16-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 412 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
والاحتمالات في الموقف ثلاثة:-
الاحتمال الأول:- تقييد الطائف الاولى التي جوزت مطلقاً بصاحب العذر وقد نسب صاحب المدارك[1] إلى الشيخ وأتباعه، ووجه ذلك واضح فإن الاولى مطلقة فتقيد بالثانية فالأولى كانت تقول إن المتمتع لا بأس بتقديمه ( لا بأس، سيان ) هذا مطلق وليس مقيد بصنف معين والثانية يفهم منها جواز التقديم لصاحب العذر فقط فتُقيَّد الاولى بالثانية.
الاحتمال الثاني:- حمل الثانية التي يستفاد منها عدم الجواز في حق غير صاحب العذر  على الكراهة لأجل الطائفة الاولى المجوزة مطلقاً ووجه ذلك أن الاولى صريحة في الجواز لأنها تقول سيّان قدّمت أم أخّرت بينما الثانية وإن لت على أن غير المعذور لا يجوز له لكن بالظهور لا بالصراحة إذ كانت تقول ( لا بأس للشيخ و ... بالتقديم ) وهذا ظاهره أن غير هؤلاء لا يجوز له التقديم فيحمل ذلك على الكراهة يعني مكروه لغير صاحب العذر أن يقدم لصراحة الاولى في الجواز وواضح أنه من المناسب فنيّاً هذا إنما يصار اليه إذا تعذر الاول - أي الجمع بالتقييد - وأما عند إمكانهما معاً فقد ذكرنا في بعض الابحاث إذا كان الجمع بالتقييد والجمع بالحمل على الكراهة فإيهما يقدم ؟ يقدم الجمع بالتقييد.
وهذا يظهر كما قلنا من صاحب المدارك(قده)[2] – طبيعي ليس بها التوجيه الذي ذكرته وبهذه التصريحات – حيث قال:- ( لولا الاجماع المدّعى على المنع من جواز التقديم اختياراً لكان القول به متجهاً لاستفادة الروايات الواردة بذلك).
الاحتمال الثالث:- أن نبني على بطلان كلا الجمعين السابقين وبالتالي يوجد تعارض مستقر بين الطائفتين بيد أنه ترجح الطائفة الثانية المانعة من التقديم لغير صاحب العذر ترجح هذه بعد استقرار التعارض لموافقتها للسنة القطعية فإنه توجد روايات كثيرة يستفاد منها – ولعله تأتي – أن مرتبة وطواف الحج هي بعد اعمال منى لا قبل أعمال منى – أو قبل عرفات بعبارة أخرى -.
هذه احتمالات ثلاثة في الموقف العلاجي.
ولتحقيق الحال أكثر نقول:-
أما الاحتمال الأوّل:- فقد أشكل عليه السيد الخوئي(قده)[3]بأن حمل الطائفة الأولى على صاحب العذر هو باطل باعتبار أن الوارد في لسانها هذا التعبير ( هما سيان قدمت أو أخرت ) وحمل ذلك على حالة الضرورة والعذر بعيد جداً. هذا ما افده(قده).
وفيه:- أنا ولا نعرف وجه البعد في ذلك فإن هذا التعبير - كتعبير - لا محذور في حمله على حالة العذر فإنه يظهر منه أن هذا التعبير وهذا اللفظ هو في نفسه يتمانع مع تقييده وحمله على صورة العذر والضرورة.
ولعل مقصوده هو أن لازم ذلك الحمل على الفرد النادر، إنه وإن لم يبين ذلك ولم يذكره ولكن حمل هذه الروايات التي جوزت مطلقاً على صاحب العذر - يعني الشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض وغيرهما - هو حمل على الفرد النادر، إنه إذا كان يقصد هذا المعنى فهو أو جه من سابقه وبناء على هذا لا تكون الخصوصية للفظ ( سيّان ) بل حتى لو كان الفظ شيئاً آخر مثل ( يجوز للمتمتع ذلك ) حمل هذا على الضرورة يكون حملاً على الفرد النادر فالنكتة سوف تصير هي مسألة الندرة المسألة وليس مسألة تعبير ( سيان قدمت أو أخرت ) وعلى أي حال لا بأس إذا كان يقصد هذا المعنى.
ولكن الأجدر أن نبين ذلك ببيان آخر:- فإنه قد يناقش ويقال من قال إن هذا حمل على الفرد النادر ؟! فإن أصحاب العذر في هذا المجال هو كثيرون وليس ذلك شيئاً نادراً فلذلك سوف نذكر هذا البيان حتى نسيطر فيه على هذه الشبهة ونقول هكذا:- إنه تارة الإمام عليه السلام يذكر ابتداءً أنه يجوز للمتمتع تقديم الطواف أو سيّان قدمت أو أخرت، وخرى يسأل الإمام عن جواز التقديم فيقول نعم يجوز أو سيّان، ففي الاحالة الاولى يعني إذا ذكر الإمام ابتداءً أنه يجوز التقديم فيمكن ان نحمل ذلك على صاحب العذر وأن مقصود الإمام عليه السلام هو بيان حكم صاحب العذر فلمصلحة من المصالح وجه نظره إلى صاحب العذر وأنه يجوز له دون طبيعي المكلف ولو لأجل مصلحة التدرج في الاحكام او غير ذلك وما أكثر المطلقات التي يذكرونها عليهم السلام ويقصدون بها المقيد وإذا رفضنا هذا المعنى يلزم من ذلك فقهاً جديداً - أي إذا انكرنا قانون الاطلاق والتقييد - فبالتالي التقييد في هذه الحالة شيء وجيه، وأما في الحالة الثانية أعني فيما إذا سئل الإمام عليه السلام عن المتمتع فهنا لا معنى لأن نحمله على صاحب العذر لن السائل حينما سأل فهو ليس ناظراً إلى صاحب العذر وانما هو ناظر إلى الحالة الطبيعية – أي الانسان الطبيعي الذي يتمكن من الاثني -  أو إلى طبيعي المكلف لا انه ناظر إلى صاحب العذر فلا معنى لأن يجيبه الإمام ببيان حكم صاحب العذر إن هذه طريقة مرفوضة أشد الرفض، نعم قلت ابتداءً لا بأس بان يبين الإمام حينما يبين حكماً يريد منه حالة معيّنة وهي حالة العذر لقانون الاطلاق والتقييد فهذا لا بأس به أما بعد سؤال السائل وفي سؤاله ناظر إلى الحالة الطبيعية وليس إلى صاحب العذر فلا معنى لأن يبين الإمام حكم صاحب العذر، فإذن على هذا الاساس لا يمكن حمل الطائفة الاولى على صاحب العذر لأنها - ولو بمعنى قسماً منها - ورد بصيغة السؤال من الراوي فالراوي سأل وقال ( أنههما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج فقال هما سيان )، أو في الرواية الثانية ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يتمتع ثم يحل - يهل - بالحج ) فبعض روايات الطائفة الأولى واردة بصيغة السؤال فهذا الجمع يكون متعذراً بلحاظها . إذن النتيجة هي أن هذا الجمع يكون متعذراً وباطلاً للنكتة التي أشرنا اليها.
هذا بالنسبة إلى الاحتمال الأوّل وقد اتضح بطلانه.
وأما الاحتمال الثاني:- فقد ذكرنا توجيهه وأن الطائفة الاولى صريحة في الجواز والثانية ظاهرة في المنع فبصراحة الاولى يحمل المنع في حق غير صاحب العذر على الكراهة.
إن هذا الاحتمال اشكل عليه السيد الخوئي(قده) ايضاً بالمطلب الذي اشار اليه أكثر من مرة حيث ذكر أنه لابد وان نضع هذا اللسان الوارد في هذه الطائفة الى جنب هذا اللسان الوارد في الطائفة الثانية ونفرضهما متصلين فإذا لم يكن بينهما تنافٍ حين الجمع على الكراهة فلا بأس من قبيل أن يقول لا تترك صلاة الليل ثم يأتي لسان ثاني يوقل لا بأس وأن تترك صلاة الليل إنه بقرينة الثاني نحمل الاول على كراهة الترك مثلاً إنه شيء مقبول عرفاً ولا يرى العرف تعارضاً بينهما لو اجتمعا فلو خاطبنا الناس وقلنا لهم ايها الناس لا تتركوا صلاة الليل ثم قلنا لهم بعد ذلك مباشرة ولا بأس بأن تركتها لا يرون هاك تعارضاً وتناقضاً هنا الجمع بالكراهة أو بغير ذلك شيء معقول، وأما إذا فرض أن اللسان بالنظر العرفي كان لسان تعارض وتناقض فلا يمكن آنذاك الجمع بينهما ويصير التعارض تعارضاً مستقراً وفي مقامنا نقول الوارد في أحدى الطائفتين لسان لا بأس بتقديم طواف الحج وفي الطائفة الثانية ورد أنه فيه بأس أي في التقديم وهذان اللسانان إذا جُمِعا  يرى العرف ن بينهما تناقضاً، أما كيف أن الوارد في لسان الطائفة الاولى لا بأس وفي لسان الطائفة الثانية البأس ؟ والجواب:- أما أن الطائفة الاولى ورد فيها ذلك – يعني التعبير بنفي البأس – فهو كما في الرواية الثانية من الطائفة الاولى يعني صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج – حيث جاء فيها ( سألت أبا ابراهيم عليه السلام عن الرجل يتمتع ثم يهل بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه الى منى فقال لابأس ) هنا ورد التعبير بنفي البأس. ولكن المهم هو الطائفة الثانية فأين جاء التعبير بالبأس - أنه في التقديم بأسٌ - ؟ إنه إذا لاحظنا الطائفة الثانية لا نجد فيها رواية تقول إن في ذلك بأس لكن يمكن اقتناص لك بالمفهوم يعني إن الطائفة الثانية ورد في الرواية الاولى منها مثلاً – أي صحيحة الحلبي – هكذا ( لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض قبل ان تخرج الى منى ) إنه ورد التعبير بنفي البأس وبالمفهوم منها أنه يوجد بأس في غير ذلك، إذن صارت الطائفة الاولى قد ورد فيها بنفي البأس بالتقديم يعني في حق غير المعذور لا بأس أو مطلقاً وهذه قالت في التقديم بأس والتعبير بنفي البأس والبأس يحصل فيه تناقض عرفاً فلا يمكن الجمع بينهما بحمل البأس على الكراهة بعد تناقضهما عرفاً . هذا ما ذكره(قده).
وأنا أضيف له مساعدة فأقول:- قد يخطر الى الذهن أن هذا تام ولكن فب عض الروايات يعني التي ورد فيها هذا التعبير ولكن يوجد عندنا روايات اخرى من الطائفة الاولى لا يوجد فيها العبير بنفي البأس ومن الطائفة الثانية لا يوجد فيها هذا التعبير فنحن لماذا نذهب الى هاتين الروايتين – يعني نأخذ رواية من الطائفة الاولى الني فيها العبير بنفي البأس ورواية من الطائفة الثانية التي فيها البأس بل لو أخذ بقية الروايات ونقول تلك لا يوجد فيها هذا التناقض فنجمع بالحمل على الكراهة – فإذن المشكلة مندفعة باعتبار أن الروايات الاخرى موجودة من كلا الطائفتين ويمكن الجمع بينها بالحمل على الكراهة ؟
والجواب:- أنه يكفينا لتحقق التعارض وثبوت المشكلة وجود رواية واحدة من هذه الطائفة ورواية واحدة من تلك الطائفة لا يمكن فيها هذا الجمع فهذا المقدار يكفينا للتعارض بين الطائفتين فلا يتوقف تحقّق التعارض بين الطائفتين على أن يكون اللسان بلحاظ جميعها كذلك، وهذه قضيّة وجدانيّة، كما لو فرض أنه خرج من هذه الجماعة أشخاصٌ يريدون أن يقاتلوا وخرج من تلك الجماعة أشخاص يريدون أن يقاتلوا ولكن بعد ذلك أرادوا أن يتصالحوا فتراجع الطرفان ولم يبق إلا شخصاً واحداً من هذا الطرف وشخصاً واحداً من ذلك الطرف فهنا النزاع والشجار لا زال باقياً ببقاء هذين الشخصين . فإذن فكرة التناقض التي ذكرها السيد الخوئي(قده) هي ثابتة ولو بسبب روايةٍ واحدة من هذا الجانب ورواية واحدة من ذلك الجانب . والمهمّ الذي أريد أن تركّز عليه هو أنه لا توجد عندنا رواية تثبت البأس باللسان الصريح من الطائفة الثانية فلابد وأن نقتنص ذلك ونحصّل عليه من خلال المفهوم، فهل ما ذكره السيد الخوئي(قده) تامٌّ أو لا ؟