32/05/23


تحمیل

وفيه :- أنها ناظرة إلى كون اللباس لباساً لا يجوز للمحرم كالمخيط مثلا ، أما إذا كان في حد نفسه جائزاً ولكن ستر به رأسه فهي ليست ناظرة إليه .

 إذن بين مفادها وبين ما نريد تباين ، فلا معنى للاستدلال بها كما هو واضح .

والرواية الثانية :- رواية علي بن جعفر المتقدمة ( لكل شيء خرجت جرحت من حجك فعليه فعليك فيه دم تهريقه حيث شئت ) [1] ، وقد تقدم أنها ضعيفة دلالة وسندا .

 أما دلالةً فلاحتمال كون المقصود إذا خرجت من حجك وكان عليك دم فمن حقك أن تهريق ذلك الدم حيث شئت ، انه يحتمل أن يكون المقصود هو هذا لا انه إذا ارتكبت محرما وانتهيت من حجك فعليك دم مهما كان ذلك المحرم وتهريق ذلك الدم حيث شئت ، كلا ، يحتمل أن يكون المقصود هو الأول ومعه تكون الرواية مرددة ولا ظهور لها في واحد منهما فتسقط عن صلاحية الاستلال بها في المقام .

 وأما سندا فلاشتماله على عبد الله بن الحسن وهو حفيد علي بن جعفر وهو مجهول الحال كما ذكرنا .

والثالث الأخير الذي ذكره صاحب الجواهر:- ( إن الشيخ الطوسي قد ذكر في كتاب الخلاف [2] ذكر أن المحرم إذا حمل على رأسه مكتلا[3] أو غيره فعليه الفداء ، واستدل يعني الشيخ الطوسي على هذا الحكم بعموم ما روي في من غطى رأسه أن عليه الفدية ) . انتهى.

 وموضع الشاهد هو الذيل ، حيث ذكر الشيخ الطوسي انه يوجد عموم يدل على أن من غطى رأسه فعليه الفدية . انتهى ما في الجواهر

وفيــه :-

أولا :- إن هذا العموم لو ثبت فهو وان كان نافعاً في الجملة ولكنه من حيث السند هو مرسل ، ومراسيل الشيخ الطوسي لم يثبت كونها حجة بل يوجد مضعف له وهو أن مثل العموم المذكور لو ثبت فلماذا لم يذكره في احد كتابيه الموضوعين للحديث ، وإنما أشار إليه في كتاب الخلاف ، وعليه فلا يمكن الاعتماد عليه سنداً ، اللهم إلا أن يحصل الاطمئنان للفقيه لسبب وآخر .

وثانيا:- إن الوارد في هذا العموم هو الفدية ولم يذكر ما هي وأنها شاة ولعلها كف من طعام أو شيء آخر لا نعلم ما هو .

 ومن خلال هذا كله اتضح أن ما ذهب إليه الفقهاء وادعي القطع عليه وهو ثبوت شاة لم يعرف له مدرك يمكن الاستناد إليه وقد أشار إلى ذلك في الحدائق[4] فانه قال ( ظاهر الأصحاب القطع بوجوب شاة متى غطى رأسه بثوب ...... وظاهر العلامة ......انه إجماع ولعله الحجة فانا لم نقف في الأخبار على ما يدل على ذلك . وبذلك أيضا اعترف في المدارك[5] . والأصحاب ..... ذكروا الحكم ولم ينقلوا عليه دليلا وكأن مستندهم إنما هو الإجماع ) انتهى .

 إذن ما ذهب إليه المشهور وادعي القطع عليه لا مستند له ، وصحيحة الحلبي التي ذكرناها سابقا هي قد دلت على الإطعام دون الشاة فلا تصلح مستندا للمشهور ، بل قلنا أن فيها نسخة أخرى عبر فيها بدل ( الرأس ) بـ ( الوجه ) وبالتالي ثبوت الشاة لا يمكن الجزم بالفتوى به لعدم المستند ، نعم لا باس بالمصير إليه من باب الاحتياط حيث نسب ذلك إلى قطع الأصحاب .

ومن باب الملاحظة :- قد ذكرت في المحاضرة السابقة حينما أشرت إلى صحصحة الحلبي ذكرت انه صحِّحوا العبارة إذا ذكرت شاة فيما سبق صححوها بالإطعام ، كلا الشاة تبقى والمستند هو قطع الأصحاب ، وصحيحة الحلبي تدل على الإطعام دون الشاة .

النقطة الثانية :- إذا كان المحرم يجوز له ستر رأسه للاضطرار فلا كفارة عليه .

والوجه في ذلك :- أن مدرك ثبوت الشاة كما اتضح هو الإجماع إن تم كما أشار صاحب الحدائق ، والإجماع دليل لبي والقدر المتيقن حالة ما إذا لم يكن هناك مجوز للستر أما مع وجود المجوز فلا نجزم بانعقاد الإجماع فيختص وجوب الشاة بحالة عدم وجود المجوز .

 ولكن يظهر من صاحب الجواهر[6] أن وجوب الشاة مطلق ، يعني يعم حالة جواز الستر لأجل الاضطرار . ولكن قد عرفت إن المناسب هو الاختصاص كما أوضحنا

 وأيضا ينبغي أن يكون واضحا أن وجوب الشاة يختص ولو بنحو الاحتياط بما إذا لم يكن الكلف قد ستر رأسه عن جهل أو نسيان وإلا فلا يثبت عليه ذلك لما اشرنا إليه سابقا[7] إن جميع محضورات الإحرام إذا كان فيها كفارة فهي تختص بحالة العمد إلا الصيد وربما إضافة إلى ذلك أضيفت موارد أربعة على ما تقدم في تلك المسالة ، ومستند ذلك بعض الروايات ومنها صحيحة معاوية بن عمار التي صرحت إذا ارتكبت شيئاً عن جهل فلا شيء عليك إلا الصيد ، وهذه قضية واضحة .

وقبل أن نختم حديثنا عن هذه المسالة نستدرك مطلبا قد اشرنا إليه في المحاضرة السابقة :- فانا ذكرنا أن صحيحة الحلبي قد وردت فيها نسختان ، نسخة تقول ( المحرم إذا ستر رأسه فعليه إطعام ...) ، وثانية تقول ( إذا ستر وجهه فعليه إطعام ..) ، ونحن طرحنا قضية علمية وهي انه قد يقول قائل سوف يتشكل علم إجمالي بعد اختلاف النقل بوجوب الإطعام إما في ستر الرأس أو في ستر الوجه فيجب آنذاك الإطعام في ستر الرأس لأنه احد طرفي العلم الإجمالي وبذلك يثبت المطلوب وهو وجوب الكفارة ، غايته هو الإطعام دون ما ذهب إليه المشهور وهو الشاة ، واجبنا بثلاثة أجوبة وكان الجواب الثاني هو أن العلم الإجمالي المذكور ليس بمنجز باعتبار أن النقل الثاني يقول ( إذا ستر وجهه فعليه إطعام ...) وحيث نعرف من الخارج أن ستر المحرم وجهه مباح وليس حرام فالكفارة يتحتم أن نحملها على الاستحباب ،إذ من البعيد أن الشيء المباح تثبت عليه كفارة . هكذا قلت.

 والآن أريد التراجع وأقول هذا المطلب الذي ذكرناه هو قد تمسك به السيد الخوئي سابقا وفي موارد متعددة حيث كان يقول إن ثبوت الكفارة في شيء يدل على انه حرام ، يعني من البعيد أن يكون الشيء مباحا ورغم ذلك تثبت عليه الكفارة .

 ونحن لم نرتض منه هذه الملازمة ، والآن نؤكد ذلك ونقول أن هذه الملازمة غير ثابتة فان هناك بعض الشواهد تدل على أن الشيء المباح قد يثبت شرعاً فيه الكفارة رغم إباحته ، كمن أخَّر قضاء رمضان إلى رمضان الثاني فان التأخير جائز على ما ذهب إليه جمع من الفقهاء وحتى نفس السيد الخوئي ولكن رغم ذلك تثبت الكفارة وهي ان يدفع مد من طعام عن كل يوم .

إن قلت :- هذه فدية وليست كفارة .

والجواب :- إن هذه مصطلحات لواقع واحد فلا فرق بين الفدية والكفارة والاختلاف في التسمية الفقهية لا أكثر ، وهكذا الشيخ الكبير فانه يجوز له الإفطار ولكن عليه الفدية ، بل المضطر للتظليل فانه تثبت عله الكفارة رغم أن ذلك جائز له

إن قلت :- إن هذا جائز له بالعنوان الثانوي وليس بالعنوان الأولي .

قلت :- انه بالتالي هو جائز له ، فما دام جائزاً فلماذا الكفارة .

 انه من هذه الشواهد وما شاكلها نفهم انه شرعاً لا ملازمة بين الكفارة والحرمة .

[1] المصدر السابق ح5

[2] الخلاف 1- 436 مسالة 82 من الحج .

[3] الزنبيل الكبير

[4] الحدائق 15- 492

[5] المدارك 6 -444

[6] الجواهر 20 - 419

[7] مسالة 225