36/05/26


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 8 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الأمر الثاني:- إنّ استصحاب بطلان المعاملة - بأن يقال كانت أوّلاً باطلةً والآن نشك فنستصحب البطلان - هو استصحابٌ تعليقيّ وليس تنجيزيّاً - وهدفي ليس هو المناقشة وإنما استيضاح بعض المطالب -، فهناك فرقٌ بين استصحاب الحرمة التكليفيّة للبيع بأن نقول كان بيع هذا الصنم حراماً سابقاً والآن كذلك فهذا استصحاب لحكمٍ تنجيزيّ فإنّ الحرمة منجّزة وثابتة ولا تتوقّف على شيءٍ وليست ورحها روحاً تعليقيّة، وكلّ حكم تكليفيّ هو عادةً حكم تنجيزيّ واستصحابه يكون استصحاباً للحكم التنجيزي إلّا في بعض الموارد مثل استصحاب حرمة العنب على تقدير الغليان.
وأما الحرمة الوضعيّة - أعني البطلان - فعادةً تكون تعليقيّة، فهي في روحها تعليقيّة، فكون المعاملة باطلة ماذا يعني ؟ إنّه يعني أنها إنْ وقعت فلا يترتّب عليها نقل وانتقال ولا يوجد شيء آخر غير هذا.
وقد يقول قائل:- إنّ نفس البطلان تنجيزيّ ولا تعليق فيه!
قلت:- إنَّ جوابه واضح فإنّ هذا مصطلحٌ من عندنا وإلا فهو ليس حكماً شرعيّاً، فالحكم الشرعي هو عدم ترتب الأثر على تقدير تحقّق المعاملة فمرجع البطلان إلى حكمٍ تعليقيّ واستصحابه واستصحابٌ للحكم التعليقي.
إذن ما يرد في الاستصحاب التعليقي يرد هنا، فإن قبلنا الاستصحاب التعليقي ورفضنا الاشكالات الواردة عليه فهنا كذلك . وكان قصدي أن أنبّه على أنّ هذا استصحاب تعليقيّ بخلاف وجوب الكسر وحرمة البيع التكليفيّة فإنهما حكمان تنجيزيّان . وهكذا في كثيرٍ من الأحيان تكون الأحكام من هذا القبيل.
الأمر الثالث:- إنّه قيل في هذا الوجه أنّه كان أوّلاً يجب كسر هذا الصنم الآن يجب كسره، وقد يقول قائل إنَّ هذا استصحاب حكميّ والاستصحاب الحكمي لا يجري على رأي بعض الأعلام كالسيد الخوئي(قده) وغيره لأنّه معارضٌ بأصالة عدم الجعل الزائد - يعني استصحاب عدم جعل وجوب الكسر بلحاظ الفترة المشكوكة الزائدة -، فإنّا نجزم بأنّه قد جعل وجوب الكسر في تلك الفترة أمّا في زماننا هل جعل وجوب الكسر لهذا الشيء أو لم يجعل ؟ إنَّ الأصل هو أنه لا يوجد جعلٌ زائد، فسابقاً لا جعل أبداً لا بلحاظ تلك الفترة ولا بلحاظ هذه الفترة ثم علمنا أنّه حصل جعلٌ لوجوب الكسر بلحاظ تلك الفترة حتماً وأمّا وجوب الكسر بلحاظ فترتنا فأصل الجعل مشكوك فإصالة عدم الجعل الزائد - الذي روحه هو استصحاب عدم الجعل الزائد - تكون معارضة باستصحاب وجوب الكسر الذي هو حكمٌ فعليّ، فبناء على تماميّة شبهة المعارضة فقد يقول قائل إنّ هذه تجري هنا أيضاً، فعلى رأي السيد الخوئي(قده) يمكنه أن يتخلّص من وجوب الكسر ويردّه ويقول هو معارضٌ بأصالة عدم الجعل الزائد.
وجوابه:- إنّ المعارضة خاصّة بالشبهات الحكميّة الكلّية دون الجزئية، فإذا كنّا نشكّ في أصل وجوب الكسر في زماننا من دون إشارةٍ إلى هذا الصنم فتأتي شبهة المعارضة أمّا إذا كنّا نشير إلى هذا الصنم فهنا لا تأتي شبهة المعارضة حتّى على رأي السيد الخوئي(قده)، والوجه في ذلك هو أنّ الجعل إنما يكون في الموارد الكلّية دون الجزئيات فالمولى لا ينتظر وجود صنمٍ جديدٍ فيجعل عليه وجوب الكسر بحيث كلّما وجد صنمٌ جعل عليه وجوب الكسر، كلّا لا توجد جعولٌ جزئيّة بعدد الأفراد وإنّما هناك جعلٌ كليٌّ واحدٌ على الموضوع والعنوان الكلّي - وهو أصل الصنم - فالصنم المتّخذ للعبادة يجب كسره، وأنت راجع وجدانك فإنهّ يشهد بذلك وأمّا الانحلال الذي نشعر به فهو في مرحلة المجعول دون الجعل.
إذن الجعل لا يتصوّر في الموارد الجزئية وإنما يتصوّر في الموارد الكلّية، وعلى هذا الأساس لا معنى لأن تقول نجري أصالة عدم الجعل الزائد في هذا المورد الجزئي وإنما هذا يأتي إذا فرضنا أنّ المورد الجزئي يحتمل فيه الجعل والمفروض أنّ الجعل موجودٌ في الموضوعات الكلّية دون الجزئية.
وإذا قلت:- فلنقل إنّ الجعل الواحد ينحلّ إلى جعولٍ جزئيةٍ متعدّدةٍ ثابتةٍ ضمن ذلك الجعل الكلّي.
قلت:- إنّ لازم هذه الفكرة أنّ ذلك الجعل الكلّي الواحد سوف يتوسّع كلما وجدت أفراد جديدة وهذا ليس بمحتمل.
إذن لا توجد جعولٌ جزئية ضمن ذلك الجعل الواحد الكلّي، ففي المورد الجزئي لا يوجد جعل، ولذلك ذهب السيد الخوئي(قده) إلى أنّ شبهة المعارضة تختصّ بالموارد الكلّية دون الجزئية، فالموارد الجزئية لا يوجد فيها جعلٌ وإذا كان لا يوجد فيها جعلٌ فلا تأتي المعارضة بأصالة عدم الجعل الزائد في الشبهات الحكميّة الجزئيّة وإنما تختصّ بالشبهة الحكميّة الكلّية.
وإذا اتضحت هذه الأمور الجانبية نقول:- هل تجري الاستصحابات الثلاثة المذكورة - أي استصحاب وجوب الكسر أو حرمة البيع التكليفي أو البطلان - أو لا ؟
يمكن أن يقال:- إنّ المناسب هو أن لا يجري، والوجه في ذلك هو أنّ الذي نتيقّن بثبوته سابقاً هو وجوب الكسر لما اتخذ للعبادة، والذي نجزم ببطلان بيعه هو ما اتخذ للعبادة، والذي نجزم بحرمة بيعه هو ما تخذ للعباد، وحيثية العبادة حسب الفرض قد زالت عن هذا الشيء فهو الآن وجود أثري فقط لا أكثر، فعلى هذا الأساس الموضوع ليس بباقٍ بل إمّا أن نجزم بانتفائه أو نحتمل انتفائه ويكفينا الاحتمال، يعني أنا لا أريد أن أدّعي أنّ حيثية العبادة حيثية تقييديّة بنحو الجزم وإنما يكفيني أن أدّعي أني أحتمل أنّ الموضوع ليس هو ذات الصنم وإنما المعبود - أي من حيثية كونه معبوداً -، فالعبادة مأخوذة بنحو الحيثية التقييديّة، ومادام بنحو الحيثية التقييديّة ولو احتمالاً فلا نحرز بقاء الموضوع فيكون التمسّك بإطلاق أو عموم ( لا تنقض اليقين بالشك ) تمسّكاً بالعام في الشبهة الموضوعيّة، فهذا الاستصحاب لا مجال له - وواضح أنّه لا فرق بين أن نجريه في الجزئي أو في الكلّي فهو لا يجري حتى في الكلّي لنفس النكتة وهي لعدم إحراز بقاء الموضوع -.
الوجه الحادي عشر:- أن يدّعى أنّ الشارع المقدّس إذا حرّم منافع الشيء أجمع وقال بأنّ الصنم تحرم جميع منافعه فحينئذٍ تكون حرمة جميع المنافع تلازم بطلان المعاملة وحرمتها لوجود تناقضٍ وتنافٍ عرفيّ بين تحريم جميع المنافع وبين جواز البيع، هكذا قد يقرّب.
أو يقرّب:- بلزوم محذور اللغوية، يعني بعدما حرمت جميع المنافع يكون تصحيح المعاملة عليه وتجويزها لغواً.
إذن حرمة جميع المنافع توصلنا إلى بطلان المعاملة وعدم الحكم بجوازها وذلك إمّا لوجود منافاة عرفيّة بين الحكم بالصحّة وبين تحريم جميع المنافع أو لمحذور اللغوية.
ويرد عليه:- أنّه لو تمّت الكبرى المذكورة وقبلناها فالصغرى ليست ثابتة فإنّ الصنم لم تحرم جميع منافعة وحرمة جميعها أوّل الكلام إذ اتخاذه أثراً قديماً في المتاحف لم يثبت أنّه حرام وهذا من جملة المنافع المقصودة فكيف تقول حيث إنّه حرمت جميع منافع الصنم فلا يكون البيع صحيحاً للتنافي العرفي فإنّه لم يثبت أنّ جميع المنافع محرمة؟!!
نعم من التزم بأنّ أصل بقاء الصنم ووجوده ولو كأثرٍ من دون أن يتّخذ للعبادة لا يجوز ويلزم كسره - فأيّ مستوى من الانتفاع هو لا يجوز - فربما تتم حينئذٍ تلك الدلالة العرفيّة وأنه توجد منافاة بين حرمة جميع المنافع وبين الحكم بصحّة المعاملة أو بجوازها ولكن لم يثبت حرمة الكسر والبيع.
والخلاصة:-
اتضح إمكان المناقشة في جميع هذه الوجوه المذكورة.
والمناسب بمقتضى القواعد والأصول هو جواز البيع، ولكن نصير إلى الاحتياط في الفتوى لأمرين:-
الأوّل:- إنّ الشيخ الأعظم(قده) ادّعى في المكاسب[1] أنّه لا خلاف بل الظاهر الاجماع على الحرمة والبطلان في بيع الأصنام والصليب، ونحن وإن لم نسلّم بحجيّة مثل هذه الاجماعات وعدم الخلاف ولكن لا بأس بأن يستند إليها في مقام الاحتياط، فالاحتياط بالحرمتين في كِلا الموردين لأجل هذه الدعوى شيء وجيه.
الثاني:- إنّه تقدّم وجود روايةٍ وهي وراية تفسير القمّي التي فسّر فيها الأنصاب بالأوثان وأنّ بيعها حرام محرّم، إنّ هذه الرواية وإن لم نقبل حجّيتها لما أشرنا إليه ولكن الاستناد إليها في مقام الفتوى ليس صحيحاً أمّا لأجل الاحتياط فهو شيء لا بأس به.
فالمناسب هو الحكم بالحرمتين من باب الاحتياط وفي كليهما لا خصوص الأصنام، هذا من حيث أصل المعاملة.
تبقى قضيّة ثانية ينبغي الالتفات إليها:- وهي التداول بقطع النظر عن مسألة المعاملة، فتداول الصنم إذا كان في المتحف وينظر إليه الناس فهو شيء لا بأس به، أمّا إذا فرض أنه صار أكثر من هذا فقد يكون هذا فيه ظاهرة دعم وتشجيع للمنكرات فحينئذٍ قد يحرم من هذه الناحية، وهكذا لبس الصليب فإنّ لبسه قد يعدّ تشجيعاً للخطّ المنحرف فقد يحرم من هذه الناحية.
إذن لابد وأن نميّز بين الأمور فحرمة البيع شيء والتداول شيء آخر فقد نقول إنَّ البيع بما هو إيجاب وقبول لا مشكلة فيه ونقول من باب الاحتياط بالحرمتين ولكن التداول قد نجزم بحرمته فيما إذا فرض أنّه كان ينطبق عليه عنوان التشجيع على الانحراف.


[1] تراث الشيخ الانصاري، تسلسل14، ص111.