33/04/11


تحمیل
 الموضوع :- الزيادة في الطواف / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم انه يجدر الالتفات إلى سند هذه الرواية وهل يحكم عليه بالصحة أو بالضعف ؟ فقد ذكرنا سابقاً أنها رويت بطريقين قد ورد في أحدهما علي بن أحمد بن أشيم فهي ضعيفة باعتبار هذا الطريق ، ولكن هل يمكن تصحيحها بلحاظ الطريق الأوّل أو لا ؟
 وذا أردنا استيضاح المطلب أكثر فعلينا مراجعة مصدر الرواية - أعني التهذيب - فانه ذكر ما نصه ( وروى أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن أحمد بن أشيم عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا:- سألناه عن قران الطواف السبوعين ... ) [1] وقد ورد ابن أشيم في هذا الطريق فهي ضعيفة بناءً على عدم ثبوت وثاقته ، وهذه هي الرواية التي أشرنا إليها سابقاً وقلنا أنها وردت بطريقٍ آخر فيه ابن أشيم ونقصد من الطريق الآخر هو هذا.
 ثم قال الشيخ الطوسي(قده) [2] ( وعنه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:- سأل رجل أبا الحسن عليه السلام ...... ) وهذه هي الرواية التي ذكرناها سابقاً وعبَّرنا عنها بالصحيحة.
 والسؤال هو أن ضمير ( عنه ) في كلام الشيخ الطوسي يرجع إلى من ؟ - وصاحب الوسائل نقل الرواية كما هي مذكورة هنا فهل يرجع إلى أحمد بن محمد بن عيسى أو إلى ابن أشيم ؟
 قد يقال:- انه يرجع إلى ابن أشيم باعتبار أنه قد روى عن البزنطي في السند السابق لا أن ابن عيسى روى مباشرة عن البزنطي فالضمير يرجع إلى ابن أشيم إما جزماً أو احتمالاً ، وعلى كلا التقديرين هي محكومة بالضعف.
 ولكن نقول:- هناك أربع ملاحظات يجدر الالتفات إليها لعلها تساعدنا هنا كما تساعدنا في مجالات أخرى:-
 الأولى:- إن من يتتبع كتاب التهذيب يلاحظ أن الشيخ متى ما قال ( وعنه ) فهو يقصد من بدأ به السند في الرواية السابقة وهذه ظاهرة غالبة وعامة في التهذيب ، ولا أقول هي حالة دائمة من باب الاحتياط في التعبير فلعله خالف هذه الطريقة في بعض الموارد.
 والثانية:- انه ذكر في بداية المشيخة [3] - ولعله في مورد أخر - وقال ( أنا ابتدئ السند باسم صاحب الأصل الذي أروي عنه ).
 والثالثة:- لو رجعنا إلى ترجمة ابن أشيم لم نجد له أصلاً ، فلم يذكره النجاشي في فهرسته الذي هو كتاب معدّ لأصحاب الكتب والأصول إذ أن اسمه ( فهرست مصنفي الشيعة ) وهو ليس منهم ، كما أن الشيخ الطوسي لم يذكر طريقاً إليه في المشيخة.
 والرابعة:- لو رجعنا إلى ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى لوجدنا أنه يروي عن البزنطي بالمباشرة في موارد كثيرة.
 وبعد الالتفات إلى هذه الملاحظات يتعين إرجاع ضمير ( عنه ) إلى ابن عيسى باعتبار أنه ابتدأ السند في الرواية السابقة الأولى - بابن عيسى فمن المناسب عود الضمير إليه لأجل ما أشرنا إليه في الملاحظة الأولى.
 مضافاً إلى أنه لو كان يرجع الضمير إلى ابن أشيم فهذا يخالف الظاهرة الأخرى التي أشرنا إليها وهي أن ابن أشيم ليس له أصل والشيخ التزم بأنه يذكر في بداية السند صاحب الأصل وهذا ليس بصاحب أصل.
 وعليه فيتعين عود الضمير إلى ابن عيسى بعد فرض أنه يروي عن البزنطي مباشرةً في أكثر من مورد لا أنه لا يروي عنه بالمباشرة ، وعليه يكون هذا الطريق صحيحاً ولا مشكلة فيه .
 إذن ما ذكرته في المحاضرة السابقة من استدراك وقلت بأنه لابد من إبدال تعبير ( الصحيحة ) بـ( الرواية ) ليس في محله بل لابد من حذف تلك العبارة وإبقاء كلمة ( صحيحة ) مع هذه الملاحظة التي أشرت إليها.
 الرواية الثانية:- رواية علي بن أبي حمزة ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يطوف ويقرن بين أسبوعين ، فقال:- ...... كلما طفت أسبوعاً فصلِّ ركعتين وأما أنا فربما قرنت الثلاثة والأربعة ، فنظرت إليه فقال:- إني مع هؤلاء ) وقد ورد في سندها سهلٌ والبطائني ، وحينئذ إن بني على ضعفهما فهي ضعيفة وإلا فهي معتبرة ، وقد يتمسك بإطلاقها لإثبات عدم جواز القران في الفريضة والنافلة فتكون مصداقاً للطائفة الأولى.
 ولكن يمكن أن يقال:- هي مُحتفَّة بما يصلح لأن يكون قرينة على نظرها إلى خصوص النافلة ومعه لا ينعقد لها الإطلاق ، وذلك الذي يصلح هو الذيل فان الإمام عليه السلام قال ( وأما أنا فربما قرنت الثلاثة والأربعة ) ومن المعلوم أن الثلاثة والأربعة تكون عادةً في الطواف المستحب دون الواجب ، وعلى هذا الأساس يكون الإمام ناظراً إلى النافلة ، ولا أقل هذا يصلح للقرينية على ذلك فلا ينعقد لها إطلاق.
 إن قلت :- إذا كان ناظراً إلى النافلة فلا داعي إلى إعمال التقيَّة والحال أنه كان يُعمِل التقيَّة حيث قال ( إني مع هؤلاء ).
 قلت:- ما دام القران في النافلة مكروهاً والمفروض أن الإمام لا يفعل المكروه فإعمال التقيَّة آنذاك يكون شيئاً وجيهاً وكأنه يريد أن يقول ( أنا عملت المكروه لأن الجوّ جوّ تقيةٍ وإلا فلا يناسبني أن أفعل المكروه ) . إذن يشكل التمسك بهذه الرواية لإثبات التحريم لأنها ناظرة إلى النافلة وحيث أنه في النافلة لا حرمة بالإجماع فلا يمكن أن يستفاد منها التحريم إذ لعل الحكم هو الكراهة في الاثنين معاً.
 الرواية الثالثة:- رواية حريز ، وهي ما رواه محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال:- ( ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة ) [4] فانه قد يستدل بها على الحرمة المطلقة باعتبار أنه قال ( ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة ).
 ولكن يرده:- انه يمكن الإشكال فيها من حيث السند بما أشرنا إليه أكثر من مرة وهو أن صاحب السرائر قد عثر على مجموعةٍ من الأصول الأربعمائة ونقل منها بعض الروايات التي استطرفها وعبّر عن هذه المجموعة الروائية بـ( مستطرفات السرائر ) وقد ذكرها في آخر السرائر ولكنه لم يذكر طرقه إلى تلك الأصول ، ولكن حينما وصل إلى أصل محمد بن علي بن محبوب الأشعري القمي قال ( قد وجدته بخط الشيخ الطوسي ) وعليه فيمكن تصحيح هذا باعتبار أن الشيخ الطوسي له طريقٌ معتبرٌ إلى أصل ابن محبوب الأشعري قد ذكره في الفهرست ، فمادام الأصل الذي عثر عليه ابن إدريس هو بخط الشيخ فيثبت بذلك صحة هذا الأصل.
 إذن هذا الأصل له ميزة من بين الأصول وسببها هو ما أشرنا إليه ، وأما بقية الأصول التي نقل عنها ابن إدريس فليست لها هذه الميزة ولم يذكر طريقه إليها وبذلك تكون بحكم المراسيل لا اعتبار بها ، وهذه ملاحظة عامة ترتبط بالمستطرفات.
 نعم هناك محاولة أشرنا إليها في بعض الأبحاث لتصحيح عامة المستطرفات بعد الاستعانة بما ذكره الشيخ المجلسي في مجلد الإجازات فراجع . وعليه فطريق ابن إدريس إلى الكتاب المذكور محل إشكال.
 وأما من حيث الدلالة:- فقد يشكل باعتبار أن الرواية قالت ( ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة ) وهذا التعبير مجملٌ ويصلح لإرادة النهي الإلزامي - أي ( لا قران صحيحٌ ) - ويحتمل أيضاً أن المراد هو أنه ( لا قران راجحٌ ) من قبيل ( لا صلاة لجار المسجد .. ) ، فالتعبير ليس بظاهرٍ في خصوص التحريم حتى يؤخذ به ، وتبقى القضية من هذه الناحية مرتبطة بنفسية الفقيه.
 ولكن بقطع النظر عن ذلك يمكن أن يقال:- إن الرواية قد جمعت بين الفريضة والنافلة وحيث قد ثبت من الخارج أنه لا حرمة في النافلة فيصلح أن يكون هذا قرينة على أنه يكون مكروها في الفريضة ، وعليه فيشكل التمسك بهذه الرواية من حيث الدلالة أيضاً .
 هذا من حيث الطائفة الأولى وقد اتضح أن جميع رواياتها قابلة للمناقشة من حيث الدلالة.
 وأما الطائفة الثالثة ( أعني المفصِّلة ):- فهي صحيحة زرارة ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- إنما يكره أن يجمع الرجل بين الأسبوعين والطوافين في الفريضة فأما في النافلة فلا بأس ) فإنها فصَّلت بين الفريضة والنافلة.
 ولكنها عبرت بـ( يكره ) فكيف نستفيد الحرمة في الفريضة والكراهة في النافلة بعد فرض تعبيرها بكلمة ( يكره ) في الفريضة ؟
 والجواب:- لابد من إضافة ضميمة حتى تتم دلالة الرواية وذلك بأن يقال:- انه قيل ( فأما في النافلة فلا بأس ) فيقال حيث أن المعروف بين الفقهاء هو الكراهة في النافلة فالإمام عليه السلام حينما قال ( فلا بأس ) فهو لا يريد من ذلك أنه لا كراهة إذ المشهور أو المجمع عليه هو الكراهة في النافلة فيصير هذا قرينة على أن الكراهة التي أثبتت في الفريضة هي الحرمة فعبَّر بالكراهة وقصد منها الحرمة وبذلك تتم دلالة الرواية على التفصيل.
 ويرده:- إن هذا يتم فيما لو فرض أن الكراهة في النافلة كانت من الأمور الثابتة بشكل واضح ومن الأمور المسلمة فآنذاك يصلح أن يكون هذا الوضوح قرينةً على أن المقصود من الكراهة في الفريضة هو الحرمة ، ولكن مثل هذا الوضوح ليس بثابتٍ وإنما هو المعروف بين الفقهاء ويوجد مجال لإنكار الكراهة في النافلة كما أنكر ذلك صاحب المدارك ، ومعه لا مثبت لحمل الكراهة في الفريضة على الحرمة بل يبقى احتمال إرادة الكراهة بالمعنى الأعم شيء محتمل ، فالرواية تريد أن تقول يكره القران في الفريضة بالمعنى الاصطلاحي للكراهة بخلافه في النافلة فانه لا يكره بالمعنى الاصطلاحي ، وعليه فالمصير إلى ما ذكر مشكل.
 والنتيجة النهائية:- هي أن الحكم بحرمة القران شيء مشكل وان كنّا نصير إليه من باب الاحتياط تحفظاً من مخالفة المشهور.


[1] التهذيب 5 115 375 ط النجف.
[2] التهذيب 5 115 - 376.
[3] التهذيب 10.
[4] المصدر السابق ح14.