37/01/20


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 17 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وأمّا بالنسبة إلى سندها:- فقد رويت بثلاث طرق:-

الأوّل:- الشيخ الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل عن علي بن الريّان عن يونس.

الثاني:- الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن عليّ بن إبراهيم عن الريّان بن الصلت قال:- سألت الرضا عليه السلام....

الثالث:- الحميري في قرب الاسناد عن الريّان بن الصلت قال:- سالت الرضا عليه السلام.....

أمّا الطريق الأوّل:- فالمشكلة فيه من ناحية سهل وإلّا فعليّ بن الريّان قد وثق هو ووالده الريّان بن الصلت ، كما أنّ يونس من أجلة أصحابنا ، فإذا كنا نتسامح من ناحية سهلٍ كما نحن نبني عليه - أي لا نعدّه مشكلةً بل نبني على وثاقته باعتبار إكثار الأعاظم الرواية عنه - فإن بنينا على هذا أو على غيره فبها ، وإلا فالسند يكون محلّ تأمّل.

أمّا بالنسبة إلى الطريق الثاني:- فالمشكلة من ناحية أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني فإنّه من مشايخ الصدوق(قده) وقد ترضّى عنه في المشيخة ، فإذا بنينا على أنّ مجرّد الشيخوخة للصدوق كافٍ فبها - ونحن لا نبني على هذا - ، وإذا بنينا على أنّ الترضّي يدلّ على أنه ثقة - وهذا أيضاً نحن لا نبني عليه - فلا مشكلة في السند لأنّ علي بن إبراهيم والريّان بن الصلت ثقتان.

أمّا الطريق الثالث:- فهذا قصير السند ولا مشكلة فيه لأنّ الريّان من ثقاة أصحابنا ، والحميري أيضاً من أجلة أصحابنا.

لكن هناك مشكلة أثرناها في بعض المباحث السابقة:- وهي أنّ هذه الرواية ينقلها صاحب الوسائل(قده) عن قرب الأسناد وإذا كانت طرق صاحب الوسائل إلى الكتب التي ينقل عنها هي على النسخة فسوف نأخذ بها ، ولكن نحتمل - ولا توجد مؤشرات وقرائن على أنها نقل عن النسخة - أنّ إجازة صاحب الوسائل تبركيّة وطرقه طرق تبركيّه وشبيهة بالطرق في يومنا هذا فإن الغرض منها هو اتصال السند بالإمام عليه السلام وإلا هي ليست على نسخةٍ معيّنة ، والتركية لا تنفع سوى التبرّك لا أكثر ، أمّا إذا بَنيتَ على أنها ليست تبركية فلا مشكلة.

فاتضح بهذا أنّه إن بنينا على صحّة بعض هذه الطرق - ولو الطريق الأوّل مثلاً باعتبار أنّ سهل أمره سهلٌ من الناحية التي أشرنا إليها - فبها.

وأمّا إذا لم نبنِ على ذلك فالرواية فلا يبعد أن يقال إنّ تعدّد الطرق قد يوث الاطمئنان للفقيه بصدور بصدورها ، فإن حصل هذا الاطمئنان فبها ، وإن لم يحصل فلا يمكن الأخذ بالرواية.

ولكن هناك مشكلة:- وهي أنّ الطريق الأوّل الذي هو للكليني الرواية هو:- ( عدّة من أصحابنا عن سهل عن عليّ بن الريّان عن يونس قال:- سألت الإمام الرضا .... ) فالموجود هنا هو عليّ بن الريان ، بينما الطريق الثاني الذي هو طريق الصدوق فهو:- ( أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم عن الريّان قال:- سألت الرضا .... ) ولا يوجد فيه عليّ بن الريّان بل الموجود هو الريّان ، كما أنّ الذي سأل الإمام عليه السلام هنا هو الريّان وليس يونس كما في الأولى ، فيوجد اختلافان ، وهل تؤثر هذه الاختلافات ؟

والجواب:- مادام الجميع ثقاة فهذا لا يؤثر شيئاً ، فسواءً فرض أنّ السند الأوّل هو الصحيح أو الصحيح هو السند الثاني فهذا يشكل مشكلة لأنّ الجميع ثقاة ، وإنما نحن نتوقف في بعض الاحيان إذا فرض أنّ أحد الطريقين كان فيه إرسالٌ والطريق الثاني لم يكن فيه إرسال فقد يشكّك شخصٌ ويقول لعلّ الطريق الصحيح هو الذي فيه إرسال فحينئذٍ يكون السند ليس معتبراً ، وكذلك لا يؤثر كون السائل هو يونس أو الريّان ، وهذا مطلبٌ كلّي.

هذا بالنسبة إلى سند الرواية وقد اتضح أنه يمكن التساهل من ناحيته وإنّما المهم هو الدلالة.

الرواية الثالثة:- رواية محمد بن أبي عبّاد وكان مستهتراً بالسماع ويشرب النبيذ قال:- ( سألت الرضا عليه السلام عن السماع ، فقال:- لأهل الحجاز فيه رأيٌ وهو في حيّز الباطل واللهو أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول " وإذا مرّوا باللهو مرّوا كراماً " )[1] .

وهذه الرواية نقلها صاحب الوسائل(قده) عن كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام[2] ، وورد فيها عبارة ( كان مستهتراً بالسماع ) ، أما الموجود في العيون فهو لفظ ( مشتهراً ) ، والمناسب هو لفظ ( مشتهراً ) وإلا فــلفظ ( مستهتراً ) لا معنى له ، والسماع لغةً من الألفاظ التي تطلق على الغناء.

والكلام مرّة يقع من حيث دلالتها وأخرى من حيث سندها:-

أمّا من حيث الدلالة:- فالتمسّك يكون إمّا بقوله عليه السلام ( وهو في حيّز الباطل واللهو ) ، أو باستشهاده عليه السلام بعد ذلك بقوله تعالى:- ﴿ وإذا مروا باللغو مرّوا كراماً ﴾.

أما الأول فيردّه:- إنّه لم يثبت أنّ كلّ باطلٍ وكلّ لهو هو محرّم ، فمن هذه الناحية لا يمكن التمسّك بالرواية.

وأمّا الثاني:- فلا دلالة في الآية على التحريم ، وإنما هي تمدح المؤمنين بأنهم حينما يمرّون باللغو لا يقفون عنده.

واللهم ألا أن تقول:- إنّ قول الإمام عليه السلام ( لأهل الحجاز فيه رأيٌ وهو في حيّز الباطل ) ، فقوله ( لأهل الحجاز فيه رأي ) وتعليقه عليه بقوله ( وهو في حيّز الباطل واللهو ) قد يتمسّك به لإثبات الحرمة ، يعني إنّ أهل الحجاز يقولون بأنّه جائز ولكن الإمام عليه السلام يقول كلّا هو ليس بجائزٍ وهو في حيّز اللهو والباطل ، فهو يريد أن يقول هو ليس بجائزٍ في مقابل رأي أهل الحجاز ، فلو فرض أنّ عبارة ( لأهل الحجاز فيه رأي ) لم تكن موجودةً فعبارة ( أنه في حيّز الباطل واللهو ) يمكن أن يقال ليس فيها دلالة ، أمّا بعد ضمّها إلى ما قبلها فقد تتكون منها دلالة.

ولكن يمكن أن يقال:- إنّ أهل الحجاز لا ندري ماذا كانوا يقولون ، فهل يقولون هو جائزٌ بلا حزازة ومبغوضيّة مطلقاً وحينئذٍ يريد الإمام عليه السلام أن يعلّق عليهم ويقول كلّا بل فيه حزازة ومبغوضية ، أمّا هل ترقى هذه الحزازة والمبغوضية إلى مستوى الحرمة ؟ فهذا ليس فيه دلالة ، فيحتمل أنّ يكون المقصود من الرواية هذا المعنى ، فالإمام عليه السلام لا يريد أن ينفي الجواز من الأساس ويثبت الحرمة ، بل يحتمل أنّه يريد أن ينفي الجواز من دون اقترانه بحزازةٍ ومبغوضيّة ، وعلى هذا الأساس يشكل التمسّك بالرواية من حيث الدلالة.

أمّا من حيث السند:- فرجال السند من المجاهيل[3] ، والسند هو:- ( الحسين بن أحمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن عون بن محمد الكاتب عن محمد بن أبي عبّاد ) ، وكلّهم من المجاهيل ، ومحمد بن عبّاد قيل عنه في الرواية أنّه يشرب النبيذ ومشتهراً بالسماع ، فالسند محلّ تأمل واضح.

ولكن يمكن أن يقال:- إنّ محمد بن عبّاد قد نقل روايةً تضرّة فيحصل على مسلك الوثوق مثلاً أنّه لا مشكلة من هذه الناحية . وكذلك لا تؤثر جهالته لأنّه ينقل شيئاً ضدّه ، ولكن تبقى المشكلة من ناحية بقيّة رجال السند.

الرواية الرابعة:- رواية الوشّاء:- ( سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن شراء المغنّية ، قال:- قد تكون للرجل الجارية تلهيه وما ثمنها إلّا ثمن كلب وثمن الكلب سحتٌ والسحت في النار )[4] .

وهي من حيث السند هكذا:- ( عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي الوشّاء ) .

أمّا من ناحية سهل قد تقدّم الحديث وقلنا قد يتسامح فيه.

وأمّا من ناحية الوشاء فقد قيل في حقّه ( كان وجهاً ).

وهل نستفيد التوثيق من هذه العبارة أو لا ؟

والجواب:- إن استظهرنا من هذه العبارة التوثيق فبها وإلا فلا ، فالبعض قال ليس فيها دلالة إذ معناها هو أنّه كان شخصيّةً وهذا ليس معناه أنّه كان ثقة.

ولكن حسب استظهاري أنّ الشخص الذي لم تثبت وثاقته لا أعبّر بكونه وجهاً من أصحابنا ، فكلمة ( وجه ) فيها دلالة أكثر من مضمون ( شخصيّة ) ، والأمر إليك.

إذن من ناحية السند عرفنا أنّه لا بأس به.

وأما تقريب الدلالة فواضح حيث يقال:- إنّ الإمام عليه السلام حكم بأنّ ثمن الجارية المغنّية كثمن الكلب سحتٌ والسحت في النار ، وهذا معناه أنّ الغناء حرامٌ وإلا لماذا صار ثمن المغنّية سحت ؟!!

وإذا قلت:- توجد رواية معارضة ، وهي مضمرة سماعة:- ( سألته عن كسب المغنية والنائحة فكرهه )[5] .

والجواب واضح:- وهو أنّ تعبير ( كرهه ) لا يراد منه الكراهة بالمعنى المصطلح ، فإنّ هذا اصطلاح حادثٌ ، وإنما الكراهة لغةً هي عبارة عن المبغوض ، والمبغوض له درجات فقد يكون محرّماً.

ولو فرض أنّه جاءت كلمة ( كرهه ) وحدها لكنّا نقول هي تدلّ على المبغوضيّة ولا نستفيد الحرمة ، أمّا بعد أن وجدت رواية تدلّ على الحرمة فيتعيّن أن يكون المقصود من ( كرهه ) بقرينة الرواية الأخرى هو بمعنى الحرمة.

إذن هذه الرواية لا تعارض تلك.

والمهم هو ملاحظة تلك الرواية دلالةً وهل تدلّ على الحرمة حقاً بقرينة ما أشرنا إليه من أنّه جعل ثمن الجارية المغنّية سحتٌ وهذا يدلّ على حرمة الغناء وإلا فلا وجه لعدّ الثمن سحتاً.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص124، ابواب ما يكتسب به، ب16، ح19، آل البيت.
[2] عيون أخبار الرضا، ج2، ص126، ح5، طبعة النجف الأشرف.
[3] وعادةً روايات العيون من هذا القبيل لا دائماً.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص124، ابواب ما يكتسب به، ب16، ح6، آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص128، ابواب ما يكتسب به، ب17، ح8، آل البيت.