32/06/12


تحمیل

النقطة التاسعة:- يجوز الإحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة.

والوجه في ذلك أمران :-

الأمر الأول :- ما أشرنا إليه سابقاً ، وهو أنه يجوز التظليل بالأجسام الثابتة كالأشجار والجدران وما شاكل ذلك ، وقلنا إن الدليل عليه مع افتراض القصور في المقتضي هو البراءة ، وأما مع افتراض تمامية المقتضي فيمكن التمسك بسيرة المتشرعة فإنهم لا يتحرزون عن ظلال الجدران والأشجار وما شاكل ذلك ، إذن الدليل الأول على جواز الإحرام في القسم المسقوف هو هذا ، يعني أن هذا تظليل بجسم ثابت لوجهين.

الأمر الثاني:- التمسك بسيرة المتشرعة في خصوص المورد ، فلو فرضنا أن السيرة لم تتم في مطلق الأجسام الثابتة وأن التظليل بظلها يجوز ، انه لو قطعنا النظر عن ذلك أو افترضنا عدم تمامية ذلك أمكننا التمسك بسيرة المتشرعة في خصوص مسجد الشجرة فإنهم عند الإحرام لا يتجمعون عند القسم المكشوف بل يحرمون في القسم المسقوف أيضاً ، ولو كان لا يجوز ذلك لاشتهر وبان لأن المسألة ابتلائية ، وعدم الاشتهار يورث القطع بالجواز .

 إذن بهذين الدليلين يمكن التمسك لإثبات جواز الإحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة.

هذا وحاول السيد الخوئي (قده)[1] التمسك بوجهين آخرين:-

الوجه الأول :- التمسك بفكرة القصور في المقتضي ، ببيان أن الأدلة التي تحرم التظليل على المحرم هي ناظرة إلى إحداث التظليل بعد الإحرام ، فمن أحرم ثم بعد إحرامه أراد أن يظلل كان تظليله المذكور محرماً والروايات ناظرة إلى هذا ، أما إذا عقد إحرامه وهو في الظل ، بمعنى انه لم يحدث التظليل بعد الإحرام بل أبقاه كما كان قبل الإحرام ، فالمتحقق منه هو إبقاء التظليل إلى ما بعد الإحرام لا إحداثه بعده ، أن مثل هذا يعني الإبقاء لم يظهر من الروايات تحريمه ، فانظر مثلاً إلى الرواية التي تقول ( أظلل وأنا محرم ) نجدها واضحة في كونها ناظرة إلى التظليل بعد الإحرام ، ولا أقل هي ليست ظاهرة في التعميم لحالة الإبقاء ، وعليه فلا دليل على إبقاء التظليل لما بعد الإحرام ، فيتمسك بالبراءة بعد فرض القصور في المقتضي . إذن لا دليل على حرمة إبقاء التظليل إلى ما بعد الإحرام ، وإنما الأدلة يفهم منها إحداث التظليل بعد ذلك.

الوجه الثاني:- انه سوف يأتينا أن المحرم يجوز له التظليل في المنزل الذي ينزله ، وحيث أن تواجده في مسجد الشجرة هو نحو من المنزل - فانه مكان نزول فهو منزل - فيجوز التظليل فيه لكبرى جواز التظليل في المنزل . هذا ما ذكره (قده) .

وكلاهما قابل للمناقشة:-

أما دليله الأول:- يعني أن الروايات لا يظهر منها التحريم لحالة الإبقاء ، فقبل أن نجيب عنه نلفت النظر إلى هذه الفائدة ؛ وهي أنه (قده) تمسك بفكرة الإحداث في موارد متعددة ، منها باب الغسل ، فمن كان داخل حوض من الماء أو داخل النهر وأحبَّ أن يغتسل - بعد فرض وجوده داخل الماء - فعليه أن يخرج من الماء ثم يدخل ، لأنه لو بقي تحت الماء ونوى الاغتسال كان هذا ابقاءاً للغسل وليس إحداثاً وظاهر الروايات في باب الغسل أن المطلوب هو الإحداث ، وهكذا من كان تحت الدوش فانه لو أتمَّ غسل الرأس والرقبة فمن باب الاحتياط عليه أن يخرج من تحت الماء ولو للحظة ثم يعود وهكذا إذا أراد أن يغسل الطرف الأيسر ، وما ذاك إلا من جهة احتمال أنه ما دام تحت الدوش فهذا إبقاء وليس إحداثاً .

 ومن جملة الموارد التي طبق فيها هذه الفكرة باب الوضوء ، فانه يجوز للمكلف أن يتوضأ ارتماساً ، يعني بأن يدخل يده في حوض الماء وينوي الوضوء بنحو الارتماس ، انه شيء جائز ودليله التمسك بإطلاق الآية الكريمة ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ....) فهي لم تبين كيفية الغسل فهي بإطلاقها تشمل الارتماس ، إذن الغسل الارتماسي يجوز في باب الوضوء ، ولكن هل يجوز نية الوضوء بإدخال العضو في الماء ، أو يجوز حتى بإخراجه منه ؟ انه ذكر (قده) أنه يلزمه أن ينوي الغسل والوضوء بإدخال العضو في الماء لا بإخراجه لأنه إذا أراد ذلك بالإخراج كان ذلك ابقاءاً ولم يكن إحداثاً ، وعلى أي حال فانه (قده) طبق هذه الفكرة في موارد متعددة.

أن قلت:- انه إذا تمسكنا بإطلاق الآية لإثبات جواز الارتماس فلنتمسك بإطلاقها للإحداث والإبقاء معاً ، فلماذا التخصيص بالإحداث .

قلت:- أن الآية الكريمة عبرت ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ..... ) والعرف يفهم منها أحدثوا الغسل ، فعملية الإحداث مطلوبة فلا معنى للتمسك بالإطلاق ، نعم لو كانت الآية تعبر هكذا ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم للصلاة فعليكم بغسل ... ) وليس ( اغسلوا ) بتحقق الغسل ، فان عنوان تحقق الغسل يمكن أن يقال بصدقه على الإبقاء ، أما بعد أن عبرت بصيغة ( اغسلوا ) فظاهرها الإحداث . وهذه قضية جانبية ليست مهمة ، وإنما المهم لي هو أني أردت أن أُلفت النظر إلى أن فكرة الإحداث طبقها في موارد متعددة ومن تلك الموارد مقامنا ، يعني الإحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة ، فقال انه يجوز لأن الممنوع هو إحداث التظليل بعد الإحرام دون الإبقاء ، فالإبقاء لا يدل دليل على تحريمه فنتمسك بالبراءة .

ونحن نقول:- أنا وان كنا نوافقه على فكرة الإحداث في الموارد الأخرى ، ولكن في خصوص المقام نرفض ذلك لأمور:-

الأول:- باعتبار أن بعض الروايات وان عبرت بلسان ( أظلل وأنا محرم ) وهو يمكن أن يقال باختصاصه بإحداث التظليل بعد الإحرام ، ولكن البعض الآخر له قابلية الشمول للإبقاء أيضاً ، من قبيل صحيحة عبد الله بن المغيرة الأخرى ( سألت أبا الحسن عن الظلال للمحرم ، فقال: أضح لمن أحرمت له ) أن السؤال سؤال عن الظلال الذي هو أعم من الإحداث والإبقاء ، وليس السؤال بصيغة ( أظلل وأنا محرم ) حتى يقال باختصاصه بحالة الإحداث ، وإنما السؤال بصيغة ( ... الظلال للمحرم ، فقال: أضح لمن أحرمت له ) وعليه فيمكن التمسك بإطلاق الرواية المذكورة.

والثاني:- لو سلمنا أن الروايات قاصرة عن الشمول لحالة الإبقاء ، ولكن نقول أن العرف يفهم أن حيثية التظليل منافية مع الإحرام من دون خصوصية للإحداث ، فبإلغاء الخصوصية عرفاً يمكن التعميم لحالة الإبقاء ، وطبيعي هذا لا نتمسك به في بقية الموارد فان الموارد تختلف وهذا نقوله في خصوص مقامنا حيث أن العرف يفهم أن حيثية التظليل هي منافية للإحرام وهذه المنافاة لا تختلف باختلاف الإحداث والإبقاء.

والثالث:- فلانة لو قطعنا النظر عن الجوابين الأولين واحتملنا ثبوت الخصوصية للإحداث فنقول ؛ أن روايات القبة والكنيسة يمكن أن يستفاد منها المنع المطلق ، إذ لو كان يجوز الإبقاء لكان من المناسب للإمام عليه السلام إرشاد الناس إلى طريقة شرعية للتخلص من حرمة التظليل ، وذلك بأن يظلل قبل الإحرام ويدخل في القبة قبل الإحرام ويستمر داخل القبة فيكون ذلك ابقاءاً ، بل انه عادة من تكون عنده قبة أو كنيسة هو يحرم داخلها ويبقى في الداخل ، فيلزم أن يجوز مثل هذا ، وبالتالي يلزم أن يكون هذا الجواز شيئاً واضحاً لأن كثيراً من الناس سوق يتخلص من حرمة التظليل من خلال هذه الطريقة الشرعية للفرار من حرمة التظليل ، والحال أن هذا لم يقل به أحد ، ومن كان محرماً وهو في القبة ينكر منه ذلك بشكل مطلق.

 هذا كله بالنسبة إلى دليله الأول.

وأما دليله الثاني:- وهو مسألة المنزل ، فسوف يأتي الإشارة إلى هذا في مسالة بعدية ونبين هناك أن الدليل على جواز التظليل في المنزل هو السيرة ، وإلا فلا يوجد عندنا دليل بلسان ( يجوز التظليل في المنزل ) حتى نتمسك بإطلاقه لمثل المقام ، وما دام المدرك هو السيرة فيمكن أن نقول إن القدر المتيقن منها هو المنزل بالمعنى الأخص ، يعني مثل شقة السكن أو الخباء أو محل النزول في الطريق ، أما الإحرام من مسجد الشجرة أيضاً هو منزل ويجوز التظليل فيه من باب انعقاد السيرة لحيثية كونه منزلاً فهذا أول الكلام .

والخلاصة:- المناسب التمسك لإثبات الجواب بالوجهين اللذين أشرنا إليهما وليس بالوجهين اللذين أشار إليهما (قده).

ثم انه قبل أن نختم مسألتنا أود الإشارة إلى قضية فنية:- وهو أنه (قده) قد ذكر في هذه المسألة بعض موارد جواز التظليل كالسير في ظل المحمل مثلاً أو تحت الظل الثابت ، من دون أن يستقصي جميع موارد الجواز ، وهكذا ذكر بعض موارد المنع من دون أن يستقصي ذلك ، وإنما أشار إلى ذلك ضمن المسائل الثلاث البعدية ، بينما المناسب فنياً ذكر الجميع تحت مسالة واحدة مع التغلب على طول المسالة وخوف التشويش من خلال الأرقام ، ونرى الأنسب صياغتها هكذا بحيث نجمع أربع مسائل ضمن مسألة واحدة ( لا يجوز للرجل المحرم التظليل حال سيره بالظل المتحرك بمظلة أو سقف سيارة ونحو ذلك من دون فرق بين الراكب والراجل ولا بين كون ما يظلل به فوق الرأس أو من أحد الجانبين ولا بين أن يكون ذلك بالليل أو بالنهار ما دام تحصل به الوقاية من حر الشمس أو البرد أو المطر ونحو ذلك .

 ويجوز ما يلي:-

السير في ظل الأجسام الثابتة كالجسور والأنفاق ونحو ذلك ، وبناءاً عليه يجوز الإحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة. والتظليل بمظلة ونحوها وان كان الأحوط عدمه بعد الوصول إلى مكة وان لم يتخذ بعد منزلاً ، وهكذا حال الذهاب والإياب في المكان الذي ينزل فيه ، وكذلك إذا نزل في الطريق إذا نزل للاستراحة أو ملاقاة الأصدقاء ونحو ذلك. والتظليل للنساء والأطفال بل والرجال عند الضرورة والخوف من حر أو برد. التظليل بالمظلة إذا كان وجودها كعدمها . )

 انه بهذا دمجنا أربع مسائل في مسألة واحدة.

[1] المعتمد 4 -2 40