08-08-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/08/08

بسم الله الرحمن الرحیم

وفيه:- إن هذا يتم بناء على أن قيد عشاءً ثابتٌ ولكن قد تقدم سابقاً أن القيد المذكور جاء في رواية الشيخ الكليني وأما في رواية الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق فليس مذكوراً ومعه فلا يكون القيد المذكور محرز الثبوت حتى يمكن الاستناد اليه في هذا التقريب فإن هذا التقريب مبني على القيد المذكور وهو ليس بثابت، اللهم إلا أن تعمل بعض العنايات بأن يقال إن الامر دائر بين الزيادة والنقيصة فنعمل آنذاك اصالة عدم الزيادة، وهذا كما ترى يرتبط بالمباني في هذه المسألة وقد يقال بأن النافي لوجود القيد حيث إنه اثنان أعني الطوسي والصدوق بينما المثبت هو الكليني فلذلك يتوقف في اعمال اصالة عدم الزيادة، نعم هذا الاصل وجيه فيما إذا فرض ان الناقل من هذا الطرف واحد ومن ذاك الطرف واحد ايضاً والمفروض أن الناقل من الطرف الذي لا يثبت الزيادة اثنان، فإذن لا مثبت آنذاك لوجود القيد المذكور.
إن قلت:- نسلم أن القيد المذكور ليس بثابت ولكن هناك طريق آخر يمكن التمسك به لصالح السيد الخوئي وذلك بأن يقال:- إن عبارة الرواية آنذاك سوف تكون - يعني عند عدم ذكر قيد عشاء -  سوف تكون مطلقة ومادامت كذلك فنتمسك آنذاك بمفهوم التعليل على تقدير أنه قد خرج عشاءً فإنه   إذا لم يكن ثابتا فهناك صورتان صورة أنه لم يخرج أول الليل وهذه ليست محل الشاهد، وهناك صورة ثانية مشمولة للإطلاق وهي أن يخرج بعد العشاء    فهذه مشمولة بالإطلاق والتعليل المذكور تعليل لكلتا الصورتين فيثبت بذلك أن الرافع للكفارة في حالة الخروج عشاء هو اشتغاله بطاعة الله وهذا معناه أن البقاء فترة من الزمن في منى لا ينفع في رفع الكفارة، وبذلك تم ما اراده السيد الخوئي(قده) . فالإطلاق إذن يكفيه ولا يتوقف الوصول الى ما رامه على ثبوت القيد المذكور بل يكفي الاطلاق.
قلت:- إنه في صورة الخروج أول الليل لا بعد العشاء تكون العلة منحصرة لثبوت الكفارة بالاشتغال في طاعة الله وأما إذا فرض انه خرج بعد العشاء فالعلة يمكن أن لا تكون منحصرة بالاشتغال بطاعة الله بل هناك علة أخرى اسبق مرحلة وهي أنه بقي فترة من الزمن ولكن الامام عليه السلام انتخب تعليلاً يصلح في كلتا الحالتين والصورتين وذلك التعليل هو الاشتغال في طاعة الله عز وجل وإنما يقبح التعليل بهذا لو كان قد خرج عشاء وقلنا بكفاية البقاء فترة من الزمن، إنما يقبح التعليل بطاعة الله لو فرض أن الامام كان ناظرا الى هذه الصورة وحدها أو يكون موهونا باعتبار أنه توجد علة اسبق وهي أنه قد بات شطرا من الليل أما بعد أن فرض ان الامام عليه السلام كان ناظرا من خلال الاطلاق الى كلتا الصورتين واراد تعليلاً يتم في كلتا الصورتين فهنا التعليل بكونه في طاعة الله يكون وجيهاً آنذاك . إذن على تقدير الاطلاق  لا يمكن ان نستفيد في حالة البقاء شطراً من الليل     أن هذا البقاء يكفي بل يحتمل أنه يكفي في رفع الكفارة وإنما انتخب الامام عليه السلام التعليل بطاعة الله حتى يكون شاملاً لكلتا الصورتين.
الرواية الثالثة:- رواية جميل المتقدمة:- ( من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم )[1] بتقريب أن الخبر المذكور يشمل  حالة ما إذا خرج بعد شطر من الليل من منى الى مكة فهذه الرواية تشمل بإطلاقها هذه الحالة فيثبت بذلك أن من خرج من منى الى مكة زائراً مكة لأداء الطواف ونحوه حتى لو كان بعد شطر من الليل فعليه الدم وبذلك يثبت المطلوب، اي يثبت ان المبيت شطرا من الليل لا يكفي في رفع الكفارة والوجه في ذلك هو الاطلاق المذكور . إذن هنا تتمسك بإطلاق الرواية المذكورة لإثبات المطلوب.
وما أفاده وجيه.
وتختلف هذه الرواية عن سابقتها حيث إن السابقة أريد التمسك بالتعليل وأن نفس التعليل - أي التعليل بطاعة الله - يدل على أن البقاء شطراً من الليل لا يكفي وإنما المهم والمدار هو على طاعة الله، أما هنا فلا يوجد تعليل بل قيل من زار مكة يعني من خرج من منى زائراً فإذا كان في الطريق فعليه الكفارة وهذا يشمل حالة من خرج من منى زائراً مكة بعد مضي شطرا من الليل وهذا معناه أنه يثبت في حقه الكفارة وبذلك يثبت المطلوب يعني البقاء شطرا من الليل لا يكفي في رفع الكفارة.
وهذا شيء متين مقبول ولكن الرواية - كما تقدم - قد رويت بطريقين في احدهما يروي جميل عن الامام مباشرة وفي الطريق الآخر يروي عن بعض الاصحاب، وحيث أنها رواية واحدة إذ من البعيد أن الامام قد ذكرها  بنص الالفاظ مرتين مرة لجميل ومرة لبعض الاصحاب  فعلى هذا الاساس يكونالصادر من الامام هو رواية واحدة ونقل واحد وحيث لا يتشخص أنه بهذا الطريق أو ذاك فتسقط هذه الرواية من حيث احتمال الارسال.
ومن خلال هذا كله اتضح أن ما ذهب اليه صاحب المدارك ويلوح ايضاً من الشيخ النائيني - حيث قال إن ثبوت الكفارة فيه اشكال -         شيء وجيه فإثبات الكفارة في حق من بات شطراً من الليل   شيء مشكل صناعة وفنيا والفتوى بذلك شيء مشكل والأجدر المصير الى الاحتياط بثبوت الكفارة في حق من بان شطرا من الليل ولم يبت تمام مقدار الواجب.
وقبل أن ننهي حديثنا عن هذا الامر الاول نذكر تتمة له- وهي ما لو فرض أن الشخص كان في منى تمام الليل ولكن خرج منها لحظات كدقيقة أو دقيقتين أو أكثر بقليل - يعني تجاوز حدود منى في الليل إما اشتباها أو عمداً  ولكن مدة الخروج كانت قليلة - وفرق هذا عن سابقة هو انه هناك كنا نفترض انه ترك المبيت لفترة طويلة كما لو ترك نصف المقدار الواجب أما هنا فقد ترك دقائق ولحظات، هنا هل نقول بثبوت الكفارة ايضاً أو لا ؟ وهذه قضية يجدر الالتفات اليها ايضاً.
ولو قبلنا من السيد الخوئي(قده) ما ذكره في الحالة المتقدمة - يعني فيمن بات نصفا دون نصف - فهنا يشكل قبول ذلك، فمثلاً هو تمسك برواية  ( سالته عن الرجل زار عشاء فلم يزل في طوافه ... قال:- ليس عليه شيء كان في طاعة الله ) إنه هنا كم هي فترة المبيت في منى ؟ إنها  مدة ساعة أو ساعتين وفترة الخروج منها أكثر أو مساوية وهذه الرواية لا تنفع في محل كلامنا الذي فرض فيه أن الخروج من منمى كان لدقائق قليلة.
وهكذا الرواية الاخيرة - أعني رواية جميل - فإن الوارد فيها ( من زار فنام في الطريق ) يعني من زار من منى خارجاً من منى والمقصود أنه خرج قبل انتهاء فترة المبيت بساعة أو ساعتين مثلاً وكلامنا فيمن لم يخرج هكذا وإنما هو في منى ولكن خرج من حدودها لدقيقة أو دقيقتين فهذا ليس مشمولاً لهذا الاطلاق.
وهكذا بالنسبة الى الرواية الاولى التي تقول:- ( لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى فإن بت في غيرها فعليك دم ) إن هذه لا يمكن التمسك بها ايضاً لأن هذه تنهى عن المبيت في غير منى ومثل حالتنا لا يصدق عرفاً أنه بات في غير منى بل هو في منى والخروج لفترة دقيقة أو دقيتين لا يضر بصدق عنوان المبيت والعرب ببابك، فلو فرض أن شخصاً جاء الى النجف الاشرف وبقي ليلاً فيها ولكن خرج اثناء الليل لمدة دقيقتين خارجها ثم دخل حدودها أفلا يصدق أنه قد بات في النجف ؟!! إن هذا لا مشكلة فيه.
فعلى هذا الاساس يشكل اثبات وجوب هذه الكفارة في مثل هذه الحالة حتى لو سلمنا من السيد الخوئي في الحالة السابقة ثبوت الكفارة على من بات نصفاً دون نصف فهناك يثبت الحكم بثبوت الكفارة . نعم هناك فقرة في هذه الرواية الاولى هي احسن ما يمكن التمسك به حيث جاء فيها حيث جاء فيها:- ( لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى فإن بت في غيرها فعليك دم، فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلا وأنت في منى إلا أن يكون شغلك نسكك )، إن عبارة ( فإن خرجت اول الليل فلا ينتصف الليل وإلا وأنت في منى ) ومن المعلوم أنه إذا جاء بعد منتصف الليل بدقيقة فقد صدق أنه خالف التكليف فبالتالي قد انتصف عليه الليل وهو ليس في منى ولو بلحاظ دقيقة،فهذه الفقرة هي احسن ما يمكن التمسك به لإثبات الكفارة في هذه الحالة.
وعلى هذا الاساس لا يصدق عليه أنه موجود طيلة هذه الفترة في منى إذا خرج لمدة دقيقة .
ولكن تقدم منا التعليق على ذلك بأن هذه العبارة مجملة فلا ظهور لها في النظر الى الاثر الوضعي بل لعلها ناظرة الى الحكم التكليفي فقط دون الوضعي. فإذن لا يمكن أن نثبت وجوب الكفارة في هذه الحالة ومادام لا دليل على ذلك فالمرجع هو اصل البراءة لنفي وجوب الكفارة عن هذه الحالة، نعم الاحتياط الاستحبابي بالثبوت شيء وجيه.
الأمر الثاني:- قلنا إن من بات في غير منى تجب عليه الكفارة - إما بات في طيلة الفترة في غير منى أو ولو في بعضها على الخلاف – والسؤال هو:- هل يترتب ثبوت الكفارة على المبيت في غير منى شريطة أن يكون غير منى  هو مكة المكرمة فموضوع وجوب الكفارة هو المبيت خارج منى ولكن ليس كل خارجٍ بل خصوص ما إذا كان ذلك الخارج هو مكة المكرمة فموضوع وجوب الكفارة هو المبيت خارج منى بقيد أن يكون ذلك الخارج هو مكة أو أن موضوع وجوب الكفارة هو المبيت في غير منى أعم من كونه مكة المكرمة أو يفترض أنه يبيت في غير غيرها من الجهات الاخرى ؟فهل موضوع الكفارة   هو مطلق المبيت  في غير منى أو في خصوص حالة ما إذا كان ذلك الغير هو مكة المكرمة ؟
لعل الروايات مختلفة من هذه الناحية فلاحظ ذلك.


[1]  ح16.