37/04/19


تحمیل

الموضـوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وهنا سؤالان قد يخطران للذهن:-

السؤال الأوّل:- ما لفرق بين عنوان إعانة الظلمة ، وبين عنوان أعوان الظلمة ؟

والجواب:- إنّ إعانة الظالم تتحقّق بمرّة واحدة ، فلو فرض أني قدّمت له السوط أو السيف لضرب البريء فيصدق عليه أنّه إعانة للظالم ، أمّا عنوان أعوان الظالم فلا؛ إذ عنوان أعوان الظالم فيه مؤنة أكثر وذلك بأن يفترض حصول تكرّرٍ ، أو يفترض أن تكون له مهنة ترتبط بالظالم كخيّاط الظالم وما أشبه ذلك ، فإذن فالتكرر للإعانة أو كون ذلك المهنة ، فسواء تكرر إلى حدٍّ أنه صدق عليه أنّه مهنة أو لم يصدق ولكن مادام تكرر فهنا يصدق عنوان أعوان الظالم ، وإذا صدق عنوان مهنة عليه وأنه خياط السلطان أو من هذا القبيل بحيث تصدق عليه الإضافة إلى الظالم فحينئذٍ يصدق عليه عنوان أعوان الظلمة . فإذن الفرق بين عنوان إعانة الظلمة وبين عنوان أعوان الظلمة صار واضحاً.

السؤال الثاني:- نحن قسّمنا إعانة الظالم أقسام إلى ثلاثة ، أعانته في ظلمه ، وأعانته في الحرام غير الظلم ، وإعانته في المباح ، فلماذا لا نقسّم عنوان الأعوان كذلك أيضاً ؟

والجواب:- إنّ لعنوان أعوان الظلمة خصوصيّة ، فاذا صدق على شخصٍ عنوان أعوان الظلمة فنفس صدق هذا العنوان هو فيه الحزازة والمبغوضية والذمّ ، والروايات الكثيرة دلّت على ذمّ هذا العنوان ولم تفصّل في ذلك بين إعانته الظلم وفي الحرام غير الظلم أو في المباح ، بل إن نفس هذا العنوان مذمومٌ على ما يستفاد من الروايات ، بل لعلّه هو المرتكز المتشرعي والعقلائي أيضاً ، فلذلك لا يفرّق من هذه الناحية ، وإنما التفرقة لو كانت فهي بلحاظ عنوان إعانة الظالم.

عودٌ إلى صلب الموضوع:- ونتكلّم أوّلاً عن عنوان إعانة الظالم في ظلمه ، والكلام فيه تارةً بلحاظ مقتضى القاعدة وأخرى بلحاظ الروايات:-

حكم إعانة الظالم بمقتضى القاعدة:-

والمناسب هو الحرمة ، وذلك لقوله تعالى:- ﴿ وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾[1] ، وقد تقدّم البحث عن هذه الآية الكريمة وأنه يستفاد منها حرمة الاعانة على الحرام أعمّ من كونه للظلم أو الظالم ، بل نفس الإعانة على الحرام - أي هذا الكلّي - هي حرام ، وموردنا أحد مصاديقه.

إذن نفس الاعانة على الحرام هي حرام ، وقد ذكرنا ذلك في المسألة(15) - أعني في مسألة بيع العنب على من يعلم أنه يصنعه خمراً - وذكرنا إشكالان للمحقّق الإيرواني(قده) أوّلهما إنّ قوله تعالى ﴿ وَلا تَعَاوَنُوا ﴾ لا يدلّ على الحرمة بل يدلّ على المبغوضية الأعم بقرينة الأمر في نفس الآية ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ فإن الأمر بالتعاون ليس وجوبياً هنا؛ إذ لو كان وجوبياً لكان قولي لك ( جئني بالماء ) وما أشبهه وجوبياً وهذا لا يلتزم به أحد ، نعم هو راجح . فإذن التعاون على البرّ والتقوى ليس واجباً ، فبقرينة السياق أيضاً نقول إنّ ﴿ وَلا تَعَاوَنُوا ﴾ ليس واجباً أيضا حيث يتخلخل ظهوره في الوجوب.

وثانيهما كان حاصله أنّ هناك فرقاً بين الاعانة وبين التعاون والآية الكريمة نهت عن التعاون ، والتعاون وهو نسبة الفعل الى اثنين أو أكثر ، كما لو اشترك اثنان في قتل شخصٍ بأن ضربه الأوّل بالسكّين ضربةً وهكذا الثاني إلى أن قتل فمقدار الطعنات لا يلزم أن تكون متساوية ولكن ينتسب القتل إلى فعلهما معاً ، فهذا تعاونٌ ، أمّا لو فرض أنّ أحدهما لم يطعنه بالسكّين بل قدمها للآخر أو حدّها أو أمسك الشخص والثاني هو الذي قتله فهذا لا يصدق عليه تعاون وإنّما يصدق عليه إعانة ، والآية الكريمة أخذت عنوان التعاون لا عنوان الاعانة حيث قالت ﴿ ولا تعاونوا ﴾ ولم تقل ( ولا تعينوا ) وفرقٌ بين المطلبين . وكلّ هذا تقدّم مع الجواب والتعليق وأثبتنا أنّ الآية الكريمة تدلّ على ذلك ببيانٍ تقدم ، وأثبتنا ذلك من خلال أدلّة أخرى.

والنتيجة:- إننا ما دمنا نسلّم بقاعدة حرمة الاعانة - إما للآية الكريمة أو بضمّ أمورٍ أخرى كما تقدّمت في تلك المسألة - فعلى هذا الأساس لا يجوز تقديم السوط أو السيف للظالم حتى يقتل أو يضرب به فإنّ هذا إعانة على الحرام فيدخل تحت قاعدة حرمة الاعانة لمن يبني على ذلك ، هذا هو المستند الأوّل للحرمة بمقتضى القاعدة

ولا تقل:- إنَّ هذا استناداً على النصّ ، فإنك استندت إلى النصّ أي إلى قاعدة ﴿ ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ ؟!!

ولكني قلت:- إنَّ مقصودي من مقتضى القاعدة يعني بقطع النظر عن الروايات.

مضافاً إلى أنّه قد يقال:- إنّه قد يضاف إلى الآية الكريمة المرتكز المتشرعي ، حيث يوجد مرتكزٌ متشرّعيٌّ واضحٌ على حرمة إعانة الظالم في ظلمه ، بل هو أوضح بكثيرٍ من باقي المستندات التي سوف نذكرها.

إذن الدليل على حرمة إعانة الظالم في ظلمه هو قاعدة حرمة الاعانة على الحرام لو سلّمناها كما سلّمناها سابقاً والثاني المرتكز المتشرعي إذا تمت كلتا الصغريين - أصل صغرى الارتكاز المتشرعي على ذلك والثانية أنّه أوضح من المستندات التي سنذكرها - ، فإذا تمّ ذلك فبها ، وإلا فالحقّ لك في أنّ لا تقبل بذلك.

هذا ولكن:- قد يستدلّ على حرمة إعانة الظالم في ظلمه بآية ﴿ وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾[2] وبالعقل والروايات والإجماع ، كما صنع ذلك الشيخ الأعظم(قده) في مكاسبه حيث قال:- ( يدلّ على حرمة ذلك الأدلة الاربعة )[3] .

ولكن نقول:-

أمّا بالنسبة إلى الاجماع:- فترد عليه مناقشتنا المكرّرة ، وهي أنّ هذا الإجماع محتمل المدرك ، ولا ندّعي أنه متيقّن المدرك بل يكفي احتماله ، ومعه يشكل استفادة موافقة المعصوم عليه السلام لذلك.

والغريب أنّ السيد الخوئي(قده) ذكر في كلماته مثل ذلك حيث قال:- ( ويدلّ على حرمتها العقل والإجماع ... وقوله تعالى ...... )[4] [5] .

ونحن يمكن أن نتصوّر ذلك من الشيخ الأعظم(قده)؛ إذ أنّ له مصطلحاتٍ في الفقه تغاير ما في الأصول ، ففي الأصول مثلاً يرفض الإجماع المدركي ولكنه في الفقه يتساهل ، أمّا السيد الخوئي (قده)فلا.

إذن الإجماع لا يمكن التمسّك به.

وأمّا بالنسبة إلى العقل فماذا يقصد منه ؟ فهل يقصد أنّ العقل هو الذي يحكم بالحرمة ؟ أو أنّه يحكم بالقبح وبالملازمة - وأعني بها كلّما حكم به العقل حكم به الشرع - نستفيد الحرمة ؟

فاذا كان الأوّل هو المقصود - أي ابتداءً هو يحكم بالحرمة - فجوابه واضح حيث يقال:- إنّ العقل ليس حاكماً بالحرمة أو الاستحباب وما أشبه ذلك؛ إذ أنَّ ذلك ليس من شأنه ، بل هو شأن المشرّع ، فليس من شأن العقل الحكم بالتحريم وهكذا بالوجوب أو ما شاكل ذلك من الأحكام الشرعيّة فإنّ ذلك من شأن المشرّع.

وإذا كان المقصود الثاني - يعني هو يحكم بالقبح وبالملازمة نستفيد الحرمة -:- فقد تقدّم أكثر من مرّة أنّ العقل إذا حكم بقبح شيءٍ ، فربما يحكم الشارع بالحرمة وربما لا يحكم بها اكتفاءً بحكم العقل لا من باب الضدّية والرفض لحكم العقل بل من باب أنّه اكتفى بحكم العقل . فإذن لا توجد ضرورة لحكم الشارع على الوفاق كما ادّعاها بعضٌ ، ولا ضرورة عدم حكمه ، بل ليس هذا ضرورياً ولا ذاك أيضاً وإنما كلاهما ممكنٌ ، وما دام كلا الأمرين ممكناً فلا يمكن أن نستنتج الحرمة الشرعيّة من حكم العقل بالقبح.

إذن هذا الدليل لا نستطيع التمسّك به أيضاً.

وأمّا الآية الكريمة - وهو المهمّ - أعني قوله تعالى ﴿ وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾[6] :-

فهناك تقريبان متقاربان للاستدلال بهذه الآية الكريمة وهما:-

التقريب الأوّل:- ما ذكره النراقي(قده) في مستنده[7] ، ونقله صاحب الجواهر(قده) أيضاً عن السيد بحر العلوم(قده) بقوله:- ( إنّ الركون هو الميل القليل ، فكيف بالإعانة !! )[8] ، يعني أنّ الركون وهو الميل القليل إلى الظالم كأن أذهب إلى بيته قليلاً أو أسلّم عليه في الطريق أو أردّ عليه السلام بحرارة وما أشبه ذلك فهو ميلٌ ، والآية الكريمة تنهى عنه فكيف بالإعانة كتقديم السوط أو السيف إليه ؟!! فإذن الإعانة تصير محرّمة بالأولويّة.

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنّ تفسير الركون بالميل القليل ليس واضحاً.

ثابتاً:- بل نتمكّن أن نقول هو الاعتماد على الشخص مع الميل إليه ، والمهم هو عنصر الاعتماد؛ إذ عند اعتمادي عليك يصدق أنه ركونٌ ، أمّا مجرّد الميل من دون اعتمادٍ فهذا قد لا يصدق عليه عنوان الركون ، ونحن لا ندّعي الجزم بذلك ، بل يكفينا الاحتمال ، وعليه فتقديم السوط أو السيف مرّةً واحدةً أو اثنتين ليس فيه اعتماداً ، لذا يشكل التمسّك بالآية الكريمة.


[3] المكاسب الحرمة، الأنصاري، ج2، ص53.
[4] الموسوعة الفقهية (مصباح الفقاهة )، الخوئي، ج35، ص649.
[7] مستند الشيعة، النراقي، ج14، ص153.
[8] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، جج22، ص53.