37/05/04


تحمیل

الموضـوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

هذا وقد يقال:- إنّ السيرة المذكورة ناشئة من التهاون والحجة هي ما كانت واصلة من الشرع والمتشرّعة بما هم متشرّعة وهذه يحتمل أنها ناشئة من التهاون وبالتالي لا تكون حجة فلا تكون مقيّدة للاطلاق.

والجواب:- إذا كان بعض أفراد السيرة يحتمل فيه النشوء من التهاون لكن هناك أمثلة متعدّد لا نحتمل فيها النشوء من التهاون ، من قبيل علاج المرضى فيما يسمّى بالمستوصف أو المستشفى فهذا أيضاً هو نحوٌ من الاعانة للظالم لأنّ الظالم هو الذي أسّس هذه المستشفات والطبيب حينما يذهب ويمارس نشاطه فهذا أيضاً إعانة ولكن هو اعانة على المباح - وهو علاج الناس - ، وهكذا كنس الشوارع من قبل عمال البلدية فهذا أيضاً إعانة على المباح ، وهكذا الدوام في المدارس فإنّ كون الشخص معلّماً أو مدرّساً فيها يكون أيضاً كذلك .... وما شاكل ذلك من هذه الأمور التي لا يحتمل أحد أنها لا تجوز ، فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نقول إنَّ كلّ أفراد السيرة يحتمل أنها ناشئة من التهاون ، نعم ربما يكون بعضها كذلك ، أما البعض الآخر فلا يحتمل فيه ذلك.

إذن هذا لا يقف إشكالاً أمام التمسّك بالسيرة ، نعم الذي يرد عليه هو ما أشرنا إليه وهو أنه ينبغي الاقتصار على ما انعقدت عليه السيرة من دون توسعة إلى ما هو أكثر من ذلك.

ثم إنّ صاحب الجواهر(قده) قد تمسّك لتقييد الاطلاق بوجوه ثلاثة:-

الوجه الأوّل:- السيرة . وقد عرفنا الكلام في ذلك.

الوجه الثاني:- قاعدة التسامح والتساهل في الإسلام ، حيث قال:- ( إلا أنّ السيرة القطعية على خلاف ذلك بل هو منافٍ لسهولة الملّة وسماحتها وإرادة اليسر ) ، وهذا إشارة إلى قاعدة التسامح واليسر في الاسلام.

الوجه الثالث:- قاعدة المجاملة وحسن العشرة ، فإن أئمتنا عليهم السلام أمرونا بذلك ، وهذا ما أشار إليه بقوله:- ( بل هو منافٍ لما دلّ على مجاملتهم وحسن العشرة معهم ).

وفي هذا المجال نقول:-

أمّا ما أفاده من قاعدة اليسر والسماح:- فلعله يشير بذلك إلى ما جاء في بعض الآيات والروايات.

أما الآية الكريمة:- فهي قوله تعالى:- ﴿ ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدّة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾[1] ، فننتزع من قوله تعالى ﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ قاعدة اليسر في الاسلام.

وأمّا الروايات:-

فمن قبيل:- ما ورد في قصّة عثمان بن مظعون حيث أنّه أخذ بالتبتّل وترك بيته وزوجته وأهله وذهب إلى المسجد للصلاة والصيام فيه فجاءت زوجته إلى النبي صلى الله عليه وآله وأخبرته بحاله فذهب إليه وقال له:- ( يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانيّة ولكن بعثني بالحنيفيّة السمحة )[2] ، وغير ذلك من الروايات.

ويردّه:- نحن إمّا أن نفترض أن مقتضي حرمة الاعانة ليس فيه إطلاق وشمول لحالة الاعانة على المباح ، أو نفترض أن فيه ذلك ، فإذا افترضنا أنه لا يوجد فيه إطلاق كفانا عدم وجوده حيث نتمسّك بالبراءة بلا حاجة إلى فكرة السهولة والسماح في الاسلام ، وإذا فرضنا أنّ المقتضي كان تاماً فهذا المقدار لا يكفي لتقييد ذلك المقتضي ورفع اليد عنه وإلا سوف نحصل على فقهٍ جديد ، فمثلاً لو كان شخص يقول إني يصعب عليّ أن أترك الخمر فهل نقول له إذن الشريعة سهلة سمحة فلا بأس حينئذٍ بالشرب ؟!! ، أو يقول شخص يصعب عليًّ أن أترك الزنا أو غير ذلك فنقول الأمر كذلك فإنّ قاعدة اليسر والسماح تجوّز ذلك وما شاكل ذلك ؟!! ، فحينئذٍ يمكن أن نحصل على أحكامٍ لا يحتمل الفقيه ثبوتها.

إذن التمسّك بقاعدة السماح واليسر شيء غير ممكن لما أشرنا إليه.

إن قلت:- إذن ما وجه تشريع هذه القاعدة وما فائدتها ؟

قلت:- هي إشارة إلى عالم التشريع وأن عالم التشريع لوحظ فيه اليسر والسماح ، ولكن هذا لا يعني أنّ هذه القاعدة أعطيت بيد المكلّف ليطبّقها في الموارد المختلفة ، كلا وإنما هي إشارة إلى أنه في السفر مثلاً لم نوجب عليكم الصوم لإرادة اليسر لكن إرادة اليسر إشارة إلى حكمة التشريع فلا يمكن التمسّك بذلك كقاعدة ، وهكذا في مورد من يضرّه الماء فقد شرّعنا لكم التيمم لأجل اليسر ، وهذا إشارة إلى عالم التشريع لا أنه علّة يمكن أن يتمسّك بها المكلّف أو المجتهد.

فإذن مورد هذه القاعدة هو النظر إلى عالم التشريع.

والأجدر أن لا نستعمل كلمة ( قاعدة ) حتى يوهم ذلك ويشعر بأنه يمكن التمسّك بها ، وإنما هو شيء ناظر إلى عالم التشريع كما ذكرنا.

أجل لو كان صاحب الجواهر(قده) يقصد مثل قاعدة نفي الحرج - أي ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ - فلنسلّم آنذاك أنه متى ما لزم الحرج فحينئذٍ تجوز الاعانة ، ويمكن تطبيق هذه القاعدة في كلّ مورد ، وقد التزم بذلك الفقهاء في عامّة الأحكام ، فكلّ حكمٍ تحريمي أو وجوبي يمكن رفع اليد عنه بقاعدة الحرج فإنّه لا بأس بذلك ، إلا ما قام الإجماع والضرورة على عدم جواز تطبيق هذه القاعدة فيه ، ولعلّ من هذا القبيل الزنا واللواط أو ما شاكلهما فهذا لعلّه خرج بالضرورة والإجماع وإلا فقاعدة نفي الحرج يمكن تطبيقها في شتى المجالات ، ومنه مورد إعانة الظالم إذا فرض أنّ الشخص إذا لم يعنه في المباح أصيب بالحرج فحينئذٍ يجوز الاعانة ، بل لعلّه أحيانا نحوّز له ذلك حتى في بعض المحرّمات - وهذه قضيّة ثانية - . إذن إذا كان يقصد قاعدة نفي الحرج فنسلّم له ذلك.

ولكن هذا لا ينفعه بشكلٍ مطلق ، إذ يلزم علينا أن نلحظ كلّ مكلّف بخصوصه ، فأنت بخصوصك تصاب بالحرج فتجوز لك الاعانة في المباح ، وذاك لا يصاب بالحرج فلا يجوز له ذلك ، فينبغي أن نفرّق بين الأشخاص فإنّ المدار - كما - ذكرنا في مسألة نفي الحرج على الحرج الشخصي دون النوعي وقد بيّنا الوجه في ذلك.

وأما ما أفاده من قاعدة حسن المجاملة والعشرة:- فلعلّه يشير بذلك إلى ما رواه الشيخ الصدوق(قده) بإسناده عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام :- ( ... صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وإذا استطعتم أن تكونوا الائمة والمؤذنين فافعلوا فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه ، وإذا تركتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه )[3] .

وعلى منوال ذلك:- ما جاء عنه أيضاً:- ( إياكم أن تعملوا عملاً نعيّر به فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله ، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا شيناً ، صلّوا في عشائرهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم )[4] .

وفي التعليق نقول:- إنّ هذه الروايات وإن دلّت على لزوم المجاملة والخلق الحسن ولكن مع من ؟ فهل هي مع من ينطبق عليه عنوان الظالمين أو هي مع الطبقة العامة للناس ؟ فإنّه في أصحاب المذهب المخالف توجد الطبقة العامّة ويوجد فيهم عنوان الظالمين وهذا الحديث ناظر إلى الطبقة العامّة وأنّه لابدّ وأن تجامل مع الطبقة العامّة وهذا شيء جيّد ، أمّا أنه يقصد من ذلك حتى مع عنوان الظلمة والظالمين فهذا أوّل الكلام في أنّ هذه الروايات ناظرة وشاملة لأمثال هؤلاء .

فعلى هذا الأساس يكون التمسّك بقاعدة المجاملة كما صنع صاحب الجواهر(قده) لإثبات جواز إعانة الظالم في المباح شيءٌ مرفوض لأنّها ناظرة إلى الطبقة العامّة لا إلى طبقة الظالمين.

بقي شيء:- وهو أنه قال:- ( والملق لهم ) ، وهل توجد رواية تدلّ على أنّه لابد أو من الحسن التملّق لهم ؟