36/06/22


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 10 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الثاني:- التمسّك برواية رواها الشيخ الكليني(قده) في الكافي في كتاب الميراث عن حميد ابن زياد عن الحسن ابن محمد ابن سماعة قال:- ( دفع إليّ صفوان كتاباً لموسى ابن بكر فقال لي هذا سماعي من موسى ابن بكر وقرأته عليه فاذا فيه موسى ابن بكر عن علي ابن سعيد عن زرارة قال- صفوان[1]- :- هذا ممّا ليس فيه اختلافٌ عند أصحابنا ).[2]
والرواية أمّا من حيث السند:-فلا بأس به، فإنّ حميد ابن زياد من أهالي نينوى من المشايخ الثقاة للشيخ الكليني ويروي عنه ليس بالقليل، أمّا الحسن ابن محمد ابن سماعة فهو ثِقة أيضا والمفروض أنّ الحسن ابن محمد بن سماعة يقول:- ( دفع إليّ صفوان )، فإذن السند لا مشكلة فيه.
وأمّا من ناحية الدلالة:- فمضمون الرواية هكذا:- ( ورد عن صفوان دفع الكتاب لموسى ابن بكر دفعه إلى الحسن بن محمد بن سماعة وقال:- هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا )، ومن هو فاعل ( قال:- قلت ) ؟ في بعض النسخ توجد كلمة صفوان بين شريطين , وفي الكافي المطبوع لا توجد كلمة صفوان، ولكن الظاهر أنّ هذا لا يؤثر على الاستدلال فالمناسب هو أنّ صفوان يريد أن يقول للحسن ابن محمد ابن سماعة ( هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا )، والمهم ما قاله وليس مَن قال، يعني كلّ ما هو موجودٌ في كتاب موسى ابن بكر ليس فيه اختلافٌ عند أصحابنا، وعليه فسوف تكون روايات موسى ابن بكر معتبرةٌ، أو قل هل هذا يلازم توثيق موسى ابن بكر أو لا - فعليك بالنتائج وليس عليك بالطريق إلى تلك النتيجة - ؟، فهل بهذه الشهادة من صفوان - بأنّ هذا ليس فيه اختلاف بين أصحابنا - يمكن الاعتماد على روايات موسى ابن بكر ؟ ولعلّه يفهم منها التوثيق لأنّ الشخص الذي تُعتمد على رواياته ولا اختلاف بين الأصحاب في الأخذ بها يلازم عرفاً وثاقة الناقل، فهذه الرواية لا بأس بها ويمكن أن تكون طريقاً للتوثيق أو على الأقل الأخذ بروايات صفوان.
والنتيجة من خلال هذا كلّه:- أنّ موسى ابن بكر لا يتوقّف في روايته، وعلى هذا الأساس تكون رواية العملة المغشوشة التي يرويها موسى ابن بكر لا مشكلة فيها من حيث السند.
ويمكن الإشكال عليها من ناحيتين:-
الأولى:- إنّ الراوية قالت هكذا:- ( كنّا عند أبي الحسن واذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الى دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين ثم قال لي ألقه في البالوعة )[3].
إن هذا يمكن إن يقال هو فعلٌ من الإمام عليه السلام والفعل أعم من اللزوم، فلعلّ هذا شيءٌ راجحٌ وليس بلازمٍ.
إن قلت:- إنَّ كلمة ( ألقه ) أمرٌ والأمر ظاهرٌ في الوجوب ؟
قلت:- هذا إلقاءٌ لما يرجع إلى ملك الإمام عليه السلام، فهو أراد إلقائها في البالوعة وإنما يدلّ على الوجوب ويكون قولاً لو كانت الأموال لشخصٍ آخر فهنا نقول نعم ظاهر هذا الوجوب أمّا إذا كان المال راجعٌ إليه وهو أراد إتلاف المال من باب الرجحان حينئذٍ لا بأس أن يقول ( ألقه في البالوعة )، وهذا يكون بحكم الفعل ولا يكون بحكم القول في الدلالة على اللزوم، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
إذن هذه الرواية لا نستفيد منها الوجوب لأنّها تحكي فعلاً للإمام عليه السلام.
الثانية:- إنّ الإمام عليه السلم علّل وقال:- ( حتى لا يباع شيء فيه غش )، فالمشكلة هي من حيث البيع أما إذا فرض أنّ هذه الدراهم لم نتّخذها وسيلةً في البيع وإنما أردنا منها الادّخار دون التعامل مع إحراز ذلك فحينئذٍ الرواية لا تدلّ على لزوم الإتلاف، فلا مانع من الادّخار آنذاك . إذن هذه الرواية قاصرة الدلالة من ناحيتين.
والخلاصة:- إنّ هذه الرواية إن تمّت سنداً لكن تبقى المشكلة من حيث الدلالة.
وأما بالنسبة الى الرواية الثانية:- وهي ما رواه الشيخ الطوسي(قده) قال:- ( وعنه عن علي الصيرفي عن المفضل ابن عمر الجعفي كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأُلقي بين يديه دراهم فألقى - المفضل ابن عمر - إليّ درهماً منها فقال - الإمام - أيش هذا ؟ فقلت:- ستّوق[4]، فقال:- وما الستّوق ؟ فقلت:- طبقتين فضّة وطبقة من نحاس وطبقة فضّة، فقال:- اكسرها فإنه لا يحلّ بيع هذا ولا انفاقه )[5].
الوارد في العبارة هنا هو:- ( فقلت طبقتين فضّة ... ) وعلى هذا التعبير تكون الطبقات أربعة ولكن هل يلتئم مع العبارة أو لا ؟ قال صاحب الوافي:- ( الصواب طبقة من فضّة وكأنّه ممّا صحفه النسّاخ لأنّ الطبقتين لا معنى له ).
وعلى أي حال المقصود أنّ هذه الرواية قد يستدلّ بها على وجوب الاتلاف فإنّه عليه السلام قال ( اكسرها فإنه لا يحلّ بيع هذا ولا انفاقه ).
والكلام تارةً يقع من حيث السند وأخرى من حيث الدلالة:-
أمّا من حيث السند:- فقد رواها الشيخ الطوسي عن ابن أبي عمير فإن تعبيره بكلمة ( عنه ) يقصد به ابن أبي عمير فإنّه كان ينقل عنه ثم بعد ذلك يقول ( عنه ) وطريق الشيخ إليه لا مشكلة فيه.
ولكنّ تبقى المشكلة من ناحية عليّ الصيرفي والمفضّل ابن عمر.
أمّا بالنسبة إلى عليّ الصيرفي:- فهو مجهول الحال ولم يذكر بتوثيقٍ ولكن بناءً على تماميّة كبرى أنّ كلّ من روى عنه أحد الثلاثة فهو ثقة وهذا ممّن روى عنه أحد الثلاثة - وهو محمد ابن أبي عمير - والشيخ له طريق معتبرٌ إلى محمد ابن أبي عمير وقد روى عن عليّ الصيرفي فلا مشكلة إذن من هذه الناحية.
وأما المفضّل ابن عمر:- فهو لم يذكر بتوثيقٍ أيضاً، ولكن من يبني على توثيق من ورد في كتابي كامل الزيارة وتفسير القمّي لا مشكلة لديه.
إذن ماذا نصنع وهل من طريقٍ إلى توثيقه ؟
يمكن أن يقال:- إنّ من يقرأ كتاب توحيد المفضّل يعرف أنّه لم يصدر من إنسان عادي وإنما هو صادرٌ حتماً من معدن العصمة والطهارة لأنّه هو الذي ينقل في الرواية التي مضمونها ( كنت في المسجد فرأيت بعض الزنادقة - وهم الملحدون المنكرون لوجود الله تعالى - وبينهم ابن أبي العوجاء هو أو غيره فذهبتُ إلى الامام (ع) فرآني متأثراً فقال لي:- لماذا أنت متأثّر فحكيت له القصّة فخصّص لي وقتاً في كلّ يومٍ وكان يلقي عليّ أدلّةً تثبت وجود خالقٍ لهذا العالم ) ثم أخذ الإمام عليه السلام يبين له دقائق الأمور والتي لا يمكن أن تصدر من إنسان عادي، أوليس هذا المقدار من اهتمام الإمام عليه السلام فيه دلالة على أنّ الرجل ثقة والإمام يركن إليه ؟!!
إن قلت:- نحن نجزم بأنّ هذا الكلام قد صدر من معدن العصمة والطاهرة وليس كلاماً لإنسانٍ عادي ولكن من قال إنّ الإمام عليه السلام وجّهه إلى المفضّل بل لعلّه موجّهٌ إلى إنسانٍ آخر ولكن المفضّل انتحله فكيف نثبت أنّ الكلام الذي ألقاه الإمام عليه السلام هو للمفضل ؟
قلت:- لو كان هذا الكتاب لغيره لكان يدّعيه الغير ولو بشكلٍ ضعيف ولم نجد ولم نسمع من يدّعي ذلك وهذا يورث الاطمئنان بأنّ الكتاب للمفضل . نعم تبقى هذه الدّقة وأنّ الإمام خصّص لي وقتاً وهكذا قال لي وغير ذلك فهذا ليس بمهمّ إذ بالتالي الإمام عليه السلام قد ألقى عليه هذا التوحيد وإذا القاه عليه فمن الواضح أنّ نفس إلقائه ليس في مدّة يومٍ أو يومين بل في أيام عديدة وهذا يدلّ على الاهتمام، فعلى هذا الأساس يمكن التساهل من ناحية المفضل أيضاً.
وأمّا الدلالة:- فيأتي فيها نفس المناقشتان السابقتان في الرواية السابقة فيقال:-
أوّلاً:- إنَّ الامام عليه السلام حينما قال ( اكسرها ) لعله هذا الدرهم راجع إليه وهذا لا يدلّ على الوجوب لأنّ الدرهم يرجع إليه لا لغيره حتى يدلّ على الوجوب.
ثانيا:- إنالامام عليه السلام علّل وقال:- ( لا يحل بيعه وانفاقه ) فالبيع لا يجوز، وعلى هذا الإساس إذا لم يقصد البيع بل الادّخار فالراوية لا يمكن أن نستفيد منها حرمة الكسر بل كان مطلوباً بنحو الطريقيّة - أي لكي لا يتحقق البيع -.
ومن خلال هذا كله اتضح أنّ كلتا الروايتين وإن تمّتا سنداً ولكن تبقى المشكلة من حيث الدلالة.
ثم نقول:- ولو سلّمنا الدلالة لكن لابد من رفع اليد عن الظهور في الوجوب وذلك لوجود روايةٍ أخرى يستفاد منها أنّ العملة المغشوشة لا يلزم إتلافها وعند الجمع تحمل التي تدلّ على لزوم الكسر على الاستحباب.