37/04/20


تحمیل

الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد.

هل يصح الاستدلال بصحيحة العيص بن القاسم على عدم وجوب الكفارة؟؟

اشرنا إلى أن الاستدلال بها على ذلك يكون بالإطلاق المقامي, بأعتبار أن الرواية تعرضت إلى وجوب الاتمام ووجوب القضاء وسكتت عن وجوب الكفارة فيكون مقتضى الاطلاق المقامي لهذه الصحيحة هو عدم وجوبها.

قد يقال في مقام الاعتراض على ذلك كيف نلتزم بعدم وجوب الكفارة مع أن ظاهر الصحيحة أن المخبر مورد اعتمادهم جميعاً كما تقدم, أو نقول _ولو على نحو المسامحة_ أنه مورد حجية خبر المخبر, ونحن في مقام نفي الكفارة عندما لا يكون خبر المخبر حجة, وهذه الرواية تنفي الكفارة بالإطلاق المقامي مع فرض الاعتماد على خبر المخبر, وحينئذ لا يصح الاستدلال بالصحيحة لنفي الكفارة في فرض المسألة, لأن فرض المسألة هو عدم الاعتماد على خبر المخبر, والصحيحة تدل على عدم الكفارة في فرض الاعتماد على خبر المخبر .

اقول دفع هذا الاشكال أو التوهم واضح لأن الصحيحة وان كانت مورد الاعتماد على خبر المخبر _ على فرض التسليم به وان لم يكن واضحاً حداً_ الا انها دلت على عدم الكفارة بالإطلاق المقامي عندما اوجبت القضاء والاتمام على من استمر في الاكل وهو يزعم أن المخبر يسخر وقد تقدم سابقاً أن الاعتقاد بـأن المخبر يسخر يسقط الخبر عن الحجية حتى لو كان المخبر مورد الاعتماد, إذن الرواية تدل على القضاء وتنفي الكفارة بالإطلاق المقامي في هذا المورد (مورد عدم حجية اخبار المخبر) وهذا الفرض هو الذي نتكلم عنه, وحينئذ لا مانع من الاستدلال بالصحيحة على عدم وجوب الكفارة مضافاً إلى ما تقدم.

غاية الأمر أن التعبير الوارد في الرواية غير التعبير الوارد في المتن فالوارد في المتن هو (لزعمه سخرية المخبر) والوارد في الرواية هو (وظن بعض أنه يسخر) وقلنا أن ا لمراد بالزعم في المتن الاعتقاد وعلى اساسه لا تجري اصالة الجد في خبر المخبر لأنها تجري عند الشك في الجد والهزل أما مع الاعتقاد بأنه هازل فلا تجري اصالة الجد ويسقط الخبر عن الحجية.

وقد يقال بأن هذا الكلام لا يجري في الرواية حيث انها تعبر بالظن ويمكن تفسيره بالشك وحينئذ تجري اصالة الجد فيكون كلامه حجة فتكون الرواية قد دلت على عدم وجوب القضاء حينما يكون خبر المخبر حجة فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام (في فرض المسألة أي عدم حجية خبر المخبر).

لكن الظاهر أن المقصود بالظن _وان كان مدلوله اللغوي ما يقابل الشك والاعتقاد والاحتمال_ هو الاعتقاد بل يستعمل الظن كثيراً في الروايات بمعنى الاعتقاد غير المطابق للواقع, فعندما يقال ( ظننت كذا أو اظن كذا) ليس المقصود بالظن هنا ما يقابل الشك أو الاحتمال أو العلم وإنما المقصود اعتقاد أن الأمر هكذا لكن هذا الاعتقاد لا يكون مطابقاً للواقع, فالظاهر أن الظن في الرواية هو نفس الزعم الذي ذكره السيد الماتن, وحينئذ لا تجري اصالة الجد فيكون مورد الرواية مورد عدم حجية قول المخبر وهذا هو نفس فرض المسألة فيصح الاستدلال بها على نفي الكفارة, وهذا هو الفرض الاول.

الفرض الثاني: الاستدلال بالصحيحة على نفي وجوب القضاء ويستدل بها بهذا التقريب:-

أن يقال بأن الرواية ظاهرة في وجوب القضاء _فقال : يتم ويقضي_ في فرض المسألة فيصح الاستدلال بها على ذلك في محل الكلام, وفرض المسألة أنه اكل بعد أن اخبره مخبر بطلوع الفجر مع عدم حجية الخبر ثم تبين الخلاف, واشرنا إلى أن تبين الخلاف نستفيده من نفس الرواية (فناداهم أنه قد طلع الفجر)[1] ونستبعد جداً أن يكون المراد من طلع الفجر أنه طلع في نفس الان الذي اخبرهم به, بحيث يكون اكلهم قبل الفجر كله ولم يكن بعضه بعد الفجر, إذن لابد أن يكون بعض اكلهم وقع بعد طلوع الفجر وهذا هو المقصود من تبين الخلاف.

نعم قد يقال بأن الصحيحة تدل على وجوب القضاء مطلقاً من ناحية المراعاة وعدم المراعاة, لأنها لم تتعرض إلى احدهما ومقتضى الاطلاق شمولهما أي وجوب القضاء مع تبين الخلاف مطلقاً مع المراعاة وعدمها, وهذا لا يمكن الالتزام به لأنه ينافي موثقة سماعة المتقدمة التي تقول بعدم وجوب القضاء مع المراعاة.

لكن الظاهر أن الرواية ليس فيها اطلاق بلحاظ المراعاة وعدمها بل الظاهر منها عدم المراعاة, وذلك باعتبار ما تقدم من أن السائل عندما يسأل ويحتمل أن خصوصية دخيلة في الحكم يذكرها عادة, وعدم الاشارة اليها يكون منبهاً ومشيراً إلى عدم وجود تلك الخصوصية (المراعاة), مع أن الرواية لا تتحمل أن تفسر بالمراعاة _ وذلك لما تقدم في صحيحة الحلبي_ لأنهم يتسحرون في بيت وليس بإمكانهم أن يراعوا وهم في البيت وهذا يعني أن مراعاتهم تستلزم الخروج _ كما فرض بالنسبة إلى الشخص المخبر _ من البيت ثم الدخول والاكل وهذا لم يفرض في الرواية ولو كان موجوداً لذُكر, وحينئذ يكون الظاهر من الرواية _والله العالم_ أن موردها هو عدم المراعاة فلا يرد هذا الاشكال لأنها تحكم بوجوب القضاء مع عدم المراعاة فلا ينافي موثقة سماعة التي تقول لا يجب القضاء مع المراعاة, بل تكون هذه الرواية موافقة لذيل موثقة سماعة المتقدمة حيث يقول وأن قام واكل ثم نظر فعليه الاعادة والقضاء, هذا من جهة, ومن جهة اخرى قلنا بأن ظاهر الصحيحة اختصاص وجوب الاتمام والقضاء بمن اكل دون من كف وامتنع حيث أن ظاهرها عدم وجوب القضاء عليه, واذا سلمنا هذا الظهور يأتِ الاشكال وهو أنه كيف تدل الرواية على عدم وجوب القضاء على من كف عن الاكل مع تبين الخلاف وعدم المراعاة, وقلنا بأن كل من اكل واستعمل المفطر بعد طلوع الفجر من دون المراعاة يجب عليه القضاء.

وهذا الاشكال يمكن أن يصاغ بشكل آخر وهو أن هذه الصحيحة أما أن نحملها على المراعاة أو على عدم المراعاة, ونقول أن الظاهر أن كلا الطرفين(الذي كف عن الاكل والذي لم يكف) يشتركان أما في المراعاة أو في عدمها, وحينئذ اذا فرضنا عدم المراعاة اشكل الحكم بعدم القضاء بالنسبة إلى من كف وامتنع فالمناسب أن يحكم عليه بوجوب القضاء واذا فرضنا المراعاة اشكل الحكم بالقضاء بالنسبة إلى من اكل مع المراعاة فالمناسب الحكم عليه بعدم وجوب القضاء.

اقول في مقام الجواب عن الاشكال أن مورد الرواية هو عدم المراعاة ومن هنا يكون الحكم بوجوب القضاء على من لم يكف لا اشكال فيه, أما من كف عن الاكل وتبين الخلاف أي وقع جزء من اكله بعد طلوع الفجر, كيف يحكم عليه بعدم وجوب القضاء والحال أنه لم يراعِ بحسب الفرض؟؟ وهذا هو الاشكال على الاستدلال بالرواية لأنه اذا اردنا الجواب عن هذا الاشكال بحمل الرواية على المراعاة يشكل عليه بأنه خلاف ظاهر الرواية والا قد يكون حملها على المراعاة يحل المشكلة لأنه اذا انحلت المشكلة في طرف من امتنع لأنه راعى فلا يجب عليه القضاء للمراعاة نقول أما من اكل فيمكن القول بأنه يجب عليه القضاء بالرغم من المراعاة لأنه اكل بعد الاخبار فيكون وجوب القضاء عليه ليس من جهة الاكل السابق الذي راعى فيه لكي يقال بأنه راعى فلماذا يجب عليه القضاء, بل من جهة أنه اكل بالرغم من اخبار هذا الشخص فيكون اكله الثاني قد وقع من دون مراعاة.

وحينئذ اذا تمكنا من حمل الرواية على المراعاة فلا اشكال في الاستدلال بها على عدم وجوب القضاء بالنسبة إلى من امتنع وكف لأنه راعى ووجوب القضاء على من لم يكف لأن المفروض أنه لم يراعِ في الاكل اللاحق للإخبار.

لكن انصافاً أن حمل الرواية على فرض المراعاة خلاف ظاهرها, وعلى كل حال فالنتيجة واضحة لدينا سواء امكن الاستدلال بالرواية أم توقفنا من الاستدلال بها لهذا الاشكال فأن مقتضى القاعدة هو وجوب القضاء في محل الكلام فلا توجد مشكلة في اصل الحكم أي أن هذا المورد من موارد وجوب القضاء دون الكفارة.