34-01-16


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/01/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 357 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة ( 357 ):- لا يجب طواف النساء في عمرة التمتع . ولا بأس بالإتيان به رجاءً وقد نقل شيخنا الشهيد(قده) وجوبه عن بعض العلماء.
 هذه آخر مسألة من المسائل التي ذكرها(قده) تحت عنوان ( التقصير ) الذي هو الواجب الخامس من واجبات عمرة التمتع وبالفراغ من هذه المسألة ينتقل إلى أفعال الحج.
 وهناك قضية فنيَّة:- وهي أن ذكر هذه المسألة تحت عنوان التقصير قد لا يكون مناسباً فإنه لا ربط لها بالتقصير . نعم بناءً على وجوب طواف النساء قد يقال بأن موقعه هو بعد التقصير ، ولكن هذا المقدار لا يبرر ذكر هذه المسألة تحت عنوان التقصير فإن ذلك مناسبة بعيدة ، والأولى إما الاقتصار على ما أشار إليه عند بيان الفوارق بين عمرة التمتع والعمرة المفردة - أي في مسألة ( 139 ) - فإنه ذكر الفارق الأول أن العمرة المفردة تشتمل على طواف النساء دون عمرة التمتع فيكتفي بهذا المقدار ولا بأس بالإشارة هناك إلى أن الشهيد(قده) نسب إلى بعض أصحابنا أنه واجب في عمرة التمتع أيضاً فمن اللائق أن يؤتى به إذا أريد ذلك بنيّة الرجاء ، أو يشار إليه في بداية أو نهاية الواجب الثاني من واجبات عمرة التمتع - الذي هو عبارة عن الطواف - من باب التأكيد ، والأمر سهل.
 المعروف بين أصحابنا أن طواف النساء ليس واجباً في عمرة التمتع على خلاف العمرة المفردة ، ومن هنا ذكر فقهاءنا عند بيان الفوارق بين العمرتين أن طواف النساء واجب في العمرة المفردة دون عمرة التمتع.
 نعم نسب الشهيد الأول في الدروس واللمعة إلى البعض - من دون تشخيصٍ - أنه واجب في عمرة التمتع . وقال صاحب المدارك عند التعليق على ما ذكره المحقق من أن طواف النساء لا يجب في عمرة التمتع ما نصه:- ( هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب بل قال في المنتهى أنه لا يعرف في ذلك خلافاً . والأخبار الصحيحة الواردة بذلك مستفيضة جداً ....... وحكى الشهيد في الدروس عن بعض الأصحاب أن في المتمتع بها طواف النساء كالمفردة .... ) [1] ، وذكر صاحب الجواهر قريب من هذا حيث قال ما نصه:- ( بلا خلاف محقق أجده فيه وإن حكاه في اللمعة عن بعض الأصحاب وأسنده في الدروس إلى النقل لكن لم يعين القائل ولا ظفرنا به ولا أحد ادعاه سواه بل في المنتهى لا أعرف فيه خلافاً بل عن بعض الإجماع على عدم الجوب ولعله كذلك فإنه قد استقر المذهب الآن عليه بل وقبل الآن مضافاً إلى النصوص التي منها ما تقدّم ولا يقدح في بعضها الاضمار لأن مضمرات الاجلاء حجة عندنا ولا جهالة السائل ولا المكاتبة ...... ) [2] ، كما ذكر صاحب الحدائق [3] قريب من ذلك.
 وعلى أي حال ما يمكن أن يستدل به على عدم الوجوب ثلاثة وجوه:-
 الوجه الأول:- الروايات فانها على طوائف مختلفة:-
 منها:- ما دل على أنه يحل المتمتع من كل شيء بالتقصير كصحيحة معاوية المتقدمة ( إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصّر من شعرك .... فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحل منه المحرم وأحرمت منه ) وقلنا إن تعبير ( يحل منه المحرم واحرمت منه ) اشارة إلى الصيد لخصوصية المكان .
 ونحوها صحيحة عبد الله بن سنان وغيرهما.
 وتقريب الدلالة واضح فإنها بمقتضى الإطلاق - أو العموم - تدل على أن المحرم تحل له النساء إذا قصَّر ولازم ذلك عدم وجوب طواف النساء وإلّا توقفت حليّة النساء عليه.
 ومنها:- صحيحة الحلبي المتقدمة ، فإن الحلبي لما غلب زوجته قرضت شيئاً من شعرها بأسنانها والامام عليه السلام قال:- ( رحمها الله كانت أفقه منك ) وهذا يدل على أن حليِّة النساء لا تتوقف على طواف النساء ولا حاجة إليه بل التقصير كافٍ في ذلك.
 ومنها:- بعض الروايات الواردة في ذلك بالخصوص - أي أنها ناظرة إلى طواف النساء وأنه ليس بواجب - من قبيل صحيحة صفوان بن يحيى ( سأله أبو حرث [4] - أو أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف وسعى وقصَّر هل عليه طواف النساء ؟ قال:- لا إنما طواف النساء بعد الرجوع من منى [5] ) [6] ، ودلالتها واضحة بالصراحة.
 ونحوها صحيحة محمد بن عيسى قال:- ( كتب محمد بن القاسم مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل عليه السلام يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء والعمرة التي يتمتع بها إلى الحج ؟ فكتب:- أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء وأما التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء ) [7] .
 وهاتان الروايتان الأخيرتان قد يناقش فيهما من حيث السند وإن كان ذلك ليس شيئاً مهمّاً - باعتبار أنه تكفينا الروايات السابقة فإنها تامة سنداً ودلالة ً- ولكن من باب الفات النظر الى بعض القضايا الفنيّة:-
 أما رواية أو صحيحة صفوان بن يحيى:- فالوارد فيها هكذا ( سأله أبو حرث - أو أبو حارث - ) والإشكال فيها من ناحيتين:-
 الأولى:- الإضمار ، باعتبار أنه عبّر بالضمير وقيل ( سأله ) ولم يشخّص ذلك الشخص المسؤول ، وبناءً على عدم حجية المضمرات يشكل الأمر من هذه الناحية . وأراد صاحب الجواهر أن يشير إلى هذه القضية في عبارته السابقة حيث قال:- ( ولا يقدح في بعضها الاضمار ) فإنه اشارة إلى هذه الرواية.
 وحينئذ يمكن أن يجاب:-
 إما بالجواب المعروف:- وهو أن الراوي ما دام من الأجلّاء فذلك قرينة على أن المسؤول هو الإمام عليه السلام ، وهذا ما أشار إليه صاحب الجواهر في عبارته السابقة حيث قال ( ولا يقدح في بعضها الاضمار لأن مضمرات الأجلّاء حجّة عندنا ) . وما المقصود من الأجلاء هنا ؟ فهل هو صفوان أو هو أبو الحرث فإن أبا حارث ربما يقال هو كنية ليونس بن عبد الرحمن فأنه ورد في بعض الروايات التي نقلها الكشي في ترجمة الهشام بن الحكم أن كنية يونس هو أبو الحارث ، والرواية التي ورد فيها أن كنية يونس هو أبو الحارث وإن كانت ضعيفة سنداً لكنه قد يقال بأن هذا لا يضر في المجال الذي نريده ، وعلى أي حال قد يطبّق ذلك على أبي الحارث بناء على أنه يونس - وهذا تطبيق افتراضي - ، أو نطبّقه على صفوان باعتبار أنه من الأجلاء ولا يناسبه أن يروي سؤالاً وجواباً يرتبط بغير المعصوم عليه السلام فلا نحتاج إلى تطبيق هذه الفكرة على أبي الحارث.
 وقد اشكلنا في بعض المحاضرات المتقدمة وقلنا:- إن هذا المطلب وإن كان معروفاً بين الأعلام وهو أن رواية الأجلاء عن شخص قرينة على أن الشخص المسؤول ليس شخصاً عادياً وإنما هو الامام عليه السلام كما لو كان المُضمِر زرارة أو محمد بن مسلم أو غيرهما وبهذا صحّحوا مضمرات زرارة الواردة في باب الاستصحاب - إلا أن هذا يتم فيما إذا فرض أن الراوي كان قد روى الرواية في آخر عمره فإنه آنذاك يكون من أجلّاء الأصحاب ولا يناسبه الرواية عن غير الإمام ، ولكن من قال ذلك ؟! فلعله رواها في أوائل عمره ويناسبه الرواية آنذاك عن بعض الأصحاب الذين هم أرفع منزلةً منه ، فتبقى القضية مجهولة فلا يمكن الاعتماد على هذه الطريقة.
 والأولى في حلِّ مشكلة المضمرات ما أشرنا إليه أكثر من مرة:- من أن ظاهرة الإضمار هي ظاهرة على خلاف الأصل فإن الإنسان لا يضمِر إلّا إذا كان مرجع الضمير معروفاً ومعهوداً في الوسط الذي يتحاور فيه ولا يوجد من يكون معروفاً إلى الأبد إلا الإمام عليه السلام فيتعين بذلك أن يكون مرجع الضمير هو الإمام ، واحتمال أن هناك شخص معهود بين الطرفين قد اعتمدا في ارجاع الضمير عليه لمعروفيته بينهما مدفوع بما أشرنا إليه من أن ناقل الرواية حينما سجّلها في أصله أو نقلها إلى أصحابه أرادها أن تنقل إلى الأبد ولم يرد نقلها إلى خصوص هذا الطرف وجعلها حِكراً عليه ، وما دام الهدف هو نقلها إلى الأبد فهذا بنفسه قرينة على أن ذلك الشخص المسؤول هو شخص معروف على طول الخط وليس هو إلّا الإمام عليه السلام ، وبهذه الطريقة تثبت حجيَّة جميع المضمرات دون الحاجة إلى التفصيل بين الأجلّاء وغيرهم.


[1] المدارك 8 198.
[2] الجواهر 19 407.
[3] الحدائق 16 305.
[4] هكذا في الوسائل ط جديدة ، ولكن في التهذيب 5 254 ورد ( أبو الحارث ) .
[5] يعني في الحج .
[6] الوسائل 13 444 82 من أبواب الطواف ح6.
[7] المصدر السابق ح1.