08-06-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 421 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حجّ التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وأما موقعه من حيث بقيّة أفعال الحج:- فقد ذكر صاحب المدارك(قده) أن موقعه بعد طواف الحج وسعيه فإذا فرغ الحاج منهما وصلت النوبة إلى طواف النساء حيث قال:- ( هو مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفاً )[1].
وقد يتمسّك لذلك بالسيرة فيقال:- إن السيرة قد جرت على الاتيان به بعد الطواف والسعي.
والجواب واضح:- فإن السيرة أعمّ من اللزوم . نعم لا بأس وأن يتمسّك بالارتكاز فيقال هناك ارتكاز متشرعيّ - وهذه قضية ثانية - أمّا نفس السيرة فلا يمكن التمسّك بها، والارتكاز قد يتأملّ في التمسّك به بسبب وجود بعض الروايات في المسألة فيحتمل أنه ناشئ من الروايات فتعود القيمة للروايات، ومن جملة تلك الروايات صحيحة معاوية:- ( .... ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيءٍ أحرمت منه إلّا النساء ثم ارجع إلى البيت وطف به أسبوعاً آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم )[2]، وتقريب الدلالة كما ذكر صاحب المدارك(قده) حيث قال:- ( إن كلمة ثمّ تقتضي الترتيب )، إنّه بعد ضمّ هذه المقدّمة إلى الرواية لا يبعد أن تكون دلالة الرواية جيّدة على المطلب.
ويمكن التمسّك بوجهٍ آخر وذلك بأن يقال:- إنه ورد في بعض الروايات - كما تقدم - وَصْفُ طواف النساء بأنه بعد الحج، فالذي استفيد من هذا التعبير أنه خارجٌ عن الحج . إذن هو وُصِفَ بأنّه بعد الحج، هذه مقدّمة، وهناك مقدّمة أخرى وهي أن نقول إن السعي هو جزء من أجزاء الحج جزماً، فمادام طوافُ النساء بعده فيلزم أن يكون بعد السعي لا قبله وإلا لم يكن بعد الحج، أو يلزم أن لا يكون السعي من أجزاء الحج - يعني إمّا أنه يلزم الإشكال في تلك المقدّمة أو هذه المقدّمة والمفروض أن كلتا المقدمتين مسلّمتان - . إذن يمكن أن نستفيد من هذا تأخّره عن السعي . وعلى أي حال الحكم المذكور مما لا إشكال فيه ولا يستحقّ الوقوف عنده.
إنما الذي يستحقّ ذلك هو أنه لو قدّم المكلف طواف النساء على السعي فماذا يحكم على طوافه ؟ هنا محلّ الكلام والخلاف بين الفقهاء وإلا فالقضية الأولى - يعني أن مرتبة طواف النساء تكون بعد السعي - لا خلاف فيها وإنما الكلام في مخالفته للترتيب فماذا يحكم على طوافه ؟
وقبل أن ننقل كلمات الفقهاء وما يمكن الاستدلال به على الفساد نذكر الروايات التي يمكن أن نستفيد منها في هذا المجال حتى نكون على اطلاعٍ عند قراءة كلمات الفقهاء والروايات هي كالتالي:-
الرواية الأولى:- صحيحة جميل التي تقول:- ( سألت أبا عبد الله عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً، ثم قال:- إن رسول الله صلى الله عليه وأله اتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلا قدّموه، فقال:- لا حرج )[3]، وعلى منوالها صحيحة - أو رواية - محمد بن حمران - على كلامٍ في محمد بن حمران :- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ زار البيت قبل أن يحلق، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً، ثم قال:- إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناسٌ يوم النحر فقال بعضهم ذبحت قبل أن أرمي وقال بعضهم ذبحت قبل أن أحلق فلم يتركوا شيئاً أخروه وكان ينبغي أن يقدموه ولا شيئاً قدّموه كان ينبغي أن يؤخروه إلا، قال:- لا حرج )[4]، إن هذه الرواية بذيلها يتمسّك بها للمقام.
الرواية الثانية:- موثّقة سماعة، بل هي خاصّة بالمقام وسندها كالتالي:- ( وبإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف والحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن اسحاق بن عمّار عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السلام:- سألته عن رجلٍ طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال:- لا يضرّه، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ حجّه )[5]، والمقصود من قوله ( يطوف بين الصفا والمروة ) يعني فقط لا نه يطوف بينهما ثم يأتي بطواف النساء !! وإلا فسوف تكون دالة على أنه يلزم أن يأتي بالترتيب وعمله هذا يكون باطلاً والحال أنه عليه السلام قال ( لا يضرّه ) فهذا معناه أنه يطوف بين الصفا والمروة فقط.
الرواية الثالثة:- حديث الرفع ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )، فإنه قد يتمسّك به في الجاهل والناسي فيحكم بأن عملهما صحيحٌ بلا حاجة إلى صحيحة جميل أو موثّقة سماعة بل كفينا حديث الرفع . وهذا ما يظهر من صاحب الجواهر(قده) في عبارته التي سوف ننقلها فإنه تمسّك بحديث الرفع في جملة ما تمسّك به.
وفي هذا المجال أقول:- إننا ذكرنا في أبحاثٍ سابقة أن حديث الرفع يصح التمسّك به لو فرض أنه ترتب أثرٌ على عمليّ معيّن بأن قيل هكذا:- ( من ترك الحج فعليه كفّارة كذا مثلاً، أو فليمت يهودياً أو نصرانياً )، هنا يمكن التمسّك بحديث الرفع إذا فرض أن شخصاً كان ناسياً أو جاهلاً فنقول إن هذا الجزاء يرتفع  مادام الشخص كان ناسياً أو جاهلاً، أمّا لو فرض أن الشخص نسى الاتيان بالحج أو كان جاهلاً فلم يأت به فهل يمكن أن نتمسّك بحديث الرفع لإثبات أنه أتى به ؟! كلّا فإن حديث الرفع لا دلالة له على ذلك - يعني من ترك العمل رأساً يكون بمثابة الآتي به -، إن هذا يعني أن حديث الرفع سوف يكون حديث إثباتٍ والحال أنه يريد أن يرفع، فليس له دلالة على أن التارك رأساً للعمل هو بمثابة الآتي به، وهكذا الذي لم يصلِّ ولم يصُم أو غير ذلك عن نسيانٍ أو عن جهل هل يصح أن نتمسّك بحديث الرفع في حقه ونقول أنه بمثابة الآتي ؟!! كلّا ثم كلّا . إذن حديث الرفع إنما يصحّ التمسّك به فيما إذا فرض أن العمل ترتّب على الإخلال به جزاءً معيّناً – أي ( من ترك الحج فعليه الكفارة ) - فهنا نقول لو تركه عن نسيانٍ فلا ترتّب عليه كفارة لحديث ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )، فنقول له أنت بمثابة الآتي بالحج مادام قد تركته عن نسيانٍ.
فإذا اتضح ذلك نأتي إلى مقامنا ونقول:- المفروض أن هذا الشخص الذي قدّم طواف النساء على السعي لم يأتِ بالمأمور به لأن المأمور به هو طواف النساء بعد السعي أمّا قبل السعي فهو ليس بمأمورٍ به، فهو لم يأتِ بالمأمور به فكيف يمكن أن نستفيد من حديث الرفع أن عدم الاتيان بالمأمور به يكون بمثابة الاتيان به ؟ إن هذا لا يستفاد من حديث الرفع وينبغي أن يكون من المطالب الواضحة.
إذن حديث الرفع ينبغي تخصيص التمسّك به بما أشرنا إليه - يعني لرفع الجزاء لو كان هناك جزاءٌ يترتّب على العمل - لا لإثبات الاتيان بالعمل لمن تركه عن نسيانٍ أو عن جهلٍ، وهذه من الفوائد الظريفة التي ينبغي الالتفات إليها.
وبعد أن عرفنا هذا نعود إلى كلمات الفقهاء:- وواضحٌ أنه مرّة نتكلّم عن العامد وهذا ينبغي المفروغيّة عن البطلان في حقّه ولابد له من الإعادة لأن ذلك خلف الترتيب المعتبر، فهذه الحالة نخرجها عن محلّ الكلام، ومحلّ الكلام يكون هو الناسي والجاهل لنرى أن الفقهاء ماذا يحكمون في هذا المجال ؟
قال المحقق في الشرائع:- ( من قدّم طواف النساء على السعي ساهياً أجزاه[6] ولو كان عامداً لم يجزئه[7] )، وقال في المدارك:- ( أما عدم الإجزاء مع العمد فمعلوم مما سبق[8] وأمّا إجزاء التقديم إذا وقع على سبيل السهو فأستدل عليه في التهذيب برواية سماعة المتقدمة، وهو جيّدٌ لو صحّ السند . وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو بالساهي وجهان ورواية سماعة تتناوله[9] لكن فيها ما عرفت[10] )[11] - أي لما عرفت من ضعف السند - .
ونحن قرأنا السند وقلنا إن جميع السند معتبرٌ ولا إشكال فيه ؛ فإن طريق الشيخ إلى سعد بن عبد الله معتبرٌ، وسعد من أجلة أصحابنا، وأحمد بن محمد بن عيسى والعباس بن معروف من ثقاة أصحابنا، والحسين بن سعيد وصوفان بن يحيى من أجلة أصحابنا، وأمّا اسحاق بن عمّار وسماعة فيوجد كلامٌ في أنّهم واقفيّة . من هنا يتّضح أن سبب توقفه، ولذلك نُسِبَ إلى صاحب المدارك(قده) أنه لا يعمل بالخبر الموثّق . وتحامل صاحب الحدائق في أكثر من مورد عليه فيقول له نحن لا نعرف ما هو مسلكك لأنك مرّة تعمل بالخبر الموثّق ومرّة لا تعمل به.
وكلام صاحب الحدائق(قده) ليس ببعيدٍ لأنّا نراه يتوقّف في بعض الأحيان كما هو موجودٌ هنا ويأخذ به في بعض الأحيان، فلذلك لا يمكن أن تُنسَب شيئاً قطعياً إلى صاحب المدارك(قده).
وقال في الجواهر:- ( إن موثق سماعة - الذي مقتضاه الإجزاء - حتى لو تعمّد التقديم[12] وإن كان لا يتمّ إلا مع الجهل[13] إذ العالم لا يتصوّر منه التعبّد والتقرّب به مضافاً إلى عموم حديث الرفع وخصوص ما ورد في الحج من معذوريّة الجاهل[14] حتى جعل بعض متأخري المتأخرين أصلاً باعتبار ما تقدّم فيه من العموم[15] ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط لاحتمال عدم الإجزاء لأصالة البقاء في الذمّة  وبقاء حرمة النساء والله العالم )[16].
إذن كلامه يدلّ على أنه عنده تأمّل في التمسّك بموثقة سماعة وبصحيح جميل.


[6]  لأجل رواية سماعة أو لصحيحة جميل.
[7]  لأنه لم يأت بالمأمور به والمفروض أن الترتيب شوط وهو لم يتحقق فهذا الحكم على القاعدة .
[8]  وهو شرطية الترتيب.
[9]  أي بإطلاقها تشمل الجاهل.
[10]  يعني ضعف السند.
[12]  يريد أن يشير الى أن شامل حتى لحالة العمد.
[13]  الجهل بالمعنى الاعم الشامل للنسيان.
[14]  يشير هنا الى صحيحة جميل وصحيحة محمد بن حمران.
[15]  لأنه يوجد فيه عموم فإنه قال ( لم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلا قدموه أو كان ينبغي أو يؤخره إلا قدموه ). .