36/04/11


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
قلنا أمّا بالنسبة إلى الحرمة الوضعيّة فهناك ثلاث طوائف من الأخبار قد يستفاد منها ذلك:-
الطائفة الأولى:- ما دلّ على أنّ ثمن الخمر سحتٌ . والسحت كما نعرف عبارة عن الحرام فإذا كان الثمن حراماً فلازمه بطلان المعاملة إذ مع صحتها لا معنى لحرمة الثمن . إذن هناك دلالة عرفيّة في المقام أي أنّ إثبات عنوان السحت للثمن يدلّ عرفاً على كون المعاملة باطلة، وروايات هذه الطائفة متعدّدة ولعلّها ستّ روايات وبعضها صحيحٌ كصحيح عمّار بن مروان:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام:- .......، والسحت أنواعٌ كثيرة منها أجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ والمسكر )[1]، وهناك روايات ثلاث بنفس المضمون[2].
وهناك رواية رابعة لجرّاح المدائني[3]، وعلى المنوال المذكور حديث أبي بصير[4].
إذن المضمون الموحّد بين هذه الروايات هو أن ثمن الخمر سحتٌ والدلالة كما أشرنا.
الطائفة الثانية:- ما دلّ على لعن آكل ثمن الخمر، من قبيل موثقة زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام:- ( لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وساقيها وآكل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه )[5]، وعلى منوالها رواية جابر[6]، وهكذا رواية الحسين بن زيد عن الإمام الصادق[7] . وتقريب الدلالة:- هو أنّ لعن آكل الثمن يستفاد منه بطلان المعاملة إذ لو كانت صحيحة فآكل الثمن يكون قد أكل شيئاً حلالاً ولا يستحق آنذاك اللعن فإثبات اللعن عليه يدلّ على أنّ المعاملة باطلة وأن هذا الثمن باقٍ على ملك صاحبه السابق وهذا قد أكل مال الغير فيستحق آنذاك اللعن، ولا بأس بالدلالة.
الطائفة الثالثة:- صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في رجلٍ ترك غلاماً له في كرمٍ له يبيعه عنباً أو عصيراً فانطلق الغلام فعصر خمراً ثم باعه، قال:- لا يصلح ثمنه، ثم قال:- إنّ رجلاً من ثقيف أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله راويتين من خمرٍ فامر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله فأريقتا وقال:- إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام:- إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها )[8]، ومضمون الرواية واضح إذ فرض فيها أنّ رجلاً له بستانٌ من العنب وكان له غلامٌ فقال له بع هذا عنباً أو عصيراً لكن الغلام حوّله إلى خمرٍ ثم باعه والإمام عليه السلام أجاب بما نصّه:- ( لا يصلح ثمنه ) ولازم عدم صلاحية الثمن بطلان البيع إذ لو لم يكن باطلاً لا معنى لنفي الصلاحية المذكورة فالثمن إذا لم يجز أخذه ولا يصلح فهذا كاشفٌ عن بطلان المعاملة، وهناك شاهدٌ ثانٍ وهو فعل وكلام النبي صلى الله عليه وآله حيث أهديت له راويتان من الخمر فقال صلى الله عليه وآله:- ( إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها ) بنفس التقريب . فإذن تمّت الرواية.
بيد أنه توجد قضيّة جانبية:- وهي أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال في نهاية الحديث:- ( إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها ) وهذه الفقرة دلّت على أنّ حكم الثمن هو التصدّق به، والسؤال:- إنّ المعاملة مادامت باطلة فالثمن باقٍ على ملك صاحبه السابق فالمناسب ردّ الثمن عليه لا أنّه يتصدّق به ؟! فالرواية المذكورة إذن لم يعمل بها الفقهاء فإنّا لم نعهد فقيهاً يقول إنّ ثمن الخمر يتصدّق به ولم يُفتِ أحد منهم بذلك وإنّما يعمل بالقاعدة وهي تقتضي الارجاع إلى صاحبه، نعم إذا فرض أنّ صاحبه أصبح مجهولاً فحينئذٍ يصير مجهول المالك وحينئذٍ حكمه التصدّق وهذه قضيّة ثانية ولكن ليس المفروض في الرواية أنّ صاحب الثمن مجهولٌ فالإمام أمر ابتداءً بالتصدّق وعلى هذا الأساس تكون الرواية لا عامل بها من زاوية الثمن .
وواضح أنَّ هذه الفقرة يمكن الاستشهاد بها على بطلان البيع ولكن إضافةً إلى دلالتها على بطلان البيع دلّت على شيءٍ جانبيّ وهو أنّ الثمن يتصدّق به وهذا التصدّق بالثمن لا يُعهَد العمل به فالكلام هنا.
سؤال:- إذا أراد الفقيه أن يحتاط فماذا يصنع فهل من الصواب أن نقول الأحوط التصدّق بالثمن - وهذا احتياطٌ في الفتوى - ؟
والجواب:- قد يقال إنّ هذا المورد من قبيل الدوران بين المحذورين فلا معنى لهذا الاحتياط فإنّ الثمن إذا كان باقياً على ملك صاحبه فيلزم ردّه إليه والتصدّق به لا يكون احتياطاً، وهكذا إذا أردنا أن نحتاط بردّه إلى صاحبه فسوف نواجه مشكلة تركنا العمل بالرواية، فالفقيه إذن لا يمكنه أن يحتاط في هذا المجال في مقام الفتوى إذ على كِلا التقديرين يوجد محذورٌ.
ولكن يمكن أن يقال:- إنّ الرواية لم تعبّر بأنّه يلزم التصدّق إذ لو عبّرت وقالت الحكم هو التصدّق أو يلزم التصدّق فصحيحٌ أنّه لا يمكن للفقيه أن يحتاط في الفتوى ولكن هي قالت:- ( إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها ) وهذا التعبير لا يستفاد منه اللزوم، ومادام لا يستفاد اللزوم فإرجاع الثمن على صاحبه يكون هو الأحوط إذ لم نخالف الرواية حيث لم تُلزِمنا بالتصدّق وإنّما جعلت ذلك أفضل.
وعلى أي حال اتفقت جميع هذه الروايات على شيءٍ واحدٍ وهو أنّ المعاملة باطلة، نعم الرواية الأخيرة فيها نقطة أنه بعد بطلان المعاملة هل نرجع الثمن إلى صاحبة كما هو المعروف بين الفقهاء أو أنّه يتصدّق به.
إذن الحرمة الوضعيّة ثابتة ولا ينبغي التشكيك فيها.
وأمّا الحرمة التكليفية:- فقد يستدلّ لها برواية تحف العقول السابقة، وقد أشرنا أنّها ضعيفة السند، مضافاً إلى أنّ الحرمة مردّدة بين التكليفيّة والوضعيّة فإن استظهرنا التكليفيّة تمت الدلالة وإلا تصير مجملة، ولكن على أي حال يكفينا أنّ سندها ضعيف فمن هذه الناحية لا معنى للتعويل عليها.
وهكذا الآية الكريمة التي تقول:- ﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه ﴾[9] فهي قالت ( فاجتنبوه ) وأحدها الخمر ولكن الدلالة ضعيفة لأنها أمرت بالاجتناب عن الخمر والأثر الظاهر في الخمر هو الشرب فالمقصود هو الأمر بالاجتناب عن شربه.
وإذا قال قائلٌ:- أوليس حذف المتعلّق يدلّ على العموم فيثبت بذلك لزوم الاجتناب عن البيع أيضا.
أجبنا وقلنا:- حتى لو سلّمنا بالقاعدة فهي تتمّ فيما إذا لم يكن هناك أثرٌ ظاهر في البين وإلا كان هو المقدّر كما في ﴿ حرّمت عليكم أمهاتكم ﴾ فإنّ هناك أثراً ظاهراً وهو النكاح فيكون هو المقدّر لا أن نقدّر جميع الآثار، فالآية إذن لا يمكن التمسّك بها، وكذلك رواية تحف العقول.
والمهم في بالباب هو رواية اللعن المتقدّمة حيث إنّ من جملة الموارد لعن البائع فتثبت بذلك الحرمة.
نعم نحتاج إلى إثبات أن اللعن دالٌّ عرفاً على التحريم التكليفي:- وهذا قد يتأمّل فيه باعتبار أن اللعن قد استعمل في موارد لا حرمة فيها بنحو الجزم، مثلاً ( لعن الله النائم وحده ) أو ( الآكل زاده وحده ) أو غير ذلك، ففي الروايات يوجد لعنٌ من هذا القبيل وحينئذٍ كيف نستفيد التحريم مع فرض أنّ اللعن قد استعمل في موارد ليس فيها تحريم وبذلك يحصل الإجمال وتصير مادة اللعن من قبيل المشترك بين التحريم والكراهة فلا مثبت إذن لإرادة التحريم.
والجواب:- إنّ هذا من قبيل صيغة الأمر فإنها قد استعملت في موارد الاستحباب كثيراً فهل تعدّها مجملة ؟!! كلّا وإنما يقال هي ظاهرة في الوجوب إلا إذا قامت القرينة على الخلاف وتلك الموارد ثبت بالقرينة الخارجيّة أن الوجوب ليس بمقصودٍ فيها من دون أن يزعزع ذلك الظهور في الوجوب، إنّ نفس هذا الكلام يقال في مقامنا فيقال إنَّ اللعن ظاهرٌ في التحريم والموارد التي استعمل فيها اللعن في التنزيه هو لأجل قرينة خارجيّة لا يزعزع الظهور في التحريم، وهذا كلامٌ وجيهٌ ومن جزم به فحينئذٍ من حقّه أن يفتي بالحرمة التكليفيّة، ومن رفضه رفضاً تاماً فالمناسب الاحتياط الاستحبابي بالتحريم، ومن اسوجهه من دون أن يحصل له الاطمئنان فالمناسب الاحتياط الوجوبي.
إذن المناسب هو تحريم البيع تكليفاً ولو على مستوى الاحتياط الوجوبي والمنشأ هو رواية اللعن ولا يوجد منشأ آخر.
نعم قد يقال:- إنّ هذه الرواية معارضة برواية أخرى قد يفهم منها الجواز وعدم الحرمة، وهي ما وراه الشيخ بأسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير وعلي بن حديد جميعاً عن جميل، والرواية صحيحة السند فطريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد لا مشكلة فيه والحسين بن سعيد الأهوازي مع أخيه ثقتان ومحمد بن أبي عمير لا مشكلة فيه وأما إذا قلت أنّ علي بن حديد قد ضعّف قلت إنّ هذا لا يضرّ بل تكفي وثاقة واحدٍ منهما وهو ابن أبي عمير لأنهما معاً ينقلان الرواية وأمّا جميل فهو من أجلة أصحابنا وهي:- ( قلت لأبي عبد الله عليه:- يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمراً، فقال:- خذها ثم أفسدها، قال عليّ:- واجعلها خلاًّ )[10]، وتقريب دلالتها على جواز البيع هو أنّ الإمام عليه السلام قال خذها أي خذها بدل الدراهم وهذا نحوٌ من البيع والإمام قد جوّز ذلك غاية الأمر أنه قال بعد ذلك ثم أفسِدها أي أفسِد الخمر يعني حوّلها إلى خلٍّ كما قال علي بن حديد.
وفي مكاسب ذكر الشيخ الأنصاري(قده) أن الموجود هو ( قال ابن عمير:- يعني اجعلها خلّاً ) يعني أنّ ابن أبي عمير هو يريد أن يقول أنا الذي أفسّر لكم الرواية وأمّا ذاك فهو ينسب التفسير إلى الإمام عليه السلام.
وعلى أيّ حال كيف علاج هذه الرواية والتخلّص منها ؟