- رجل كان متمتّعاً وأهلّ بالحجّ، قال:- لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف )[14].
وقد يقال إنها ناظرة إلى الطواف المستحبّ وليس إلى طواف الحجّ . ولكنّ الذي قد يبعّد ذلك قوله عليه السلام ( فلا يعتدّ بذلك الطواف ) فإن المستحبّ لا يتناسب معه هذا التعبير.
الرواية الخامسة:- رواية اسماعيل بن عبد الخالق - وفي السند أيضاً ورد اسماعيل بن مرار فالمشكلة عادت هنا أيضاً- وهي:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحجّ قبل أن يخرج إلى منى )[15].
وإذا كان في بعض هذه الروايات ضعفٌ في السند فيكفينا البعض الآخر .
وبعد أن عرفنا هذا فكيف الجمع بين هذه الروايات ؟


[1]  وهو(قده) ذكر هذا فقط، وإلا فأقول:- ماذا يفعل هؤلاء أصحاب العذر ؟ إنه لا بد وأن يقول بالنيابة أما السقوط فهو لا يحتمل.
[4]  أي الاجماع وعدم الخلاف.
[7]  يعني نفس الشيخ الطوسي.