36/02/01


تحمیل
الموضـوع:- أحكام المصدود - مسألة ( 440 ).
النقطة الثالثة:- هل يلزم أن يكون التحلّل في مكان الصدّ أو أنه يجوز التأخير إلى أن يبلغ الهدي محلّه - يعني إلى مكة- ؟
والأقوال في هذا المجال ثلاثة:-
القول الأوّل:- ما نقله صاحب الجواهر[1] عن أبي الصلاح من أنّه يلزم أن يكون ذبح الهدي حتى يبلغ الهدي محلّه لا أن يكون في مكان الصدّ.
القول الثاني:- يلزم أن يكون في مكان الصدّ ولا يجوز التأخير، وهو ما يظهر من عبارة السيد الماتن.
القول الثالث:- التخيير بين الأمرين بين أن يذبح الهدي في مكانه وبين أن يؤخّر ذبحه إلى مكة، وهذا ما يظهر الميل إليه من صاحب الجواهر واختاره الشيخ النائيني أيضاً[2].
أما بالنسبة إلى القول الأوّل:- فلعلّ وجهه الآية الكريمة فإنها قالت:- ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم[3]فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ﴾[4] فأخَذَ فقرة ﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه﴾ شاملةً ومطلقةً وعامّةً لكِلا فردي المحبوس - أعني المحصور بالمرض والمحصور بسبب العدو - فلذلك قال بلزوم التأخير.
وهو شيءٌ وجيهٌ ولكن لو كنّا نحن والآية الكريمة فقط، أمّا بعد أن جاءت الروايات كموثقّة زرارة التي فصّلت بين المحبوس بمرضٍ فحكمه هو حتى يبلغ الهدي محلّه وبين أن يكون بالعدو ففي مكانه، فبعد أن جاءت الروايات الدالّة على ذلك لا يعود مجال للتفصيل المذكور.
ونقرأ موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:- ( قال:- المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوماً فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه )[5] . إذن هي فصّلت وبعد تفصيلها كيف نأخذ بإطلاق الآية الكريمة ؟!! فالمناسب إذن أن نفسّر الآية الكريمة هكذا بعد ضمّ الرواية إليها فنقول:- إنَّ قوله تعالى ﴿ فما استيسر من الهدي ﴾ يقصد منه الوجوب بقرينة ﴿ ولا تحلقوا ﴾ كما قلنا سابقاً وهذا - أي فما استيسر من الهدي - راجع إلى كليهما، ولكن ﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم ﴾ يرجع إلى خصوص المحصور بسبب المرض، لا أن نأخذ بظاهر الآية الكريمة بقطع النظر عن الرواية الشريفة.
وأمّا القول الثاني:- فوجهه واضحٌ وهو التمسّك بظاهر موثّقة زرارة فإنها قالت:- ( والمصدود يذبح حيث صُدَّ ) أي في المكان الذي صُدَّ فيه فيتعيّن أن يكون الذبح في مكان الصدّ ولا يجزي التأخير إلى أن يبلغ الهدي محلّه.
وهو شيءٌ جيّدٌ لولا ما سوف نذكره في القول الثالث.
وأمّا القول الثالث:- الذي يرى التخيير فمستنده هو أنّ فقرة ( يذبح حيث صدّ ) وإن كانت ظاهرة في تعيين مكان الصدّ لكن لو لم تذكر في مقابل المحصور الذي قيل بأنّه يرسل الهدي ولا يتحلّل حتى يبلغ الهدي محلّه، إنها لو ذُكِرَت وحدها وقيل ( المصدود بالعدو يذبح في مكان الصدّ ) فنعم هي ظاهرة في التعيين ويكون كلام السيد الخوئي وجيهاً وتاماً، أمّا بعد أن فرض أنّ ذلك فرض في مقابل المحصور بالمرض فمن الوجيه أن نقول إنّ العرف يفهم أن لك رخصةً أيها المصدود بالعدو والسعة فلا نكلفك بأنّ تؤخر التحلّل إلى أن يبلغ الهدي محلّه بل نجعل لك رخصةً وذلك بأن تذبح في مكانك، فالنتيجة حينئذٍ تكون هي التخيير بين الأمرين دون الإلزام بالذبح في مكانه وهذا شيءٌ قريبٌ ووجيه.
ولكنّي ألفت النظر إلى أنّ هذه قضيّة استظهاريّة، فربَّ فقيهٍ يقول إنَّ هذا شيءٌ وجيهٌ - يعني أنّ الرواية حينما قالت ( يذبح حيث صدَّ ) يعني في مقابل ذاك كما أفدنا -، وربَّ فقيهٍ آخر يقول كلّا بل الآية الكريمة تقول يتحلّل أو يذبح حيث صُدَّ فيتعيّن الذبح في هذا المكان وأمّا ذاك فعليه أن لا يتحلّل حتى يبلغ الهدي محلّه كما فعل السيد الخوئي(قده)، فالمسالة مسالة استظهاريّة وهذا من أحد الأسباب المهمّة في اختلاف الفقهاء.

مسألة ( 440 )[6]:- المصدود عن الحج إن كان مصدوداً عن الموقفين أو عن الموقف عن المشعر خاصّة فوظيفته ذبح الهدي في محلّ الصدّ والتحلّل منه عن إحرامه، والأحوط ضمّ الحلق أو التقصير إليه.
وإن كان عن الطواف السعي بعد الموقفين وأعمال منى فحينئذٍ إن لم يكن متمكنا من الاستنابة فوظيفته ذبح الهدي في محلّ الصدّ، وإن كان متمكّناً منها فالأحوط الجمع بين الوظيفتين ذبح الهدي في محلّه والاستنابة وإن كان الأظهر جواز الاكتفاء بالذبح إن كان الصدّ صدّاً عن دخول مكة وجواز الاكتفاء بالاستنابة إن كان الصدّ بعده.
وإن كان مصدوداً عن مناسك منى خاصّة دون دخول مكة فوقتئذٍ إن كان متمكناً من الاستنابة فيستنيب للرمي والذبح ثم يحلق أو يقصّر ويتحلّل ثم يأتي ببقيّة المناسك، وإن لم يكن متمكناً من الاستنابة فالظاهر أنّ وظيفته في هذه الصورة أن يودع ثمن الهدي عند من يذبح عنه ثم يحلق أو يقصّر في مكانه فيرجع إلى مكة لأداء مناسكها فيتحلّل بعد هذه كلّها عن جميع ما يحرم عليه حتى النساء من دون حاجةٍ إلى شيءٍ آخر وصحَّ حجّه وعليه إعادة الرمي في السنة القادمة على الأحوط.[7]
..........................................................................................................
هذه المسالة ترتبط بمن صُدّ عن الحجّ وهي تشتمل على حالات ثلاث:-
الحالة الأولى:- أن يكون الصدّ عن أصل دخول مكة بأنّ السلطة تمنع هذا الذي أحرم للحج من أصل دخول مكة - إن كان ذلك المنع يستلزم المنع من الوقوف بالموقفين أو الوقوف بمزدلفة خاصّة[8] - أو أنها تفسح له المجال ولكن تقول له لا يحقّ لك أن تقف في الموقفين، أو تمنعه عن خصوص موقف المشعر الحرام، فهذا حكمه حكم المصدود الذي ذكرته الروايات وأنّه يذبح في مكانه، فهذا مصداقٌ واضحٌ للصدّ فيذبح آنذاك في مكانه ويتحلّل ولا شيء عليه . نعم هو لا تفرغ ذمّته بهذا بل عليه المحافظة على الاستطاعة إلى السنة الثانية إن أمكن بقاؤها ولكن هذه قضيّة ثانية وهو لم يُشِر إليها لوضوح المطلب وستأتي الاشارة إليها في المسائل البعديّة.
نعم بناءً على الاحتياط الذي ذهب إليه السيد الماتن في المصدود - لأنه ذهب إلى أنّ المصدود يتحلّل بذبح الهدي في مكانه والأحوط ضمّ الحلق أو التقصير - يأتي الاحتياط نفسه هنا . إذن هذا هو حكم المصدود ولا يوجد عندنا شيء جديد.
الحالة الثانية:- أن يفترض أنّه أتى بالموقفين ولكنّه منع من الاتيان بالطواف والسعي اللذين يؤتى بهما بعد منى عادةً وهنا يوجد شقّان أحدهما أن لا يتمكن من أن ينيب شخصاً، وثانيهما أن يتمكن من ذلك، فإن لم يتمكن من النيابة فحكمه حكم المصدود فيتحلّل في مكانه بالهدي آنذاك، وإن كان متمكناً من النيابة فالمناسب التفصيل بين ما إذا مُنِع من الطواف والسعي قبل دخوله إلى مكة - يعني قالوا له وهو في منى أنت لا تدخل إلى مكة للطواف والسعي - بعد أعمال منى وبين ما إذا لم يمنع فقالوا له ادخل مكة ولكن بعد دخوله قالوا له ليس لك حقّ الطواف والسعي، فإن مُنِعَ من أصل الدخول فهذا نحوٌ من الصدّ فيتحلّل في مكانه ويكون حكمه حكم المصدود، وأمّا إذا فرض أنّه أُذِنَ له في دخول مكة ففي مثل هذه الحالة لا يكون مصدوداً وإنما عليه أن يستنيب شخصاً فيما إذا أمكنته الاستنابة.
فالمناسب التفصيل في هذه الحالة - أي حالة التمكن من الاستنابة - بين ما إذا فرض أنّه منع من دخول مكة وبين ما إذا لم يمنع، فإذا منع من دخول مكة فهو مصدودٌ، وإذا لم يمنع فحينئذٍ يستنيب في مثل هذه الحالة.
ثم احتاط(قده) وقال:- إنّ هذا التفصيل وإن كان مناسباً ولكن الأحوط استحباباً الجمع بين الوظيفتين وظيفة المصدود ووظيفة النيابة فيذبح وتحلّل ويستنيب أيضاً.
الحالة الثالثة:- أن يكون ممنوعاً من أعمال منى دون أعمال مكّة - وأعمال منى كما نعرف هي عبارة عن الرمي والذبح والحلق أو التقصير -، وهنا أيضاً يوجد شقّان أحدهما أن يكون متمكّنا من النيابة فحينئذٍ ينيب شخصاً لأجل الرمي والذبح عنه ثم هو يحلق أو يقصّر في مكانه ويأتي ببقيّة الأعمال لأنّه ليس ممنوعاً منها فياتي بها ويكون عمله تامّاً ولا مشكلة فيه، وأمّا إذا لم يمكنه النيابة ففي مثل هذه الحالة يودع ثمن الهدي عند شخصٍ ثقةٍ ليذبح عنه وهو يقصّر أو يحلق في مكانه ويبقى الرمي إلى السنة الثانية ويأتي ببقيّة الأعمال - يعني يأتي بالطواف والسعي - فإذا أتى بهما حلّت له جميع المحرمات بما في ذلك النساء.
هذا توضيح ما أفاده(قده) في هذه المسألة.


[3] والمفروض أن الاحصار فسرناه بالأعم.
[6] وفرق هذه المسألة عن السابقة هو أن تلك المسألة السابقة كانت ناظرة الى المصدود عن العمرة وأما هذه فهي ناظرة الى المصدود عن الحج.
[8] هذه العبارة بين الشارحتين اضيفت بعد الدرس وليست موجودة في التسجيل الصوتي.