21-07-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-مسألة ( 428 ) / الواجب الثاني عشر من واجبات حج التمتع ( المبيت بمنى ).
أمورٌ ترتبط بالطائفة الرابعة:-
الأمر الأوّل:- هل يلزم أن يكون إداء المناسك أوّل الليل أو يجوز أن يأتي بها صباحاً أو عصراً ثم يخرج بعد أدائها إلى الطريق خارج مكة ويلبث هناك ؟
والجواب:- نعم هذا جائزٌ أيضاً فإن الروايات التي استفدنا منها جواز هذه الصورة لم تأخذ قيد أداء المنسك في الليل أو أوّل الليل فهي مطلقة من هذه الناحية فنعمل بإطلاقها، فإذن لا مشكلة من هذه الناحية، وهذا لم نقصد به إلّا بيانُ واقعٍ لا أكثر.
الأمر الثاني:- هل يلزم في استثناء هذه الطائفة من وجوب المبيت أن يكون الذهاب إلى مكة من أجل زيارة البيت وذلك بأداء المناسك أو نفس زيارة البيت ولو من دون أداء المناسك أو أنّه لا يلزم زيارة البيت بكِلا شكليه حتى بالذهاب إليه والجلوس فيه وذلك - بأن يذهب عصراً أو صباحاً بهدف التبضّع من السوق ولا يمّر بالبيت فيتبضع ويحمل معه ما اشتراه وصباحاً أو عصراً أو مغرباً يخرج إلى الطريق ويلبث فيه - ؟
والجواب:- إنّه لو لاحظنا الصحيحة الاولى والثانية - أعني صحيحتي هشام ومحمد بن اسماعيل - وجدنا أنَّ زيارة البيت قد أخذ قيداً فيهما، فلاحظ صحيحة هشام عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا زار الحاج من منى فخرج من منى فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه ) إنه أخذ قيد (زار ) فالحاج زار البيت - وواضح أن الزيارة تصير من منى - فهنا قد أخذ قيد الزيارة، وهكذا في صحيحة محمد بنن اسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام:- ( في الرجل يزور فينام دون منى، فقال:- إذا جاز عقبة المدنيّين فلا بأس أن ينام )، إنه هنا أخذ قيد الزيارة فإن المفروض في سؤال السائل هو وجود الزيارة.
إذن لو قصرنا النظر على هاتين الروايات فالمناسب هو أخذ قيد الزيارة.
ولكن إذا لاحظنا الرواية الثالثة - أعني صحيحة معاوية - لم نجد أخذ القيد المذكور في كلام السائل ولا في كلام الإمام عليه السلام حيث جاء فيها:- ( لا تبِت ليالي التشريق إلا بمنى فإن بِتَّ في غيرها فعليك دمٌ، فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلا وانت في منى إلا أن يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكة )، إنه في هذه الرواية قال عليه السلام:- ( إن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلا وانت في منى .... )  يعني خرج من منى إلى مكة ولكنّه لم يقل لأجل الزيارة، فإذن قيد الزيارة ليس مأخوذاً في العبارة فنتمسّك بإطلاق هذه الرواية بعد ضمّ ضميمة وهي أنّ الروايتين السابقتين اللتين أخذ فيها قيد الزيارة لا مفهوم لهما وإلا إذا كان لهما فهوم فسوف تقيّد إطلاق هذه .
والرواية الثانية - أي رواية محمد بن اسماعيل – لا إشكال في أنه ليس لها مفهوم لأنّ قيد الزيارة قد أخذ في سؤال السائل والقيد المأخوذ في سؤال السائل لا يولّد مفهوماً لأنّ الوارد هكذا:- ( في الرجل يزور فينام دون منى، فقال:- إذا جاز عقبة المدنيين .... ) فهذا القيد لا مفهوم له.
وأما الرواية الأوّلى التي تقول:- ( إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز .. ) فهنا يمكن أن يقال إنّ قيد الزيارة لا مفهوم له من باب أنّ الحاج عادةً يخرج إلى الزيارة، أو قُلْ هذا القيد قيدٌ محقِّقٌ للموضوع - أي للخروج من منى - فمُحقِّق الخروج من منى هو زيارة البيت وإلا فماذا يفعل بخروجه من منى ؟!! فالقيد وارد مورد الغالب فلا مفهوم له، فيبقى مفهوم الرواية الثالثة على حاله.
ولكن رغم هذا نقول:- إن إطلاق الطائفة الثالثة لا ينفعنا، باعتبار أنّ موردها ما أشرنا إليه سابقاً وهو من خرج من منى أوّل الليل ولعل وجوده في منى أوّل الليل له خصوصيّة ولذلك قلنا في الطائفة الرابعة إنّ هذه الرواية لا يمكن التمسّك بها لأنّ المفروض فيها أنّه خرج من منى وكلامنا هو فيما إذا فرضنا أنّ الشخص لم يخرج من منى وإلا إذا خرج من منى بعد دخول الليل فسوف يدخل في الطائفة الثالثة وكلامنا هنا هو فيما إذا لم يخرج من منى، فهذه الرواية إذن لا يمكن التمسّك بها فإطلاقها لا ينفعنا . إذن لا مثبت للبدليّة إلا في حالة قصد الزيارة لا أكثر من ذلك.
الأمر الثالث:- جاء في عبارة المتن عند بيانه لهذه الصورة الرابعة ما نصّه:- ( من طاف بالبيت وبقي في عبادته ثم خرج من مكة وجاوز عقبة المدنيين .. )، فعبارة ( وبقي في عبادته ) هل يريد منها أنّه يلزم أن يبقى في عبادته رغم أنه أكمل المناسك ؟ إني أرى هذه العبارة زائدة والأوّلى حذفها، بل إنَّ قيد ( طاف ) لا داعي إليه لأن المفروض أنَّه هو(قده) يكتفي بمطلق العبادة فلماذا يقيّد بالطواف ؟!! إنَّ هذا مُوهمٌ آخر . فإذن يوجد هنا موهمان أحدهما قيد ( طاف) والحال أنّه يكتفي بمطلق الطاعة والقيد الثاني هو ( وبقي في عبادته ) فإنه يوهم بأنه يبقى ساعة مثلاً مشغولاً بالعبادة رغم أنَّه أكمل المناسك . إذن هذان القيدان لا حاجة إليهما وكان المناسب أن يقول:- ( من ذهب إلى مكة واشتغل بالعبادة ... ).
هل يلزم المبيت في الطريق ؟
والجواب:- جاء في الروايات أنّه إذا خرج من بيوت مكة فيجوز له أن يبيت في الطريق .
وهنا هل أنَّ نفس البيتوتة شيء لازم ؟
والجواب:- كلّا فإن البيتوتة ليس بمعنى المنام وإنما بمعنى اللبث، فهو إذا لبث إمّا جالساً أو واقفاً أو نائماً فكلّ هذا يصدق عليه أنَّه لبثٌ، فإذن المنام ليس قيداً لازماً فإن الرواية قالت ( يجوز له )، وحينئذٍ هذا بيانٌ للجواز والمبيت أيضاً هو بمعنى اللبث وليس بمعنى النوم وهذا شيء واضح.
إنما الذي نريد أن نقوله:- هو أنّه هل يجوز أن يذهب إلى شقة السكن وينام فيها ؟
والجواب:- إذا كانت في الطريق فلا إشكال في ذلك، وأمّا إذا فرض أنها لم تكن في الطريق - وهذه قضيّة موضوعيّة لا يرجع فيها إلى الفقيه بل يرجع فيها إلى العرف - فيمكن أن يجاب بنعم باعتبار أنّ المهمّ هو الخروج من مكة وتجاوز عقبة المدنيين الذي يصدق معه الخروج من مكة أمّا أن يكون ذلك في الطريق فليس بالمهمّ، إنه قد يقال هكذا وهو شيء ظريف ولكن لا يمكن الجزم به فأنا لا يوجد عندي جزمٌ بذلك فلذلك أرى الاحتياط الوجوبي أن يكون في الطريق، ولكن من حصل له الجزم بذلك فله أن يقول بجوازه.
هل النظر الى الكعبة كافٍ ف تحقق الاشتغال بالعبادة ؟
والجواب:- لا يبعد ذلك، وهو شيء وجيهٌ فإن بعض الروايات دلّت عليه:-
من قبيل صحيحة زرارة:- ( قال:- كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر وهو محتبٍ[1] مستقبل الكعبة فقال أما أن النظر إليها عبادة )[2]، ودلالتها واضحة حيث قال عليه السلام:- ( أما إنَّ النظر إليها عبادة).
ومن قبيل صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( النظر إلى الكعبة عبادة والنظر إلى الولدين عبادة والنظر إلى الإمام عبادة، وقال:- من نظر إلى الكعبة كتبت له حسنة ومحيت عنه عشرة سيئات )[3].
ولكنّي استدرك وأقول:- إنّ نفس النظر يمكن أن لا نقول هو عبادة وإنّما بشرط أن يكون بقصد العبادة، يعني أنا أنظر إلى وجه والدي بقصد تحقيق امتثال هذا الأمر الإلهي وأنظر إلى الكعبة بقصد أنه عبادةٌ وامتثالٌ للأمر الإلهي . وهل تقبل هذا الاستدراك ؟ إنّه لا بأس به، ولعلّه بذلك نجمع بين من قال إن النظر إلى الكعبة عبادة وهو يكفي وبين من قال بأنه لا يكفي فمقصوده من ( لا يكفي ) يعني بما هو نظرٌ من دون قصدٍ فهو لا يحقّق الامتثال، والأمر سهل.
ثم إنّه لا موضوع لهذه المسألة في زماننا فإن المفروض فيها هو الخروج من مكة، وبناءً على أنَّ المدار هو عنوان مكّة وليس خصوص القديمة والعنوان صادقٌ على المستحدثات - وهذا شيء وجيهٌ - فعلى هذا الأساس حيث إنَّ قد توسعت مكة المكرمة واتصلت بمنى فلا يتحقق مصداقٌ للنوم في الطريق والمبيت في الطريق في مثل زماننا، اللهم إلا أن يسلك شخصٌ طريقاً آخر غير الطريق العادي يوجد بينه وبين مكة فاصلٌ[4] أمّا من الطريق المتعارف الذي يخرج منه الحجيج إلى منى فالظاهر أنه لا موضوع لهذه المسألة ولذلك يكون حذفها مناسباً.
بقيّة المتن:- إلى هنا اتضحت معالم المسألة بالكامل ولكن بقي في المتن عبارة حيث قال(قده):- ( ويجوز لهؤلاء[5] التأخير في الرجوع إلى منى إلى إدراك الرمي في النهار )، والمقصود واضحٌ يعني أنَّ هذه الطوائف الأربع متى يلزمها أن ترجع إلى منى ؟ يقول إنَّ المهم هو أن يدركوا وقت الرمي - وهو ولو بعد الظهر إلى الغروب - فهو يتمكن أن يرجع إلى منى قبل الظهر أو بعده فالأمر راجعٌ إليه . وما هو الدليل على ذلك ؟ والجواب:- حيث لا يوجد دليلٌ على تعيين الوقت نتمسّك آنذاك بالبراءة فالبراءة هي الدليل على ذلك بعد عدم الدليل على تعيين وقتٍ معيّن.


[1]  الاحتباء:- هو  ضم الساق الى البطن بثوبٍ أو باليد ولذلك قيل الاحتباء حيطان العرب فنفس الاحتباء يساعد على الاتكاء لأن الانسان قد يحتاج الى حائط ليتّكئ عليه.
[4]  ولعلّه من طرف المعيصم أو غير ذلك.
[5]  يعني الاربعة طوائف.