33-11-28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
  هذا وتوجد رواية لعلها أحسن الروايات دلالة على جواز التقصير على غير المروة وهي رواية عمر بن يزيد المتقدمة في النقطة الأولى حيث جاء فيها هكذا ( ثم اات منزلك فقصر من شعرك وحل لك كل شيء ) فإنها أكدت عل المجيء إلى المنزل . إذن التقصير على المروة ليس بلازم بل يجوز في المنزل ، ولكنها ضعيفة سنداً لورود محمد بن عمر بن يزيد وهو مجهول الحال وعليه فالمطلقات هي المستند كما أشرنا.
 
 مسألة ( 350 ):- يتعين التقصير في إحلال عمرة التمتع ولا يجزي عنه حلق الرأس بل يحرم الحلق عليه وإذا حلق لزمه التكفير عنه بشاةٍ إذا كان عالماً عامداً بل مطلقاً على الأحوط.
 تشتمل المسألة المذكورة على نقاط ثلاث:-
 النقطة الأولى:- إن الحلق لا يجزي عن التقصير في عمرة التمتع بل اللازم في تحقق الإحلال التقصير.
 النقطة الثانية:- إن الحلق في عمرة التمتع محرم تكليفاً حتى لو فرضنا أن الإحلال يتحقق به . والفارق ين هذا الحكم وسابقه هو أن الأول بيان للحكم الوضعي - أي لا يتحقق الإحلال بالحلق بدلاً عن التقصير - وأما الثاني فهو بيان للحكم التكليفي.
 النقطة الثالثة:- من حلق عالماً عامداً فعليه شاة بل الأحوط ثبوتها في غير ذلك أيضاً.
 هذه نقاط ثلاث ، وقد جاءت في عبارة المحقق في الشرائع بشكل مضغوط وجميل حيث قال(قده) هكذا:- ( ويلزم فيها التقصير ولا يجوز حلق الرأس ولو حلقه لزمه دم ).
 النقطة الأولى:- أما بالنسبة إلى عدم تحقق الإحلال بالحلق بدل التقصير فذلك هو مقتضى ظاهر الأدلة باعتبار أن الروايات قالت ( فقصِّر من شعرك وحلَّ لك كل شيء ) فإن المأمور به هو عنوان التقصير وهو مباين للحلق فتحقق الإحلال بالحلق يحتاج إلى دليل بعدما كان الدليل قد دلَّ على تحققه بالتقصير ، فالمناسب إذن عدم تحقق الإحلال بالحلق ، وهذا شيء ينبغي أن يكون واضحاً.
 هذا ولكن يوجد في المسألة رأيان مخالفان للمشهور الذي يقول بلزوم التقصير في تحقق التحلل.
 الرأي الأول:- ما ذهب إليه الشيخ في الخلاف حيث ذهب إلى جواز الحلق والأفضل التقصير حيث قال(قده) ما نصّه:- ( أفعال العمرة خمسة الإحرام والتلبية والطواف والسعي بين الصفا والمروة والتقصير وإن حلق جاز والتقصير أفضل ) [1] .
 وقد يوجه ذلك:- بأنه إذا حلق فتكون بداية الحلق هي تقصير وبالتالي يتحقق الإحلال به - هذا إذا فرض أنه حلق - أما إذا فرض أنه قصّر أولاً ثم بعد ذلك حلق فالجواز وتحقق الإحلال يكون أوضح إذ بالتقصير السابق على الحلق قد تحقق الإحلال وبعد تحققه يجوز له حينئذ أن يحلق لأنه قد تحقق الإحلال . إذن إن كانت هناك مشكلة فهي فيما لو حلق فقط من دون أن يسبق يقدّم عليه التقصير ، والحلُّ قد أشرنا إليه.
 ويرد عليه:-
 أولاً:- نسلم أن بداية الحلق هي تقصير - وهذا قد أمر يشكك فيه - ولكن حينما يستمر المكلف في الحلق فسوف يصدق عليه عنوان الحلق عرفاً ولا يصدق عليه عنوان التقصير فيقال فلان قد حلق ولا يقال قد قصّر ، وعليه فلا يتحقق الامتثال . نعم لعله يصدق أنه قصّر أولاً بالحسابات الدقيّة ولكن المدار هو على الصدق العرفي فعرفاً مادام قد استمر في الحلق فسوف يصدق عليه عنوان الحلق لا التقصير فلا يتحقق الإحلال.
  وثانياً:- لو بنينا على اعتبار النيّة في تحقق الإحلال بالتقصير أو الحلق فيمكن أن يقال:- إن هذا المكلف قد نوى الحلق - إذ هو مصمّم حسب الفرض على الحلق - فالتقصير الذي يحصل في البداية يكون حاصلاً من دون نيّة ، فحتى لو سلّمنا بصدقة ولكنه لم يكن منويّاً فلا يكون كافياً في تحق التحلّل . إذن ما أفاده الشيخ في الخلاف واضح الإشكال ولا يعرف له وجه سالم عن الإشكال.
 وذهب إلى هذا الرأي أي رأي الشيخ في الخلاف - والد العلامة أيضاً فإن العلامة قال ما نصّه ( وقال في الخلاف:- يجوز الحلق والتقصير أفضل وكان يذهب إليه والدي رحمه الله ) [2] .
 الرأي الثاني:- ما ذهب إليه العلامة(قده) في المنتهى حسب ما نقل صاحب المدارك [3] وحاصله:- إن الحلق حتى لو كان محرماً فهو يجزي في تحقق التحلل.
 وفرق هذا عن الرأي السابق هو أن السابق كان يفترض أن الحلق جائز كالتقصير وهو بخلافه في هذا الرأي فانه يقول إنه وإن كان منهيّ عنه والنهي في العبادات مفسد لها ولكن رغم ذلك يتحقق به التحلّل ، ولم يذكر وجهاً لذلك.
 وقد يوجه ذلك:- بأن المكلف إذا شرع في الحلق ففي البداية لا يصدق عنوان الحلق وإنما يصدق عنوان التقصير فان بداية الحلق هي التقصير فحينئذ يتحقق التحلل وبعد ذلك وإن كان يحرم عليه أن يحلق إلا أن هذا نهي بعد أن تحقق المأمور به وهذا النهي حاصلٌ بعد تحقق المأمور به.
 وجوابه:-
 أولاً:- إن دعوى أن بداية الحلق هي التقصير -كما أشرنا قبل قليل - مبنيّة على إعمال الدقة وإلّا فعرفاً يصدق أن هذا حَلَق ولا يصدق أنه قصَّرَ والمدار على الصدق العرفي فيكون هذا المجموع محرّماً لا أن البداية هي تقصير ويقع جائزاً والمحرّم يقع بعد تحقق الواجب المأمور به ، إن هذه قضية مبنيّة على الدقة وليس على النظرة العرفية.
 وثانياً:- بناء على هذا سوف يتحقق التحلّل بالتقصير وهو غير مقصود وغير منوي فإن المكلف قد نوى الحلق ، وبناءً على اعتبار النيَّة في المحلّل لا يكون هذا المكلف قد نوى التقصير فكيف يتحقق به التحلل ؟!
 ومن خلال هذا يتضح أن الرأي الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور وأن التحلل لا يحصل إلا بالتقصير خلافاً لمن نقالنا عنهم ذلك.


[1] الخلاف 2 330 ط جديدة مسألة 144.
[2] المختلف 4 217.
[3] المدارك 8 461.