36/12/21


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 17 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
المؤيد الثاني:- مرسلة الصدوق(قده) ونصها:- ( سأل رجل عليّ بن الحسين عليه السلام عن شراء جارية لها صوت، فقال:- ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنّة يعني لقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء فأمّا الغناء فمحضورٌ )[1].
أمّا ما هو وجه التأييد فإنّ الشيخ لم يذكره ؟
ووجه التأييد:- هو أنّ الرواية جعلت مقابلة بين الغناء وبين قراءة القرآن التي هي من قبيل الأقوال ومقتضى المقابلة أنّ الغناء هو أيضاً من قبيل الأقوال لأنّه جُعِل مقابلاً لقراءة القرآن التي هي من الأقوال، فالمقابلة إذن تقتضي أن يكون الغناء هو من مقولة الأقوال والألفاظ إذ القرآن من هذا القبيل.
وفيه:- إنّه من الوجيه أن يكون المقصود هو أنّ هذه الجارية حينما تقرأ القرآن أو الفضائل تارةً تقرأها بشكلٍ غير غنائي وهذا لا بأس به، وأخرى تقرأها بشكلٍ غنائيّ وهذا فيه بأس، فنفس قراءة القرآن هي على نحوين فتارة تكون بطرزٍ وبطورٍ غنائيّ وأخرى بشكلٍ غير غنائي.
إنّه إذا فسّرنا الرواية بهذا الشكل فحينئذٍ لا يثبت أيّ تأييدٍ من خلالها، فلاحظ الرواية فإنها قالت:- ( يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء فأمّا الغناء فمحضور ) فإنه بناءً على هذا التفسير الذي هو قريبٌ للرواية لا نحصل على أيّ مؤيدٍ من خلالها.
ولعلك تقول:- عندي شيءٌ آخر كردّ على الشيخ وهو أنّه من قال أنّ جملة ( يعني لقراءة القرآن ) هي جزء من الرواية ومن كلام الإمام عليه السلام فإنّ هذه العبارة يحتمل أنّها من توضيح الراوي أو الشيخ الصدوق أو غيره فإنّه من البعيد أنّ الإمام يتكلم ونفسه يفسّر كلامه، فيتولّد احتمال أنّ هذه الفقرة ليست من كلام الإمام، ومعه يسقط هذا المؤيّد من الأساس بلا حاجةٍ إلى دفعٍ آخر.
ولكن الشيخ كان ملتفتاً إلى ذلك فأجاب وقال:- لا أقل هو استعمالٌ من قبل المفسّر - كالشيخ الصدوق مثلاً - فنتمّسك باستعماله، ويدلّ على أنّ هذا الشيء ثابت في لغة العرب وهو أنهم يستعملون الغناء بمعنى الكلام والألفاظ، فيصير لدينا شاهدٌ، ولا يشترط أن يكون الشاهد من نفس كلام الإمام عليه السلام بل يكفي أن يكون الشاهد على مستوى الاستعمال في لغة العرب هو موجودٌ فيكفينا هذا المقدار.
وكم هي درجة وجاهة هذا الاحتمال ؟ إنّه ليس بمهم، وإنما المهمّ ما أشرنا إليه من أنّه نفسّر الرواية بشكلٍ لا يحصل معه أيّ مؤيّد ٍكما أوضحت.
ثم بعد أن ذكر(قده) الإشكال مع المؤيدين حاول أن يقرّب دلالة الآية بضم الروايات إليها - يعني بعد أن أشكل عليها حاول أن يتراجع ويثبت الدلالة ولو على مستوىً ضعيف - فقال[2]:- إنّ تعبير الآية بالزور الذي هو بمعنى الباطل وهكذا تعبير الآية باللهو فيه إشعار عرفاً بأنّ كلّ باطلٍ وكلّ لهوٍ هو لا يجوز أعمّ من كونه في الألفاظ أو في الكيفيّة فثبت المطلوب - وهو أنّ الكيفية محرّمة -.
ولكن هذا إشعارٌ ونحن نعرف أنّ الإشعار لا يصلح للحجية لأنه بمعنى الدلالة الضعيفة وهذا ليس بحجّة، ولكنّه رغم هذا بنى عليه وحكم بحرمة ما يكون باطلاً ولو على مستوى الكيفيّة، وبهذا ختم الحديث عن الآيات.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّ الآية وإن كان فيها إشعار بأنّ الباطل حرامٌ لكن لا يمكن الالتزام بأنّ كلّ باطلٍ وكلّ لهوٍ حرام، نظير أن يجلس الشخص ويدير المسبحة في يده أو يعبث بلحيته أو غير ذلك فإنَّ هذا شيء باطلٌ وهو عبث ولهوٌ وهل تلتزم بحرمته ؟! إنّه لا يمكن الالتزام بذلك، فلابد وأن يكون المقصود من الباطل هو حصّة خاصّة من الباطل، ومن قال أنّ تلك الحصّة تنطبق على الكيفيّة الغنائية ؟!!
ثانياً:- إنّ بعض الكيفيات الغنائية يمكن أن يقال هي يشكّك بأنّها من الباطل لأنّ الشخص يتفاعل معها كما يفعله الرواديد فقد تكون قراءة بعضهم من تلك الكيفيّات ولكن المستمعين يتفاعلون ويبكون مع مصيبة الحسين عليه السلام فالقول بكونها باطل هو أوّل الكلام مادام فيها تفاعل في سبيل الخير.
فالكيفية الغنائية واللحن الغنائي كونه من الباطل هو أوّل الكلام فربما تكون الكيفية يتفاعل معها الشخص كما ادّعى ذلك الفيض الكاشاني(قده)، وإن أشكل عليه الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب بمناسبةٍ من أنّ هذه من اغواءات الشيطان فهو يعتقد أنّه يتفاعل مع الرحمن والحال أنّه يتفاعل مع النفس الأمارة.
هذا هو كلام الشيخ الأعظم(قده) في مقابل الفيض الكاشاني، ولكن كلام الفيض الكاشاني له وجاهة أيضاً فنقول إنَّ الكيفية أحياناً قد لا تكون باطلاً فيما إذا حصل من خلالها التفاعل في السبيل الصحيح كالقضية الحسينية ومع عالم النشور والبعث وعالم يوم القيامة وما شاكل ذلك.
ثالثاً[3]:- من قال إنّ الكيفية الغنائية هي من قسم الباطل ؟ إنّه لو كان هذا شيئاً مسلّماً وثابتاً لما احتجنا إلى ضمّ الروايات الخمس بل كنّا نتمسّك بالآيات وحدها بلا حاجة إلى ضمّ تفسير الروايات.
إذن نحن احتجنا إلى ضمّ تفسير الروايات لأجل أنّ الآيات تحرّم عنوان الباطل والباطل إنّما يكون باطلاً فرع كونه محرّماً، فإذا كان جائزاً لا يكون باطلاً، فلأجل هذا احتجنا إلى ضمّ الروايات لكي تجعل هذا من قسم الباطل وتكون هنا حجّة شرعيّة على كونه من قسم الباطل، والشيخ هنا يريد أن يتمسّك بإطلاق كلمة ( باطل )، فإذا أردت أنّ تتمسّك بإطلاقها وتقول هذا يشمل الكيفيّة فهذا في الحقيقة ليس تمسّكاً بالروايات لأنّه لم يثبت أنّ هذا باطل - أي لم يثبت أن الكيفية هي من قسم الباطل -، فبالتالي هذا معناه الاستغناء عن الروايات، فلنتمسّك بالآيات وحدها والمفروض أنّك لا تتمسّك بالآية إلا بعد ضمّ الرواية إليها، ونريد الآن أن نثبت أنّ الغناء باطل وحرام فلا يمكن أن تقول كلّ باطلٍ حرام والباطل يصدق على الكيفيّة إذ لو كان الباطل صادقاً على الكيفيّة فنتمسّك بالآيات رأساً دون الحاجة إلى الروايات، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.
وقبل أن نختم حديثنا عن هذه الآية نشير إلى أنّ الشيخ النراقي(قده)[4]له مناقشة وحاصلها:- إنّ الروايات الواردة في تفسير الآية الكريمة متعارضة، فبعضها يفسّر الزور بالغناء وبعضها يفسّر الزور بكلمة ( أحسنت ) تقال للمغني، وهذا معناه وجود تعارضٍ بين الروايات، فلم يثبت أنّ الزور هو عبارة عن الغناء، فلّعله هو كلمة ( أحسنت ) أو ما شابه ذلك.
والجواب:- إنّه لا تعارض في البين، وهذا ما يعبّر عنه ببيان المصداق، فالآية تحرّم كلّ زور - أي كلّ باطل - والإمام عليه السلام في الرواية يبيّن المصاديق وليس من باب الحصر بل من باب بيان المصداق ولا ما نع من أن تأتي رواية ثالثة تبيّن مصداقاً ثالثاً ورابعاً وخامساً، وهذا لا يعدّ من التعارض ببين الروايات، وإنما يحصل التعارض إذا فرض أنّ النظر كان إلى تحديد المفهوم والمقصود هو الحصر، أمّا إذا فرض أنّ المقصود هو بيان المصداق فلا مشكلة في البين.


[2] وهذا المطلب ذكره في هذه الآية وفي الآية الثانية.
[3] وهو الأهم من هذه الثلاثة.