37/04/02


تحمیل

الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد.

الأمر الثالث: أن المكلف اذا راعى طلوع الفجر فهو لا يخلو أما أن يقطع بطلوعه, وحينئذ يجب عليه الامساك وهو خارج عن محل الكلام, وأما أن يقطع ببقاء الليل أو يطمئن به, أو يظن ببقاء الليل, أو يشك به.

والكلام يقع في أن الحكم بعدم وجوب القضاء مع المراعاة هل يشمل كل صور المراعاة (القطع ببقاء الليل والظن به والشك به)؟؟ فلا يجب عليه القضاء عند تبين الخلاف؟؟ أو يختص بصورة القطع ببقاء الليل أو الاطمئنان (الذي يعبر عنه بالاعتقاد ببقاء الليل)؟؟

يظهر من السيد الماتن أن الحكم بعدم وجوب القضاء مع المراعاة وتبين الخلاف لا يشمل غير صورة الاعتقاد, فإذا ظن أو شك لا يشمله الحكم فيجب عليه القضاء عند تبين الخلاف بل اكثر من ذلك حيث ترقى واحتاط السيد الماتن احتياطاً وجوبياً بالقضاء مع اعتقاد بقاء الليل وتبين الخلاف بعد ذلك, وهذا يعني أن السيد الماتن يفتي بوجوب القضاء مع عدم المراعاة, ويفتي بوجوب القضاء مع المراعاة في الشك والظن (حسب ما هو المعروف عنه وان كان ما في عبارته يجعلنا نشك في هذا) ويحتاط احتياطاً وجوبياً في القضاء مع اعتقاد بقاء الليل والمراعاة, والذي يجعل السيد الماتن يستشكل في عدم وجوب القضاء حتى مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل فمع ذلك هو يحتمل وجوب القضاء فيحتاط هو ما بيناه سابقاً من أن منشأ الاحتياط هو التشكيك في دلالة الروايات على عدم وجوب القضاء مع المراعاة, نعم هي تدل على وجوب القضاء مع عدم المراعاة, واذا شكك في شمول الروايات يرجع إلى القاعدة التي تقتضي وجوب القضاء.

وقلنا بأن هذا يعني انكار استفادة الحكم الثاني (عدم وجوب القضاء على تقدير المراعاة حتى مع تبين الخلاف)من الروايات ونحن قلنا بأن الحكم الثاني ثابت واستفدناه من الروايات , والقدر المتيقن من ذلك هو صورة الاعتقاد فهذه الصورة هي القدر المتيقن الذي نحكم فيه بعدم وجوب القضاء مع تبين الخلاف.

وقد صار احتياط السيد الماتن في هذا المورد _صورة الاعتقاد_ مورد استغراب فأنه ليس خلاف النصوص فحسب وإنما خلاف المتسالم عليه بين الاصحاب, واذا كان هناك خلاف ففي الشك والظن لا في صورة الاعتقاد.

ويفهم من كلماتهم بعض التوجيهات التي تنأى بالسيد الماتن عن هذا الخلاف فالسيد الخوئي (قد) يقول بأن مقام السيد الماتن العلمي وعظم شأنه يجل عن أن يقول كلاماً من هذا القبيل وذكر السيد الحكيم (قد) (ولا يبعد أن يكون المراد في المتن صورة ترك المراعاة لاعتقاد بقاء الليل)[1] حيث ربط هذه العبارة (بل الأحوط القضاء حتى مع اعتقاد بقاء الليل)بصورة ترك المراعاة التي في صدر المسألة (من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر)[2] وهذا التوجيه خلاف الظاهر للفاصل الكبير الموجود بين صدر المسألة وبين هذه العبارة فالعبارة واضحة من سياقها في انها ترتبط بفرض المراعاة لا بفرض عدم المراعاة, مضافاً إلى أنه لا وجه للاحتياط حينئذ بل ينبغي الفتوى بوجوب القضاء.

السيد الخوئي (قد) سلك مسلكاً آخر حيث قال (للهم إلا أن يقال إن مراده ( قده ) بذلك ما لو اعتقد بقاء الليل من سبب آخر غير النظر إلى الفجر كالنظر إلى الساعة ونحو ذلك ، ولا بد من حمل كلامه ( قده ) على ذلك لجلالته وعلو مقامه )[3]

ثم تكلم السيد الخوئي (قد) _ استطراداً_ عن هذا الفرع (ما اذا كان المكلف راعى ولم يحصل له اعتقاد بقاء الليل من المراعاة وإنما حصل له هذا الاعتقاد بسبب آخر) فقال (قد) (وحينئذ فيحتمل القول بعدم وجوب القضاء نظرا إلى أن النظر المذكور في الموثق طريق إلى حصول الاعتقاد ولا موضوعية له ، فإذا حصل الاعتقاد من طريق آخر كفى ذلك في عدم الوجوب ولكنه ضعيف ، فإن الجمود على اطلاق الصحيح وظاهر الموثق يقتضي التحفظ على موضوعية النظر . وبعبارة أخرى مقتضى القاعدة واطلاق صحيح الحلبي أن كل من أكل أو شرب بعد طلوع الفجر يحكم بفساد صومه وعليه الاتمام والقضاء ، خرجنا عن ذلك بمقتضى موثقة سماعة وصحيحة معاوية في خصوص الناظر إلى الفجر بنفسه ، وأما الحاق غيره به وهو مطلق المعتقد من أي سبب كان فيحتاج إلى دليل وحيث لا دليل عليه فيبقى تحت الاطلاق . فما ذكره ( قده ) من الاحتياط بالقضاء مع اعتقاد بقاء الليل وجيه فيما إذا لم يراع الفجر بل هو الأظهر ، وأما مع المراعاة فلا قضاء عليه حسبما عرفت)[4]

وما ذكره (قد) لا بأس به في الجملة فمن الصعب جداً الغاء خصوصية النظر كما تذكر صحيحة معاوية بن عمار (أما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شيء)[5] حيث تؤكد على نظره بنفسه خصوصاً اذا قلنا بأن مسألة الجارية اوجبت له الاعتقاد كما أنه لم يكن بعيداً حيث أنه اعتمد على كلامها واكل وهذا يعني أن كلامها اورث له اطمئناناً, فهو لم يأكل تعبداً لأن قولها حجة ولم يعتمد على الاستصحاب, بل اكل لحصول الاعتقاد ببقاء الليل من كلامها, ومع ذلك يقول الامام عليه السلام يجب عليك القضاء.

نعود إلى اصل المطلب وقول الماتن (بل الأحوط القضاء حتى مع اعتقاد بقاء الليل) حيث يوجد ما يمكن أن يلقي ظلالاً على هذه العبارة وهو أن السيد الماتن بعد أن يكمل موارد وجوب القضاء دون الكفارة يذكر خلاصة جامعة لكل هذه الموارد (ومحصل المطلب أن من فعل المفطر بتخيل عدم طلوع الفجر أو بتخيل دخول الليل بطل صومه في جميع الصور إلا في صورة ظن دخول الليل مع وجود علة في السماء من غيم أو غبار أو بخار أو نحو ذلك من غير فرق بين شهر رمضان وغيره من الصوم الواجب والمندوب ......)[6] ونستفيد من هذه العبارة عدم استثناءه شيئاً في محل كلامنا فيجب القضاء مع تبين الخلاف حتى لو اعتقد بقاء الليل, وعليه فلا داعي لتوجيه كلامه.

 

نعود إلى اصل البحث وهو أن هذه النصوص بلحاظ الحكم الثاني (عدم وجوب القضاء مع المراعاة) هل تختص بصورة اعتقاد بقاء الليل ؟؟ أو تشمل كل الحالات؟؟

قد يقال بأختصاص نصوص الباب بصورة اعتقاد بقاء الليل ويستدل على ذلك بأن النصوص منصرفة عن غيرها من الصور, ولابد من مراجعة الروايات لملاحظة ذلك.

السيد الخوئي (قد) يستدل على الاختصاص بموثقة سماعة فيقول أن الوارد في الموثقة قوله (إن كان قام فنظر فلم ير الفجر)[7] وهو يفيد الاطمئنان أي اطمئن بعدم طلوع الفجر فتختص الموثقة بصورة الاعتقاد ولا تشمل صورة الشك, ويثبت ذلك من تفريع ما بعد الفاء وترتبه على ما قبلها في قوله (فلم ير الفجر) ولابد أن يكون ما يتفرع امر جديد لم يكن حاصلاً في السابق, والا فلا معنى لتفريعه, فأن الذي كان حاصلاً قبل النظر هو الشك, وحينئذ لا يصح تفسير الذي تفرع بالشك ايضاً, فلا يبقى الا الاعتقاد والاطمئنان, لأنه غير متحقق سابقاً وهو الذي يمكن أن يتفرع ويترتب على النظر, ومنه تكون الرواية ناظرة إلى الاطمئنان. هذا ما يذكره السيد الخوئي (قد) في هذه الموثقة.

أما استفادة الاختصاص من صحيحة معاوية _كما قالوا_ فهو ما بيناه من اعتماده في الاكل على قول الجارية, وبما أنه ليس حجة تعبدية, ولم يفهم من الرواية أنه اعتمد على الاستصحاب, بل يفهم منها الاعتماد على قول الجارية وحينئذ لابد أن يكون قولها اورث نوعاً الاطمئنان والوثوق, فيكون مورد الرواية هو الاطمئنان وهذا يعني أن هذه الروايات مختصة بصورة الاعتقاد ببقاء الليل والاستدلال بها في غير هذه الحالة مشكل, هذا ما يمكن أن يقال في مقام تقريب اختصاص هذه الروايات بمحل الكلام.