37/07/05


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

إن قلت:- لماذا لا نتمسّك بفكرة العلم الاجمالي فنقول إن المقدّر إما هو اللعب على اطلاقه أو اللعب الرهني ، فنعلم إذن أن المقدّر إما هذا أو هذا ومعه يثبت التنجيز لكلا الطرفين بسبب العلم الاجمالي ، وبذلك ثبت أن اللعب بشكلٍ مطلق محرّم أيضاً غايته بسبب العلم الاجمالي وليس بسبب ظهور الرواية في ذلك ؟

قلت:- إنّ هذا من مورد الدوران بين الأقل والأكثر وفي مثله يتنجز الأقل - أي القدر المتيقن - بالعلم الاجمالي وأما الزائد فينفى بأصل البراءة ، وفي موردنا نقول إنَّ القدر المتيقن هو اللعب اللهوي وما زاد عليه - أعني مطلق اللعب - يشك في تقديره وفي اشتغال الذمة به فيجري أصل البراءة لنفيه ، فإذن العلم الاجمالي لا ينفعنا.

إن قلت:- إنّ ذهين العنوانين هما من المتباينان - أي عنوان اللعب وعنوان اللعب اللهوي - وليسا من الأقل الأكثر فإن عنوان اللعب يغاير عنوان اللعب الرهني ، وعلى هذا الأساس يكون المورد من المتباينين وليس من الأقل والأكثر ، يعني لا قدر متيقن في البين ؟

قلت:- العلم الاجمالي لا ينجّز العناوين بما هي عناوين بل ينجّز ما اشتغلت به الذمّة ، فيلاحظ عالم شغل الذمة لا عالم العناوين ، وبلحاظ عالم شغل الذمة نجزم بأنّ ذمتنا مشغولة بحرمة اللعب الرهني وأما ما زاد عليه - وهو مطلق اللعب وإن لم يكن مع الرهن - يشك في اشتغال الذمّة به فيتمسّك بالبراءة.

إذن نحن في العلم الاجمالي لا ننظر إلى العناوين بما هي وإنما ننظر إليها بمقدار ما تشتغل ذمتنا به ، والذي اشتغلت ذمتنا به يقيناً وبنحو القدر المتيقّن هو اللعب الرهني ، فإذن لا مشكلة من هذه الناحية.

المستند الثالث:- معتبرة مسعدة بن زياد المتقدّمة:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام سئل عن الشطرنج فقال:- دعوا المجوسية لأهلها لعنها الله ) ، وماذا نستفيد منها فهل نستفيد منها حرمة مطلق اللعب بالشطرنج أو خصوص اللعب الرهني ؟

إنه لو تمت دلالتها على التحريم ولم نشكك من بعض الجهات - وهذا قد تقدّم فإما ان تدّعي أنّ اللعن ظاهر في التحريم أو تدّعي أنّ لفظ دعوا وإن اقترن بكلمة مجوسية وكلمة لأهلها فهذا لا يؤثر في الظهور في التحريم - وسلّمنا ظهورها في التحريم يرد ما تقدّم من أنّ هذا من موارد حذف المتعلّق وليس من موارد الاطلاق ، فإنه عليه السلام حينما قال:- ( دعوا المجوسية ) يعني دعوا الشطرنج فلابد من وجود مقدّرٍ يعني ( دعوا اللعب ) ، فإما أن يكون المقصود هو مطلق اللعب أو المقصود والمقدَّر هو اللعب الرهني فيرد ما تقدم ، فإذن هذه الرواية كسابقتها.

المستند الرابع:- رواية خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سئل عن النرد والشطرنج ، فقال:- لا تقربوهما )[1] ، والكلام هو الكلام فإنّ النهي بقوله ( فلا تقربوهما ) ليس متوجّهاً إلى الآلات نفسها فإنّ الحكم الشرعي لا ينصبّ على الأعيان والذوات وإنما على الأفعال ، فإذن لابد وأن يكون المقصود إمّا لا تقربوا اللعب بها أو المقصود أنه لا تقربوا اللعب الرهني ، فيأتي ما تقدّم من أنه لا يثبت العموم إلا بناءً على أنّ حذف المتعلّق بنفسه عرفاً من دوال العموم.

وإذا قلت:- إنّ تعبير ( لا تقربوهما ) هو كناية ولا يقصد منه المعنى الحقيقي وإلا فالاقتراب من الشطرنج لا يحتمل أحد أنه محرّم - يعني بحيث يذهب ويجلس إلى جنب الآلات - ، فإذن هذا تعبير كنائي ، ومعه يكون كناية عن إرادة اللعب بها ، وبذلك يثبت المطلوب - يعني حرمة مطلق اللعب -.

قلت:- كما يحتمل أنّ المعنى المكني عنه هو ما ذكر - يعني مطلق اللعب - يحتمل أن يكون المراد هو اللعب المتعارف وهو اللعب مع الرهن.

المستند الخامس:- رواية النوفلي عن السكوني المتقدّمة:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن اللعب بالشطرنج والنرد ) ، وهذه الرواية لا يرد عليها ما أشكلنا به سابقاً على تلك النصوص لأنّ فيها كلمة ( اللعب ) ولم تقيّد باللعب الرهني فنتمسّك بإطلاقها ، وهذه ميزة لهذه الرواية.

ولكن ورد فيها كلمة ( نهى ) الإخبارية وقد قلنا سابقاً أنّ دلالتها على التحريم قابلة للتأمّل من هذه الناحية ، فإنه لابد من التفرقة بين ( نهى ) الانشائية بأن يقول الامام عليه السلام ( أنهاكم ) وبين ( نهى ) الإخبارية يعني يقول ( نهى جدّي ) أو ( نهى أبي ) مثلاً فهنا لا يمكن أن نستفيد التحريم لاحتمال أنّ الصادر منه هو النهي الكراهتي ، وحينئذٍ لا يمكن أن نتمسّك بالظهور.

إن قلت:- ههنا توجد قرينة على أنّ كلمة ( نهى ) يقصد بها التحريم دون الكراهة - يعني نهى بنحو التحريم - ، وتلك القرينة هي أنه من خلال بقيّة الروايات نعلم أنّ الصادر منه صلى الله عليه وآله أو من أهل البيت عليهم السلام هو النهي التحريمي ، فتكون تلك الروايات قرينة على إرادة التحريم من هذه الرواية.

ولا يشكل ويقال:- إنّ هذا استعانة بتلك الروايات وقد قلنا إنها ضعيفة الدلالة على المطلوب وليست استعانة بهذه الرواية فإذن عاد الاشكال إلى حاله السابق ؟!

إذ يجاب:- بأنا نستعين بتلك الروايات من جانبٍ ونتمسّك بهذه الرواية من جانبٍ آخر ، فنستعين بتلك الروايات لإثبات أنّ المقصود من ( نهى ) هو التحريم ، أما أنّ التحريم وسيعٌ ويشمل مطلق اللعب لا خصوص اللعب الرهني فنستفيده من هذه الرواية حيث ورد فيها كلمة ( اللعب ) وهي مطلقة ، فإذن لا مشكلة علميّة من هذه الناحية.

قلت:- ما المانع في أن يكون الصادر منه صلى الله عليه وآله نهي كراهتي ، فإنّ هذا لا يمنع من ذلك ، فيحتمل أنه صدر منه نهي كراهتي إذ ما أكثر الروايات المتعارضة ، وكأنك لا تسلّم بوجود رواياتٍ يعارض بعضها بعضاً ، فلعل رواية السكوني تحكي صدور نهيٍ وذلك النهي الصادر منه كان نهياً كراهتياً وما أكثر الروايات المتعارضة في البين.

إذن لا يمكن الجزم بأنّ الصادر الذي تريد أن تنقله هذه الرواية هو سنخ صادرٍ يدلّ على التحريم ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها ، وهو قانونٌ عامٌّ يمكن تطبيقه في سائر الموارد.

المستند السادس:- رواية السرائر نقلاً من كتاب جامع البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( بيع الشطرنج حرام وأكل ثمنه سحت واتخاذها كفر واللعب بها شرك ....... والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير لا صلاة له حتى يغسل يده كما يغسلها من مسّ لحكم الخنزير والناظر فيها كالناظر في فرج أمّه )[2] .

وهي لو تمّت سنداً وغُضَّ النظر عن المشكلة السيّالة في مستطرفات السرائر - وهي أنّ صاحب السرائر وقعت في يده جملة من الأصول الأربعمئة لأصحابنا وأخذ ينقل ما يستطرفه منها وجعل له باباً سمّاه بباب المستطرفات وقد ذكره في آخر السرائر ولكنه لم يذكر سنده إلى تلك الأصول وعلى هذا الأساس لا قيمة لما ذكره إلا من حيث التأييد نعم في موردٍ واحدٍ لا بأس به وهو بالنسبة إلى أصل محمد بن علي بن محبوب الأشعري حيث قال ( كان عندي بخط الشيخ الطوسي ) - يبقى أنّ من يقرأ الرواية يصعب عليه أن يستفيد منها التحريم ولابد وأن يحملها على بعض المحامل ، فالرواية تقول مثلاً ( الناظر إليها كالناظر في فرج أمّه ) وهل يحتمل حرمة النظر إلى آلات الشطرنج كالنظر إلى فرج الأم ؟!! ، كما قالت ( إذا مسّها شخصٌ يكون كمن مسّ لحكم الخنزير فلابد وأن يغسل يده ) ؟!! ... ، فإذن يحتمل أنّ يكون المراد هو تشديد التجنّب عنها على مستوى التنزيه وليس على مستوى التحريم ، ولعل أصحاب مسلك حكم العقل وإن كانوا يفككون بين الفقرات ويقولون إنّ بعض الفقرات لا نلتزم فيها بالتحريم لوجود ما يدلّ على العكس من الخارج لكن البعض الآخر الذي لم يرد فيه ما يدلّ على العكس فنلتزم بحكم العقل فيه بالوجوب أو بالتحريم ، فهذا الذي يقولونه أحتمل أنهم في هكذا مورد يتوقّفون فيه ولا يطبقونه فإنّه من البعيد أن يحكم العقل في هذا المورد بأنّ المقصود هو التحريم رغم أنّ الرواية بهذا الشكل من حيث ما اتصلت.

المستند السابع:- صحيحة معمّر بن خلاد المتقدّمة:- ( عن أبي الحسن قال:- النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلةٍ واحدةٍ وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر ).

فيرد على هذه الصحيحة:- أنّ غاية ما دّلت عليه هو أنّ النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلةٍ واحدةٍ يعني في التحريم ، أمّا أنّ المحرّم ما هو وهل هو مطلق اللعب أو خصوص اللعب الرهني فهذه قضية مسكوتٌ عنها.

وأما فقرة ( وكل ما قومر عليه فهو ميسر ) فلعلها على العكس أدل ، فإنّ كلمة ( قومر عليه ) قد يقال هي ظاهرة بجعل الرهن ، فهذه الفقرة لا يمكن التمسّك بها أيضاً.

ومن خلال هذا كلّه اتضح أن المصير إلى الفتوى بالتحريم في هذه الصورة - يعني اللعب من دون رهن – مشكلٌ والأنسب المصير إلى الاحتياط تحفظاً من دعوى النراقي عدم الخلاف في حرمة اللعب بالشطرنج والنرد ولو من دون رهن ، وتحفظاً من الشهرة المحتملة على التحريم المطلق.