37/07/29


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

ويقع الكلام في حكم المسابقات الرياضية وغير ذلك :-

ذكر الشيخ التبريزي(قده) في ارشاده[1] أنه يمكن الحكم بالجواز باعتبار أنه يلزم في صدق القمار أمران ، الأوّل أن تكون الآلات آلات قمارية ، والثاني أن يكون الرهن من قبل نفس المتسابقين ، وفي مقامنا كلا الشرطين مفقودٌ فإنّ اللعب ليس بآلات القمار وإنما هو تسابق رياضي ، كما أنّ الجائزة هي من رئيس الفريق أو المنظّم أو ما شاكل ذلك وليست من نفس المتسابقين ، فلأجل انخرام هذين الشرطين يمكن أن يقال بأن القمار ليس بصادقٍ ومعه لا يمكن التمسّك بحرمة القمار ، ولو فرض أنه لم نجزم باعتبار هذين الشرطين فلا أقل من احتمال اعتبارهما في مفهوم القمار عرفاً ، ومادمنا نحتمل ذلك فأيضا لا يجوز التمسّك بإطلاق دليل حرمة القمار لأنه تمسّكٌ بالإطلاق في مور إجمال المفهوم وهو لا يجوز فإنه لابد من إحراز المفهوم ثم بعد ذلك نتمسّك بإطلاق دليل الحكم وإلا فالحكم لا يثبت موضوع نفسه.

وما دام لا يمكن التمسّك بأدلّة حرمة القمار للجزم بعدم صدق المفهوم أو لإجماله واحتمال اعتبار الشرطين فنتمسّك آنذاك بإطلاق دليل الجعالة والهبة فيكون هذا نحوٌ من الجعالة من قبل الجهة المنظّمة ، أو من قبيل الهبة ، فإنَّ إطلاقات دليل الجعالة وجواز الجعالة أو الهبة حينئذٍ يمكن التمسك به ويثبت جواز ذلك من باب الاطلاق المذكور.

إذن هو(قده) أخرج المعاملة من دليل حرمة القمار ، وبعد أن أخرجها أدخلها في إطلاق دليل الجعالة والهبة.

ونشير إلى شيء:- وهو أنه لِمَ لا يقول هكذا:- ( وبقطع النظر عن اطلاق دليل شرعيّة الجعالة أو الهبة ولنفترض أنّه لا يوجد عندنا هكذا إطلاق ولكن يمكن أن نتمسّك بأصل البراءة ) ، فهذه الطريقة نتمكّن أنّ نذكرها كمساعدة له(قده) ؟

والجواب:- إن أقصى ما يثبت بهذه الطريقة أنه لا حرمة تكليفية ، أما أنّ المعاملة شرعيّة وصحيحة فلا يمكن إثبات ذلك بأصل البراءة ، فإن أصل البراءة أصلٌ نافٍ ينفي الحرمة ، أما أنّه يثبت الصحّة ووجوب الوفاء فلا ، وهذا بخلافه لو تمسّك بإطلاق دليل شرعية الجعالة والهبة فإنه يثبت بذلك شرعيّة العقد ووجوب الوفاء به ، وهذه نكتة لا بأس بالالتفات إليها.

وبيت القصيد فيما أفاده(قده) والذي يلزم أن نسلّط الضوء عليه هو أنه يشترط في صدق مفهوم القمار عرفاً أمران هما كون الآلات قمارية وأن يكون الرهن من نفس المتسابقين وليس من غيرهما ، فإذن أساس الفكرة هو هذا وإذا كانت لديك مناقشات فهي تكون هنا.

وما أفاده(قده) يكن مناقشته:- باعتبار أنا نرفض كلا الأمرين ، فلا تعتبر أن تكون الآلات قمارية ، كما لا يعتبر أن يكون الرهن والجائزة من نفس المتسابقين ، فإنا ذكرنا في بداية المسألة أنّ القمار عرفاً لا يبعد أنه عبارة عن المغالبة والتسابق لتحصيل الرهن ، فالهدف كلّ الهدف من التسابق هو تحصيل الرهن وإلا فلا يوجد هدف آخر ، فمتى ما كان الهدف من التسابق والتغالب هو تحصيل الرهن فهذا يعدّه العرف قماراً ، أما أن تكون الآلات آلات قماريّة فلا.

بل ذكرنا أكثر من ذلك وقلنا:- إنّ نفس أدلّة النرد والشطرنج هي بنفسها تدلّ على حرمة مطلق اللعب ولو لم يكن بآلات النرد أو الشطرنج فإن العرف يلغي الخصوصيّة من هذه الناحية - يعني كون الالة هي آلة شطرنج أو نرد فإن هذه لا يأخذها بعين الاعتبار - ، نظير الثوب حيث يسأل الراوي الإمام عليه السلام بأنه أصاب الثوب فأجابه ، فالعرف يتعدّى من الثوب إلى غيره ولا يرى خصوصيّة للثوب ، وكذا لو قال الإمام عليه السلام ( لو أصاب ثوبك دم فاغسله ) فالعرف يتعدّى إلى غيره ولا يفهم الخصوصيّة للثوب ، وهنا الأمر كذلك ، فالعرف يلغي خصوصيّة عنوان النرد والشطرنج وإنما يأخذ ذلك من باب أنهما وسيلة للتسابق والتغالب على تحصيل الرهن فيكون المدار على ذلك فأي وسيلة التي توجب هذا التسابق لتحصيل ارهن يراه محرّماً من دون خصوصيّة لكون الآلة متعارف التقامر بها.

وهكذا بالنسبة إلى الرهن:- فكون الرهن من المتسابقين فإن هذا لا خصوصيّة له ، والمهم أن يكون تسابقهما لأجل تحصيل الرهن والجائزة ، أمّا أنّ هذا منهما أو من غيرهما فهذا ليس شيئاً مهماً . وأضفنا أيضاً أنه يعتبر في صدق القمار أن لا يكون هناك هدف عقلائي وإلا إذا كان هناك هدف عقلائي وليس الهدف كلّ الهدف هو تحصيل الجائزة وإنما هناك أهداف عقلائية كما في المسابقات القرآنية فإنه الهدف هو حفظ القرآن الكريم وهكذا المسابقات العلمية فهي أيضاً تزويدٌ للشخص بالمعلومات ، وهذا هدف عقلائي ، وهكذا المسابقة على الركض أو السباحة فإنَّ الهدف هو القوّة والتدرّب وهذه قضية عقلائية ومطلوبة.

إذن كلّما كان الهدف عقلائياً وليس فقط وفقط تحصيل الجائزة فهذا ليس بقمار ، فكان من المناسب له(قده) أن يأخذ هذا القيد ، يعني يقول ( يعتبر في صدق القمار أن لا يكون هناك هدف عقلائي وراء التسابق سوى تحصيل الجائزة ) وفي مسابقة الرياضيين هناك أهداف عقلائية مطلوبة كالتعوّد على هذه المهنة وهي شيء مطلوب عقلائياً ، نعم قد نختلف في الصغرى وأنه يوجد هنا هدف عقلائي أو لا ولكن إنّ هذا اختلاف صغروي والمهم هو الاتفاق على الكبرى ، يعني مادام لا يوجد هدف عقلائي من وراء التسابق سوى تحصيل الجائزة فهذا قمار والصغرى ليست مهمه فإنه قد نختلف فيها.

ومن هذا يتّضح أنّ المسابقة على الخيل كما هو متداول في زمان سابق والمعبّر عنه بـ( الريسز ) الهدف كلّ الهدف منها ليس هو التدريب وإنما هو تحصيل الجائزة ، وهكذا التسابق في الطيور وأن أيّ طيرٍ يرجع أوّلاً أو يصل إلى الهدف أوّلاً هو الذي يكسب الجائزة إنّ هذه ليس الهدف منها إلا تحصيل الجائزة فيمكن أن يقال بالحرمة في مثل هذه الأمور لأنّ الهدف كلّ الهدف منها هو تحصيل الجائزة فيصدق عنوان القمار عليها ، أمّا التسابق في الأمور الأخرى التي لها أهداف عقلائية فالقمار حينئذٍ لا يكون صادقاً عليها ، فالمهم هو جعل المدار على هذا لا على ما ذكره(قده).

إن قلت:- جاء في الحديث الشريف - أي في صحيحة عبد الله بن سنان -:- ( لا سبق ألا في خف أو حافر أو نصل يعني النضال )[2] ، فإنها دلت على أنّ السبق جائزٌ في ثلاثة ولا يجوز في غير ذلك ، ومن هذا الحديث يثبت مطلبان -إشكالان -:-

الاشكال الأوّل:- إنّ التسابق في الخيل يمكن الحكم بجوازه لأنه يدخل تحت عنوان الخفّ أو الحافر وهذا تسابقٌ بالخف أو الحافر ،فإذن مقتضى الرواية الجواز في التسابق على الخيل لا عدم الجواز كما صرنا إليه.

الاشكال الثاني:- إنّ الرواية قالت إذا لم يكن التسابق بأحد هذه الأمور الثلاثة فحينئذٍ هي باطلة ومحرّمة ، لأنها قالت ( لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل ) ، يعني هي باطلة في غير ذلك ، أو هو محرّمٌ في غير ذلك ، وعلى هذا الأساس تكون المسابقات القرآنية أو الرياضية أو في السباحة أو في الركض أو ما شاكل ذلك تسابقاً ليس بلحاظ الخفّ أو الحافر أو النصل فتكون بمقتضى الرواية باطلة أو محرّمة.

قلت:-

أما بالنسبة إلى الاشكال الأوّل:- وهو أنه يلزم أن يكون التسابق على الخيول جائزاً لأنه مصداق للخفّ أو الحافر من دون فرقٍ بين أن نقرأ كلمة ( سبق ) بسكون الباء أو بفتحها فإنَّ هذا لا يؤثر من هذه الناحية فعلى كلا التقديرين نستفيد الجواز ، يعني في هذه الأمور الثلاثة يجوز وهذا خلاف ما صرنا إليه.

ويمكن الجواب:- بأنّ الرواية المذكورة لا يبعد أنها ناظرة إلى الحالة الموجودة في ذلك الزمان ، والمألوف في ذلك الزمان هو التسابق مع الركوب بأن يركب شخصٌ على الخيل أو ما شاكل ذلك ويحصل التسابق ، لا أنه تُرسَل الخول وحدها من دون أو يكون عليها راكب ، فإذن من الممكن أن يكون المعهود في تلك الفترة هو ذلك والذي هو مطلبٌ عقلائي لأنّ الشخص إذا كان راكباً يحصل عنده تدرّب على التسابق بالخيول ويستفيد من ذلك في الحرب بخلاف ما لو تسابقت الخيل وحدها فإنه لا فائدة فيه ، فيمكن أن يكون المعهود هو حالة الركوب ، ومعه فالرواية ناظرة إلى حالة الركوب وتريد أن يقول إنّه في حالة الركوب تجوز موارد ثلاثة وفي غيرها لا تجوز.

أمّا إذا قلت:- إنّ الإمام عليه السلام أطلق ولم يقيّد.

فنجيب:- - وهذا سؤالٌ سيّال وجواب سيّال - إنه ما دمنا نحتمل وجود حالة معهودة والإمام عليه السلام اعتمد على ذلك العهد فلا ينعقد في مثل ذلك إطلاق ، فإنه يمكن للإمام عليه السلام لو أشكل عليه وقيل له لِمَ لم تقيّد ؟ فيقول:- إنَّ الحالة المعهودة هي حالة الركوب فلا حاجة إلى أن أقيّد بالركوب ، فالإطلاق من الأساس يمكن التشكيك في انعقاده من هذه الناحية.

وأما بالنسبة إلى الاشكال الثاني فيردّه:-

أوّلاً:- هذا مبنيٌّ على قراءة كلمة ( سبْق ) بالتسكين ، فإذا قرأناها بالتسكين فحينئذٍ يثبت أنّ هذه المسابقة لا تجوز ، أما إذا قرأناها بالفتح - أي ( لا سَبَقَ ) - فيدلّ على بطلان الجائزة لا على حرمة المعاملة ، فالحرمة حينئذٍ سوف لا تثبت.

بل نقول أكثر:- وهو أنه حتى لو قرأناها بفتح الباء فقد تقدّم أنّ التعبير المذكور لا يدلّ على التحريم ، بل هو كما يلتئم مع التحريم يلتئم مع الكراهة - أي هو يلتئم مع المبغوضية بالمعنى الأعم لا أنه يختصّ بحالة الحرمة -.

ثانياً:- لا يبعد أن يكون تخصيص التسابق بهذه الثلاثة هو باعتبار تلك الفترة الزمنيّة فإنه في تلك الفترة لم يكن تسابقٌ إلا بمثل هذه الأمور ولا يمكن أن نفهم الاختصاص بها وإلا يلزم في زمننا أن يصير التسابق على الخيل مثلاً وهذا لعلّه لا نستفيد منه في الحروب والآن نستفيد من التسابق من خلال الطائرات أو الدبّابات وما شاكل ذلك ، فعنصر الزمان كما ذكرنا في بداية دورتنا الأصولية يمكن أن يكون تأثيره مقبولاً في موارد وأحد تلك الموارد هو هذا ، فيمكن حمل هذا على تلك الفترة الزمنيّة والعرف باختلاف الزمن يمكن أن يعمّم للآلات الأخرى ولا يفهم من ذلك الحصر بتلك الآلات المتداولة في ذلك الزمان.

إن قلت:- هذا أقصى ما يستفاد منه أن التسابق بوسائل القتال شيء جائز ولا نحصر أمور القتال بهذه الأمور الثلاثة ، بل نعمّم الى التسابق بالوسائل الحديثة.

وهذا شيءٌ مقبول ولكن الذي نحن نريد أن نثبت جوازه هو أنّ التسابق قد لا يكون بوسائل القتال كالتسابق بالركض أو بالسباحة أو بالمسابقات القرآنية أو العلمية ، فهذه ليست تسابقاً بوسائل قتالية ، فإذن الحديث الشريف حتى لو قبلنا عنصر الزمان وحملنا ذكر هذه الثلاثة على تلك الفترة الزمنيّة وعمّمنا لسائر وسائل القتال الجديدة فأقصى ما يثبت هو جواز التسابق بآلات القتال أما بغير آلات القتال فلا يجوز لأنّ الحديث قال لا سبق إلا في هذه الأمور الثلاثة ، فالتسابق القرآني أو المسبقات العلمية أو غير ذلك سوف يثبت عدم جوازها.

قلت:- لا يبعد أنّ المنظور في الحصر المذكور هو النظر إلى الوسائل القتالية والحربية وأنه في الوسائل الحربية لا سبق إلا في هذه الثلاث أما في غير الوسائل الحربية فمسكوتٌ عنه وليس بمنظور إليه ، فلا يمكن أن نستفيد آنذاك عدم جواز المسابقات القرآنية والعلمية وما شاكل ذلك.

فإذن هذه يمكن الحكم بجوازها لقصور المانع ، ولكن لا نتمسّك كما قال الشيخ التبريزي(قده) بإطلاق أدلة الجعالة والهبة لأنّ هذه حوالة مكلفة إذ هي تحتاج إلى مراجعة أدلة الجعالة أو أدلة الهبة وهل يوجد فيها إطلاق ، بل هنا حوالة سهلة وهي الصلح ، والآية القرآنية تقول ﴿ والصلح خير ﴾[3] وهذا مطلقٌ بلا إشكال ، فهو نحوٌ من المصالحة ، وحينئذٍ وهذه حوالة غير مكلفة وهي مقبولة بخلاف حوالته(قده).


[1] الارشاد، التبريزي، ج1، ص223.