32/10/28


تحمیل

وفيه:- انه لم يفترض في الموثقة أن المكلف قد رجع الى أهله وبعد رجوعه يسأل الإمام عليه السلام ويقول ( إني بعد أن رجعت ولم أذبح في منى فما هو حكمي ) بل عبارته كما تحتمل هذا تحتمل أيضاً أنه بَعدُ في مكة ويسأل الإمام عن جواز تأخير الذبح الى الأهل ، فلنلاحظ العبارة حيث قالت ( قلت الرجل يخرج من حجه وغليه شيء يلزمه فيه دم يجزيه أن يذبح إذا رجع الى أهله ) فلو كان هناك فرق وأنه في المرتبة الاولى يجب الذبح في منى فان عصى فيجزيه عند أهله لكان على الإمام أن يستفصل ويقول له ( هل ان مقصودك هو أنك رجعت الى أهلك بالفعل وتسأل عما بعد الرجوع فحكمك الاجزاء ، وان كان سؤالك قبل الرجوع وتسأل عن جواز التأخير الى الأهل فلا يجوز ) وحيث أن الإمام عليه السلام لم يستفصل فهذا يدل على عدم الفرق بين الحالتين والحكم بالاجزاء ثابت على كلا التقديرين.

 نعم سؤاله من الإمام الكاظم عليه السلام ناظر الى ما بعد الرجوع حيث ورد في الرواية هكذا ( وقلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يخرج من حجته ما يجب عليه الدم ولا يهريقه حتى يرجع الى أهله ) فهنا فرض أنه لم يذبح حتى رجع الى أهله فأجابه الإمام عليه السلام ( يهريقه في أهله ) ، ولكن السؤال من الإمام الصادق عليه السلام في كلا النقلين - أي نقل الشيخ الطوسي والشيخ الكليني - لم يفترض أن السؤال كان عما بعد تحقق الرجوع بل العبارة مجملة فعلى الإمام الاستفصال وحيث لم يستفصل فذلك دليل عدم الفرق بين الحالتين.

ويمكن أن نصعد اللهجة وذلك بان نقول:- حتى بالنسبة الى السؤال من الإمام الكاظم عليه السلام - والذي هو سؤال عما بعد الرجوع - فيمكن أن نستفيد منه مطلوبنا وذلك بأن نقول لو كان الجواز منحصراً بحالة ما بعد الرجوع - التي هي مورد سؤال السائل - فعلى الإمام أن يحذر السائل ويقول له ( لا تعد الى ترك ذبح الكفارة فانك آثم وعليك بالذبح في منى أوَّلاً ) ان التنبيه على هذا شيء لازم ، وحيث أنه لم ينبه فيمكن أن نفهم من نفس سكوته الجواز حتى في حالة التماهل والتسامح في الذبح حتى الرجوع الى البلد إذ لو كان هناك فرق لنبه عليه الإمام رغم أن السؤال سؤالاً عما بعد الرجوع.

 وعلى أي حال ان لم نقبل هذا فيكفينا الأول ، فالموثقة إذن تدل على جواز تأخير ذبح الكفارة الى البلد.

ولكن هناك مشكلة أخرى:- وهي أن النسبة بين هذه الموثقة وبين معتبرتي ابن بزيع - الواردة في كفارة التظليل - قد يقال بأنها نسبة العموم والخصوص المطلق فنخصص موثقة إسحاق ونخرج منها كفارة التظليل بالمخصص كما أخرجنا فيما سبق كفارة الصيد وتصير النتيجة هي أنه يجوز ذبح غير كفارتي الصيد والتظليل عند الأهل تمسكاً بموثقة إسحاق ، وأما كفارة التظليل ككفارة الصيد لا يجوز ذبحها عند الأهل بل في منى أو في مكة . هكذا قد يقال.

أو يقال:- لماذا لا نجمع بين موثقة إسحاق وبين معتبرتي ابن بزيع بحمل معتبرتي ابن بزيع على الاستحباب ، فان ظاهرهما وان كان هو تعيُّن الذبح في منى ولكن نرفع اليد عنه بموثقة إسحاق الدالة على الاجزاء إذا رجع الى أهله.

 ونتيجة هذا الكلام يغاير نتيجة الكلام السابق ، فنتيجة الكلام السابق هي عدم جواز ذبح كفارة التظليل عند الأهل بل يتعين في منى ، أما نتيجة هذا الجمع هو جواز الذبح عند الأهل ولكن في منى أو مكة أفضل ومستحب.

 انه قد يخطر الى الذهن أحد هذين.

والجواب:- أما الثاني - أعني الجمع بالاستحباب - فلا يمكن باعتبار أن الجمع بالاستحباب أو بالكراهة فرع وحدة الموضوعين بحيث يكون بينهما تساوٍ ، كما إذا فرض أن واحدةً قالت ( اذبح كفارة التظليل في منى ) والثانية قالت ( لا بأس بذبح كفارة التظليل عند أهلك ) بحيث يكون الموضوع واحد في كليهما وهو كفارة التظليل ، أما إذا اختلف الموضوع بأن كان أحدهما أعم والآخر أخص فلا معنى للجمع بالكراهة بل المناسب اما التخصيص إذا كانت النسبة أخص مطلقاً أو التعارض والتساقط في مادة الاجتماع إذا كانت النسبة هي العموم من وجه.

 إذن الوجه الثاني بالجمع على الاستحباب لا مجال له لعدم تساوي الموضوعين.

 وأما الجمع الأول - أعني الجمع بالتخصيص - ففيه أن النسبة ليست هي العموم والخصوص المطلق بل من وجه ، فهناك فرق بين دليل كفارة الصيد وموثقة إسحاق فان النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق وبين معتبرتي ابن بزيع الواردتين في كفارة التظليل وموثقة إسحاق فان النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه ، وهذه نكتة يلزم الالتفات إليها.

 والوجه في الفرق هو أن روايتي ابن بزيع الواردتين في كفارة الظل واللتين قالتا ان الموضع هو منى هما مطلقتان من حيث كون الإحرام إحرام عمرة أو حج فان السؤال فيهما هكذا ( سأله رجل عن الظلال للمحرم فأمره أن يهدي شاة ويذبحها بمنى ) ان السؤال هو عن تظليل المحرم فهي أعم ومطلقة وتشمل إحرام الحج والعمرة ولكنها خاصة بكفارة التظليل فجهة الخصوص هي كفارة الظل وجهة العموم هي إحرام الحج والعمرة ، بينما موثقة إسحاق خاصة بالحج - على خلاف معتبرتي ابن بزيع فإنهما عامتان للحج والعمرة - وعامة لكفارة التظليل وكفارة غيره أي ما سوى كفارة الصيد ، وتتعارضان في كفارة التظليل في الحج - وأأكد في الحج - فالنسبة نسبة العموم والخصوص من وجه وليس المطلق ، وهذا بخلافه بالنسبة الى كفارة الصيد فان النسبة بين دليلها وبين موثقة إسحاق نسبة الأخص مطلقاً باعتبار أن دليل كفارة الصيد فصَّل وقال إذا كان الصيد في العمرة فذبح جزائه يكون في مكة وإذا كان في الحج فذبح جزائه في منى ، فهي قد فصلت بين إحرام الحج وإحرام العمرة لا أن هناك جنبة عموم ، فهي خاصة بكفارة الصيد وهي خاصة أيضاً من ناحية أنها ذكرت جزاء الصيد في إحرام الحج يكون موضع ذبحه هو منى وفي العمرة هو مكة ، إذن لا يوجد فيه دليل كفارة الصيد جنبة عموم من ناحية وخصوص من ناحية أخرى حتى تصير النسبة هي العموم والخصوص من وجه بينه وبين موثقة إسحاق بل النسبة هي الأخص مطلقاً.

 وعلى هذا الأساس تكون النسبة بين موثقة إسحاق المجوزة للذبح عند الأهل وبين معتبرتي ابن بزيع الدالتين على لزوم الذبح في منى في كفارة التظليل هي العموم من وجه ، وما دام الأمر كذلك فيتعارضان في مادة الاجتماع وهي كفارة الظل في إحرام الحج فيتساقطان فنرجع الى أصل البراءة من تعيُّن الذبح في منى ، وبذلك نصل الى الهدف ولكن الى قسمٍ منه وليس إليه بالكامل ، يعني ثبت بأصل البراءة جواز ذبح كفارة التظليل عند الأهل وهذه هي النتيجة المنشودة ولكن القسم الثاني وهو إحرام العمرة لم يثبت . فإلى الآن ثبت جواز ذبح كفارة التظليل في البلد لأجل التعارض والتساقط والتمسك بأصل البراءة.

بل يمكن أن نصعد اللهجة وذلك بأن نقول:- ان موثقة إسحاق مقدمة على معتبرتي ابن بزيع من دون أن تصل النوبة الى المعارضة والتساقط والرجوع الى الأصل ، بل تتقدم موثقة إسحاق فانها أشبه بالحاكم والناظر الى معتبرتي ابن بزيع ، فان إسحاق عبر بلفظة ( يجزيه أن يذبح إذا رجع الى أهله ) انه عبر بلفظة ( الاجزاء ) وهذا معناه أن إسحاق كان يعرف أن الوظيفة الاولى ليست هي الذبح عند الأهل بل في مكان آخر وهو ملتفت الى ذلك ولكن يسأل عن اجزاء الذبح عند الأهل فتكون ناظرة الى تينك المعتبرتين فتتقدم بملاك النظر والحكومة ، والتعبير بالاجزاء قد ورد في كلا النقلين أي في نقل الشيخ الطوسي والشيخ الكليني.

 نعم في السؤال من الإمام الكاظم عليه السلام لم يرد التعبير بالاجزاء بل ورد هذا التعبير ( ولا يهريقه حتى يرجع الى أهله ) بيد أن هذا التعبير كتعبير ( يجزيه ) في النظر والحكومة فان التعبير بقوله ( ولا يهريقه ) يعطي أن إسحاق كان يعرف أن الوظيفة هي الاهراق في مكان آخر ولكن لم يهرق الدم حتى وصل الى أهله والإمام عليه السلام حكم بالاجزاء ، فنتمكن ان نقول هي أيضاً ناظرة الى ما سبق

 والنتيجة:- ان موثقة إسحاق اما مقدمة بملاك الحكومة أو يحصل تعارض بينها وبين معتبرتي ابن بزيع والنتيجة واحدة وهي جواز ذبح كفارة التظليل عند الأهل لكن على أحد التقديرين يكون المدرك هو الدليل الفقاهتي وعلى الثاني يكون المدرك هو الدليل الاجتهادي.