جلسة 134

كفارات الصوم

وأمّا بالنسبة إلى المقدمة الثانية فنسلم أن كلمة أفطر تعني استعمال المفطر، ولكن يحتمل كون المقصود استعمل المفطر في وقت يجب عليه الصوم شرعاً ويكون مخاطباً به، وليس المقصود من استعمل المفطر في وقت يجب عليه الإمساك.

وإن شئت قلت: إن المحتملات في الرواية ثلاثة:

الأوّل: أن يكون المقصود كل من استعمل المفطر فعليه الكفارة بشكل مطلق، أي سواءً كان مخاطباً بوجوب الصوم أم لا، وسواءً كان مخاطباً بوجوب الإمساك أم لا، فكل إنسان استعمل المفطر يترتب عليه وجوب الكفارة.

الثاني: أن يكون المقصود كل من استعمل المفطر تجب عليه الكفارة إذا كان مخاطباً بوجوب الصوم، فالمدار على كونه مخاطباً بوجوب الصوم شرعاً.

الثالث: أن يكون المقصود كل من استعمل المفطر إذا كان مخاطباً بوجوب الإمساك، فالمدار على كونه مخاطبا بوجوب الإمساك.

وبعد الدوران بين الاحتمالات الثلاثة نقول:

أمّا الاحتمال الأوّل فهو باطل جزماً، إذ من لم يخاطب بوجوب الإمساك كيف تثبت في حقه الكفارة إذا استعمل المفطر، فيدور الأمر بين الاحتمال الثاني والثالث، ولا معين للثالث في مقام الثاني، فيحتمل أن يكون المقصود كل من كان مخاطباً بوجوب الصوم تثبت عليه الكفارة إذا زاول المفطر، والمفروض في المقام أن المكلف ليس مخاطباً بوجوب الصوم لما أشرنا إليه سابقاً من أن الصوم الشرعي عبارة عن الإمساك ما بين الحدين، والمفروض أن المكلف سوف يسافر فيما بعد فلا يكون مخاطباً بالإمساك ما بين الحدين، ولا قرينة على إرادة الاحتمال الثالث في مقابل الثاني إلاّ التمسك بكلمة رجل فإن الصحيحة قالت: في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً...، فلم تفترض توجه الخطاب بالصوم إليه ولذا لم تقل الصائم.

ولكن هذا تدقيق مرفوض وليس عرفياً، خصوصاً وأن التعبير المذكور ورد في كلام السائل وليس في كلام الإمام عليه السلام، فيبقى أن من المحتمل كون المقصود النظر إلى خصوص حالة وجوب الصوم وتوجه الخطاب به، هذا بالنسبة إلى المقدمة الثانية.

وأمّا المقدمة الثالثة ـ التمسك بالإطلاق ـ فهي تامة في نفسها إلاّ أنه لا يمكن الاستفادة منها إلاّ بعد التسليم بتمامية المقدمة الثانية، وحيث عرفت التأمل في المقدمة الثانية فلا يمكن التمسك بالإطلاق آنذاك.

ومن خلال هذا كله اتضح أن الوجه المذكور قابل للمناقشة من ناحية المقدمة الأُولى والثانية.

الوجه الثاني: أن يُدعى أن الوجه في ثبوت الكفارة هو انتهاك حرمة شهر رمضان من دون عذر، وهذا المعنى ثابت في المقام فإن الشخص قبل سفره ـ والمفروض أنه ليس بقاصد له ـ يصدق في حقه إذا ارتكب المفطر أنه انتهك حرمة شهر رمضان فتكون الكفارة ثابتة عليه.

وربما يظهر هذا الوجه من صاحب (الجواهر) [1] ـ قدّس سرّه ـ حيث قال ما نصه: نعم، يمكن أن يكون مبنى الكفارة ولو بمعونة الإجماع السابق المعتضد بفتوى الأكثر التكليف ظاهراً الذي به يحصل هتك الحرمة بالجرأة، فالمدار في ثبوت الكفارة على التكليف الظاهري الذي بمخالفته والتجري بمخالفته يحصل هتك حرمة شهر رمضان.

وفيه: أن ما ذكر وجيه لو ثبت أن تمام العلة في ثبوت الكفارة هو هتك الحرمة، ولكن ذلك غير ثابت، إذ يحتمل أن يكون ذلك جزء العلة، والجزء الآخر هو توجه وجوب الصوم له واقعاً.

الوجه الثالث: ما أفاده السيد الخوئي[2] ـ قدّس سرّه ـ من أن السفر المتأخر لو كان مسقطاً لوجوب الكفارة كان من المناسب إعلام الأئمة ـ عليهم السلام ـ أصحابهم بذلك ليكون طريقاً لهم للفرار من الكفارة، والحال نجدهم سكتوا عن ذلك في حالات كان فيها بعض الأصحاب بأمس الحاجة إلى الطريق المذكور، فقد ورد في الحديث الشريف عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ  : أنّه سُئل عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان  متعمّداً؟  فقال: «إنّ رجلاً أتى النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ فقال: هلكت يا رسول الله! فقال: ما لك؟ قال: النار يا رسول الله؟ قال: وما لك؟ قال: وقعت على أهلي، قال: تصدّق واستغفر، فقال الرجل: فوالذي عظّم حقّك ما تركت في البيت شيئاً، لا قليلاً ولا كثيراً، قال: فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعاً يكون عشرة أصوع بصاعنا، فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ: خذ هذا التمر فتصدّق به، فقال: يا رسول الله، على من أتصدّق به وقد أخبرتك أنّه ليس في بيتي قليل ولا كثير، قال: فخذه واطعمه عيالك واستغفر الله، قال: فلمّا خرجنا قال أصحابنا: إنّه بدأ بالعتق، فقال: أعتق أو صم أو تصدّق»[3] ، فلو كان السفر مسقطاً للكفارة لأرشده النبي الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ إلى السفر.

_________________________

[1] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص306.

[2] مستند العروة الوثقى ج1 كتاب الصوم ص330.

[3] الوسائل 10: 45، أبواب ما يمسك عنه، ب8، ح2.