37/04/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

37/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد.

نعود إلى اصل البحث وهو أن هذه النصوص بلحاظ الحكم الثاني (عدم وجوب القضاء مع المراعاة) هل تختص بصورة اعتقاد بقاء الليل ؟؟ أو تشمل كل الحالات؟؟

قد يقال بأختصاص نصوص الباب بصورة اعتقاد بقاء الليل ويستدل على ذلك بأن النصوص منصرفة عن غيرها من الصور, ولابد من مراجعة الروايات لملاحظة ذلك.

السيد الخوئي (قد) يستدل على الاختصاص بموثقة سماعة فيقول أن الوارد في الموثقة قوله (إن كان قام فنظر فلم ير الفجر) وهو يفيد الاطمئنان أي اطمئن بعدم طلوع الفجر فتختص الموثقة بصورة الاعتقاد ولا تشمل صورة الشك, ويثبت ذلك من تفريع ما بعد الفاء وترتبه على ما قبلها في قوله (فلم ير الفجر) ولابد أن يكون ما يتفرع امر جديد لم يكن حاصلاً في السابق, والا فلا معنى لتفريعه, فأن الذي كان حاصلاً قبل النظر هو الشك, وحينئذ لا يصح تفسير الذي تفرع بالشك ايضاً, فلا يبقى الا الاعتقاد والاطمئنان, لأنه غير متحقق سابقاً وهو الذي يمكن أن يتفرع ويترتب على النظر, ومنه تكون الرواية ناظرة إلى الاطمئنان. هذا ما يذكره السيد الخوئي (قد) في هذه الموثقة.

أما استفادة الاختصاص من صحيحة معاوية _كما قالوا_ فهو ما بيناه من اعتماده في الاكل على قول الجارية, وبما أنه ليس حجة تعبدية, ولم يفهم من الرواية أنه اعتمد على الاستصحاب, بل يفهم منها الاعتماد على قول الجارية وحينئذ لابد أن يكون قولها اورث نوعاً من الاطمئنان والوثوق, فيكون مورد الرواية هو الاطمئنان وهذا يعني أن هذه الروايات مختصة بصورة الاعتقاد ببقاء الليل والاستدلال بها في غير هذه الحالة مشكل, هذا ما يمكن أن يقال في مقام تقريب اختصاص هذه الروايات بمحل الكلام.

وعلى فرض القول بأطلاق هذه الروايات, فدعوى انصرافها إلى صورة الاعتقاد ليست بعيدة, عند الالتفات إلى امرين:-

الاول: أن المفروض في الرواية عدم وجود ما يمنع من الرؤية من قبيل الغيم والغبار وامثال ذلك فالسماء كانت صافية ويثبت ذلك بأعتبار أن الفحص والنظر لا معنى له اذا كانت السماء غير صافية, فالفحص والنظر يكون عندما يتمكن الانسان من تبين الشيء, فتفس التصدي للفحص والنظر يمكن أن يكون قرينة على أن المفروض في الرواية عدم وجود مانع يمنع من الرؤية.

الثاني: أن الشخص الذي تصدى بالنظر بنفسه أو الجارية التي كلفها بالنظر في الرواية الثانية لابد من افتراض معرفته بمسألة طلوع الفجر وعدم طلوعه, والا لا موجب لترتيب الاثر على فحصه ونظره.

وفي هاتين الحالتين يحصل اطمئنان بطلوع الفجر أو بعدمه عادةً, لاسيما أن الفجر في زمان صدور هذه النصوص واضح جداً لعدم وجود ما يؤثر على الرؤية كالاضوية الكهربائية في زماننا, ولابد من نفي الاطمئنان بطلوع الفجر لأنه رتب الاثر على نظره واكل فلابد أن يكون هناك اطمئنان بعدم طلوع الفجر, وحينئذ حتى لو فرضنا منع الوجوه السابقة لدعوى اختصاص الروايات بحالة الاعتقاد فلا يبعد أن يقال بأن الروايات تنصرف إلى حالة الاعتقاد لهذه الخصوصيات التي ذكرناها.

وعلى كل حال يبدو أن الصحيح هو ما ذكروه من أن هذه الروايات ليست فيها حالة اطلاق تشمل الظن والشك وامثالهما وإنما هي تختص بصورة الاعتقاد أما اساساً أو انصرافاً, فالاستدلال بها على ثبوت حكم مخالف للقاعدة في غير موردها أو مع الشك في كونه موردها أو لا يكون مشكلاً, وحينئذ لابد من الرجوع في غير صورة الاعتقاد إلى القاعدة ومقتضى القاعدة هو وجوب القضاء, فلو فرضنا أنه راعى وشك في طلوع الفجر فأكل ثم تبين الخلاف فهنا نقول لا دليل على عدم وجوب القضاء وصحة الصوم لأن الدليل منحصر بالروايات وليس فيها اطلاق يشمل هذه الحالات لأختصاصها بصورة الاعتقاد.

الأمر الرابع: لا اشكال في أن الحكم _ببطلان الصوم ووجوب القضاء مع عدم المراعاة وتبين الخلاف _لا يختص بشهر رمضان بل يجري في غيره ايضاً, من دون فرق بين أن يكون الغير واجباً أو مستحباً ولا فرق بين أن يكون الواجب معيناً أو غير معين, والسر في ذلك ما تقدم من أن البطلان ووجوب القضاء هو مقتضى القاعدة, واذا كان كذلك لا يؤثر في النتيجة عدم شمول الروايات لهذه الموارد على فرض اختصاص الروايات بصوم شهر رمضان, وتعميم هذا الحكم لغير شهر رمضان لا خلاف ولا اشكال فيه وإنما الاشكال والخلاف في الحكم الثاني( الحكم بصحة الصوم وعدم وجوب القضاء مع المراعاة وتبين الخلاف) فهل يختص هذا الحكم بصوم شهر رمضان؟؟ أو يشمل غيره من اقسام الصوم؟؟ وهل يشمل غيره مطلقاً؟؟ أو يشمل الصوم المعين فقط كما قيل؟؟ أو الصوم الواجب المعين وغير المعين؟؟ هذا هو محل الخلاف والنزاع.

السيد الماتن ذهب إلى اختصاصه بشهر رمضان وعدم الحاق صوم غيره به بهذا الحكم وذكر بأن الاقوى البطلان ووجوب القضاء في غير شهر رمضان حتى مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل, والسيد الماتن يقول هذا الكلام _ لأنه لديه مشكلة في اصل دلالة الروايات على عدم القضاء حتى في صوم شهر رمضان_ من باب اولى في غير شهر رمضان, وعلى كل حال فأن هذا الرأي موجود وهو يرى عدم الالحاق بناءً على ثبوت هذا الحكم _فرضاً_في صوم شهر رمضان لأنه فيه مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل وتبين خلاف ذلك لا يؤثر وإنما يحكم بصحة الصوم وعدم وجوب القضاء, فإذا بنينا على هذا الكلام نأتي إلى مسألتنا ونقول هل نلحق به غيره أو لا؟؟ وما ذكره السيد الماتن من عدم الالحاق مطلقاً منسوب إلى العلامة وجماعة اخرين وقيل في بعض الكلمات أنه لا خلاف فيه أو كلمات من هذا القبيل.

ويستدل على هذا الرأي (عدم الالحاق مطلقاً) _مختار السيد الماتن والمنسوب إلى العلامة_ بأدلة منها:-

الاول: أن وجوب القضاء هو مقتضى القاعدة, وان الروايات تختص بشهر رمضان فلا نستطيع رفع اليد عن مقتضى القاعدة لعدم الدليل على صحة الصوم وعدم وجوب القضاء.

والثاني: الروايات التي استدل بها على عدم الالحاق مطلقاً _في الحكم الثاني _وهي عديدة منها صحيحة الحلبي وموثقة اسحاق بن عمار ورواية علي بن ابي حمزة البطائني وصحيحة معاوية بن عمار.

ولابد من النظر في هذه الروايات وملاحظة كيفية الاستدلال بها على هذا الرأي في هذه المسألة.

اولاً: صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين ؟ قال : يتم صومه ذلك ثم ليقضه . . . الحديث)[1] هذا المنقول منها في باب 44 لكن المنقول منها في هذا الباب هو صدرها ولها تتمة نقلها صاحب الوسائل في الباب 45 وهي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال : فان تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر ، ثم قال : إن أبي كان ليله يصلي وأنا آكل ، فأنصرف فقال : أما جعفر فأكل وشرب بعد الفجر ، فأمرني فافطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان)[2]

والاستدلال يكون بذيل هذه الرواية بدعوى أنه يتكلم عن غير صوم شهر رمضان حيث قال (فان تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر) وهذا له من الاطلاق ما يشمل كل اقسام الصوم_ غير صوم شهر رمضان_ الواجبة والمندوبة والواجب المعين وغير المعين فكل من هذه الاقسام يصدق عليه أنه غير صوم شهر رمضان, والرواية تقول بأنه اذا تسحر بعد الفجر افطر.

ويلاحظ على هذا الاستدلال أن صدر الرواية مختص بشهر رمضان بقرينة ذيل الرواية, وتقدم سابقاً أن صحيحة الحلبي بالنسبة إلى صوم شهر رمضان مطلقة من ناحية المراعاة وعدمها, وقلنا لابد من تقييدها بموثقة سماعة وغيرها بحمل هذا الصدر على صورة عدم المراعاة لأن نصوص الباب تقول لا يجب القضاء مع المراعاة, واذا اتضح هذا في صدر الرواية نأتي إلى ذيلها الذي يقول (فان تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر) وهذا يصح أن يكون قرينة على أن الكلام في غير شهر رمضان كالكلام في شهر رمضان مع الفرق في أنه إذا لم يراعِ في شهر رمضان يحكم عليه بوجوب اتمام الصوم تأدباً ثم يقضي, بينما في غير شهر رمضان لم يحكم عليه بوجوب الصوم بل حكم عليه بالإفطار فقط, إذن ذيل الرواية يدل على بطلان الصوم لكن في حالة عدم المراعاة وهذا يمنعنا من الاستدلال بها في محل الكلام (صورة المراعاة), فصدر الرواية يتكلم عن صورة عدم المراعاة, ولا اقل من أن يكون ذلك قرينة محتفة بالكلام تكون مانعة من اطلاق الذيل لصورة المراعاة, وحينئذ لا يمكن أن نقول بأن الذيل مطلق يشمل المراعاة وعدم المراعاة فظاهر الرواية انها ناظرة إلى صورة عدم المراعاة وبهذا تكون اجنبية عن محل الكلام.