36/11/08


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

النقطة الثالثة:- لا بأس بالتصوير الفوتوغرافي.

هناك من ذهب إلى حرمة التصوير بكلّ أقسامه بما في ذلك التصوير الفوتوغرافي تمسّكاً بإطلاق الروايات كرواية محمد بن مروان المتقدّمة حيث ذكرت أنّ ثلاثة سوف يعذّبون القيامة أحدهم من صوّر صورة حيوان ويكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ ، وهذه مطلقةٌ فيصدق أنّ هذا صوّر صورة حيوانٍ ، وممن ذهب إلى ذلك السيد اليزدي(قده) في حاشيته على المكاسب ونصّ عبارته:- ( لا فرق بين أنحاء إيجاد الصورة من النقش بالتخطيط وبالحكّ وبغير ذلك فيشمل العكس[1] المتداول في زماننا فإنه أيضاً تصويرٌ كما لا يخفى )[2] .

أقول:- وهذا كما ترى تمسّكٌ بالإطلاق وإن لم يصرّح باللفظ.

بيد أنّ جماعة من الفقهاء ومنهم السيد الماتن(قده) ذهبوا إلى الجواز:- وفي هذا المجال نذكر الوجوه التالية لإثبات الجواز والخروج من اطلاق النصّ:-

الوجه الأوّل:- ما أشار إليه السيد الخوئي(قده)[3] [4] ووافقه عليه بعض تلاميذه كالشيخ التبريزي(قده)[5] وحاصله:- إنّ الذي حرّمته النصوص ومنعت منه هو إيجاد الصورة ، ومن المعلوم إنّ آلهة لتصوير المتداولة في ذلك الزمن هي تبقي الصورة لا أنّه تُوجِدُها ، والمحرّم هو الإيجاد دون الإبقاء.

أمّا كيف أنّ آلة التصوير تُبقي وليست وظيفتها الإيجاد ؟

ذلك ببيان:- أنّ من يقف أمام آلة التصوير ينعكس ظلّه عليها ولكن بشكلٍ ليس بواضح - وهو ما يعبّر عنه بالجامة ويكون شكلها أسودٌ تقريباً - ثم بعد ذلك تضاف إليها بعض المواد فتتّضح تلك الصورة وتتجلّى بعدما كانت مشوشة - أو على حدّ تعبير السيد(قده) هي تبقى - فهي توجد في البداية بالوقوف أمام آلة التصوير وتبقى بواسطة إضافة بعض المواد إليها - وذلك نظير ما إذا وقف الإنسان أمام المرآة فإنّ صورته سوف تنعكس فيها وبعد ذلك لو أضيفت بعض المواد - لو فرض أنّ هذه المواد موجودةً - فقد تبقى الصورة حينئذٍ في المرآة وهل أنّ هذا شيءٌ محرّم ؟ كلّا فإنّ ما حصل أوّلاً لا يصدق عليه عنوان الصورة والتصوير وإنما يصدق عليه الوقوف أمام المرآة وبعد ذلك إذا أضيفت بعض المواد فإنه وإن ثبتت الصورة ولكن هذا يصدق عليه عنوان الإبقاء ، فالأوّل هو الوقوف أمام المرآة ولا يصدق عليه عنوان التصوير والصورة ، والثاني - أي بعض إضافة المواد – فإنه وإن صدق عليه الصورة والتصوير ولكن بنحو الإبقاء وليس بنحو الايجاد ، والنصوص حرّمت إيجاد الصورة ، فلاحظ رواية محمد بن مروان حيث قالت:- ( من صوّر صورة حيوان )[6] يعني أوجدها.

وفيه:-

أوّلاً:- إنّ المرجع في المفاهيم هو العرف ، فمتى ما صدق عنوان الصورة والتصوير عرفاً فيكون مصداقاً للنصّ وبالتالي يكون حراماً وإذا لم يصدق عرفاً فلا حرمة ، وبناءً على هذا نقول:- لو رجعنا إلى العرف نراه يقول بالنسبة إلى المرآة إنّ هذا ليس تصويراً ، فلو وقفت أمام المرآة لا يقال أوجد صورةً أو صوّرت نفسي فالوقف أمام المرآة أجنبيٌّ عن التصوير ، وحتى لو أضيفت بعض المواد لا يقال عرفاً أنه تصويرٌ بل يقال هذا وقوفٌ أمام المرآة ولا يصدق عليه أنّه صوّر صورة ، وإذا كان لك نزاع فاجعله مع العرف وليس معي فالعرف لا يرون ذلك فلا يكون حراماً ، وهذا بخلاف من وقف أمام آلة التصوير ثم برزت صورته بعد ذلك ولو بسبب إضافة بعض المواد خصوصاً إذا أعطيت الصورة بيده فإنّه يصدق عرفاً أنّه صوّر صورةً ، فقياس مقامنا على مثال المرآة قياس مع الفارق العرفي ، نعم من حيث الدقّة لعلّه لا فارق بينهما ولكن المدار في صدق المفاهيم على العرف والعرف يرى أنّه يصدق في آلة التصوير ولا يصدق في المرآة.

ثانياً:- إنّ ما ذكره لو تمّ فهو يتمّ في آلة التصوير القديمة التي فيها المرور بهاتين المرحلتين - مرحلة الفلم أو العكس ومرحلة غسل العكس ثم خروج الصورة - ولا يتمّ في مثل زماننا الذي تبرز فيه الصورة رأساً كما في جهاز الموبايل ويصدق عرفاً أنّه صور صورةً فيقال صوّرت فلان ، فالصورة والتصوير يصدق من دون مرورٍ بهاتين المرحلتين فيلزم عليه(قده) أن يحرّم الصور في زماننا ولكن يجوّز الصور السابقة وهذا شيء بعيد فإنّه لا يمكن أن يلتزم بذلك.

الوجه الثاني:- ما أفاده السيد الخميني(قده)[7] وحاصله:- إنّ عنوان ( صوّر صورةً ) كعنوان ( كتب كتاباً ) فإنّ ذلك لا يصدق إلّا إذا كتب الإنسان بيده فيصدق آنذاك أنّه كتب كتاباً ، وهكذا في التصوير إنّما يصدق ذلك إذا أخذ قلماً - أو ما شاكله من الوسائل - ورسم الصورة فيقال صوّر صورةً أمّا إذا فرض أنّه لم يأخذ القلم بيده كما في زماننا حيث توجد كتبٌ يؤخذ لها صورة في الموبايل فأنا آخذ صورةً بالموبايل لجميع الكتاب فهل يصدق أنّي كتبت كتاباً ؟ كلّا لا يصدق ذلك وإنما يصدق أني أوجدت الكتاب على مستوى الصورة ، فعنوان كتبت الكتاب يصدق على من كتب الكتاب أما أخذ صورة الكتاب بوسيلة الاستنساخ أو بالموبايل فلا يصدق عليه أنّ فلاناً قد كتب كتاباً.

وباتضاح هذا نقول:- إنّ آلة التصوير لا يصدق من خلالها أنّ صاحبها صوّر صورةً لأنّه لم يأخذ قلماً ويرسم ، نعم إذا أخذ القلم ورسم صورتي فهذا يصدق أنه صوّر صورة أما إذا فرض أنه اخذ صورتي بالموبايل مثلاً فلا يصدق عليه أنه صوّر صورةً وإنما يصدق عليه أنّه أوجد صورة فلانٍ والمحرّمُ هو عنوان التصوير والتمثيل لا عنوان الصورة والمثال ، فالروايات أخذت عنوان التصوير والتمثيل لا عنوان الصورة والمثال وصاحب آلة التصوير لا يصدق عليه أنه صوّر وإنما يصدق عليه أنّه أوجد صورة فلان وإنما يصدق عنوان صوّر على من أخذ القلم بيده ورسم.

إن قلت:- إنّ بعض الروايات أخذت عنوان الصورة والمثال لا عنوان التصوير والتمثيل ، فصحيحٌ أنّ بعض الروايات كما قلت ولكن بعضها عبّر بالصورة والمثال دون التصوير والتمثيل.

أجاب(قده):- بأنّ هذه الروايات منصرفة إلى التصوير والتمثيل.

وعلى هذا الأساس لا محذور في الصورة الفوتوغرافيّة لأنّه لا يصدق معها عنوان ( صوّر ومثّلَ ) بل يصدق عنوان أوجد الصورة أو أوجد المثال والروايات أخذت عنوان التصوير والتمثيل.

وفيه:- إنّ ما ذكره وجيهٌ بالنسبة إلى الكتاب ولكنه لا يتم في مثال أخذ صورة الشخص ، يعني في مثال الكتاب لا يصدق ( كتب ) على المستنسخ بآلة الاستنساخ أو من أخذ صورةً للكتاب بالموبايل ، أما بالنسبة إلى من بيده آلة التصوير يصدق عليه أنّه صوّر ، والفارق هو أنّه في مثال الكتاب قد فرض أنّ الكتاب موجودٌ فأنا لم أكتبه وإنما أوجدت صورته فحينئذٍ لا يصدق عليّ أني كتبته ، وهذا بخلافه في مثال الصورة فإنّها لم تكن موجودةً سابقاً وأنا بآلة التصوير أخذت صورة هذا الشخص فيصدق أنّي صورته وإلا كيف نتصوّر ايجاد الصورة بلا مصوّر ؟! إذن يصدق في آلة التصوير عنوان ( صوّر ) على من بيده آلة التصوير ، فكما يصدق عليه أنّه أوجد الصورة كذلك يصدق عليه أنّه صوّرها ، بخلاف الكتاب فإنّه لا يصدق عرفاً أني كتب كتاباً بل يقال له لا تقل كتبت الكتاب بل قل أوجدت صورة الكتاب ، نعم لو فرض أنّ الصورة كانت موجودةً كما إذا كانت صورة الشخص موجودةً ونحن بواسطة الموبايل أخذنا تلك الصورة الموجودة فهنا قد يقال بأنّه لا يصدق أنّه صوّر فلاناً لأنّ صورته موجودة من البداية وإنما أنا أوجدت الصورة فهنا قد يتمّ ما أفاده(قده) ، أمّا إذا فرض أنّ الصورة لم تكن موجودةً فحينئذٍ من خلال آلة التصوير يصدق عليه عنوان التصوير والتمثيل.

فإذن لابد وأن نفرق في هذا ، والذي أوقعه فيما أوقعه هو قياس مقامنا على مسألة الكتاب والحال أنّنا أبرزنا الفارق بينهما.


[1] أي التصوير الفوتوغرافي.
[3] مصباح الفقاهة، الخوئي، تسلسل35، ص362.
[4] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج1، ص268.
[5] الارشاد، التبريزي، ج1، ص123.