36/06/15


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 9 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
النقطة الثالثة:- يجب إعدام هذه الآلات على تقدير وجودها من باب الاحتياط الوجوبي.
ونقل صاحب الجواهر(قده) عن شيخه كاشف الغطاء(قده) أنه ادعى الإجماع والأخبار على ذلك، قال صاحب الجواهر:- ( بل في شرح الأستاذ أن ظاهر الاجماع والأخبار عدم جواز العمل والاستعمال والانتفاع والإبقاء والاكتساب بجميع وجوهه )[1].
وتعرض الشيخ الأعظم(قده) في مكاسبه إلى الحكم المذكور وقال نعم يجب ذلك من باب حسم مادّة الفساد والقضاء عليها حيث ذكر ما نصّه:- ( بل قد يقال بوجوب اتلافها فوراً ولا يبعد أن يثبت لوجوب حسم مادّة الفساد )[2].
هذا نموذجٌ من رأي الفقهاء.
وأمّا من حيث الدليل فقد يستدل بالأدلة الأربعة التالية:-
الدليل الأوّل:- ما أشار إليه كاشف الغطاء(قده) - أعني الإجماع والأخبار-.
وهما كما ترى:-
أمّا الاجماع:- فلأنّه لو ثبت حقاً فيمكن أن يقال إنّه لا يوجد تعرّض من قبل الفقهاء لهذه المسألةبشكلٍ واضح لأنّه لم تنقل أقوال لهم في ذلك.
ولو سلّمنا أنّه يوجد إجماع - بمعنى وجود اتفاق وعدم خلاف وأن الفقهاء تعرضوا وقالوا يجب الاتلاف – نقول:- إنّ هذا الإجماع محتمل المدرك وهو لا حجّية له إذ نحن لا نرى قيمةً للإجماع بما هو إجماع وإنما هو حجّة من حيث كاشفيته يداً بيد من وصول مضمونه من الإمام عليه السلام وهنا يحتمل أن يكون المستند هو أحد الأمور التي سنذكرها وهي إمّا حسّم مادّة الفساد أو غير ذلك، فالقيمة تعود للمدرك المحتمل لا لأجل الاجماع بما هو إجماع.
وأمّا بالنسبة إلى الأخبار:- فلا ندري كيف ادعى كاشف الغطاء وجود أخبارٍ إذ لو كانت موجودةً فلماذا لم يذكرها هو ولا غيره ولو كانت لبانت ؟!! اللهم إلّا أن يقول الأخبار هي ما يأتي مما دلّ على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كسّر الأصنام في عام الفتح، وهذا سيأتي كدليلٍ آخر ولكنه ليس أخباراً متعدّدة بل هو خبرٌ واحد، فما ذكره غريب.
الدليل الثاني:- ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده) حسب ما نقلنا من حسم مادّة الفساد، ووافقه على ذلك غير واحد.
ولكن تقدّم منّا التعليق على ذلك وقلنا:- إن الأصنام يحرم إيجادها في حالتين:-
إحداهما:- حالة ما إذا فرض أنّ وجودها يلازم بنحو الجزم العباديّة أو نخاف ذلك كما أشرنا سابقاً - والخوف هنا بمعنى الاحتمال المعتدّ به فإنّه طريقٌ في باب الضرر والمفاسد - ففي هذه الحالة لا يجوز إيجاده وبالتالي يجب إعدامه لنفس النكتة.
ثانيهما:- ما إذا فرض أنّ وجوده يوجب تقويةً للباطل والانحراف، كما لو كان موضوعاً في مكانٍ يكون أصل وجوده فيه تعزيزاً لشوكة الباطل.
ففي هاتين الحالتين لا يجوز الإيجاد وبالتالي يجب الإعدام أيضاً.
أما في غير ذلك كما لو فرضنا أن الصنم موجودٌ في المتحف أو في المخزن فهذا لا تنطبق عليه إحدى الحالتين ومَن قال إنّه يجب إعدامه فإنه لا مستند لذلك!!
الدليل الثالث:- أنّ يقال إنّ النكتة الموجبة لحرمة الإيجاد هي بنفسها تكون نكتةً للزوم الإعدام والإفناء، فأنت إذا قبلت أنّ إيجاده لا يجوز فلابد وأن تحكم بلزوم إعدامه لأنّ نفس النكتة التي اقتضت حرمة إيجاده تقتضي لزوم إعدامه.
والجواب قد اتضح:- فنحن نلتزم بأنّ الإيجاد حرامٌ في حالتين وفي هاتين الحالتين نلتزم بوجوب إعدامه أيضاً، أمّا ما زاد على ذلك لا نحرم فيه بحرمة الإيجاد حتى نوجب فيه الإعدام . فإذن هذا الدليل محلّ تأمل.
الدليل الرابع:- ما ورد من أن أمير المؤمنين عليه السلام كسّر الأصنام الموجودة على سطح الكعبة المشرّفة.
وقد نقل هذه القضيّة غير واحدٍ، ويمكن مراجعة البحار[3] فإنّه نقل هذه القضيّة كما نقها من مصادر العامة أيضاً، والظاهر أنّها غير قابلة للتشكيك لكثرة النقل.
ولكن يرد عليه:- أنّه فعلٌ وهو لا يدلّ على الوجوب.
مضافاً إلى أنّه حتى لو قلنا بالوجوب لقرائنٍ جمعناها من هنا وهناك ولكن يمكن أن نقول إنَّ هذه قضيّة في واقعة.
وبتعبيرٍ آخر:- يمكن أن يقال إنَّ الظرف كان يقتضي لخصوصيّةٍ لزوم تكسيرها ولو كنّا نحن في ذلك الظرف لحكمنا بلزوم إفنائها أيضاً لأنّ الإسلام قد جاء فكيف تبقى رموز الشرك في مكان التوحيد وعبادة الله عزّ وجلّ ؟!! ولكن لا يمكن أن يتعدّى إلى سائر الموارد لعدم اتحاد الخصوصيّة، وهذا ما يعبّر عنه بــ ( قضيّةٍ في واقعة ).
ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ الحكم بلزوم الإعدام مشكلٌ إلا في الحالتين اللتين أشرنا إليهما.
يبقى أنّ السيد الماتن(قده) احتاط ولم يفتِ ولعل سبب عدم افتائه ومصيره إلى الاحتياط هو لضعف المدارك فأنّك كما ترى أنّ المدارك التي ذكرناها ضعيفة ولكن لشبهة الإجماع أو غير ذلك صار إلى الاحتياط.
النقطة الرابعة:- يجوز بيع هذه الآلات ولكن بقصد مادّتها دون قصد هيئتها، نعم يجوز بيعها بهيئتها فيما إذا فرض أنّه غُيّرت الهيئة قبل الدفع إلى المشتري أو كنّا نثق بالمشتري بأنّه يغيّرها بعدما يقبضها بمعنى أنّا اشترطنا عليه ذلك ونحن نثق بأنّه يفعل ذلك.
وقد تعرّض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه القضيّة وحكم بجواز بيعها فيما إذا كان الهدف هو المادّة كما لو كانت مادّة هذه الأشياء - كالصنم مثلاً - مصنوعة من الذهب وكان المقصود هو الذهب وليس الهيئة فأقول للمشتري بعتك هذا - يعني ذهب هذا الصنم أي مادته - لا أنه بعتك هذا الصنم بمادّته وهيئته، يعني حتى مع فرض وجود الهيئة ولكن بشرط أن تُزال الهيئة قبل الدفع أو تشترط إزالتها بعد الدفع.
ولكن نقل عن كاشف الغطاء(قده) عدم جواز ذلك حيث نقل الشيخ الأنصاري عن بعض الأساطين - ويقصد من ذلك كاشف الغطاء - فقال :- ( وفاقاً لظاهر غيره بل الأكثر أنّه لا فرق بين قصد المادة والهيئة )[4].
وناقشه الشيخ الأعظم(قده) وقال:- هناك خالتان لابد من التمييز بينهما فتارةً أقول له أبيعك مادّة هذا الموجود يعني الذهب أو الخشب فنجعل البيع منصبّاً على المادّة رغم تلبّسه بالهيئة، وأخرى يفترض أنّه يجعل البيع منصبّاً على المجموع دون المادّة فلا أقول له بعتك الخشب أو الذهب بل أقول له بعتك هذا الموجود ولكن الداعي للبيع هو المادّة دون الهيئة ودون المجموع، والذي يمكن أن يتوقّف فيه هو الثاني، يعني من حقّ كاشف الغطاء إذا أراد أن يتأمل فهو يتأمل في الحالة الثانية إذ فيها يكون البيع منصباً على المجموع غايته أنَّ الداعي الباعث الداخلي هو المادّة، وأمّا في الحالة الأولى التي فرض فيها أنّ البيع ابتداءً قد انصب على المادّة فهنا لا ينبغي التوقّف من هذه الناحية، وعلل(قده) بقوله:- ( إنّ المتيقّن من أدّلة المنع هو حالة المعاوضة على الصنم على حدّ المعاوضة على غيره أي ملاحظة مجموع المادّة والهيئة اللتين تتقوّم بهما ماليّة الشيء )، فالممنوع بالأدلّة هو أنّ تبيع هذا الموجود على حدِّ بيعِ غيرِ،، ففي بيع سائر الأمور يقع البيع على المجموع لا على المادّة فقط ولا على الهيئة فقط فإذا كان البيع بهذا الشكل فالتوقّف فيه يكون في محلّة، أمّا إذا صُبّ البيع على المادّة فلا موجب للتوقّف.
وبهذا اتضح أنَّ السيد الماتن يوافق الشيخ الأعظم ويخالف كاشف الغطاء.