32/06/19


تحمیل

مسالة ( 272 ):- لا باس بالتظليل للنساء والأطفال وكذلك للرجال عند الضرورة والخوف من الحر أو البرد.

 بعد أن ذكر (قده) سابقاً أن التظليل محرم على المحرم أراد في هذه المسألة أن يستثني ثلاثة أصناف وهم النساء ، والأطفال ، والرجال عند الضرورة ، فان هؤلاء يجوز لهم التظليل ، غاية الأمر أنه بالنسبة إلى النساء والأطفال لا تجب عليهم الكفارة بخلافه بالنسبة إلى الرجال عند الضرورة.

أما ما هو مستند هذا الاستثناء ؟

الوجه في ذلك :-

أما بالنسبة إلى النساء:- فيمكن أن يدعى أن المقتضي للتحريم تام في حد نفسه ، فان الروايات السابقة أخرجت عنوان المحرم حيث ورد فيها مثلاً ( سألته عن الظلال للمحرم ) ومن الواضح أن كلمة ( المحرم ) يراد منها الجنس من قبيل لفظ ( المصلي ) فلو قيل ( المصلي إذا شك في الثنائية أعاد ) فلا يحتمل اختصاص ذلك بخصوص المصلي الرجل بل المقصود هو الأعم ولو بمناسبات الحكم والموضوع ، وكذلك الحال هنا .

 إذن المقتضي للتحريم تام في حق النساء ، ولكن يوجد مانع دل على جواز التظليل للنساء ، من قبيل صحيحة حريز عن أبي عبد الله ( لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون )[1] ، وعلى منوالها غيرها . هذا بالنسبة إلى النساء.

وأما بالنسبة إلى الصبيان:- فالمقتضي تام أيضاً ، فان عنوان المحرم يشمل الصبي ، خصوصاً إذا كان مميزاً ، أو على الأقل عند كونه مميزا ، ولكن يجوز لهم أي الصبيان - التظليل لوجهين :-

الأول:- الترخيص الخاص الوارد في الروايات ، من قبيل الصحيحة السابقة وغيرها.

والثاني:- حديث رفع القلم فان مقتضى عمومه رفع القلم عنه ولعلل القدر المتيقن هو قلم التكليف ، وإذا كان هناك كلام فهو في شمول القلم للأحكام الوضعية وأما الإحكام التكليفية فلا إشكال في شمولها للحديث إن مقتضى الحديث المذكور أن الصبي لا يحرم عليه التظليل فان القلم عنه مرفوع .

أن قلت:- أن النسبة بين حديث رفع القلم وبين ما دل على حرمة التظليل على المحرم هي نسبة العموم والخصوص من وجه ، فلماذا إذن تقديم حديث رفع القلم ؟

والوجه في كون النسبة هي العموم من وجه:- هو أن روايات التظليل تدل على حرمة التظليل من دون فرق بين الرجال والصبيان فهي عامة من حيث الرجال والصبيان وهذه جهة العموم ، وأما جهة الخصوص فهي مختصة بالتظليل ، وأما حديث القلم فهو خاص بالصبي وهذه جهة الخصوص ، وعام لحرمة التظليل وغيرها من الإحكام الإلزامية ، ومورد المعارضة والاجتماع هو التظليل في حق الصبيان . أن النسبة بعدما كانت هي العموم من وجه فلماذا تقديم رفع القلم ؟

والجواب :-

أولاً:- لما نعرفه من أن حديث رفع القلم ناظر إلى أدلة الإحكام الأخرى فيكون مقدماً بالحكومة والنظر ، فلا تلحظ بعد ذلك النسبة فإنها لا تؤثر بعد فرض وجود النظر والحكومة .

 أما كيف كان حديث رفع القلم ناظرا ؟ هذا شيء واضح ، فانه حينما يقول ( رفع القلم ) فهذا يستبطن وجود أحكامٍ مسبقةٍ حتى يأتي هذا الحديث ويرفع تلك الأحكام في حق الصبي ، فهو إذن يستبطن وجود أحكام مسبقة والنظر إليها ، ومن دون وجود تلك الأحكام يكون حديث رفع القلم لغواً . إذن هو مقدم جزماً بملاك النظر والحكومة .

وثانيا:- يكفينا للوصول إلى النتيجة كون النسبة هي العموم من وجه بلا حاجة إلى النظر والحكومة ، فان النسبة ما دامت هي العموم من وجه فيتحقق التعارض في مادة الاجتماع - أعني التظليل في حق الصبيان - فيتساقط كلا الدليلين حديث رفع القلم وما دل على حرمة التظليل ، وبعد التساقط لا يعود لدينا دليل على حرمة التظليل في حق الصبيان ، فان الدليل قد سقط بالمعارضة ، وبذلك نعود إلى أصل البراءة فانه بلا مانع.

 إذن سوف نحصل على النتيجة بلا حاجة إلى مسالة الحكومة .

وأما بالنسبة إلى الرجال عند الضرورة فيجوز لوجوه ثلاثة:-

الأول:- الروايات الخاصة التي دلت على أنه عند الضرورة يجوز التظليل من قبيل موثقة عثمان بن عيسى الكلابي التي تنقل قصة ابن شهاب وغيرها.

وثانياً:- قاعدة نفي العسر والحرج ، فإنها حاكمة على أدلة الأحكام الأولية أيضاً حيث تقول ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) وبناءاً على استفادة نفي الأحكام الحرجية من هذه الآية الكريمة فيثبت أن كل حكمٍ إذا وصل تنفيذه وتطبيقه إلى مرحلة الحرج - أي المشقة الشديدة والمعبر عنه بالعسر أيضاً - فهو مرفوع ، وبعمومه يشمل حرمة التظليل .

وثالثاً:- انه يمكن الوصول إلى الجواز من دون حاجة إلى الترخيص الخاص من خلال الروايات الخاصة ولا الترخيص العام من جهة قاعدة نفي الحرج ، وذلك بالبيان الذي أشرنا إليه في بعض الأبحاث السابقة ، أعني أن الإسلام شريعة سهلة وسمحة ولا نحتمل أن الشخص الذي يؤذيه البرد يقال له عليك أن تبرز إلى الشمس رغم كونه مؤذياً ، إن هذا شيء غير محتمل في حد نفسه من دون حاجة إلى الوجهين السابقين .

 إذن ننفي الحرمة بهذا البيان الذي ذكرناه ، وروحه ترجع إلى الاطمئنان ، أي نطمئن بأن الإسلام لا يحكم على الشخص في مثل هذه الحالة بحرمة التظليل ، فتمام النكتة تعود إلى الاطمئنان . هذا كله بالنسبة إلى هذه المسألة

المصعد الكهربائي :-

 كان من المناسب للسيد الماتن (قده) التعرض إلى المصعد الكهربائي وأن المحرم هل يجوز له ركوب ذلك ، فقد يقال هو لا يجوز لأن في ذلك تظليلاً وهو لا يجوز للمحرم . أن هذه قضية تستحق البحث.

وفي الجواب نقول :-

بناءاً على رأي السيد الخوئي (قده):-أما بناءاً على رأيه (قده) من أن مكة منزل بتمامها ، أو أن المحرم إذا نزل في مكانٍ ولو للاستراحة القصيرة فيجوز له التظليل في ذلك المكان باعتبار أنه نحو من المنزل أيضاً ، يكون صعود المصعد الكهربائي شيئاً جائزاً ، باعتبار أنه إما أن يكون في مكة ومكة منزل ، أو في الطريق والمفروض أنه (قده) ذكر أن النزول في الطريق يعد منزلاً أيضاً ، فلو كان في الطريق أثناء النزول مصعد كهربائي جاز ركوبه . هذا بناءاً على رأيه (قده).

بناءاً على رأينا:- أما بالنسبة إلى رأينا الذي لا نقول فيه بالاستثناءات الثلاثة التي ذكرها في المسالة السابقة وقلنا لا دليل عليها ، فما هو حكم ذلك ؟

والجواب :- يمكن الحكم بالجواز لوجهين:-

الأول:- التمسك بفكرة القصور في المقتضي ، بمعنى أنه لو رجعنا إلى روايات المسالة فاستفادة الحرمة منها لذلك شيء صعب ، والوجه في ذلك ؛ أن مستند حرمة التظليل أحد أمور ثلاثة هي أما روايات القبة والكنيسة ، أو الروايات التي يسأل فيها الراوي الإمام عليه السلام ويقول ( أظلل ) أو ما شاكل ذلك والإمام يقول ( لا ) ، وأما تحريم التظليل الوارد في كلام الإمام عليه السلام دون كلام السائل يعني أن الإمام عليه السلام هو يقول ( التظليل والظلال محرم على المحرم ) ، وتحصيل رواية على ذلك شيء صعب كما ذكرنا سابقاً ، نعم توجد رواية ولكن فيها خدشة سندية وهي رواية محمد بن منصور عن أبي الحسن ( سألته عن الظلال للمحرم فقال: لا يظلل إلا من علة أو مرض )[2] إن الإمام عليه السلام يقول في هذه الرواية لا يظلل المحرم إلا من علة فيتمسك بإطلاق كلام الإمام عليه السلام ، ولكن ورد في السند علي بن أحمد بن أشيم وهو لم تثبت وثاقته . وعلى أي حال مستند الحرمة هو أحد هذه الأمور الثلاثة .

أما روايات القبة:- فالتمسك بها صعب ، باعتبار أنها تنهى عن ركوب القبة ، وإذا أردنا أن نلغي خصوصية القبة فنتعدى إلى مثل السيارة ونقول أن السيارة هي نحو من القبة عرفاً ، أما مثل المصعد الكهربائي الذي يكون الصعود فيه عمودياً فشمول روايات القبة له شيء مشكل.

وذا قلت:- نهي عن القبة بما أنها يلزم منها التظليل ، فالمدار هو على التظليل وهو حاصل في المصعد الكهربائي أيضاً.

قلت:- نعم سلمنا أن المنهي عنه هو التظليل ، ولكن هو التظليل بالقبة وبنحو القبة يكون منهيا عنه ، أما مثل المصعد الكهربائي فهو ليس قبة وليس تظليلاً بالقبة ، ولا يستفاد من الرواية أن كل تظليل محرم وإنما التظليل في القبة محرم.

والخلاصة:- الجزم بعدم خصوصية القبة وأن ذلك يشمل حتى مثل المصعد الكهربائي شيء صعب .

وأما الثاني أي ما ورد فيه السؤال عن التظليل:- ( أظلل وأنا محرم فقال: لا ) ، ولعل الطابع العام على الروايات هو هذا ، أي أن الراوي يسأل والإمام عليه السلام يقول ( لا ) ، انه في مثل الروايات المذكورة لا يمكن التمسك بالإطلاق ، لما أشرنا إليه سابقاً من أن التمسك بالإطلاق يتوقف على وجود مفهوم في كلام الإمام عليه السلام حتى يتمسك بإطلاقه ، أما إذا لم يوجد مثل ذلك فكيف يتمسك بالإطلاق .

 نعم المناسب هو التمسك بترك الاستفصال فيقال ؛ حيث أن الإمام عليه السلام لم يستفصل فذاك دليل العموم . إذن عندنا فكرتان فكرة الإطلاق وفكرة الاستفصال ، والمورد يصير من موارد التمسك بفكرة ترك الاستفصال .

فإذا كان كذلك نقول:- أن عدم استفصال الإمام عليه السلام عن التظليل عن المصعد الكهربائي لا يمكن أن نستفيد منه العموم ، فان المصعد ليس موجوداً في ذلك الزمان حتى يفصِّل الإمام عليه السلام ، أن ترك الاستفصال هنا لا يمكن أن نفهم منه العموم ، وهذه قضية واضحة . وهذا من ثمرات الفرق بين التمسك بالإطلاق وترك الاستفصال .

وأما الثالث أعني مثل رواية محمد بن منصور:- أو أي رواية أخرى لو كانت موجودة ، انه يوجد في كلام الإمام ما يمكن التمسك بإطلاقه حيث قال عليه السلام ( لا يظلل المحرم ) فنهى عن طبيعي التظليل من دون تقييد بحصة من دون أخرى ، فيستفاد أن طبيعي التظليل منهي عنه . هكذا قد يقال .

ولكن نحن ذكرنا أكثر من مرة:- أن هناك قضية ينبغي الإشارة إليها في مبحث الإطلاق ، وهي أن الإطلاق إنما يصح التمسك به لو كان عدم ذكر القيد يوجب الاستهجان ، أما إذا فرض أن عدم ذكره لا يوجب الاستهجان ، وإطلاق الإمام عليه السلام يكون حسنناً بلا استهجان رغم أنه لم يذكر القيد وهو يريد المقيد واقعاً ولا يريد المطلق ، انه في مثل هذه الحالة لا يمكن أن نستكشف الإطلاق وان الحكم ثابت في الطبيعي ، ومقامنا من هذا القبيل ، فانه لو فرض أن المصعد الكهربائي يجوز التظليل فيه فهل يستهجن آنذاك عدم تقييد الإمام عليه السلام ويقال لماذا صب الإمام الحكم على طبيعي التظليل ولم يقيد بغير المصعد الكهربائي ، كلا أن عدم تقييده ليس مستهجناً ، لأن مثل ذلك لم يكن في تلك الفترة ، وإذا لم يكن مستهجناً فلا يمكن أن نستفيد الإطلاق بعرضه العريض الشامل للمصعد الكهربائي .

 نعم هناك وسيلة أخرى وهي الجزم بعدم الخصوصية ، وحيث لا جزم في المقام ، فاستكشاف الإطلاق حتى من اللسان الثالث شيء صعب ، وعلى هذا الأساس مقتضي التحريم قاصر فنرجع إلى البراءة .

[1] الوسائل 12 519 -65 تروك الإحرام ح1

[2] الوسائل 12 -517 64 تروك الإحرام ح8