32/06/20


تحمیل

 ومن هذا يتضح الحال في صنف رابع من الروايات وهو ما دل على الأمر بالاضحاء بلسان ( أضح لمن أحرمت له ).

فقد يتمسك بهذا لإثبات الحرمة ببيان :- أن الاضحاء عبارة عن البروز للشمس والإمام عليه السلام قد أمر به ، ومع ركوب المصعد الكهربائي لا يتحقق ذلك.

والجواب عنه:- قد اتضح من خلال ما سبق ، فان غاية ما يمكن أن يقال هو التمسك بالإطلاق فيقال ؛ أن الأمر بالاضحاء هو مطلق ولم يقيد بحالة دون أخرى ، ومقتضى الإطلاق حرمة صعود المصعد الكهربائي . إذن لابد من التمسك بالإطلاق وعدم التقييد وإلا فمن دون ذلك لا يتم الاستدلال ، وما دمنا بحاجة إلى ذلك فيأتي ما أشرنا إليه سابقاً ، وهو أن الإطلاق إنما يكون حجة لو كان إرادة المقيد من دون ذكر القيد أمراً مستهجناً عرفاً ، أما إذا لم يكن كذلك فلا يمكن نفي إرادة المقيد ، أي لا يمكن إثبات أن المراد هو المطلق بعرضه العريض ، وفي المقام لا يستهجن عدم ذكر القيد ، أي لو كان مراد الإمام عليه السلام هو الأمر بالاضحاء في غير المصعد الكهربائي لما استهجن منه عدم ذكر القيد ، فلا يقال له لماذا لم تقيد ولم تقل ( أضح إن لم تكن في المصعد الكهربائي ) إن ذكر هذا القيد ليس أمراً لازماً وعدم ذكره لا يكون مستهجناً عرفاً ، ولو لأجل أن ركوب المصعد آنذاك ليس أمراً متداولاً ، فلا يكون الإمام ملزماً بذكر القيد ، ومعه لا يمكن استكشاف الإطلاق .

 نعم لو جزمنا بعدم الخصوصية أمكن أن نتعدى من خلال البديل المذكور ، كما في بعض الأفراد التي لم تكن موجودة في الزمن السالف ، كالماء المقطر مثلاً فانا نحكم بجواز الوضوء به رغم أنه لا وجود له سابقاً ، ولكن التعدي إليه يكون من باب الجزم بعدم الخصوصية عرفاً ، وهذا الجزم يتعذر حصوله في مقامنا . إذن التمسك بالإطلاق في مقامنا شيء مشكل ، من دون فرق بين مثل رواية محمد بن منصور التي قالت ( لا تظلل وأنت محرم ) وبين روايات الأمر بالاضحاء ، فان الاثنين معاً هما من وادٍ واحد ، أي يحتاجان إلى التمسك بفكرة الإطلاق ، فيأتي ما أشرنا إليه.

إن قلت:- إن هذا المطلب الذي ذكر يتم بناءاً على مسلك أن حقيقة الإطلاق هي عبارة عن الجمع بين القيود والنظر إلى الحالات المختلفة ، وأما بناءاً على مسلك إن حقيقته عبارة عن رفض القيود وصب الحكم على الطبيعة من دون ذكر القيد معها - وهو الصحيح فلا يتم ما ذكر .

قلت:- انه لا فرق بين هذين المسلكين من هذه الناحية ، فانه إذا قيل للمتكلم أنت صببت الحكم على الطبيعة ولم تذكر القيد فيثبت بذلك الإطلاق ، فيجيب ويقول ؛ إنما يحق لكم أن تستكشفوا الإطلاق من كلامي إذا كان ذكر القيد شيئاً لازماً وكان عدمه شيئاً مستهجناً ، أما إذا سلمتم أن عدم ذكره ليس كذلك فكيف يحق لكم أن تستكشفوا الإطلاق من كلامي . إن هذا مطلب يحق للمتكلم أن يدافع به عن نفسه حتى على مسلك رفض القيود ولا يختص بمسلك الجمع بين القيود ، أي أن هذين المسلكين لا ربط لهما بما ذكرناه ، بل إن ما ذكرناه يأتي سواءً بُنِي على هذا أو ذاك . هذا كله في الوجه الأول .

الوجه الثاني:- إن المصعد الكهربائي هو يشتمل عادة على سقف ثابت وليس بمتحرك من ناحية الأعلى ، ففي القمة يوجد سقف من بناء أو غيره ولكنه ثابت ، والمصعد يتحرك تحته ، وبالتالي لا يكون هناك محذور ، إما لأن هذا تظليل تحت السقف الثابت ، أو لأنه تظليل في التحرك ولكنه تحت الثابت فيكون شيئاً جائزاً ، فان التحرك والصعود فيه يكون وجوده كالعدم ، نظير من يصعد إلى الطابق الأعلى برجليه ومعه مظلة قد رفعها على رأسه وكل ذلك داخل البناء ، أن حمل المظلة في مثل ذلك يكون وجوده كالعدم فلا محذور فيه.

 وهذا يتم في المصاعد الكهربائية التي تكون من هذا القبيل - أي التي يكون فيها سقف ثابت كما هو الغالب وأما المصاعد التي لا يوجد فيها سقف ثابت في الأعلى فلا يتم آنذاك هذا الوجه ، ويبقى الأمر منحصراً بالوجه الأول .

مسألة ( 273 ):- كفارة التظليل شاة . ولا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار . وإذا تكرر التظليل فالأحوط التكفير عن كل يوم واحد وان كان الأظهر كفاية كفارة واحدة عن كل إحرام .

 ..........................................................................................................

 تشتمل هذه المسالة على عدة نقاط:-

النقطة الأولى:- بعد أن أوضحنا أن التظليل لا يجوز للمحرم نسأل أنه لو خالف المحرم وظلل فما هي كفارته؟

 أن المناسب على رأي ابن الجنيد (قده) الذي ذكرناه سابقاً - حيث يظهر منه عدم حرمة التظليل وان تركه أفضل ومستحب وليس بلازم هو البناء على عدم وجوب الكفارة رأساً ، وأما على الرأي المشهور الذي يقول بالحرمة فهناك أقوال ثلاثة ؛ القول المشهور وهو وجوب شاة ، والثاني لابن أبي عقيل (قده) حيث قال بالتخيير بين الخصال الثلاث كمن حلق رأسه أي الصيام ثلاثة أيام أو الإطعام أو الشاة ، والرأي الثالث للشيخ الصدوق (قده) وهو أن عليه مدّاً من طعام لكل يوم . هذه آراء ثلاثة.

 قال في المدارك ( مذهب الأصحاب عدى ابن الجنيد وجوب الفدية بالتظليل ، وإنما اختلفوا فيما يجب به الفداء ، فذهب الأكثر إلى أنه شاة ، وقال ابن أبي عقيل فديته صيام أو صدقة أو نسك كالحلق لأذىً ، وقال الصدوق انه مدٌّ عن كل يوم ..... )[1] .

 والمناسب من هذه الأقوال هو ما ذهب إليه المشهور .

والوجه في ذلك:- انه ورد التصريح بوجوب ذلك في أكثر من رواية ، منها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام ( سأله رجل عن الظِلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع ، فأمره أن يهدي شاة ويذبحها بمنى ) ، وبمضمونها صحيحة إبراهيم بن أبي محمود .

 نعم ورد في بعض الروايات الأخرى أن ( عليه دماً ) ، وهي مثل مكاتبة علي بن محمد حيث جاء في الجواب ( يظلل على نفسه ويهريق دماً إنشاء الله )[2] ، وفي رواية ثالثة أن ( عليه الفدية ) ، وهي مثل صحيحة سعد بن سعد الأشعري[3] .

 والجمع بينها ممكن فإنها من قبيل المطلق والمقيد ، فالطائفة الثانية والثالثة من قبيل المطلق حيث قالت ( أن عليه دماً أو فداءاً ) فيقيد برواية الشاة . وهذا مطلب واضح ، وقد أشار إليه صاحب الجواهر حيث قال ما نصه ( فيجب حينئذ حمل إطلاق الفدية والدم ...... على الشاة لقاعدة الإطلاق والقيد )[4] .

 نعم توجد مشكلة هنا وهي أن صحيحة علي بن جعفر قد يستفاد منها أن عليه بدنة حيث قال ( سالت أخي عليه السلام أظلل وأنا محرم ؟ فقال: نعم وعليك الكفارة ، قال: فرأيت علياً إذا قدم إلى مكة ينحر بدنة لكفارة الظل ) ، فماذا نفعل مع الرواية ؟ .

[1] المدارك 8- 442

[2] الوسائل 13 154 بقية كفارات الإحرام ح1 .

[3] الوسائل 13 154 6 بقية كفارات الإحرام ح4 .

[4] الجواهر 20 415 .