33/01/14


تحمیل
 مسألة 292:- إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف وقبل الإتيان بصلاة الطواف صح طوافها وأتت بالصلاة بعد طهرها واغتسالها . وان ضاق الوقت سعت وقصَّرت وقضت الصلاة قبل طواف الحج.

 
 تتعرض المسألة إلى حالة حيض المرأة ما بين الطواف وأداء الركعتين ، فبعد إكمالها الطواف وقبل الشروع في الصلاة فاجأها الحيض فما هو حكمها ؟
 ومعلوم أن عروض الحيض على المرأة له حالات ثلاث ، فتارة يعرض عليها قبل الشروع بالطواف وهذا ما تقدمت الإشارة إليه في المسألة ( 290 ) ، وثانيةً يعرض أثناء الطواف وهذا ما تقدمت الإشارة إليه في المسألة ( 291 ) ، وثالثةً يعرض بعد الفراغ من الطواف وقبل الإتيان بالصلاة وهذا ما تتعرض له هذه المسألة ، فينبغي الالتفات إلى الترابط الموجود بين هذه المسالة وسابقتيها ، وكان الأجدر فنّياً عقد مسألة واحدة ذات شقوق ثلاثة فيقال ( قد يطرأ الحيض على المرأة ولذلك حالات ثلاث :- الأولى كذا وحكهما كذا .... الخ ).
 وعلى أي حال لو طرأ الحيض بعد الفراغ من الطواف وقبل الإتيان بالصلاة فهل يبطل الطواف باعتبار لزوم الموالاة بين الطواف والصلاة على ما يأتي إنشاء الله تعالى ، وهنا لو أخرت الصلاة إلى ما بعد الطهر لزم الفصل الكبير بينهما وبذلك تختل الموالاة ومن ثم يبطل الطواف ، هذا ما تقتضيه القاعدة بادئ الأمر ، ولكن رغم ذلك يحكم بصحة الطواف غايته يجب على المرأة أن تأتي بالركعتين بعد طهرها واغتسالها ، ولكن كيف نثبت ذلك فان هذا حكم على خلاف القاعدة حيث أن الموالاة قد اختلت ؟
 قد يستدل على ذلك بفكرة الأولوية:- كما يظهر ذلك من صاحب الجواهر(قده) [1] ، بل ويظهر ذلك من السيد الخوئي(قده) [2] ، بتقريب:- انه قد تقدم في مسالة ( 291 ) أن المشهور قد حكم بعدم لزوم الإعادة فيما لو طرأ الحيض على المرأة أثناء الطواف بعد إكمال أربعة أشواط ، وإنما تلزم الإعادة لو كان طروه قبل ذلك ، واستندوا في ذلك إلى رواياتٍ أربع ولكنها ضعيفة السند ، وهي رواية أبي بصير التي ورد في سندها سلمة بن الخطاب ، ورواية أحمد بن عمر الحلَّال ، ورواية إبراهيم بن إسحاق ...... الخ ، وقد تقدمت الإشارة إلى هذه الروايات فيما سبق ، وهي ان أخذنا بها لزم أن نحكم بالصحة في مقامنا وعدم لزوم الإعادة بالأولوية ، إذ فيما سبق قد طرأ الحيض أثناء الطواف ورغم ذلك قد حكم بعدم لزوم أعادته بعد الطهر مادام الطرو بعد أربعة أشواط ففي مقامنا الذي فرض فيه أن المرأة قد أكملت الطواف ثم طرأ عليها الحيض تكون صحته أمراً ثابتاً بالأولوية إذ قد فُرِغ منه وانتهى فبالأولى يلزم أن يقع صحيحاً.
 وأضاف السيد الخوئي(قده) في المعتمد كلاماً آخر فقال:- لو لم نقبل تلك الروايات باعتبار ضعف سندها وأن الأولوية لا يمكن التمسك بها آنذاك لفرض عدم صحة تلك الروايات ، ولكن نقول:- ان الخلل الثابت في الطواف في مقامنا - ان كان هناك خلل - من أين ينشأ ؟ انه من اختلال المولاة بين الطواف والصلاة ، يعني من أجل تحقق الفاصل بينهما ، بيد أن الأمر سهل وذلك لأن الفصل قد تحقق بسببٍ غير اختياري كما هو الحال في الكسير والمريض وما زال السبب ليس اختيارياً فلا يضر الفصل ، ومن هنا حكم (قده) بصحة الطواف وعدم الحاجة إلى إعادته من جديد بلا حاجة إلى التمسك برواية خاصة.
 وفيـه:-
 أما بالنسبة إلى الأولوية:- فيمكن أن يقال ان في الأولوية نظراً ، باعتبار أن في مسالة عروض الحيض أثناء الطواف توجد نقطة امتياز ايجابية ونقطة امتياز سلبية ونحن إذا أردنا التمسك بالأولوية فلابد من ملاحظة كلتا النقطتين .
 أما إحدى النقطتين فهي:- انه قد عرض الحيض أثناء الطواف - أي بعد الشوط الرابع - ورغم ذلك حكم بصحته ، فيلزم من هذه الزاوية الحكم بالصحة في مقامنا بالأولوية حيث عرض الحيض بعد الفراغ من الطواف.
 ولكن هناك نقطة أخرى يمتاز بها المقام السابق وهي أنه لم يتحقق هناك فاصل بين الطواف والصلاة لأنه بقي للمكلف شوط أو شوطان من الطواف فإذا أكملهما بَعداً فسوف تقع الموالاة بين الصلاة وبين نهاية الطواف وهذه ميزة موجودة هناك ومفقودة هنا ، وبعد الالتفات إليها لا تعود هناك أولوية إذ المفروض في مقامنا أنه قد تحقق الفصل بين نهاية الطواف وأداء الصلاة.
 إذن التمسك بفكرة الأولوية محل إشكال .
 وأما ما أضافه السيد الخوئي(قده):- فهو وجيه لو فرض أن في روايات اعتبار الموالاة - والتي سوف تأتي إنشاء الله تعالى - قصوراً في دلالتها على الإطلاق - يعني على اعتبار الموالاة في حالة الفصل غير الاختياري - فلو فرض وجود قصور في إطلاقها أو فرض أن هناك دليلاً يدل على أن الفاصل لو كان أمراً ليس اختيارياً فلا يضر الفصل فسوف يتم ما ذكره(قده) ، بيد أن الروايات مطلقة كما سوف يأتي ، من قبيل صحيحة معاوية بن عمار ( قال أبو عبد الله عليه السلام .... ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما ) [3] ، وعلى منوالها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن ركعتي طواف الفريضة ، فقال:- لا تؤجرها ساعة ، إذا طفت فصل ) [4] ، وهما كما ترى مطلقتان ولا يوجد مخصص لهما ، فالأنسب هو أن الفصل حتى لو كان بأمر غير اختياري فهو مخل بالمولاة ومبطل للطواف.
 اللهم إلا أن نتمسك بقضية أخرى من قبيل السيرة فيقال:- ان هناك سيرة على أن الطائف يأخذ بالتفتيش عن مكان ليصلي فيه وربما يأخذ منه ذلك وقتاً فالفصل بالمقدار المذكور لا يضر ، أو فرض أن الجماعة قائمة والسيرة قد جرت على الانتظار حتى تنتهي الجماعة ، ان مثل هذه الموارد قد خرجت بالسيرة.
 ان قلت:- لماذا لا نتمسك بأدلة رفع الاضطرار ، أي ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) ؟
 قلت:- انه يرفع الحكم التكليفي ، فالاضطرار يرفع الإلزام الشرعي والحكم في مقامنا وضعي وليس تكليفياً حتى يرتفع.
 والنتيجة:- ان التمسك بما ذكره العلمان(قده) محل إشكال ، والأولى التمسك بالروايات الخاصة بالمقام.


[1] الجواهر 18 41.
[2] المعتمد 4 317.
[3] الوسائل 13 434 76 أبواب الطواف ح3.
[4] المصدر السابق ح5.