37/05/26


تحمیل
الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.
وفيه:- إنّ ما أفاده الشيخ الأعظم مبنيّ على كون مقصود صاحب الجواهر من التخيير هو في مقابل التساقط فيأتي آنذاك أنّ التخيير هو ظاهري، أي أنّ المكلف مخيّر بالالتزام بأحد الخبرين والنتيجة هي إمّا لزوم الفعل أو لزوم الترك وليس هو التخيير الواقعي الذي هو بمعنى الاباحة، ولكن قد ذكرنا سابقاً إنّ مقصود صاحب الجواهر من التخيير هو أنّ العرف يجمع بين الدليلين بالتخيير، فالتخيير هنا هو جمعٌ عرفيٌّ، ولا يقصد التخيير في مقابل التساقط، فلا يرد عليه أنّ التخيير هو ظاهري وليس واقعياً فإنّ هذا يرد فيما لو كان مقصوده التخيير في مقابل التساقط، وقد أبرزنا قرنيتين على إرادة الجمع العرفي من كلمة ( يتخير ).
وأضيف قرينة ثالثة على ذلك:- وهي أنّه قال:- ( فيلغى قيد المنع من الفعل وقيد المنع من الترك )، فإنّ هذا لا حاجة إليه بناءً على إرادة التخيير في مقابل التساقط، بل نقول رأساً ( يحكم بالتساقط أو التخيير ).
إذن هذا توجيهٌ للجمع العرفي والقرينة الثالثة عليه والتي لم نذكرها فيما سبق هي أنّ صاحب الجواهر(قده) قال بعد ذلك تتمّة لكلامه:- ( وأما الاستحباب فيستفاد حينئذٍ من ظهور الترغيب فيه[1]في خبر محمّد بن اسماعيل وغيره الذي هو أيضاً شاهد الجمع )، وهذا يتلاءم مع الجمع العرفي بالتخيير لا التخيير الذي هو مقابل التساقط.
الاشكال الثالث:- هو أنه يلزم استعمال الدليل الواحد في حكمين ومعنيين وهذا باطل.
والوجه في ذلك:- هو أنه في باب التعارض بنحو العموم من وجه لا يتساقط الدليلان، بل يتساقطان في مورد الاجتماع والمعارضة فقط، ففي مورد المعارضة نحكم بالتخيير وفي مورد غير مورد المعارضة نحكم بما يقتضيه الدليل، فدليل حرمة التولي سوف يكون مستعملاً في معنيين الأوّل يحرم التولي في غير مادّة المعارضة - يعني التولي الذي لا يقع مقدّمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - أمّا إذا وقع مقدّمةً فهو ليس بحرام وإنما هناك تخيير وإباحة، وعلى هذا الأساس صار دليل حرمة الولاية مستعملاً في معنيين الأوّل حرمة التولي في مادّة الافتراق والثاني الاباحة في مادّة الاجتماع والمعارضة.
ونفس هذا الكلام بالنسبة إلى دليل وجوب الأمر بالمعروف، فإنه سوف يكون مستعملاً في معنيين الأوّل وجوب الأمر بالمعروف في مادّة الافتراق - وهو وجوب الأمر بالمعرف من دون أن يتوقّف على التولي - والثاني هو الاباحة فيما إذا توقف الأمر بالمعروف على التولي، فصار كلّ من الدليلين مستعملاً في معنيين، ومن الواضح أنّ كلّ دليلٍ ظاهره معنىً واحد وليس معنيين، فإذا قلنا بأنّ هذا هو ممكنٌ فلا أقل هو خلاف الظاهر جداً ولا يصار إليه إلا بقرينة.
ونطرح تساؤلاً ونجيب عنه ثم بعد ذلك نذكر التعليق على ما ذكره الشيخ الاعظم(قده):- فنحن أوّلاً نرمّم ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) ثم نعلق على ما أفاده، وهنا يأتي سؤال إلى الذهن:- وهو أنّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) يأتي في كلّ دليلين متعارضين بنحو العموم من وجه، فإنه يوجد لدينا الكثير من التعارض بنحو العموم من وجه، ولا إشكال إنه في مادّة المعارضة يقول الفقهاء بتساقط الدليلين والرجوع إلى الأصل، والاصل قد يفيد معنىً غير ما يدلّ عليه الدليل في مادّة الافتراق، فصار كلّ دليل مستعملاً في معنيين، فهذا الاشكال لو تمّ فهو إشكال سيّال، وما يجاب به هناك يجاب به هنا، فلماذا تشكل به هنا فقط ؟
ولا إشكال في بطلان ذلك، فلا أحد يحتمل هذا المعنى، وسيرتنا جارية على أنه في مورد المعارضة بنحو العموم من وجه نقول بالتساقط والرجوع إلى الأصل، فكيف لا يلزم الاجتماع والحال أنّه لا يوجد أحدٌ يقول بلزوم استعمال الدليل في معنيين، فلماذا أنت أبرزت هذا الاحتمال هنا ؟
والجواب:- هناك فرقٌ بين سائر الموارد وبين مقامنا، ففي سائر الموارد نقول بتساقط الدليلين، وتساقط الدليل يعني أنَّ الدلالة ليست حجة، فلا نأخذ بدلالته في مورد الاجتماع لا من باب أنّه يدلّ على معنىً آخر، بل دلالته ليست حجة وإنما دلالته تكون حجّة في مورد الافتراق فقط وأمّا في مورد الاجتماع فهي ليست حجة فنرجع إلى الأصل، وهذا لا يلزم منه الاستعمال في معنيين، بل الاستعمال في معنىً واحدٍ وهو ما يقتضيه الدليل في مادّة الافتراق، وأما في مادّة الاجتماع فالدلالة ساقطة عن الاعتبار، فنحن لم نحمل الدليل على معنىً آخر حتى يلزم الاستعمال في معنيين، فإذن الاشكال هنا لا يأتي.
وأما في موردنا فقلنا فيه بالتخيير، بمعنى أنا نلغي قيد المنع من الترك في هذا الجانب وقيد المنع من الفعل في ذلك الجانب فأخذنا إذن بدلالة الدليلين ولم نلغها، ولكن بعد إلغاء هذا القيد من هنا وذاك القيد من هناك صار دليل حرمة الولاية بعد إلغاء قيد المنع من الفعل دالاً على الاباحة في مورد الاجتماع، فإذن صار هذا مستعملاً في معنيين – حيث أخذنا بدلالته بعد إلغاء قيد المنع من الفعل -.
وهكذا بالنسبة إلى دليل وجوب الأمر بالمعروف فإنا أخذنا بدلالته في مادّة الاجتماع ولكن بعد إلغاء المنع من الترك، فصارت النتيجة هي الاباحة والتخيير والواقعي، فإذن أخذنا بالدلالة لا أنه تركنا دلالته وذهبنا إلى الأصل، هذا هو الفارق، وهو شيء ظريف.
ونقول دفاعاً عن صاحب الجواهر(قده):- إنّ صاحب الجواهر على ما ذكرنا سابقاً يقصد من الجمع هو الجمع العرفي، فالعرف في مادّة الاجتماع يجمع بإلغاء هذا القيد من هنا وبإلغائه من هناك ويصير هذا الجمع العرفي بمثابة المقيد، وكأن العرف سوف يفهم من دليل حرمة الولاية أنه كلّ ولاية عن الجائر محرّمة إلا إذا توقف عليها الأمر بالمعروف، فالحكم هو التخيير، فإذن الجمع العرفي يصير بمثابة المقيد، وفي باب المقيد لا يكون الاستعمال في معنيين، فإنّ ذلك نظير قولك ( أكرم كل فقير إلا النحوي ) ففي مثل هذه الحالة نستفيد من المستثنى منه وجوب إكرام كلّ فقير، ونستفيد من المستثنى عدم وجوب إكرام الفقر النحوي، وهذا لا يعدّ استعمالاً في معنيين، بل كلّ جملةٍ قد استعملت في معنىً واحدٍ، فلا يلزم إشكال.
وبهذا كلّه اتضح أنّ الأجوبة الثلاثة على أصل الاشكال[2] هي محلّ المناقشة، فما هو الجواب الصحيح إذن ؟


[1] اي التولي.
[2] وهو الذي يقول:- إنّ المناسب أن يحكم بالوجوب إذا توقف الأمر بالمعروف على التولي عن الجائر والحال أنهم لم يحكموا بذلك بل حكموا بالاستحباب فما هو الجواب ؟ وقد ذكرنا أجوبة ثلاثة.