36/11/17


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 10.

قال الماتن

مسألة 10 ) : لو علم أنه أتي بما يوجب فساد الصوم وتردد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفارة أيضا لم تجب عليه ، وإذا علم أنه أفطر أياما ولم يدر عددها يجوز له الاقتصار على القدر المعلوم, وإذا شك في أنه أفطر بالمحلل أو المحرم كفاه إحدى الخصال ، وإذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة ، وإن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا ، بل له الاكتفاء بعشرة مساكين)[1]

الفرع الثاني: قوله (وإذا علم أنه أفطر أياما ولم يدر عددها يجوز له الاقتصار على القدر المعلوم) وذلك لأجراء اصالة البراءة لنفي الزائد, سواء كان ذلك بلحاظ الكفارة أو القضاء, لكن السيد الحكيم (قد) خصص جريان البراءة بلحاظ الكفارة دون القضاء, وهذا التخصيص لا وجه له, ويبدو أن الصحيح هو ما ذكره السيد الماتن من أنه يقتصر على القدر المعلوم وينفى وجوب الزائد بالأصل .

لكن قد يستشكل في جريان البراءة بالنسبة إلى القضاء بأعتبار أن المكلف يعلم وجوب صوم ذلك اليوم (كما لو دار الأمر بأن افطر خمسة ايام أو ستة ايام) فالكلام يقع مثلاً في اليوم السادس فأن المكلف يعلم بوجوب صومه وانه من شهر رمضان, وعليه فأن ذمته تكون قد اشتغلت بصومه وهو الان يشك في أنه افطر في هذا اليوم؟ أو لا؟

فهو يعلم بأشتغال ذمته بوجوب صوم ذلك اليوم ويشك في امتثاله وهذا المورد مجرى لقاعدة الاشتغال, وحينئذ يجب عليه أن يصوم ولو خارج الوقت قضاءً, وحينئذ لابد من الاحتياط في القضاء بناء على هذا الكلام, ولا يأتي هذا الكلام في الكفارة, لأنها تكليف جديد غير تكليف الصوم, بينما تكليف القضاء هو تكليف بالصوم نفسه وهو متيقن.

ويجاب عن ذلك أن هذا يبتني على أن القضاء ليس بتكليف جديد, وإنما هو بنفس الأمر الادائي بأعتبار أن الأمر بالصوم ينحل إلى امرين امر بذات الفعل وامر ثانٍ بإيقاعه بهذا الوقت المخصوص, ومن هنا تأتي الشبهة ليقال بأن هذا الأمر بالأداء الذي يستبطن الأمر بالقضاء قد اشتغلت به الذمة جزماً, واذا لم يأتي بالأمر في الوقت فأن نفس الأمر السابق يدعوه للإتيان به خارج الوقت, وهذا معنى أن الأمر بالقضاء ليس بتكليف جديد وإنما هو نفس الأمر بالأداء.

والصحيح أن القضاء يحتاج إلى امر جديد موضوعه الفوت, والامر الادائي لا يتضمن الا تكليفاً واحداً وهو تكليف بالصوم في هذا الوقت المحدد, وهذا التكليف يسقط بعد خروج الوقت قطعاً إما بأمتثاله وإما بخروج وقته, واذا لم يمتثل يجب عليه القضاء بأمر جديد موضوعه فوت الواجب, وحينئذ لابد أن يحرز فوت الواجب لكي يجب عليه القضاء بالأمر الجديد والمفروض أنه لم يحرزه لأنه يحتمل الاتيان بصوم ذلك اليوم, وعليه فلا يجب القضاء لعدم احراز موضوعه (الفوت).

ولا يمكن استصحاب عدم اتيان الواجب في وقته لأنه لا يثبت به الفوت الا بناءً على الاصل المثبت.

نعم لو قلنا بأن موضوع وجوب القضاء هو عدم الاتيان وليس الفوت يمكن احرازه بأستصحاب عدم الاتيان, ولكن موضوع وجوب القضاء هو الفوت, والصحيح في المقامعدم الفرق بين القضاء والكفارة في جريان البراءة لنفي وجوب الزائد.

ذكر المحقق النائيني في تعليقته على العروة مطلباً تقدمت الاشارة إليه, حيث قال (مع عدم علمه السابق بعددها والا ففيه اشكال), فهو يفترض حالتين:

الاولى: أن نفترض بأن المكلف لا يعلم عدد الايام من اول الأمر, حيث أنه بمجرد أن التفت وجد نفسه شاكاً في أنه افطر خمسة ايام أو ستة؟

الثانية: أن نفترض بأنه كان عالماً بعدد الايام ثم نسيها وتردد بين الخمسة والستة؟

و المحقق النائيني (قد) يقول بأن الاقتصار على العدد المعلوم يصح في صورة ما اذا لم يكن عالماً سابقاً في عدد الايام التي افسد صومه فيها (الصورة الاولى), وأما اذا كان عالماً بعددها ثم عرض عليه النسيان (الصورة الثانية) فالاقتصار على القدر المعلوم فيه اشكال.

والنكتة في ذلك هو أنه اذا كان عالماً سابقاً بعدد الايام, فأن الواقع يتنجز في حقه ولو فرضنا بأنه افسد صومه في ستة ايام فأن الواقع يتنجز عليه بستة ايام, واذا تنجز عليه الواقع الذي يجهله في الزمن الحالي واشتغلت ذمته به, فأن قاعدة الاشتغال تجري في حقه, لأن ذمته اشتغلت يقيناً بوجوب قضاء عدد من الايام, ولا يمكن احراز فراغ الذمة في الاقتصار على الاقل(الخمسة ايام), لأن ذمته اشتغلت بالواقع الذي يجهله في الزمن الحالي ولا يقطع بفراغ ذمته من ذلك الواقع الا بصوم اليوم السادس.

لعل هذا هو الوجه الذي جعل المحقق النائيني (قد) يستشكل في فرض علم المكلف بعدد الايام التي افسد صومه فيها ثم عرض عليه النسيان.

وهذا المطلب لا يأتي في صورة عدم علمه السابق لأنه لم يتنجز عليه الواقع في وقت من الاوقات لكي يقال بأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

ولم يرتض بعض الفقهاء هذا الاشكال وقالوا بجريان البراءة في كلا الموردين, وقد تعرضنا لهذا المطلب في مباحث الاصول وقلنا بأن العبرة في جريان الاصول هو الشك الفعلي والحالة الفعلية, فهي تجري عند شك المكلف حتى لو فرضنا بأنه كان عالماً سابقاً بالواقع, فالعلم يمنع من جريان الاصول حال وجوده, ولا يمنع منها_ عند حدوثه_ ولو بعد انعدامه, وهكذا جميع الطرق فأنها تنجز في حال وجودها لا في حال انعدامها.

ومن هنا يتضح أن الظاهر لا مانع من اجراء الاصل على كلا الفرضين الذي فرضهما المحقق النائيني (قد).

ومنه يظهر أن ما ذكره السيد الماتن هو الصحيح.

الفرع الثالث: قوله (وإذا شك في أنه أفطر بالمحلل أو المحرم كفاه إحدى الخصال)

وهو واضح لأنه يدخل في دوران الأمر بين الاقل والاكثر, فأن احدى الخصال قدر متيقن والشك فيما زاد عليها, فتجري البراءة لنفي وجوب الزائد.

الفرع الرابع: قوله (وإذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة)

والافطار قبل الزوال في قضاء شهر رمضان لا تجب فيه الكفارة, فالترديد بين وجوب الكفارة وعدمها, فتجري اصالة البراءة للشك في التكليف(في وجوب الكفارة).

 

الفرع الخامس: قوله (وإن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا ، بل له الاكتفاء بعشرة مساكين)

الأمر يدور بين وجوب الكفارة المخيرة أو اطعام عشرة مساكين(كفارة قضاء شهر رمضان على فرض التمكن منها والا فأن عجز صام ثلاثة ايام متتالية).

أما الاكتفاء بستين مسكيناً فهو واضح لأنه مجزٍ قطعاً, سواء افطر في شهر رمضان أو في قضاءه بعد الزوال.

أما الاكتفاء بعشرة مساكين فأنه قد يفسر على اساس أن الأمر يدور بين الاقل والاكثر (بين اطعام ستين مسكيناً مخيراً بينه وبين العتق وصوم شهرين متتابعين وبين اطعام عشرة مساكين).

وحينئذ تجري البراءة لنفي وجوب الزائد على العشرة.

لكن هذا مشكل لأن الأمر لا يدور بين الاقل والاكثر وإنما يدور بين المتباينين فأن كفارة افطار شهر رمضان ليس وجوب اطعام ستين مسكيناً, وإنما هي وجوب الجامع بين اطعام ستين مسكيناً وعتق رقبة وصوم شهرين متتابعين, وهو يباين كفارة افطار قضاء شهر رمضان.

وبما أن الأمر يدور بين المتباينين وفيه يكون الاصل النافي لأحد الطرفين معارض بالأصل النافي للآخر, وحينئذ يتنجز العلم الاجمالي ويجب عليه الاحتياط وهو أما أن يطعم ستين مسكيناً أو يطعم عشرة مساكين ويضم اليها العتق أو صوم شهرين متتابعين.